قانون إنساني

قانون النزاعات المسلّحة
إعداد: أحمد زكريا
المندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر لدى القوات المسلّحة - لبنان

ما هي مبادئه الرئيسة وكيف تطوّر مع الأيام؟

 

هذا المقال جزء من سلسلة مقالات شهرية عن قانون النزاعات المسلّحة والذي يعرف أيضًا بقانون الحرب أو بالقانون الدولي الإنساني، لبيان ظهوره وتطوّره مع ذكر مكوّناته ومبادئه الرئيسة.
وإلى من يظنون أنه ما من قواعد تطبّق بمجرد بدء الأعمال العدائية، نقول: ربما تودون التفكير في ما إذا كان من المفيد لكم وجود بعض نصوص القانون لحمايتكم في أثناء المعركة، على سبيل المثال، إذا تم الإمساك بكم، أي أصبحتم أسرى حرب أو جرحى، أو وقعتم ضحية التعذيب في أثناء الاستجواب أو ضحية هجمات غازات سامة شنهّا الأعداء، أو كنتم مدنيين.
إن القانون هام للجميع، فقد تمّت صياغته من قبل جنود محترفين ولا يمكن تركه للمحامين فقط. لا شك أنّ بإمكانهم إعطاءكم المشورة ومساعدتكم كمقاتلين، لكن عليكم أنتم وضع القانون موضع التنفيذ، ودعمه وتطبيقه. لا يمكنكم ادّعاء الجهل أو الاختباء وراء سحابة دخان بحجة المعرفة غير الفعالة. تذكّروا القول القديم، «إنّ قليلاً من المعرفة شيء خطير». دعونا الآن نركز على أهمية الانصياع للقانون بالنسبة إليكم شخصيًا ولقيادتكم ولبلدكم.

 

المسؤولية الفردية
إنّ أول النقاط التي ينبغي تسجيلها، وأكثرها أهمية، هي أن كل فرد من القوات المسلّحة، أيًا كانت رتبته، عليه مسؤولية شخصية في الانصياع إلى قانون النزاعات المسلّحة وضمان انصياع الآخرين له، واتخاذ الإجراءات في حالة انتهاكه. إذا خالفت القواعد، قد يمكن محاكمتك، وليس فقط أمام محاكم بلدك، ولن تستطيع التذرع بتنفيذ الأوامر العليا في دفاعك. تعد الانتهاكات الخطيرة لقانون النزاعات المسلّحة جرائم حرب يمكن محاكمة مرتكبيها أمام المحاكم الوطنية أو الدولية، كالمحاكم الخاصة التي أنشئت للتحقيق في انتهاكات القانون في يوغوسلافيا السابقة ورواندا، والمحكمة الجنائية الدولية.

 

مسؤوليات القائد
على القادة ضمان حصول الأفراد الخاضعين لقيادتهم على التدريب في ما يتصل بقواعد قانون النزاعات المسلّحة، وإصدار أوامر قانونية وغير مبهمة لهم، وتحمل المسؤولية في ما يتصل بالقرارات الصعبة، وضمان تنفيذ مهماتهم بصورة قانونية، والإبلاغ عن الانتهاكات التي يقوم بها أفراد العدو أو القوات الحليفة، بما فيها قواتهم، إلى السلطات العسكرية الأعلى.
إضافة إلى ذلك، يمكن مساءلة القادة في ظل القانون الجنائي إذا كانوا على علم، أو كان عليهم معرفة، وجود نية لدى الخاضعين لهم لارتكاب جرائم حرب، وفشلوا في منعهم من القيام بذلك، أو كانوا على علم، أو كان عليهم معرفة، أن الخاضعين لهم قد ارتكبوا جرائم حرب وفشلوا في معاقبتهم أو في الإبلاغ عن المخالفين.

 

مسؤولية الدولة
تتعهد الدول الموقّعة على اتفاقيات جنيف بأن تحترم هذه الاتفاقيات وتكفل احترامها في جميع الأحوال. كذلك تتعهد بضمان نشر نصوص الاتفاقيات على أوسع نطاق ممكن، وخصوصًا في القوات المسلّحة. يكون طرف النزاع الذي ينتهك نصوص قانون النزاعات المسلّحة عرضة لدفع التعويضات إذا اقتضت الحالة ذلك، كما يكون مسؤولًا عن كل الأفعال التي ترتكبها قواته المسلّحة.

