تكريم

تكريم المناقبية والشفافية
إعداد: إلهام نصر تابت


بالبزة التي يعشقها ونادرًا ما تفارق جلده، البزة المرقطة بتراب الأرض وشجرها، توجّه قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى الفرقاطة الفرنسية Aconit حيث كان في انتظاره رئيس هيئة أركان الجيوش الفرنسية الجنرال Lecointre François الذي قلّده وسام جوقة الشرف من رتبة ضابط، في حضور السفيرة الفرنسية في لبنان السيدة Anne Grillo.
 

خطوة فرنسية لافتة في دلالاتها، واحتفال لافت في تقشّفه ورمزيته. ففي حين أرادت الدولة الفرنسية ممثلة برئيسها Macron Emmanuel، أن تعبّر عن التقدير الفرنسي الكبير لقائد الجيش العماد جوزاف عون، ولجهوده في تطوير التعاون العسكري مع فرنسا، بمنحه أرفع وسام يُمنح لشخصية غير فرنسية لا تكون من قادة الدول، تلقى العماد عون التكريم الرفيع بتواضع الكبار، فزيّن الوسام بزته الميدانية، هذه البزة التي طالما تضمخت بعطر التعب.

 

كلمة الجنرال Lecointre خلال حفل التكريم الذي أقيم على متن الفرقاطة الفرنسية Aconit الراسية في مرفأ بيروت، عكست عمق التقدير الفرنسي للعماد عون، إذ نوّه رئيس هيئة الأركان الجيوش الفرنسية بمزايا العماد عون القيادية وكفاءته العسكرية، ونزاهته ورؤيته الثاقبة. وأشار إلى أن هذا التكريم هو خير دليل على روابط الصداقة والأخوّة التي تجمع جيشَي البلدين، اللذين يعملان ضمن القيم الإنسانية ذاتها للحفاظ على السلام والاستقرار. وأضاف أنّ الجيش الفرنسي يعمل جنبًا إلى جنب مع المؤسسة العسكرية اللبنانية، وما الانتشار الأخير للقوات الفرنسية مع الجيش اللبناني بعد انفجار مرفأ بيروت، إلا خير دليل على التعاون القائم بينهما لمساعدة اللبنانيين جميعًا.
من جهته شكر العماد عون الجنرال Lecointre الموفد من الرئيس الفرنسي على هذا التكريم، وألقى كلمة نوّه فيها بالعلاقات التاريخية الجامعة بين لبنان وفرنسا، ووقوفها إلى جانبه في مختلف الاستحقاقات المفصلية لدعمه ومساعدته. وأضاف: «إن محاربة الإرهاب تشكّل أبرز التحديات والتهديدات التي يتشاركها البلدان، وتهدد استقرارهما وأمنهما»، مشددًا على أهمية الدعم الذي تقدمه فرنسا لتطوير قدرات المؤسسة العسكرية، فضلًا عن إسهامها الفاعل في قوات اليونيفيل ضمن إطار القرار 1701 للحفاظ على الأمن والاستقرار في المناطق الجنوبية.

 

تكريم للمؤسسة
وأعرب العماد عون في كلمته عن شكره للسلطات الفرنسية على مساعدتها لبنان ومؤازرة الجيش اللبناني بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، مؤكدًا أنّ تقليده وسام جوقة الشرف من رتبة ضابط هو شرف كبير منحه إياه رئيس الجمهورية الفرنسية السيد إيمانويل ماكرون، وهو في الوقت نفسه تكريم للمؤسسة العسكرية التي تشكّل العمود الفقري للبنان، والركيزة الأساسية للإستقرار.
وختم: «أولويتنا هي حماية سيادة لبنان واستقراره مهما كانت الأثمان. ثقة شعبنا والمجتمع الدولي بنا ستبقى المحفّز لنا للمحافظة عليها. تزامنًا مع مئوية لبنان الكبير التي كان لفرنسا الصديقة دور بإعلانه، نجدّد العهد بحماية وطننا، أرضًا وشعبًا، والدفاع عنه مهما غلت التضحيات».

 

رئيس هيئة أركان الجيوش الفرنسية في اليرزة
سبق الاحتفال استقبال قائد الجيش العماد جوزاف عون في اليرزة لرئيس هيئة أركان الجيوش الفرنسية الجنرال Lecointre، ترافقه السفيرة الفرنسية في لبنان السيدة Grillo ووفد فرنسي.
وبعد مراسم التشريفات التي أدّتها ثُلة من العسكريين في حضور عدد من ضباط أجهزة القيادة، وُضع إكليل من الزهر على نصب الجندي المجهول داخل وزارة الدفاع الوطني. ثمّ عُقد اجتماع في مكتب قائد الجيش، بُحثت خلاله العلاقات الثنائية بين جيشَي البلدين وسبل تعزيزها، وتخلله توقيع مذكرة تفاهم لتطوير قدرات الجيش اللبناني.
وفي غرفة عمليات القيادة استمع قائد الجيش ورئيس هيئة أركان الجيوش الفرنسية إلى إيجاز عن المهمات التي يقوم بها الجيش على مختلف الأراضي اللبنانية، إضافة إلى تلك التي اضطلع بها إثر إنفجار مرفأ بيروت.
يُذكر أنّ رئيس هيئة أركان الجيوش الفرنسية وصل إلى لبنان خصيصًا لتقليد الوسام للعماد عون. أما سبب إقامة الاحتفال على متن الفرقاطة الفرنسية أكونيت الموجودة في لبنان، فيعود إلى أنّ البروتكول الفرنسي يقضي بمنح الوسام على أرض فرنسية.

