ملف العدد

البغاء والدعارة في القانون اللبناني
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محامٍ بالإستئناف

يُخضع القانون في لبنان البغاء لشروط محدّدة، ويعاقب على جريمة الدعارة السرية، ويعتبر إجبار شخص على ممارسة الدعارة، من ضمن جرائم الإتجار بالبشر التي تستوجب عقوبات مشدّدة.

 

البغاء
يخضع البغاء في لبنان للقانون الصادر بتاريخ 6/12/1931، والذي يوجد في مجلس النواب اقتراح قانون لتعديله. ويعتبر البغاء مهنة امرأة تشتهر بالاستسلام عادة إلى الرجال لارتكاب الفحشاء مقابل أجر من المال، وهي تسمى مومسًا. وكل محل تسكنه المومسات، ولو مؤقتًا أو يترددن إليه لارتكاب الفحشاء، يحسب بيت دعارة. وتقسم بيوت الدعارة إلى صنفين: البيوت العمومية وبيوت التلاقي.
 

• بيوت الدعارة العمومية:
هي البيوت التي تجيز السلطات تعاطي البغاء فيها، ويجب أن تتصل بالعراء بباب واحد لا مدخل لها ولا مخرج سواه. ولا يجوز فتح بيت للدعارة أو نقله من ملك لآخر إلا بإجازة محافظ المنطقة بعد أخذ رأي الشرطة. ويلغي محافظ المنطقة الإجازة بعد استطلاع رأي الشرطة في حال تكرار أحكام المخالفات وإقلاق الراحة العامة والأمن العام، وإباحة لعب الميسر وتجارة الأسلحة والمخدرات، وموت صاحبة البيت أو تركها محلها سرًا.ولا يرخص بفتح بيت الدعارة إلا للمومسات (الإناث فقط)، اللواتي تجاوزن 25 سنة، على أن لا يكون للواحدة منهن أكثر من بيت واحد للدعارة. وليس لها أن تفتح قهوة أو مرقصًا أو أي ملهى آخر من هذا النوع، منفصلًا عن بيت الدعارة المرخص لها بفتحه. ولا تقبل في بيت دعارة أي امرأة لم تبلغ الـ 21 سنة، ولم تُقدِّم طلبًا للشرطة وتخضع للمعاينة الطبية. ويُحظَّر قبول فتيات أو فتيان دون 18 سنة، أو بنات أبكارًا، وإلا عوقبت صاحبة البيت بإقفاله فورًا وباسترجاع الإجازة بأمر من محافظ المنطقة، إضافة الى الملاحقة القضائية.

 

• شروط خروج المومس:
لا يجوز للمومس الخروج من بيتها إلا من الساعة التاسعة إلى السادسة عشرة نهارًا، ولا يجوز البتة خروجها أيام الآحاد والأعياد الرسمية أو ارتياد الأماكن العامة، كالقهاوي والحدائق، أو أن تستر وجهها بالحجاب. ويجب على المومس أن تتقيَّد بإجازة الغياب وأن تخضع للمعاينة الطبية يوم سفرها، وأن تبلغ الشرطة عن انتقالها من بيت إلى آخر.

 

• حرية ترك المهنة:
 لكل مومس الحرية التامة بترك مهنتها إذا شاءت، ولا يجوز لصاحبة البيت أن تستعمل وسائل الإكراه والتعذيب لاستبقائها، أو أن تضبط ثيابها وحاجاتها الشخصية، حتى وإن كان لها في ذمتها دين مستوجب الأداء.

 