 

معرفة القانون والتزامه
هناك أسباب أخرى، مساوية في الأهمية، تستوجب العلم بقانون النزاعات المسلّحة والانصياع له. إنّ احترام القانون والانصياع له يؤكدان الحرفية الحقيقية لأفراد القوات المسلّحة وتعزيز الروح المعنوية والنظام، كذلك ضمان دعم السكان المدنيين في الوطن وفي مسرح العمليات، بالإضافة إلى ترجيح المعاملة بالمثل. على سبيل المثال، اعتماد هذه المعاملة بالنسبة للجرحى والمرضى وأسرى الحرب، وتحسين احتمالات العودة إلى سلام دائم، حيث تؤدي المرارة المترسبة نتيجة للسلوك غير الإنساني أو الوحشي أثناء النزاع إلى إبطاء أيّ عملية سلام أو لمّ شمل المجتمع، وأيضًا ضمان تركيز المجهودات العسكرية على هزيمة العدو وليس على عمليات غير ضرورية وغير مثمرة. من أجل كل تلك الأسباب، فإن المعرفة بقانون النزاعات المسلّحة والانصياع له إنما يعبران عن وعي عسكري عملي جيد.
ولد قانون النزاعات المسلّحة في ميدان القتال، ولقد صقلته التجارب العسكرية وأعطته تدريجًا قالبه الحالي. كما سترون، فهو مشبع بتقاليد وعادات كل الثقافات، ويحتوي على قواعد عملية ولوائح معينة للسلوك التي يمكن لجميع الأفراد العسكريين- وبالتأكيد ينبغي عليهم- فهمها. أحد مبادئ الحرب هو بساطة العمل. إن قانون النزاعات المسلّحة كما ستكتشفون هو أيضًا بسيط وواضح.
ولأنّ القانون قد نتج عن خبرات حربية، فقد تم تصميمه ليطبق في زمن النزاعات المسلّحة. وهو لا يتعارض ومبادئ الحرب في أي نطاق، مثل المحافظة على قوة الدفع، وتركيز الجهد، والمفاجأة....إلخ. ما يقوم به القانون هو إخبار المحاربين وقادتهم بأن هناك حدًا أدنى للمعايير الخاصة بالسلوك أثناء النزاعات، والذي إذا تم التزامه بحكمة ومهنية، فسوف يؤدي إلى التقليل من معاناة ضحايا القتال. قد يكون هناك اعتزاز وكرامة وطنية في القتال من أجل بلدك. بالقدر نفسه، يجب أن يكون من المهنية والفخر الشخصي، إظهار الإنسانية والتعاطف تجاه الخصم المهزوم أو المدنيين الأبرياء الذين وقعوا في قبضتك وسط المعركة. يفسر قانون النزاعات المسلّحة كيفية القيام بهذا. ولمزيد من الدقة، تم وضع القانون للحدّ من استخدام العنف، وذلك عن طريق تأمين الحماية، في أثناء النزاع، للأشخاص الذين لا يشاركون، أو الذين توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية، واقتصار استخدام العنف على ما هو ضروري لتحقيق الأغراض العسكرية.
قانون النزاعات المسلّحة هو فرع من القانون الدولي، وهو القانون الذي وافقت الدول على التزامه في تعاملاتها مع الدول الأخرى، كما أنه ينطبق على سير الأعمال العدائية داخل الدولة. لذلك فهو حيوي بالنسبة لمهنة القتال، لا يمكنكم تطبيقه أو التخلي عنه بقدر ما يتناسب ذلك مع مصالحكم. على سبيل المثال، إنّ اتفاقيات جنيف المؤرخة في العام 1949، تمثّل جوهر قانون النزاعات المسلّحة وقد تم قبولها من قبل كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقريبًا. لذلك فإن القانون هو ببساطة قانون دولتكم. فانتم ملزمون بهذا القانون بصفتكم أفرادًا في القوات المسلّحة في دولتكم وبصفتكم حماة دولتكم وقوانينها، ومن واجبكم معرفة نصوص القانون وضمان احترامها وطاعتها.

