نحن والقانون

الضمان
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محام بالإستئناف

عقد التأمين وأبرز أحكامه ومشاكله

إن هاجس الأشخاص في التحسب لخطر معين والخوف من عدم القدرة على تحمل نتائجه المالية هو الذي يدفعهم إلى السعي لتوفير الضمان المالي لمن قد يلحق به هذا الخطر، عن طريق توزيع عبئه عليهم.
وقد ظهرت فكرة التأمين منذ فجر الحضارة الإنسانية، حيث ابتدع قدامى المصريين فكرة تأسيس جمعيات دفن الموتى لتحمل نفقات التحنيط والدفن نظير إشتراكات يدفعونها خلال حياتهم. وعرف عرب الجاهلية التأمين من خلال تحمل المشاركين في رحلتي الشتاء والصيف عبء تعويض من يفقد بعيره، مما يحققونه من أرباح الرحلة... لكن التأمين بمفهومه السائد حاليًا قائم على وجود مشروع تجاري لتحقيق الربح عبر فكرة المقامرة التي تختلف عن فكرة التكافل بين طرفي التأمين.

 

البدايات
ظهر التأمين في أول مظاهره في مجال المخاطر البحرية، ثم انتقل إلى مجال المخاطر البرية مع بدايات الرأسمالية الصناعية. بعدها، تعدَّدت صور التأمين لتشمل حوادث المواصلات البرية والجوية ومسؤولية المقاول والمهندس والتأمين على الحياة وضد السرقة والأحداث الطبيعية والحروب والبطالة وغيرها.... وفي مواكبة تنظيم قواعد التأمين والضمان، صدرت عدة قوانين وتشريعات، أقدمها كان تنظيم قواعد التأمين البحري في برشلونة (1435) الذي كان متطورًا ودقيقًا جدًا إلى حد تقاربه مع الأحكام الحديثة المتطورة، ثم تلته عدة قوانين وتشريعات محلية ودولية، مثل القانونين السويسري والألماني (1908) والفرنسي (1930) والقانون البحري المصري القديم الذي حلَّ محله قانون جديد (1990).

 

القانون اللبناني
جرى تنظيم عقد التأمين في لبنان العام 1932 بموجب المواد 950 إلى 1023 من قانون الموجبات والعقود اللبناني، وبموجب المادة 293 وما يليها من قانون التجارة البحرية (1947). وأشار قانون طوارىء العمل (1943) في المادة 13 منه إلى الضمان، ثم صدر قانون الضمان الاجتماعي (1963).
كما أن قانون السير القديم (1967) الذي حلَّ محلَّه قانون السير الجديد رقم (2012) ألزم في المادة 353 منه أصحاب السيارات والمركبات الآلية إجراء التأمين الإلزامي عن الأضرار الجسدية والمادية. يضاف إلى ما ذكر قانون هيئات الضمان (1968) الذي حلَّ محله قانون تنظيم قطاع التأمين (2007)، والمرسوم الاشتراعي رقم 105/1977 ومرسومه التطبيقي رقم 2180/2009 المتعلقان بالضمان الالزامي للمسؤولية المدنية عن الأضرار الجسدية التي تسببها المركبة البرية للغير...

 

