دراسات وأبحاث

الحرب الهجينة (HYBRID WARFARE) قتال بأرواح الآخرين وبأموالهم
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

وصفت هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة الروسية الحروبَ الهجينة بالنوع الرئيس للنزاعات الدولية، في القرن الحادي والعشرين، واتهمت الولايات المتحدة الأميركية بخوض مثل هذه الحرب ضد روسيا (تشرين الأول 2014). في المقابل ردّت الولايات المتحدة الأميركية ومعها الناتو بالمثل، متّهمة روسيا بخوض حرب هجينة في أوكرانيا والقرم (آذار 2015).

ما هي الحرب الهجينة؟
الحرب الهجينة مصطلح جديد في عالم الحروب الحديثة، وهي وفق بعض المراجع الأجنبية، «استراتيجيا عسكرية تمزج ما بين: مفاهيم الحرب التقليدية، مفاهيم الحرب غير النظامية، والحرب الإلكترونية». والحرب الهجينة يمكن أن تتضمن الهجوم بالأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية والإشعاعية (RBCN) ووسائط المتفجرات المرتجلة والمحضّرة محليًا، بالإضافة إلى حرب المعلومات.
كان ﺍﻟﻤﻘدﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﺑﻴﻞ ﻧﻴﻤيث، أول من ﻭﺻف هذه الحرب بأنها «نموذج ﻋﺼﺮﻱ ﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﺣﻴﺚ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﺤدﻳﺜﺔ ووسائل متطورة ﻟﺤﺸﺪ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨوﻱ ﻭﺍﻟﺸﻌﺒﻲ».
أما الباﺣﺚ الأﻣﻴﺮﻛﻲ ﻧﺎﻳﺜﺎﻥ ﻓﺮﺍﻳﺮ من «مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية» فقد ﻭﺿﻊ ﺗﻌﺮﻳﻔًﺎ ﺁﺧﺮ اعتبر فيه أننا نكون أمام ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻬﺠﻴﻨﺔ «ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﺴﻠّﺤﺔ اﺛﻨﻴﻦ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻬﺠﻮﻣﻴﺔ ﺍﻷﺭﺑﻊ الآتي ذكرها: ﺣﺮﺏ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﺣﺮﺏ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ، إﺭﻫﺎﺏ كوارثي، وﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ، وذلك لمواجهة التفوق العسكري المعادي».
بدوره، وصف ﺍﻟﻌﻘﻴﺪ ﺍﻟﻤﺘﻘﺎﻋﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﺟﺎﻙ ﻣﺎﻛيووﻥ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻬﺠﻴﻨﺔ ﺑأنها «تلك ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺸﻦّ ﻓﻲ ﻭﻗﺖ ﻭﺍﺣﺪ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺙ ﺟﺒﻬﺎﺕ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻭﺭ: ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺘﺠﻤﻊ ﺍﻟﺴﻜﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ، ﺩﺍﺧﻞ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﺍلإﻗﻠﻴﻤﻴﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ».
ويقول دافيد كلكيولن صاحب كتاب «حرب العصابات العرضية» (The Accidental Guerilla) الصادر في العام 2009: «إن الحرب الهجينة هي أفضل تعبير وتفسير للنزاعات الحديثة والمعاصرة»، ولكنه يشدد على أنها «تتضمن مزيجًا من الحرب غير النظامية والحرب الأهلية وأعمال التمرّد والإرهاب».
في كتاب «فرانك هوفمان» الصادر في العام 2005 بعنوان، «النزاعات في القرن الواحد والعشرين: صعود الحروب الهجينة»، يرد تعريف الحرب الهجينة على أنها «المزج ما بين تكتيك حرب العصابات والجماعات الإرهابية وامتلاك قدرات تقليدية وأسلحة تشبه تلك التي كانت حصرًا للجيوش النظامية». وفي هذا السياق يتمّ «استخدام الأنماط المختلفة من الحرب، بما في ذلك القدرات التقليدية، والتكتيكات غير التقليدية، والأفعال الإرهابية، بالإضافة إلى نشر الفوضى التي تساعد على تفشي الجريمة». ووفق رأيه فإن الدول والجماعات من غير الدول، تسعى لتطوير قدرات جديدة (تكنولوجية وتكتيكات غير متوقّعة) من أجل تحقيق ميزة استراتيجية وتجنّب المواجهة المباشرة مع الخصم المتفوّق عسكريًا.
ويرى البروفيسور داميان فان بويفيلد مدير معهد الدراسات الأمنية الوطنية في جامعة الباسو- تكساس في الولايات المتحدة (في دراسة منشورة في مجلة الناتو - 2015): «إنّ كل تهديد يمكن أن يكون هجينًا طالما أنه غير محدود بشكل واحد، أو ببعدٍ واحدٍ من أنواع الحرب وأبعادها».
 