 

كيف ظهر القانون وما هي مكوّناته الرئيسة؟
حتى في الأزمنة القديمة، كانت الحرب تشنّ بما يتفق والممارسات والاتفاقيات التي صممت لحماية المشاركين فيها. وبالرغم من أنّ تلك الأعراف القديمة قد تمّ تبنّيها بشكل رئيس لأغراض عملية أو تكتيكية أو اقتصادية، فقد كان لها مردود انساني إيجابي. فعلى سبيل المثال، إن أحد الأعراف القديمة جدًا، وهو حظر تسميم الآبار، والذي كان سائدًا في القانون الأفريقي التقليدي، شكّل قاعدة عملية تفيد كلا الطرفين، فقد تحتاج أنت نفسك إلى الماء في يوم من الأيام. وعلى نحو مماثل، كان محظورًا قتل أسرى الحرب لضمان توافر العبيد في المستقبل أو طلب فدية أكثر من أجل الإبقاء على حياة المقاتلين السابقين كالتفاتة نبيلة. هذه الأعراف أو ممارسات أخرى مماثلة لها تواجدت في ثقافات ومناطق وحضارات متباينة تباين آسيا وأفريقيا وأمريكا (ما قبل كولومبس) وأوروبا.
ضمت الملحمة الهندية ماهابهاراتا (400 ق.م.) وقوانين مانو، قوانين ونصوصًا حظرت قتل العدو الذي استسلم، وحرمت استخدام وسائل معينة في القتال، مثل السهام المسمومة أو الحارقة، ونصت على حماية ممتلكات العدو وأسرى الحرب. كما أقرّ الإسلام أيضًا المتطلبات الإنسانية الأساسية. فقد وضع الرسول الكريم محمد (ص)، الذي كان هو نفسه قائدًا عسكريًا، قواعد صارمة لإدارة القتال تتضمن احترام المحاربين المهزومين والنساء والأطفال والممتلكات. كذلك اشترط الخليفة أبو بكر (632 ميلادية)، أول الخلفاء الراشدين، على قادته ألاّ تلطخ دماء النساء والأطفال والشيوخ انتصارهم، وألا يدمروا نخلة وألاّ يحرقوا المنازل والحقول وألا يقطعوا أي أشجار مثمرة وألا يذبحوا أي أسراب من الطير أو قطعان من الماشية، إلاّ ما هو ضروري لطعامهم. كما تضمنت البوشيدو، وهي لائحة الشرف لفرق المحاربين في اليابان في العصور الوسطى، قاعدة تطبيق الإنسانية، حتى في أثناء المعركة ومع أسرى الحرب.

 

مكوّنات قانون النزاعات المسلّحة
يتكون قانون النزاعات المسلّحة من القانون الدولي العرفي وقانون المعاهدات:
 

• القانون الدولي العرفي:
يقوم قانون النزاعات المسلّحة بوضوح على أعرافنا وتقاليدنا وخبراتنا في النزاعات المسلّحة خلال العصور. ومن الأمثلة الجيدة، الحظر العالمي للتسميم كشكل من أشكال أعمال الحرب، والذي يعود إلى أزمنة قديمة عندما كان العسكريون من كلا الجانبين يأمرون بعدم تسميم الآبار، لمصلحتهم، بنفس القدر الذي هو لمصلحة السكان المدنيين(فهم قد يحتاجون إلى المياه في يوم ما). وعبر السنوات، تحولت الأعراف والتقاليد والخبرات إلى قانون ثابت، هو بالتحديد القانون الدولي العرفي وقانون المعاهدات. وكلاهما ملزم قانونًا. يتكرس القانون الدولي العرفي من المعاملات العامة والثابتة التي تقوم الدول بتطبيقها انطلاقًا من الشعور بالالتزام الاخلاقي والقانوني تجاهها.
 

• قانون المعاهدات:
- قانون جنيف:
يهدف هذا الفرع من القانون إلى حماية ضحايا النزاع الواقعين تحت سلطة الأعداء ( المدنيون)، وكذلك المقاتلين إذا تعرضوا للإصابة أو تم أخذهم كأسرى حرب. تستهدف اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 1949 هذه المواقف تمامًا، فهي تحمي الجرحى والمرضى في البرّ وفي البحار وأسرى الحرب والمدنيين.
 

