مهمات خاصة

مجزرة مدرسة بيسلان في روسيا
إعداد: ندين البلعة خيرالله

فشل في التنسيق... خسارة فادحة في الأرواح

هي مجزرة أعقبت أزمة وقعت في مدرسة كبيرة في بلدة بيسلان (Beslan) في روسيا بين 1 و 3 أيلول 2004، حيث نفّذ إرهابيّون عملية اقتحام للمدرسة واحتجزوا أكثر من 1100 شخصٍ كرهائن. وبعد ثلاثة أيام من محاولة التفاوض مع المسلّحين الإنفصاليين الشيشانيين، اقتحمت القوات الروسية المدرسة مستخدمة الدبابات والأسلحة الثقيلة، وانتهت العملية بمقتل 396 رهينة على الأقلّ من بينهم 186 طفلاًَ، وإصابة المئات.


الخلفية
بعد أقل من ستّة أشهر من التمديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولاية ثانية، تعرّضت روسيا الإتحادية لموجة متتالية من الهجمات نفّذتها جماعات مسلّحة، داعية لانفصال الشيشان عن روسيا. بدأت الاعتداءات في 24 آب وانتهت بالحدث المأساوي في مدرسة بيسلان في أوسيتيا الشمالية.
ففي 24 آب تمّ تفجير قنبلة في موقف للحافلات في جنوب العاصمة الروسية موسكو، أسفر عن إصابة 4 أشخاص فقط. ولكن في اليوم نفسه، تمّ تفجير طائرتين مدنيتين في الجو بشكل متزامن، ما أسفر عن مصرع 90 راكبًا كانوا على متن الطائرتين. وفي 31 آب قامت سيدة بتفجير نفسها على مقربة من محطة مترو ريزسكايا بموسكو ما أدّى إلى مقتل 10 أشخاص وإصابة أكثر من 50. ولم تكن تلك الأحداث إلاّ استمرارًا للهجمات التي بدأ دعاة انفصال الشيشان بشنّها خارج الأراضي الشيشانية، واستهدافهم للمصالح الروسـية أو للجمهوريـات المتعاونة معها في ما يتعلق بأزمة الشيشان.

 

اليوم الأول: بداية العملية
حصل الاعتداء على المدرسة School Number One) حين كانت تعجّ بالطلاب والأهالي والهيئة التعليمية الذين كانوا كالعادة يحتفلون ببداية العام الدراسي الجديد. بدأت العملية عندما قامت مجموعة من عشرات المسلّحين (حوالى 33 وبينهم امرأتان) باقتحام المدرسة، بعد الإعداد للهجوم بشكل دقيق ومسبق. سقط في الدقائق الأولى للهجوم 12 قتيلاً، إذ بدأ المهاجمون بإطلاق النار في الهواء ملزمين الجميع بالتوجّه إلى داخل المبنى. البعض لاذ بالفرار واستطاع تحذير السـلطات، بينمـا نجد ح آخـرون بالاختبـاء. وبعد تبادل إطلاق نار مع الشرطة، استولى المسلّحون على المدرسة، واحتجزوا حوالى 1100 رهينة مجرّدة من أي وسيلة اتصال، مهدّدين بقتل من يخالف الأوامر. وبعد جمع الرهائن في القاعة الرياضية في المدرسة، اختار المسلّحون ما بين 15 و 20 رجلاً وأخذوهم إلى ممرّ قريب حيث فجّرت إحدى الانتحاريّتَين نفسها باستخدام حزام ناسف، ما أدّى إلى مقتل معظم من في- الممرّ.
 

الحصار الأمني
سرعان ما ضُرب طوق أمني حول المدرسة، تألّف من الشرطة (قوى الأمن الداخلي)، وقوات الجيش الروسي (فرقة السبيتسناز  «Spetsnaz»: قوات خاصة تابعة للقوات الروسية)، وحدات النخبة في جهاز الأمن الاتحادي الروسي والوحدة الخاصة لوزارة الشؤون الداخلية الروسية (OMON).
أخلت القوات الخاصة خطًا من ثلاثة مبانٍ مواجهة للقاعة الرياضية في المدرسة، وجُهِّز عدد من سيارات الإسعاف. ولكن عمّت حالة من الفوضى بسبب تجمّع عدد من رجال الميليشيا المتطوّعين، ومدنيين مسلّحين كانوا بين أهالي المحتجزين، أمام مكان الحدث (حوالى خمسة آلاف)، وانضمامهم إلى القوى الأمنية الرسمية.
قام المعتدون بتفخيخ القاعة حيث جمعوا الرهائن، وباقي المبنى بعبوات ناسفة، وهدّدوا بقتل خمسين رهينة مقابل مقتل أي عنصر برصاص الشرطة، وبقتل عشرين مقابل كل جريح يسقط في صفوفهم. وتحسّبًا لخرقهم بالقنابل المدخّنة، قاموا فورًا بتحطيم نوافذ المدرسة، كما منعوا الرهائن من الأكل والشرب حتى يأتي رئيس أوسيتيا الشمالية للتفاوض معهم.
اتّخذت السلطات الروسية قرارًا بعدم استخدام القوة لتخليص الرهائن، وباعتماد التفاوض للتوصّل إلى حلّ سلمي، حاول طبيب الأطفال الشهير Leonid Roshal التوصل إليه.

