تحت الضوء

«التقاعد نهاية أم بداية؟» لا استقالة من المجتمع
إعداد: جان دارك أبي ياغي

نظّمت جامعة الروح القدس- الكسليك بالتعاون مع «جمعية حضارة»، مؤتمرًا بعنوان «التقاعد العسكري: نهاية طريق أم بدايته». رعى المؤتمر قائد الجيش العماد جوزاف عون ممثلاً بمدير مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في الجيش العميد الركن فادي أبي فراج، وحضره رئيس جامعة الروح القدس - الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة وأعضاء مجلس الجامعة، وممثلون عن قادة القوى الأمنية، وعن رئيس رابطة قدامى القوى المسلحة، وعدد من الملحقين العسكريين، ورئيس «جمعية حضارة» إدمون شيخاني، ورؤساء جمعيات وشخصيات جامعية واقتصادية واجتماعية، وحشد من المتقاعدين.

 

حفل الافتتاح
بعد النشيد الوطني، كلمة ترحيب من الأستاذة نادين نفّاع، ثم ألقت الدكتورة رنا أبو ظهر كلمة «جمعية حضارة»، مشيرة إلى أهمية التفاعل الثقافي والحضاري بين القوى العسكرية وسائر القوى في المجتمع.

واعتبر رئيس الجامعة البروفسور حبيقة أن التقاعد هو في الواقع نهاية مرحلة وانطلاقة مرحلة جديدة، وليس أبدًا عبورًا إلى الفراغ والاستقالة من المجتمع...

وأكّد ممثل قائد الجيش العميد أبي فراج حرص قيادة الجيش الدائم على حماية حقوق المتقاعدين المعيشية، إذ إنّها تشكّل جزءًا من حقوقهم الطبيعية التي اكتسبوها بعد سنين خدمتهم الطويلة، إضافة إلى الاهتمام بأوضاعهم الاجتماعية والإنسانية، ومواكبة مختلف نشاطاتهم الفكرية والثقافية.

وقال: إخوة السلاح، إلى جانب كونكم رفاق درب المؤسسة العسكرية، وتسكنون دائمًا في ضميرها ووجدانها، تؤدّون دور رسل المؤسسة في المجتمع المدني، وتساهمون في نشر مبادئ الجيش وقيمه الوطنية، واستمرار النهج الأخلاقي الصادق الذي ميّز أداء جيشنا الباسل، وتلهمون جيل الشباب وتبعثون فيه الأمل بمستقبل مشرق للبنان.

وشدّد على مشاركة المتقاعدين الفاعلة في نهضة المجتمع وتطوّره، انطلاقًا من المهارات والخبرات التي اكتسبوها في المؤسسة.
 