- قانون لاهاي:
هذا القانون عملي جدًا للجنود، فهو يهدف إلى وضع قواعد إدارة العمليات وكيفية القيام بالأعمال القتالية وذلك بذكر، على سبيل المثال، ما يمكنكم أن تقوموا بمهاجمته والكيفية التي ينبغي عليكم الهجوم بها. وهو يعطي القواعد التي تحدّ من الآثار المدمرة للقتال، والتي تتعدى ما هو ضروري حقًا لتحقيق الأهداف أو المهمات العسكرية.
 

- تطوّر قانون المعاهدات:
حتى يمكن حماية المدنيين من آثار القتال، كانت هناك حاجة إلى قواعد لا تحميهم فقط من العدو، ولكن أيضًا تتعلق بالطرق التي ينبغي القتال بها. ومع ظهور القانون، فقد تم السعي إلى مجاراة التغيرات في أعمال الحرب وتلبية كلا المطلبين. هذا ما يحققه البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف المؤرخان عام 1977، فهما كثيرًا ما يجمعا ويحدثا عناصر قانوني لاهاي وجنيف.

 

متى يتم تطبيق القانون؟
يطبّق قانون النزاعات المسلّحة حتى ولو لم يكن هناك إعلان رسمي بالحرب. وهو يطبّق على نوعين مختلفين تمامًا من المواقف. الأول النزاعات المسلّحة الدولية، مثال، حرب الخليج، حرب جزر فوكلاند / مالفيناس، والثاني هو النزاعات المسلّحة غير الدولية، مثال، سريلانكا، إقليم الشيشان.
قبل تعريف تلك التعبيرات، يستحق الأمر ذكر السبب الذي من أجله نشير الآن إلى النزاع وليس إلى الحرب. الإجابة واضحة تمامًا. في ظل ميثاق الأمم المتحدة للعام 1945، والذي تمّ تبنيه بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، فإنّه من المحظور استخدام إحدى الدول للقوة ضد دولة أخرى (المادة 2). قد تلجأ الدول إلى استخدام القوة في ممارسة الحق الفردي أو الجماعي المتأصل للدفاع عن النفس (المادة 51) أو كجزء من العقوبات العسكرية التي صرح بها مجلس الأمن (المواد 43-48). منذ ذلك الحين، تجنبت الدول إعلان الحرب. تبنّت اتفاقيات جنيف المؤرخة في العام 1949، عن عمد، تعبيرًا أكثر عمومية هو «النزاع المسلّح»، ليشمل المجال الكامل للمواقف، ولتفادي الجدل القانوني الخاص بالتعريف المحدد للحرب. إنّ الدول اليوم أقل ميلًا إلى الحديث عن الحرب أو الاعتراف بوجود حالة حرب، ولكن كما نعرف جميعًا، هناك بالتأكيد نزاعات مسلّحة. ينشأ النزاع المسلّح متى كان هناك قتال بين دول أو عنف مسلّح ممتد بين السلطات الحكومية وجماعات مسلّحة منظمة أو فقط بين جماعات مسلّحة منظمة.
ينشأ النزاع المسلّح الدولي عندما تستخدم إحدى الدول القوات المسلّحة ضد دولة أو دول أخرى. هذا التعبير ينطبق أيضًا على حالات الاحتلال العسكري الكامل أو الجزئي، حتى وإن لم يلق الاحتلال أي مقاومة مسلّحة. لم يعد ذو بال الآن ما إذا كانت الدول المعنية تعدّ نفسها في حالة حرب مع بعضها البعض أو كيفية وصفها للنزاع. ويعدّ النزاع المسلّح الدولي منتهيًا بمجرد توقف الأعمال العدوانية أو زوال احتلال المناطق. بيد أنّ أسرى الحرب الذين ما يزالون تحت سيطرة الأطراف، يظلون تحت حماية القانون إلى أن يتم إطلاق سراحهم. بينما تحدث النزاعات المسلّحة غير الدولية، والتي تعرف أيضًا بالنزاعات المسلّحة الداخلية، داخل حدود الدولة ولا تشمل القوات المسلّحة لأي دولة أخرى، أحد الأمثلة هو استخدام القوات المسلّحة للدولة ضد المنشقين أو الثوار أو جماعات العصيان. شيء آخر هو القتال بين جماعتين أو أكثر من الجماعات المسلّحة داخل الدولة، ولكن ليس بالضرورة تورّط القوات الحكومية في القتال.
المستويات الأدنى من العنف الداخلي - على سبيل المثال، الاضطرابات الداخلية والتوترات التي تشمل المظاهرات وأعمال الشغب العنيفة - لا يشملها قانون النزاعات المسلّحة.