• المعاينة الطبية الدورية:
على كل مومس أن تخضع للمعاينة الطبية مرتين في الأسبوع، وذلك في المحلات والمواعيد التي يعينها المحافظ، ويحظر عليها استعمال الحقن والعقاقير وكل ما يؤول إلى تضليل الفحص الطبي. وفي حال مخالفة هذه التعليمات تُوقَّف عن العمل بأمر الطبيب، حتى المعاينة الطبية القادمة. وتعيّن وزارة الصحة طبيبًا يقوم بمعاينة المومسات بصورة مفاجئة مرة أو أكثر في الشهر، للتثبت من مراعاة أحكام المعاينة الطبية، وذلك بمرافقة أحد أفراد الشرطة وممرضة. وتعطي دائرة البلدية كل مومس دفترًا يلصق عليه رسمها الشمسي وتسجل فيه نتيجة كل معاينة طبية.
إذا أُصيبت المومس وصاحبة بيت الدعارة وخدمهن (ذكورًا أم إناثًا)، بأمراض تناسلية، يخضعون للمراقبة بصورة إجبارية، ويسعفون مجانًا في المستوصف الخاص. ويعطى لكل من هؤلاء الأشخاص مجانًا دفتر خاص، يسجل فيه الطبيب كل ما يتعلق بالعلاج، ويحق لصاحبات البيوت والمومسات أن يستشفين على نفقتهن في عيادة أي طبيب يخترنه، شرط أن يقوم بتنظيم دفتر المعالجة بالدقة اللازمة. وكل مومس مريضة أو مصابة بأعراض معدية ترسل فورًا إلى المستشفى للمعالجة. إلى ذلك، يجب أن يكون في غرفة كل مومس العقاقير المطهّرة المعدّة للوقاية من الأمراض التناسلية.

 

• مواصفات بيوت الدعارة:
بموجب القانون تبقى أبواب بيوت الدعارة الخارجية مقفلة. ويطلى زجاج نوافذ الطوابق السفلى بالدهان الكثيف بما يحجب أنظار الناظرين من الخارج، وتبقى هذه النوافذ مقفلة أو تحجب بالستائر الثابتة، كما تُحجب نوافذ الطوابق العليا بالطريقة نفسها.

 

• المراقبة الأمنية:
 يحق لرجال الشرطة (مكتب شرطة الآداب العامة) عند قيامهم بواجب الوظيفة أن يدخلوا بيت الدعارة في أي وقت شاؤوا، لمراقبة تنفيذ أحكام القانون.ويجب تنظيم ملف خاص لكل بيت دعارة ولكل مومس وصاحبه بيت دعارة ولكل امرأة مشبوهة بتعاطي البغاء.

 

• بيوت التلاقي:
هي البيوت التي تسكنها بنات القهاوي، وتطبق عليها الأنظمة التي تخضع لها بيوت الدعارة العمومية.

 

• بنات القهاوي:
 هن اللواتي يخالطن الجمهور في خمّارة أو مرقص أو في أي محل من هذا النوع، ويستسلمن لارتكاب الفحشاء. تخضع بنات القهاوي للإجراءات المتخذة بشأن المومسات، ويجوز لهن الخضوع للمعاينة الطبية مرتين في الأسبوع في المستوصف الخاص.

 

• الخليلة الخاصة:
تستطيع المومسات وبنات القهاوي، ترك عملهن، وإذا أرادت إحداهن أن تعيش في كنف رجل بصفة خليلة خاصة، فعليها أن تقدم طلبًا بذلك إلى الشرطة التي تجبر الرجل على تقديم الضمانات الأدبية والمادية لها.

 

• الأرتيست:
 هي المرأة التي تمتهن العمل في المقاهي والنوادي والمسارح، مغنية أو راقصة، وتجالس الرواد من دون تعاطي الفحشاء. وعلى صاحب المسرح والمقهى ونادي الرقص إخبار الشرطة عن أسماء الارتيستات المشتغلات عنده، وأن يُقدّم لها تذاكر هويتهن. ولا يجوز لأي أرتيست أن تشتغل إلا بموجب إجازة من الشرطة، وكل مخالفة من هذا النوع يعدّ صاحب المحل مسؤولًا عنها.

 

التحرّش:
تعاقب النساء اللواتي يرتكبن، في الطرقات أو الشواطئ والمنتزهات والساحات والنوافذ جريمة التحرّش، وكذلك اللواتي يتجمّعن في الطرق العامة والأرصفة بقصد إغواء المارة. ولا يجوز أن تقل العقوبة عن ثلاثة أشهر سجنًا لدى ارتكاب جريمة التحرّش بالقُصَّر. ويُعاقب بالسجن من شهرين إلى ستة أشهر كل رجل غير ذي مهنة معلومة يثبت أنه يتَّخذ القيادة بالإغواء وسيلة للكسب، ويوضع تحت مراقبة الشرطة المشددة.