تعريف عقد التأمين (الضمان)
عرَّفت المادة 950 من قانون الموجبات والعقود الضمان بأنه عقد بمقتضاه يلتزم شخص (يقال له الضامن) بعض الموجبات عند نزول بعض الطوارئ بشخص المضمون أو بأمواله، مقابل دفع بدل يسمى القسط أو الفريضة. وعرّفته المادة 293 من قانون التجارة البحرية بأنه عقد يرضى بمقتضاه الضامن بتعويض المضمون من الضرر اللاحق به في معرض رحلة بحرية عن هلاك حقيقي لقيمة ما، مقابل دفع قسط على أن لا يتجاوز هذا التعويض قيمة الأشياء الهالكة.
ويعتبر عقد التأمين من عقود الإذعان لأن المؤمّن له يذعن لما يضعه المؤمّن من شروط تتعلق بالقسط والموجبات والبيانات والمستندات... ضمن نموذج معد ومطبوع مسبقًا لا مجال للنقاش أو التفاوض بشأنه، فلا يكون أمام المؤمّن له سوى الموافقة أو الرفض، سندًا للمادة 172/2 موجبات وعقود.
ويجب أن يتم تنظيم وتحرير عقد التأمين والممتلكات والأخطار القائمة في لبنان باللغة العربية سندًا للمادة 68 من قانون تنظيم قطاع التأمين، ويجوز إصدارها بلغة أجنبية شرط أن تظهر النسخة العربية جنبًا إلى جنب مع النسخة الأجنبية، وفي حال نشوء نزاع في تفسير العقد يعتمد النص العربي، ويمكن للمجلس الوطني للضمان أن يستثني بعض أنواع عقود الضمان من وجوب تنظيمها باللغة العربية. والطارىء أو الخطر موضوع التأمين، هو أمر أو حدث إحتمالي، مستقبلي، غير مؤكَّد الوقوع، يخضع وقوعه للصدفة. فيتم عقد التأمين بين شخصين متميّزين، هما المؤمّن والمؤمّن له، أو الضامن والمضمون. ويجب تعيين نوع الخطر (حريق أو تلف أو غرق أو حادث أو وفاة أو مرض أو مسؤولية أو غيرها...)، كما يجب تعيين ما يتعلق به هذا الخطر (المنزل المؤمّن عليه أو البضاعة أو الشخص أو المزروعات أو الطائرة أو السفينة)، وكذلك يجب تعيين النشاط المؤمّن عليه من المسؤولية. وقد يكون التأمين مقتصرًا على خطر واحد أو جملة أخطار محدَّدة بشكل واضح وصريح.

 

أطراف عقد التأمين
أطراف عقد التأمين ثلاثة:
1-المؤمن أي الجهة الضامنة والتي يجب أن تتمتع بترخيص لممارسة عملها وفق أحكام المادة 11 من قانون تنظيم قطاع التأمين.
2- المؤمن له، وهو الطرف الآخر في عقد التأمين، والمُهدَّد بالخطر المؤمّن منه، وهو المستفيد من قيمة التأمين. مع الإشارة الى أنه في حالات معينة قد يكون المستفيد شخصًا آخر غير المؤمّن له.
3-الغير، وهو غير طرفي عقد التأمين، والذي قد يكون هو المهدَّد بالخطر أو المستفيد من التأمين؛ كما هي الحال في التأمين على الحياة لمصلحة شخص آخر، كوالد المؤمّن له أو والدته أو زوجته أو ولده أو أخوته أو غيره بالإسم أو بالصفة.

 

التزامات المؤمّن له (المضمون)
إن أهم الالتزامات الواقعة على عاتق المؤمّن له هي:

 