 

المبادئ الأساسية لقانون النزاعات المسلّحة
كما أنّ للعمليات الحربية مبادئ في الهجوم والدفاع والانسحاب، الخ، فكذلك يحتوي قانون النزاعات المسلّحة على مجموعة من المبادئ المحددة بوضوح. تلك المبادئ عملية وتعكس حقيقة النزاعات، والأهم من كل ذلك أنها لا تتضمن أي شيء ليس باستطاعة الجندي المحترف تطبيقه في المعركة. تلك المبادئ تحقق توازنًا بين الضرورة الإنسانية والضرورات العسكرية، وتسري في جميع الأوقات وفي كل الأماكن وتحت كل الظروف. أنت لست حرًا لتفعل ما تريده. فمن الأهمية القصوى بالنسبة إليكم، كقادة أو ضباط أركان، أن تعرفوا وأن تفهموا تلك المبادئ. ولا بد من أخذها في الاعتبار كأمور روتينية في أي تقدير أو تخطيط عسكري، وبالتأكيد في التدريبات التي تقومون بها. كذلك لابد أن يفهمها الجنود الذين هم تحت إمرتكم. ستجدون المبادئ الآتية في نصوص قانون النزاعات المسلّحة.

 

• الضرورة العسكرية:
هذا المبدأ يتضمنه التمهيد الخاص بإعلان سان بطرسبرغ للعام 1868، والذي يقر بأنّ «الهدف الشرعي الوحيد الذي يمكن للدول السعي لتحقيقه أثناء الحرب هو إضعاف القوة العسكرية للعدو»، وأنه «من أجل هذا الغرض، يكفي إفقاد أكبر عدد ممكن من الرجال لقدراتهم». ونحن بالطبع علينا اليوم أن نضيف كلمة « النساء». هذا المبدأ عملي تمامًا، فهو يقبل واقع المعركة ويجيز في جميع الأحوال القوة المعقولة الضرورية والشرعية والتي يمكن تبريرها عملياتيًا في أثناء القتال لإجبار العدو على الاستسلام. أمّا النشاطات التي تتضح عدم ضرورتها عسكريًا، فهي محظورة.
يحمي مبدأ الضرورة العسكرية القادة الجيدين ويسمح لهم بتحقيق مهماتهم. إذا كانت هناك ضرورة لعمل ما - فلا بأس، عليكم بأدائه. تأكدوا فقط أنه في إطار القانون وأنه ينصاع إلى المبادئ الأخرى لا سيما مبدأي التمييز والتناسب. لا ينبغي لكم أبدًا استخدام الضرورة العسكرية كعذر للإهمال أو لعدم الاكتراث أو للتخطيط أو للقيادة السيئة. إنّ الضرورات العسكرية قد تم دمجها في القانون ولا يمكن التذرع بها لتبرير انتهاك القانون.

 

• التمييز:
ينبغي عليكم دائمًا التمييز بوضوح بين المقاتلين وغير المقاتلين. بالطبع يمكن مهاجمة المقاتلين ما لم يكونوا قد توقفوا عن المشاركة في القتال. يتمتع المدنيون بالحماية من الهجوم، ولكنهم يفقدون تلك الحماية متى قاموا بدور مباشر في الأعمال العدوانية، وطوال فترة مشاركتهم فيها. وعلى نحو مماثل، عليكم دائمًا التمييز بين الأهداف العسكرية والتي يمكن مهاجمتها، والأعيان المدنية التي ينبغي احترامها. تشمل كلمة أعيان، كل أنواع الأعيان الثابتة أو المنقولة، سواء كانت عامة أو خاصة.