 

• الإغواء:
من أغوى امرأة أو بنتًا قاصرًا لا يتجاوز عمرها 18 سنة، لارتكاب الفحشاء، بالوعيد أو بالتضليل أو بالإكراه، يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين.
وتشدد العقوبة إذا كان مرتكب فعل الاغواء أو المحرّص عليه الأب أو الأم أو الولي أو الوصي. ويُعاقب محاول ارتكاب الجرم كفاعله، حتى وإن وقعت الأفعال التي تشكل الجرم في بلدان أخرى.

 

الدعارة السرية
كل امرأة تستسلم لأي كان لارتكاب الفحشاء مقابل شيء من المال وتُحاول التخلّص من أحكام قانون البغاء، تعتبر بأنها تتعاطى الدعارة سرًا.والدعارة السرية ممنوعة بتاتًا، وكل امرأة توجد بحالة الدعارة السرية توقفها الشرطة وتسوقها فورًا إلى التحقيق واجراء المقتضى القانوني. وللمحافظ، بناء على اقتراح الشرطة، إصدار الأمر بإقفال محلات الدعارة السرية ريثما يصدر حكم القضاء بشأنها. كما يحق للمحافظ أن يأمر بإقفال كل فندق وبانسيون وقهوة ومسرح ومرقص... يستقبل أصحابه نساء ذوات سلوك شائن، ويسهلون ارتكاب الفحشاء فيه، ويُقفل المحل حتى صدور حكم قضائي.
وتعتبر جريمة الدعارة في القانون اللبناني جنحة يعاقب عليها وفق الآتي:
- بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من 50 ألفًا إلى خمسماية ألف ليرة لكل من يتعاطى الدعارة السرية أو يسهَّلها (المادة 523 عقوبات).
- بالحبس سنة على الأقل وبغرامة لا تقلّ عن مئتي ألف ليرة لكل من أقدم إرضاء لأهواء الغير على: إغواء أو اجتذاب امرأة أو فتاة دون الحادية والعشرين من عمرها ولو برضاها، أو امرأة أو فتاة في الحادية والعشرين من العمر باستعمال الخداع أو العنف أو التهديد أو صرف النفوذ أو غير ذلك من وسائل الإكراه (المادة 524 عقوبات).
- بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من 50 ألفًا إلى 500 ألف ليرة لكل من أقدم باستعماله الوسائل المذكورة في المادة السابقة الذكر، على استبقاء شخص رغمًا عنه ولو بسبب دين له عليه، في بيت الفجور، أو أكرهه على تعاطي الدعارة (المادة 525 عقوبات).
- بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من عشرين ألفًا إلى مئتي ألف ليرة لكل من اعتاد أن يسهل بقصد الكسب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير، ومن استعمل إحدى الوسائل العلنية لاستجلاب الناس إلى الفجور (المادة 526 عقوبات).
- بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من عشرين ألفًا إلى مئتي ألف ليرة لكل امرئ لا يتعاطى مهنة بالفعل، ويعتمد في كسب معيشته أو بعضها على دعارة الغير (المادة 527 عقوبات).
تشدَّد العقوبة إذا كان المجرمون الذين سهَّلوا ارتكاب جريمة الدعارة من الأصول الشرعيين أو غير الشرعيين أو أحد الأصهار، أو كل شخص يمارس على المرأة سلطة شرعية أو فعلية. وكذلك إذا كان المجرم موظفًا أو رجل دين، أو كان يدير مكتب استخدام أو عاملًا فيه، فارتكب الفعل مسيئًا استعمال السلطة أو مستغلًا التسهيلات التي يستمدّها من وظيفته (المادة 529 معطوفة على المادة 506 من قانون العقوبات).

 

الدعارة والإتجار بالبشر
يُجرّم القانون اللبناني الإتجار بالبشر (المادة 586 وما يليها من قانون العقوبات). وتعتبر الدعارة نوعًا من أنواع الإتجار بالبشر انطلاقًا من تعريف هذه الجريمة الذي يتضمن:
اجتذاب شخص أو نقله أو استقباله أو احتجازه أو إيجاد مأوى له، بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو الاختطاف أو الخداع، أو استغلال السلطة أو استغلال حالة الضعف، أو إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا، أو استعمال هذه الوسائل على من له سلطة على شخص آخر، بهدف استغلاله أو تسهيل استغلاله من الغير. ولا يعتدّ بموافقة المجنى عليه في حال استعمال أي من الوسائل المبيَّنة أعلاه.
 