بين الحروب الهجينة والحروب المركّبة
إﻥ ﻣﺰﺝ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻘﺘﺎﻝ ﻣﻦ ﺣﺮﺏ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻭﺣﺮﺏ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ ﻟﻴﺲ جديدًا، فقد ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﺖ عدة دول ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺿﻤﻦ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ، في ما عرف بـ«الحرب المركّبة» وهذه التسمية اعتمدها ﺍﻟﻜﺘّﺎﺏ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﻮﻥ (ﻭﺧﺻوصًا ﻓﻲ ﺃﻣﻴﺮﻛﺎ)، تلافيًا لمقارنة الدول التي خاضت هذه الحروب بحركات تحرر خاضت حروبًا هجينة. ومن الأمثلة على هذه الحروب، حرب ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍلأﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﺿﺪ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ عندما تمّ تشيكل فرق ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ ﺃﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻣﺪﻋﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﻣﺤﻠﻴﺔ ﻟﻤﻬﺎﺟﻤﺔ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﺒﺮﻳﻄﺎﻧﻲ ﻭﻁﺮﺩﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ التي ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺃﻋﻠﻨﺖ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ. فقد ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﺍﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺍلأﻣﻴﺮﻛﻴﺔ في ذلك الوقت ﺗﻜﺘﻴﻜﺎﺕ تشبه إﻟﻰ ﺣﺪ ﺑﻌﻴد تكتيكات ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﺘﻬﺎ ﺣﺮﻛﺎﺕ ﺛﻮﺭﻳﺔ ﻭﺗﺤﺮﺭﻳﺔ أﺧﺮﻯ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﻴﻮﻡ إﺭﻫﺎﺑﻴﺔ. ويرى بعض ﺍلباحثين الغربيين أﻥّ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻤﺮﻛّﺒﺔ ﺗﻌﺘﻤﺪها الدول، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥّ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﻬﺠﻴﻨﺔ يستخدمها لاعبون غير ﺍﻟﺪﻭﻝ، ﺃﻱ ﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﻻ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ومفهومها ﺣﺴﺐ تعريف القانون الدولي.
كذلك، يرى البعض أن الدفاع ﺍﻟﺴﻮﻳﺴﺮﻱ الحالي يعتبر نموذجًا عن السياسات الدفاعية الناجحة، التي تعتمد أساليب منوّعة في القتال. فإلى جانب الجيش النظامي يوجد ﺟﻴﺶ ﺷﻌﺒﻲ، وﻳﺘﻢّ ﺍﺳﺘﻨﻔﺎﺭ الجيشين ﻭتعبئتهما ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺃﻱ ﺗﻬﺪﻳﺪ ﺧﺎﺭﺟﻲ، ﺿﻤﻦ ﺃﻧﻈﻤﺔ وقواعد ﻣﺤﺪﺩﺓ تكفل تناسق الأداء. ﻭهكذا ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺴﻠّﺤﺔ ﺍﻟﺴﻮﻳﺴﺮﻳﺔ جاهزة ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ بأﺳﻠﻮﺏ الحرب التقليدية ﻭبأسلوب ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ ﻓﻲ ﺁﻥ معًا، ﻭﻣﻨﺬ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻠﺤﺮﺏ.
كذلك فقد ﻟﻌﺐ الأنصار الروس ﺩﻭﺭًﺍ ﻛﺒﻴﺮًﺍ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺠﻴﺶ الأحمر ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻲ ﻓﻲ ﺩﺣﺮ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻨﺎﺯﻳﺔ ﺍﻟﻤﺤﺘﻠﺔ ﻭﻁﺮﺩﻫﺎ خلال الحرب العالمية الثانية. ويمكن اعتبار ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍلإﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍلإﻳﺮﺍﻧﻴﺔ (وإن كانت متميّزة في نوعها) قريبة من الحرب ﺍﻟﻤﺮﻛّﺒﺔ، على الرغم من ﺃﻥ تسليح ميليشيات ﺍﻟﺤﺮﺱ ﺍﻟﺜﻮﺭﻱ ﺍلإﻳﺮﺍﻧﻲ يجعلها ﺃﻗﺮﺏ إﻟﻰ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻲ منها إلى ﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺼﺎﺑﺎﺕ. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﻴﻠﻴﺸﻴﺎ «ﺍﻟﺒﺎﺳﻴﺞ» باتت ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ لحماية ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻬﺪﻳﺪﺍﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﺃﻛﺜﺮ مما تستخدم ضدّ الأخطار الخارجية. ويمكن أن نرى أمثلة ذات دلالة في لجوء سوريا والعراق واليمن في الآونة الأخيرة إلى اعتماد أنماط من الحروب المركّبة والهجينة تشترك فيها القوى النظامية إلى جانب الميليشيات والقوى الشعبية للوقوف في وجه المخاطر التي تهدّد الوطن.
 