1- التزام الإدلاء بالبيانات المتعلقة بالخطر: أوجبت الفقرة الثانية من المادة 974 موجبات وعقود على المضمون أن يطلع الضامن بوضوح، عند إتمام العقد، على جميع الأحوال التي من شأنها أن تمكّنه من تقدير الأخطار التي يضمنها، وأن يعلم الضامن بما يجد من الأحوال التي من شأنها أن تزيد الأخطار (باستثناء حالة ضمان الحياة). فيجب على المؤمّن له الادلاء لشركة التأمين بجميع البيانات والمعلومات الجوهرية التي يعلمها عن الخطر موضوع التأمين؛ كالبيانات المتعلقة بالسيارة في عقد التأمين ضد حوادث السيارات (نوعها وسنة صنعها ومدى جهوزيتها للسير على الطرق)، والبيانات المتعلقة بالمؤمّن له والسائق ومدى إرتكابه مخالفات سير أو حوادث، بما يسمح لشركة التأمين بالتعرف إلى معدَّل الخطر المراد التأمين منه، إحتمالًا وجسامة. فإذا تعلَّق العقد بتأمين من الحريق مثلًا، يجب بيان المواد المصنوع منها الشيء المؤمّن عليه ونوع استعماله وطبيعة الأماكن المجاورة ووجود أو عدم وجود مخازن تحتوي على مواد ملتهبة أو مصانع أو مخابز... وفي التأمين على الحياة يجب بيان سن المؤمّن على حياته وحالته الصحية والمرضية ومهنته...
وإذا رغب المضمون أن يأتي فعلًا من شأنه أن يزيد المخاطر إلى حد أن الضامن لو كان عالمًا بتلك الزيادة لما تعاقد معه أو لما تعاقد إلا على قسط أكبر، يكون من الواجب عليه قبل إتيان ذلك الفعل أن يعلنه للضامن بكتاب مضمون. وإذا تفاقمت الأخطار بدون فعل من المضمون، وجب عليه إعلام الضامن في خلال ثمانية أيام على الأكثر من تاريخ علمه بتفاقمها.
إن إخلال المؤمّن له بهذا الموجب يسمح للمؤمّن بطلب إبطال عقد التأمين إذا أثبت وقوعه في خطأ جوهري أو خداع أو كتمان خادع إرتكبه الفريق الآخر، فقد نصت المادة 983 موجبات وعقود على أنه يجوز، بقطع النظر عن أسباب الإبطال العادية، أن يبطل العقد بسبب تكتّم الشخص المضمون أو تقديمه عن قصد تصريحًا كاذبًا، إذا كان هذا التكتم أو الكذب من شأنهما أن يغيرا موضوع الخطر أو يخففاه في نظر الضامن. وإذا وقع الطارئ فإن حكم هذا الإبطال الخاص يبقى مرعيًا، وإن كان الخطر الذي كتمه المضمون أو قدم في شأنه تصريحًا كاذبًا لم يؤثر في وقوعه. أما الأقساط المدفوعة فتبقى للضامن، ويحق له استيفاء جميع الأقساط المستحقة بمثابة بدل للعطل والضرر. على أن كتمان المضمون أو تصريحه الكاذب لا يؤديان إلى بطلان عقد الضمان إذا لم يقم البرهان على سوء نية المضمون. وإذا ظهر الكتمان أو الكذب قبل وقوع طارئ ما، فيحق للضامن أن يفسخ العقد بعد مرور عشرة أيام من تاريخ تبليغ الإنذار الذي يرسله إلى الشخص المضمون بكتاب مضمون. وإذا لم يظهر الكتمان أو الكذب إلا بعد وقوع الطارئ، يخفض التعويض بنسبة الفرق بين معدل الأقساط التي دفعت ومعدل الأقساط التي كان يجب أن تدفع فيما لو كانت المخاطر قد أعلنت على وجه صحيح تام.

 

2- التزام دفع أقساط التأمين في مواعيدها: أوجبت الفقرة الأولى من المادة 974 موجبات وعقود وما يليها على المضمون أن يدفع الأقساط في المواعيد المعينة. ويقف حكم عقد الضمان بعد مرور عشرة أيام ابتداء من تاريخ إنذار المضمون لتأخّره عن دفع أحد الأقساط في ميعاده. ويتم الإنذار بإرسال كتاب مضمون باسم الشخص المضمون أو باسم الشخص الموكل بدفع الأقساط إلى محل إقامتهما الأخير المعروف من الضامن. ويجب أن يصرح في هذا الكتاب بأنه مُرسل في سبيل الإنذار وأن يذكر فيه تاريخ استحقاق القسط ونص هذه المادة. ويحق للضامن بعد مرور عشرين يومًا من تاريخ انقضاء المهلة المعينة في الفقرة السابقة أن يفسخ العقد وأن يطالب بتنفيذه لدى القضاء. أما في العقود التي تنص على عدم سقوط العقد عند تأخر المضمون عن دفع القسط المستحق، فيعفى الضامن من إرسال الإنذار ويستوفى القسط المستحق عفوًا من الاحتياطي ويرسل إلى المضمون كتاب مضمون بذلك.