المداخلات
أعقبت الافتتاح حلقتا نقاش، أدار الأولى الدكتور نقولا بدوي، وتحدّث فيها العميد الركن مرسيل كيروز رئيس جهاز الرعاية والشؤون الاجتماعية للعسكريين القدامى، والعميد الإداري طوني زخريا رئيس قسم التقاعد في مديرية الأفراد.
أشار العميد الركن كيروز في كلمته إلى عدم وجود تشريعات ترعى عملية اندماج المتقاعدين في المجتمع. وأوضح أنّ التقاعد بالنسبة إلى الجيش يعدّ سلاحًا ذو حدّين، فهو من ناحية، المدخل إلى استبدال العناصر التي شارفت على التقاعد والتي لم تعد قادرة على القيام بالمهمات والواجبات الشاقة والصعبة الملقاة على عاتق الجيش بعناصر شابّة تتمتّع بالحيوية المطلوبة. وهو من ناحية أخرى يُفقد الجيش عناصر مميّزة بخبراتها وكفاءتها. وأشار في الختام إلى المراسيم التي ترعى تقاعد العسكريين.
بدوره، شرح العميد الإداري طوني زخريا ماهية الحقوق التي يستفيد منها المتقاعد عند إحالته على التقاعد. ولفت إلى أنه اعتبارًا من بداية العام 2016، تمّ اعتماد الربط الإلكتروني بين وزارتي الدفاع والمالية (وهو نظام الربط الوحيد المعتمد في الدولة اللبنانية في هذا المجال). وبذلك، تمّ تقليص الوقت المطلوب لقبض العسكري المتقاعد حقوقه التقاعدية إلى مهلة تقلّ عن الشهر الواحد في معظم الأحيان بعد أن كان التأخّر في صرف المعاشات التقاعدية يتجاوز الثلاثة أشهر كمعدل وسطي.
في مداخلته، أشار العميد المتقاعد حسين زعروري الذي ألقى كلمة «جمعية حضارة»، إلى أنّ مرحلة نهاية الخدمة بالغة الحساسية لأنها تضع حدًّا فاصلاً بين الماضي والمستقبل، وتشكّل هوة ساحقة تحتضن تغييرات جذرية تطاول الصحة النفسية والجسدية. وأورد تأثير التقاعد على الصحة النفسية والجسدية، ثم طرح عددًا من المقترحات للحدّ من تأثيرات التقاعد السلبية، من بينها إنشاء قاعدة معلومات للمتقاعدين.
كلمة رابطة قدامى القوى المسلّحة ألقاها العميد المتقاعد حافظ شحادة، الذي طالب بتفعيل عمل الرابطة من ناحية تكوين قاعدة معلومات لجميع متقاعدي الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة بالتنسيق مع المديرية المولجة بشؤون التقاعد في الأجهزة المختلفة، والعمل على استثمارها في توظيف الطاقات الكبرى في المراكز الشاغرة.
كما طالب بإنشاء مركز دراسات وبحوث أمنية وعسكرية، يوفّر للضبّاط والعسكريين المجازين المكان والتجهيزات الحديثة التي تمكّنهم من إنجاز البحوث والدراسات، التي تعدّ منهلاً للتعليم في المعاهد والكليات الأمنية والعسكرية.
المداخلة الأخيرة كانت لنائب رئيس الجامعة للبحوث البروفسور نعمة عازوري الذي تحدّث عن العواقب النفسية لمرحلة التقاعد، وأهمّها أزمة فقدان الهوية التي تعود إلى الإرباك الناتج عن تغيير الأهداف والدور المتوقّع في المجتمع. لاسيما إذا كان العامل يتمتّع، على غرار العسكريين والأمنيين، بمهــارات عاليـة واستثنائيـة.
في الحلقة الثانية التي أدارها العميد المتقاعد ناجي ملاعب، ألقى العقيد الدكتور موسى كرنيب كلمة قوى الأمن الداخلي مشيرًا إلى أن مؤسسة قوى الأمن الداخلي تدرس إمكان رفع سن التقاعد، بما يراعي قدرات الدولة اللبنانية ووضع الخزينة العامة، ويمكّن العسكريين من الاستمرار في خدمتهم.
كما تحدّث البروفسور إيلي يشوعي عن «أفضل السبل لاستثمار التعويضات»، فعدّد الخيارات المتاحة أمام المتقاعد، ومنها: التعليم في القطاع الخاص، خصوصًا الجامعي، والعمل في القطاع الخاص المنتج. ودعا يشوعي المتقاعدين إلى خوض مجالات الزراعة، والصناعات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتجارة على أنواعها...
مداخلة الدكتورة ميرنا مزوّق كانت بعنوان «التقاعد والالتزام المجتمعي»، طرحت فيها إشكالية التقاعد في عمر مبكر، والسياسات والبنى التحتية الخاصة بفترة التقاعد، مشيرة إلى أنّ الدراسات والخبرات الفردية والمؤسّساتية تبيّن أنّ مرحلة التقاعد في المسار الحياتيّ هي مرحلة انتقالية نحو فرصة إضافية في بناء الهوية.
المداخلة الأخيرة ألقتها الدكتورة سحر عبيد بعنوان «ما بين الكمال واليأس»، عدّدت فيها المشاكل النفسيّة عند التقاعد، وأبرزها:
التخوّف من مرحلة الشيخوخة، والشعور بعدم القيمة والدونيّة (فقدان الهوية)، وبخسارة المكانة الاجتماعية، والخوف من فقدان الكثير من الأدوار والمزايا المرتبطة بالعمل، والقلق والاكتئاب، ومن الفراغ والشعور بالعزلة والوحدة والملل، ونظرة المجتمع السلبيّة نحو المتقاعدين وقلّة الدعم وغياب الوعي.

 

التوصيات
ختامًا، أذاع العميد المتقاعد جوزف روكز التوصيات الصادرة عن المؤتمر، وجاء فيها:
1- تفعيل المراكز التي تعنى بشؤون المتقاعدين في المؤسسات العسكرية والأمنية، ورفع مستواها إلى قطعة مستقلّة ترتبط بإدارة العديد، وإنشاء مراكز مماثلة حيث لا توجد في بعض الأجهزة.
2- الإشادة بما حققته رابطة قدامى القوى المسلّحة من إنجازات لكل المتقاعدين والحضّ على زيادة الانتساب في مكاتب المناطق. والتنويه بسعي الرابطة للحصول على مقرّ مركزي مستقلّ يليق بدورها ومهامها.
3- تكوين قاعدة معلومات لكل متقاعدي الجيش والأجهزة الأمنية بالتنسيق مع القطعة المولجة بشؤون التقاعد في الأجهزة، وإنشاء مركز دراسات وبحوث أمنية وعسكرية.
تخلّل المؤتمر تسليم دروع تقديرية للمشاركين.