• عقوبة جريمة الإتجار بالأشخاص:
تعاقب هذه الجريمة وفق الآتي:
- بالحبس لمدة خمس سنوات، وبالغرامة من مئة ضعف إلى مئتي ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، في حال تمَّت هذه الأفعال لقاء منح مبالغ مالية أو أي منافع أخرى أو الوعد بمنحها أو تلقيها.
- بالاعتقال لمدة سبع سنوات، وبالغرامة من مئة وخمسين ضعفًا إلى ثلاثمائة ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، في حال تمَّت هذه الأفعال باستعمال الخداع أو العنف أو أعمال الشدة أو التهديد أو صرف النفوذ على المجنى عليه أو على أحد أفراد عائلته.
- بالاعتقال لمدة عشر سنوات، وبالغرامة من مئتي ضعف إلى أربعمائة ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، في حال كان فاعل هذه الجريمة أو الشريك أو المتدخل فيها أو المحرّض عليها: موظفًا عامًا أو أي شخص مكلفٍ بخدمة عامة أو مدير مكتب استخدام أو عاملًا فيه، أحد أصول المجنى عليه، أو أحد أفراد عائلته، أو أي شخص يمارس عليه سلطة شرعية أو فعلية، مباشرة أو غير مباشرة.
- بالاعتقال لمدة خمس عشرة سنة، وبالغرامة من ثلاثمائة ضعف إلى ستمائة ضعف الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، إذا ارتُكبت هذه الجريمة بفعل جماعة (من شخصين أو أكثر) ترتكب أفعالًا جرمية، وإذا تناولت الجريمة أكثر من مجني عليه.
- بالحبس من عشر سنوات إلى اثنتي عشرة سنة وبالغرامة من مئتي ضعف إلى أربعمائة ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور: حين ينطوي الجرم على أذى خطير للضحية أو لشخص آخر، أو على وفاة الضحية أو شخص آخر بما في ذلك الوفاة الناتجة عن الانتحار، حين يتعلق الجرم بشخص في حالة استضعاف بصفة خاصة، حين يعرّض الجرم الشخص الضحية للإصابة بمرض يهدد حياته، حين يكون الضحية معوّقًا جسديًا أو عقليًا، وحين يكون الضحية دون الثامنة عشرة من عمره.

 

• الإعفاء من العقوبة وتخفيفها:
يعفى من العقوبات كل من بادر إلى إبلاغ السلطة الإدارية أو القضائية عن الجرائم المنصوص عنها في هذا الفصل (الإتجار بالأشخاص) وزوَّدها معلومات أتاحت، إما كشف الجريمة قبل وقوعها وإما القبض على مرتكبيها أو شركاء أو متدخلين فيها أو محرّضين عليها، وذلك إذا لم يكن الشخص الذي يقوم بالتبليغ مسؤولًا بصفته مرتكب هذه الجريمة. ويعفى الذي يثبت أنه أُرغم على ارتكاب أفعال معاقب عليها في القانون أو خالف شروط الإقامة أو العمل.
كذلك، يستفيد من العذر المخفّف من زوّد السلطات المختصَّة، بعد اقتراف الجريمة، معلومات أتاحت منــع تماديهــا.

 

الملاحقة القانونية
 تخضع ملاحقة هذه الجرائم للأصول القانونية التي تؤدي إلى تحريك الدعوى الجزائية العامة، وذلك من خلال:
 

• إدعاء النيابة العامة:
 إن دعوى الحق العام منوطة بقضاة النيابة العامة المعينين في قانون أصول المحاكمات الجزائية (م 5 أ.م.ج.)، لذلك، تتولى النيابة العامة مهمات دعوى الحق العام، ولا يجوز لها أن تتنازل عنها أو أن تصالح عليها (م 6 أ.م.ج.). وهي تتحرَّك استنادًا إلى إخبار أو معلومات ترد إليها، أو تتوصَّل إليهـا الأجهزة المختصَّة.
 

• إدعاء المتضرر:
يحرّك المتضرر بإدعائه دعوى الحق العام إذا لم تحركها النيابة العامة، فهو يستطيع اتخاذ صفة الادعاء الشخصي أمام قاضي التحقيق الأول في الجناية أو الجنحة، أو أمام القاضي المنفرد في الجنحة والمخالفة، وله أن ينضم إلى الدعوى العامة أمام محكمة الجنايات (م 7 أ.م.ج.).