 

3- التزام إعلام المؤمّن بكل طارىء يؤدي إلى إلقاء المسؤولية عليه: أوجبت الفقرة الثالثة من المادة 974 موجبات وعقود على المضمون أن يعلم الضامن بكل طارئ يؤدي إلى إلقاء التبعة عليه، وذلك خلال ثلاثة أيام من تاريخ علمه به، باستثناء حالة ضمان الحياة. فيتلزم المؤمّن له بإعلام المؤمّن بوقوع الخطر وبما لديه من المعلومات عنه؛ كوقت وقوعه ومكانه وظروفه ونتائجه وما لديه من مستندات حول وقوعه... وإذا أخلَّ المؤمّن له بهذا الالتزام يحق للمؤمّن مطالبته بالتعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة عدم إعلامه بالطارىء أو التأخير في ذلك.

 

التزامات المؤمّن (الضامن)
إن أهم التزام على عاتق المؤمّن هو التزام دفع مبلغ التأمين المتفق عليه في العقد للمؤمّن له أو للمستفيد، بمجرد وقوع الخطر المؤمّن منه؛ ففي التأمين على الحياة لحالة الوفاة، يكون استحقاق مبلغ التأمين معلقًا على شرط وفاة المؤمّن على حياته قبل تاريخ معيَّن، فيستحق بوفاته إذا تحقَّقت الوفاة قبل هذا التاريخ. ويكون الضامن مسؤولًا عن الهلاك أو الضرر اللذين يقعان بقوة قاهرة أو بحادث غير متوقع أو ينجمان عن خطأ من المضمون. على أن الضامن لا يكون مسؤولًا عن الهلاك أو الضرر الذي يقع بسبب خطأ اقترفه المضمون عن قصد، حتى لو كان هناك اتفاق على العكس (المادة 966 موجبات وعقود)؛

 

• الحالة الأولى: لا يكون المؤمّن ملزمًا بدفع مبلغ التأمين على الحياة إذا وقعت الوفاة بإنتحار المؤمّن عليه، إنما يستحق مبلغ التأمين الاحتياطي المتجمع من عملية التأمين، ما لم يثبت المستفيد أن الانتحار لم يكن مقصودًا نتيجة عدم وعي المؤمّن عليه أو إصابته بمرض أفقده إرادته، فيستحق مبلغ التأمين كاملًا.

 

• الحالة الثانية: إذا وقعت الوفاة بفعل المؤمّن له المستفيد من التأمين أو بتحريض منه؛ كالزوجة التي تقوم بقتل زوجها أو بالتحريض على قتله، تبرأ ذمة المؤمّن من التزاماته في دفع مبلغ التأمين، إنما يستحق مبلغ التأمين الاحتياطي المتجمع من عملية التأمين لورثة المضمون أو لخلفائه في الحقوق إذا كانت الأقساط قد دفعت عن ثلاث سنوات أو أكثر. وإذا لم يكن هناك إلا محاولة قتل، حق للمضمون أن يرجع عن تعيين مستحق الضمان (المادة 1015 موجبات وعقود).

 

• الحالة الثالثة: حالة وفاة المؤمّن عليه بفعل الغير، دون أن يكون للمؤمّن له أو المستفيد دور في الوفاة ولا بالتحريض عليها، فيلتزم المؤمّن دفع مبلغ التأمين الى المستفيد أو الى ورثته. لكن في حال تبين للمؤمّن بعد الدفع أن الحادث وقع بفعل المؤمّن له أو المستفيد أو نتيجة لسبب مستبعد من نطاق التأمين، يكون ما دفعه غير مستحق، ويحق له المطالبة بإسترداده، سندًا للمادة 143 موجبات وعقود.