 

مبادرة استثنائية ودلالات قوية
يُذكر أيضًا أنّ الرئيس ماكرون قرر منح قائد الجيش هذا الوسام في العام 2018، إلا أنّه تعذّر على العماد عون السفر إلى باريس ليُقلّد الوسام بحسب التقليد الفرنسي. وفي مبادرة استثنائية تقرر الأخذ في الإعتبار الإستفادة من توقّف الفرقاطة في بيروت لتنظيم الحفل على متن السفينة، كدليل إلى التطور المحرز في تعاون فرنسا ولبنان البحري وعلاقة لبنان بالرحلات البحرية الفرنسية.
وتُعتبر لفتة تكريم رئيس الجمهورية الفرنسية للقائد عون عبر الوسام الأرفع في هذه الفئة أي برتبة ضابط، مؤشرًا إلى دعم القيادة الفرنسية لقائد الجيش والإصرار على تحييد المؤسسة عن التجاذبات السياسية في لبنان كما أفاد مصدر فرنسي لوكالة «المركزية»، واصفًا العماد عون بأنه مُحسن، يقظ، يعرف كيف يميّز بين القضايا الحقيقية، ويعمل على حماية المؤسسة العسكرية اللبنانية التي يطور قيمتها العملياتية باستمرار ويحافظ على الوحدة والتماسك الداخلي، وبالتالي يحظى باحترام وتقدير بالإجماع.
ولفت المصدر الفرنسي إلى «أنّ الجيش اللبناني منخرط، بتوجيهات قائده على جميع الجبهات داخل الدولة، كذلك على الحدود، ليلًا نهارًا، وفي جميع الأوقات». وشدد على «أنّ المؤسسة العسكرية تمثّل العنصر الأساسي لاستقرار البلاد وأمنها، كونها ملتزمة التزامًا تامًا خدمة لبنان في العديد من المهمات المحفوفة بالمخاطر للحفاظ على الاستقرار الذي يصبّ في مصلحة فرنسا».

 

تطوير الشراكة
ويُعتبر منح الرئيس الفرنسي العماد عون وسام جوقة الشرف برتبة ضابط تكريمًا لشخصه، وكونه أيضًا لمع على رأس المؤسسة العسكرية، ولجهوده من أجل تطوير التعاون الدفاعي اللبناني - الفرنسي، وهو تطوّر كان العماد عون مهندسه الرئيسي.
ونسجت فرنسا بفضل عملها، شراكة عسكرية عالية الجودة مع قائد الجيش على أساس الحاجة إلى القتال لمواجهة العديد من التحديات الأمنية المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب. كما أنّها كانت أول من بادر إلى مساعدة لبنان على مواجهة كارثة انفجار المرفأ.
وتعود جذور العلاقة الفرنسية مع قائد الجيش إلى العام 2015 حين تم تعيينه قائدًا للواء المشاة التاسع، الذي تم نشره لأول مرة في القطاع الشرقي لليونيفيل في مرجعيون، وأجرى اتصالات ممتازة آنذاك مع اليونيفيل. وتم نقل اللواء التاسع إلى اللبوة في آب 2016 شمال البقاع، حيث كان له دور حاسـم في احتـواء تهديـد داعـش والنصـرة في منطقـة عرسال.

 

اعتراف بالصفات والكفاءة
ورأى المصدر الفرنسي «أنّ وسام جوقة الشرف يعترف بالصفات البشرية والمهنية لقائد الجيش على رأس الجيش اللبناني، إذ يعمل من أجل استقرار البلاد وأمنها من دون كلل وتردد، ويضع المصلحة العامة للشعب اللبناني فوق كل الإعتبارات الأخرى».
وشدد المصدر الفرنسي على «أنّ الجيش اللبناني كله مرحب به. فهو العمود الفقري الحقيقي للبلد»، لافتًا إلى «أنّ القائد عون يدعم الوطن اللبناني والشعب، ويدافع عن مصالحهما ويرى فيه كل اللبنانيين انفسهم، خصوصًا في أوقات الأزمات».

 

تفقد رئيس أركان الجيوش الفرنسية الجنرال Lecointre François المرفأ، حيث استمع إلى شرح مفصل من بعض الضباط عن المهمة التي اضطلع بها الجيش بعد اإلنفجار. وأثنى على الجهود التي قام بها الجيش بالتعاون مع الفرق الفرنسية التي شاركت في عدّة مهمات من أعمال البحث واإلنقاذ إلى رفع األنقاض.