 

• التناسب:
ينبغي عند مهاجمة الأهداف العسكرية تجنب إصابة المدنيين والأعيان المدنية بأضرار عارضة أو جانبية إلى أقصى حد ممكن. يجب ألا تكون الأضرار العارضة شديدة بالقياس إلى الميزة العسكرية المباشرة والملموسة التي تتوقعونها من عملياتكم. إنّ المبالغة في استخدام القوة انتهاك شديد لقانون النزاعات المسلّحة. يتطلب تجنب انتهاك هذا المبدأ التفكير والجهد. يمكن للتخطيط وعمليات الاستخبارات السيئة والإهمال في عمل الأركان والقيادة والسيطرة، أن تؤدي بسهولة إلى تدمير مدن أو قرى بأكملها، بما فيها المستشفيات والمراكز الدينية والسكان المدنيين. إن التخطيط الجيد وقواعد الاشتباك الواضحة هما مطلوبان كي نعمل في ظل القانون، وكلاهما في النهاية هما مجرد نتيجتين من نتائج التدريب الجيد والحرفية في أي قوة عسكرية. من الحكمة ألا تضيعوا أرواحكم ووقتكم وذخائركم في عمليات غير متناسبة.

 

• القيود:
لا تتمتع الأطراف المعنية في أي نزاع مسلّح بحق مطلق في اختيار أساليب القتال ووسائله، أي أن القانون الدولي الإنساني يقيد كيفية استخدام الأسلحة والتكتيكات العسكرية، فالأسلحة والتكتيكات التي من طبيعتها إحداث الإصابات المفرطة أو الآلام التي لا مبرر لها هي محظورة. الغرض من هذا المبدأ هو حظر الأسلحة التي تسبب المعاناة أو الإصابة بشكل أكبر مما هو ضروري لوضع محاربي العدو خارج المعركة. وينطبق هذا على سبيل المثال على الأسلحة التي تم تصميمها لإحداث إصابات يستحيل علاجها أو التي ينتج عنها ميتة قاسية وبطيئة. وتذكروا أن مجرد تخرجكم من كلية عسكرية لا يعطيكم الحق في التصرف كما يحلو لكم في ميدان القتال. هناك قيود وينبغي عليكم معرفتها بالضبط.

 

• حسن النوايا:
حسن النوايا بين الأعداء هو مبدأ عرفي في الأعمال الحربية. ينبغي على العسكريين إظهار حسن النوايا في تفسيرهم لقانون النزاعات المسلّحة. لذلك ينبغي مراعاة حسن النوايا في المفاوضات بين الأعداء ومع المنظمات الإنسانية.

 

• المعاملة الإنسانية وعدم التمييز:
ينبغي معاملة كل الأفراد بطريقة إنسانية من دون تمييز بناء على الجنس أو الجنسية أو العرق أو الدين أو المعتقدات السياسية. وينبغي تحديد أوضاع أولئك الذين توقفوا عن المشاركة في القتال، مثل المحاربين الذين استسلموا والأطقم الجوية التي قفزت بالمظلات من الطائرات التي تم إسقاطها، والجرحى والمرضى والناجين من السفن الغارقة، وأسرى الحرب وغيرهم من الموقوفين والمحتجزين، ومعاملتهم معاملة إنسانية.

 

الخلاصة
ولد قانون النزاعات المسلّحة في ميدان القتال، وهو يهدف إلى تقديم الحماية لضحايا النزاعات وإرساء قواعد إدارة العمليات العسكرية والقواعد العملية الجيدة التي تلتزمون أنتم قانونًا الانصياع إليها كأفراد في مهنة حمل السلاح. جدير بالذكر أنّ هذا القانون، قد وجد لمساعدتكم القدر نفسه لمساعدة ضحايا النزاعات المسلّحة إذا ما تم تنفيذه بطريقة صحيحة.
جدير بالإشارة أيضًا أن هناك تعاونًا وثيقًا بين الجيش اللبناني واللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجال نشر وإدماج القانون الدولي الإنساني.