حروب العقدين الأخيرين
مما لا شك فيه أنّ الحروب التي اندلعت خلال العقدين الأخيرين فوق مسارح متعددة، وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا، تدلّ على أن الفاعلين من الدول أو من غير الدول، إنما يخوضونها بمفهوم وأساليب «الحرب الهجينة» التي تتداخل فيها وتتمازج أصناف وطرق وأنماط متعددة من الحروب. فمن وسائل الحرب التقليدية المعروفة (دبابات وصواريخ ومدافع وطائرات) إلى وسائل وطرق حروب الغِرِّيَّة (guerillas) وقتال العصابات وأعمال حرب الإرهاب ونشر الرعب بأبشع صوره. كما تستخدم الأطراف المتحاربة بمعظمها، عناصر الحرب الحديثة، كالاستغلال الممنهج لوسائل الإعلام والحرب النفسية والحرب الإلكترونية والسيبيرية، حتى أننا نكاد نرى توازنًا عسكريًا ما بين المتحاربين من الدول وغير الدول، ما يطيل أمد الحرب ويرفع أكلافها المادية والبشرية، ويحول دون حسمها لمصلحة أي طرف بشكل سريع وناجز. وهذا يقودنا إلى استنتاج مفاده أن بعض هذه الحروب «الهجينة» إنما هي «حروب بديلة» و«مركّبَة»، تخوضها قوى كبرى بواسطة لاعبين أصغر، بعد استغلال التناقضات وتأجيجها وتخصيب الاختلافات الفكرية والدينية والمذهبية والإتنية داخل المكونات المتعددة في مجتمع ما أو دولة ما، للوصول إلى أهداف استراتيجية وتحقيق مصالح وغايات الدول الكبرى وتجار الحروب. وقد تطول هذه الحروب وتستمر حتى تدمير جيوش بعض الدول وتقسيم مجتمعاتها وتغيير أنظمتها السياسية أو خرائطها الجغرافية أو حتى التوصل إلى تسويات واتفاقات جيوستراتيجية على مستوى الإقليم والعالم. لذلك، يمكن القول أنّ الحرب الهجينة هي، بالنسبة الى بعض الدول الكبرى، بديل عن الحروب التقليدية التي تُخاض بالوسائل العسكرية الذاتية، لأنّ أكلافها ونتائجها ستكون كارثية عليها وعلى مصالحها في حال خاضتها بصورة علنية ومباشرة. إنها باختصار «استثمار استراتيجي بالحرب والأمن بكلفة أقل»، وذلك من خلال القتال بأرواح الآخرين وأموالهم، سواء كانوا من أبناء البلد أو من المرتزقة أو من متعاقدي الشركات الأمنية الخاصة العابرة للحدود، أو حتى من بعض المنظّمات المصنّفة عالميًا على أنها إرهابية.


المراجع:

- en.wikipedia.org/wiki/Hybrid_warfare.
- www.reuters.com.
- www.nato.int ›... › Ukraine and Russia: the perceptions and the reality.
- www.bbc.com/news/world-europe.
- www.amazon.com/Hybrid-Warfare-Fighting.
- www.arab.rbth.com/science-and-technology/...
- www.bbc.co.uk/arabic/...
- www.merriam-webster.com/dictionary/hybrid
- www.maajim.com/dictionary/
- www.nato.int/docu/review/2015/Also-in-2015/hybrid...warfare.../EN/
- https://sdarabia.com/...