 

مرور الزمن الثنائي على حقوق التأمين
جميع حقوق الإدعاء الناشئة عن عقد الضمان تسقط بحكم مرور الزمن بعد انقضاء سنتين على الحادث الذي تتولَّد عنه. إلا أن هذه المهلة لا تسري:

 

1- في حالة كتمان الخطر المضمون أو إغفاله أو التصريح الكاذب أو غير الصحيح، فلا تسري مهلة مرور الزمن إلا من يوم علم الضامن به، وبالتالي يحق لهذا الأخير استرداد التعويضات التي دفعها للمؤمن له.

 

2- في حالة وقوع الطارىء، لا تسري مهلة مرور الزمن إلا من يوم علم ذوي الشأن به إذا أثبتوا جهله حتى هذا اليوم.

 

3- عندما تكون الدعوى المقامة من المضمون على الضامن ناشئة عن مداعاة شخص ثالث، لا تسري مدة مرور الزمن إلا من يوم تقديم هذا الشخص لدعواه على المضمون أو من يوم استيفائه التعويض من المضمون (المادة 985 موجبات وعقود).
ولا يجوز تقصير مدة مرور الزمن بمقتضى بند يوضع في لائحة الشروط (المادة 986 موجبات وعقود). وتسري مدة مرور الزمن الثنائي على القاصرين والمحجور عليهم وغيرهم من فاقدي الأهلية. ويجوز قطع سريانها بأحد الأسباب العادية القاطعة لمرور الزمن، ويمكن من جهة أخرى قطع مرور الزمن المختص في دعوى استيفاء القسط، بإرسال الضامن كتابًا مضمونًا إلى الشخص المضمون (المادة 987 موجبات وعقود).

 

الشروط التعسفية في عقد التأمين ومشاكله
تعتبر هذه الشروط أحدى أهم المشاكل التي قد تواجه تطبيق عقد التأمين أو تعيق الوصول الى الهدف الذي سعى اليه المؤمّن له عند توقيعه. فعقد التأمين هو من عقود الإذعان بين طرفين: طرف قوي يتمثَّل بشركة التأمين وطرف ضعيف يتمثَّل بطالب التأمين من أجل الحماية القانونية والمالية، ما قد يفسح في المجال أمام وضع شروط تعسفية مجافية للعدالة... لذلك نصت المادة 983 موجبات وعقود على أنه تكون باطلة:

 

1- جميع البنود العامة التي تتضمن إسقاط حقوق المضمون لمخالفته القوانين والأنظمة إلا إذا كانت تلك المخالفة عبارة عن خطأ فاحش لا يعذر عليه.

 