 

اليوم الثاني: فشل المساعي السلمية
فشلت مساعي Roshal ولم يقبل المعتدون السماح للرهائن بالأكل أو الشرب، ولا بإخراج الجثث من المكان، مطالبين بالاعتراف باستقلال الشيشان في الأمم المتحدة وبانسحاب القوات الروسية، وبحضور كل من،  Aleksander Dzasokhov (رئيس أوسيتيا الشمالية)، Murat Zyazikov (رئيس جمهورية إنغوشيتيا)، Ruslan Aushev (الرئيس السابق لإنغوشيتيا) والطبيب Roshal إلى المدرسة.
بدأ المحتجَزون يشعرون بالتعب والحرّ والجوع والعطش، وفقدوا أي طاقة أو قدرة على الحركة. وبعد ظهر هذا اليوم، رمى المسلّحون قنبلتَين على قوى الأمن خارج المبنى من دون أن تردّ هذه القوى بالمثل. ولكن مع ساعات الليل الأولى، بدأ المسلّحون بالشعور بالضغط وقلّة النوم، وعدم توافر المخدرات، كل ذلك جعلهم هستيريّين وتصرّفاتهم غير متوقّعة، وهكذا قتل عدد من الأطفال وأهاليهم بالإضافة إلى عدد من رجال الشرطة برصاص المسلّحين.

 

اليوم الثالث: الإنزال
منذ الصباح الباكر، تمّ الاتصال بأصلان مسخادوف أحد كبار قادة المقاتلين الشيشان والرئيس الثالث لجمهورية الشيشان للتدخّل، ولكن الإنزال على المدرسة بدأ مباشرةً بعد الموافقة على تدخّله وبدأت عملية الاقتحام.
عند الساعة الواحدة من ظهر يوم 3 أيلول 2004 وافق المسلّحون على إدخال مسعفين في سيارتَي إسعاف لإخلاء الجثث، ومع اقتراب الإسعاف سُمع دوي انفجار من داخل قاعة الرياضة وفتح المسلّحون النار على رجال الإسعاف. وتبع ذلك انفجار آخر أدّى إلى سقوط السقف على الرهائن وإسقاط عدد من الإصابات بين قتلى وجرحى (حوالى 160 قتيلاً). وسط الفوضى الحاصلة نجح بعض الرهائن بالهرب، فيما قتل المسلّحون آخرين خلال محاولتهم ذلك، ثم بدأ تبادل إطلاق النار بين قوى الأمن والمسلحين.
حاولت القوات الخاصة دخول المدرسة بدعم من دبابات T-72 وناقلات جند مدرّعة BTR-80 وطوافات حربية بما فيها طوافة هجوم Mi-24. وقد شارك في المعركة العديد من المدنيين المسلّحين. كما تمّ إطلاق صواريخ Shmel (قاذفات لهب، أي القنابل الفراغية المحظورة)، واستخدام قذائف صاروخية RPG-26. بدورهم استخدم المتمرّدون قاذفات قنابل أطلقوها على القوى الروسية داخل المباني المجاورة، واستخدموا الرهائن كدروع بشرية.
استمرّت عمليات المداهمة في موازاة مقاومة المتمرّدين الذين تفرّقوا وحاولوا الاختباء في الأبنية المجاورة التي دمّرتها الدبابات، بينما تعقّبت الطوافات آخرين داخل المدينة.
لم تكن سيارات الإطفاء قادرة على مكافحة الحريق داخل قاعة الرياضة، أمّا سيارات الإسعاف المتوافرة لنقل مئات المصابين فكانت محدودة، لذلك نقل معظمهم بسيارات خاصة. قتل عدد من المتمرّدين وتابعت القوى الأمنية تعقّب الفارّين منهم.

 

نهاية الأزمة
المستشفى الوحيد في بيسلان، لم يكن مهيّئًا للتعامل مع الإصابات، فتوفي عدد كبير من الرهائن بعد نقلهم إلى هناك. أمّا الجثث فقد تمّ جمعها في ما بعد من داخل المدرسة، وتمّ إجراء مراسم دفن جماعي لـ120 شخصًا. وبعد انتهاء العملية كان هناك 180 شخصًا مفقودين، بالإضافة إلى عدد غير محدّد من العسكريين الذين استشهدوا في أثناء العملية.
كان لهذا الحادث تأثيراته على السياسة الروسية على المستويين المحلّي والخارجي. فقد جاءت سلسلة الحوادث لتمثّل تحديًا للرئيس الروسي بوتين الذي كان يتعامل مع العمليات السابقة التي شنّها المسلّحون الشيشانيّون بوصفها جانبًا من العار الذي لحق بروسيا، والناجم عن ضعف القيادة التنفيذية في البلاد وضعف الأجهزة الأمنية، ما قاد حكومتها إلى التوقيع على معاهدة كاسافيورت (آب 1996) التي أسفرت عن الخروج الروسي الأول من الشيشان.
عقب انتهاء حادث بيسلان، ناشد بوتين الشعب الروسي الاستعداد لتعبئة المجتمع لمقاومة ما سمّاه «الحرب الشاملة التي تهدف إلى تمزيق روسيا».