2- جميع البنود التي تتضمن إسقاط حقوق المضمون لمجرد تأخّره عن إعلام السلطة بوقوع الطارئ أو عن إبراز بعض المستندات، وذلك مع مراعاة حق الضامن في طلب التعويض المتناسب مع الضرر الناشئ عن التأخير.
لكن أحكام الفقرة الأولى المذكورة، لا تحول دون وضع نص يقضي بسقوط حقوق المضمون لمخالفته القوانين أو الأنظمة المدرج نصها الكامل في لائحة الشروط.
وقد اعتبر الاجتهاد القضائي أنه يجب أن تكون نية المضمون بقبول البنود المسقطة ثابتة بإطِّلاعه عليها وبفهم مضمونها وبالموافقة على ما جاء فيها مع علمه بالأمر وإلا اعتُبرت موافقته مصابة بعيب الرضى، كما أن البند الذي ينص على إعفاء شركة التأمين من الضمان في حال إعتراف المضمون بالمسؤولية، هو مخالف للنظام العام وباطل سندًا للمادة 983 موجبات وعقود، لأنه يعترض طريق العدالة ويتناقض مع وسائل الاثبات لجهة الاقرار واليمين. وإذا كان عقد التأمين يستثني مثلًا من ضمان حادث سير حالة زيادة عدد ركاب السيارة، فإنه لإعمال هذا الاستثناء يجب أن يكون لهذه الزيادة دور في إحداث الضرر. أما البند الوارد ضمن الشروط الخاصة في عقد التأمين بأن هروب الضامن وعدم حضوره أمام السلطة يؤدي الى سقوط الحق في الضمان فيعتبر شرطًا صحيحًا ونافذًا.
ويعتبر صحيحًا شرط استبعاد أخطاء معينة من التأمين أو قصره على حالات محدَّدة؛ كأن ينص عقد التأمين على تغطية ما يصيب سائق السيارة الذي يحمل رخصة قيادة أو يلتزم قواعد السير وقوانينه، وأن لا يكون الحادث ناشئًا عن سرعة تتجاوز الحد المسموح به قانونًا، أو مخالفة الإشارات الضوئية المرورية، أو المرور بعكس السير أو القيادة بحالة سكر... وكأن ينص عقد التأمين على تغطية الحريق إلا ما ينشأ عن زلزال أو صواعق أو حروب أو ثورة أو إضرابات؛ أو أن يغطي التأمين على الحياة الوفاة بجميع أسبابها إلا ما كان ناتجًا عن إنتحار أو تنفيذ حكم إعدام أو انتشار وباء أو وقوع زلزال أو كارثة طبيعية أو فيضان، ما لم يتم الاتفاق على العكس سندًا للمادتين 969 و1000 موجبات وعقود. وهنا يشار إلى أن شرط الإستبعاد يجب أن يوضع بشكل واضح وظاهر وصريح لضمان إنتباه المؤمّن له.
ويعتبر باطلًا الشرط الذي يستبعد من نطاق الضمان أي ضرر ناشىء عن أي خطأ يرتكبه المؤمّن له من دون تحديد هذا الخطأ؛ إذ يجب تحديد الخطأ تحديدًا كـــــافيًـــا، كـــــــقيادة ســيارة بــــدون رخــــصة قـيادة.
وقد أقرَّ الاجتهاد القضائي اللبناني بضرورة حماية المضمون – المؤمّن له من الشروط الجائرة التي توردها شركات التأمين في بوليصة التأمين بحروف مطبوعة بخط صغير، لا تتميَّز عن غيرها من شروط الوثيقة، وعدم الاعتداد بما ورد في عقد التأمين من بنود مطبوعة بخط صغير، مثلًا أنه يحق للشركة فسخ العقد بإرسال كتاب مضمون إلى المتعاقد تعلمه فيه عن إرادتها بفسخ العقد، إذا كان الشرط الذي تذرَّعت به الشركة لفسخ العقد وعدم سريانه وقت الحادث، قد ورد بخط صغير ولا يتميَّز عن سائر البنود المطبوعة على ظهر بوليصة التأمين، ولا يلفت الأنظار إليه بصفة خاصة، فالشرط يجب أن يكون واضحًا وظاهرًا ومختلفًا ويستلفت النظر، للحكم بصحته.

 

المراجع:
- د. رمضان أبو السعود: أصول التأمين، القاهرة، 1992.
- د. توفيق حسن فرج: أحكام الضمان (التأمين) في القانون اللبناني، بيروت، 1990.
- د. مصطفى محمد جمال: أصول التأمين (عقد الضمان) منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 1999.
- Dr. Hani Dowidar: Handbook of Maritime law، Al-Halabi legal Publications، Beirut، 2007.
- تمييز مدني (عدة قرارات).
- منفرد مدني في بيروت، رقم 809/62، تاريخ 11/5/1962، ن.ق.، 1962.
- استئناف بيروت المدنية، (عدة قرارات).
- بداية بيروت المدنية، قرار تاريخ 18/2/1972، مجلة التأمين والبنوك، 1972، عدد 293.