إقتصاد ومال

الميزان التجاري اللبناني مزيد من العجز العام المقبل
إعداد: تريز منصور

 والصين في طليعة الدول المصدّرة إلى لبنان

 

من المتوقع أن يرتفع عجز الميزان التجاري في لبنان خلال العام المقبل، وفي حين تتصدّر المنتجات المعدنية لائحة السلع المستوردة في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، تأتي الصين في طليعة الدول المصدّرة إلى لبنان، وسوريا في طليعة الدول المستوردة.

 

عجز تاريخي
يرى الدكتور بشير المرّ (أستاذ في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال) «أن الميزان التجاري اللبناني يشهد عجزًا هيكليًا تاريخيًا، ناتجًا من عدة عوامل، أهمها يعود إلى طبيعة البنية الصناعية التي لا قدرة لها على تلبية حاجات الاستهلاك الداخلي، من معدات نقل على أنواعها، وأدوات إلكترونية وسواها، بالإضافة إلى عدم قدرة هذه البنية على تلبية حاجة القطاعات الإنتاجية والخدماتية من المواد الأوّلية الأساسية، كالمواد النفطية والمعادن... إذ أنها غير موجودة محليًا ومستوردة بشكل كامل من الخارج. يضاف إلى ذلك ضعف القدرة التنافسية للعديد من الصناعات في الأسواق الإقليمية والعالمية، باستثناء بعض الصناعات التحويلية مثل صناعة الخزف والمعادن الثمينة والصناعات الغذائية كالمشروبات الروحية والمعلّبات...».
وينسب الدكتور المرّ ضعف تنافسية الكثير من الصناعات اللبنانية في الأسواق الخارجية، إلى الأكلاف الباهظة التي تتكبّدها الصناعة اللبنانية للحصول على عوامل إنتاجها، وأهمها كلفة رأس المال (إرتفاع الفوائد) واليد العاملة (أجور واشتراكات الضمان الإجتماعي)، والمواد الأولية والطاقة (غياب التعرفات التفضيلية)، والتكاليف غير المنظورة، مثل الرشاوى التي تدفع لإنجاز المعاملات وتخليص البضائع...
وشدّد الدكتور المرّ على ضرورة تخفيض أكلاف عوامل الإنتاج، وتطبيق سياسات اقتصادية محفّزة من شأنها تشجيع المؤسـسات على الاستثمار في معدات حديثة ومتطوّرة وذات تقنيات عالية، مما يحسّن الإنتاج كمًّا ونوعًا، ويسمح بالتالي بتخفيض الأسعار وبتسهيل ترويج هذا الإنتاج في الأسواق المحلية، والإقليمية والعالمية.

 

رأس المال البشري
في الإطار ذاته، دعا الدكتور المر إلى «الاستثمار بالرأسمال البشري أكثر فأكثر، وذلك من خلال إعداد الكوادر البشرية وتطوير مهاراتها في استعمال الأساليب الإدارية والتسويقية الحديثة والتقنيات الإنتاجية المعاصرة، وكذلك تفعيل القدرات الإبتكارية، ولا سيّما في مجالات تكنولوجية تتمتع بقيمة مضافة عالية، مثل البرمجيات والإلكترونيات وغيرها من الصناعات المتطورة».
كما دعا إلى الاهتمام بتحسين عناصر الجودة، حيث شدّد على «أهمية مطابقة الصناعات والخدمات اللبنانية لمواصفات ومعايير الجودة المعروفة عالميًا (ISO)، كي تتمكن من اختراق الأسواق العالمية، بحيث أن المنافسة بالجودة تضاهي اليوم المنافسة بالأسعار بشكل كبير».
ولحظ الدكتور المرّ «تغيّرًا في مراتب الدول المصدّرة إلى لبنان، بحيث تصدّرت الصين المرتبة الأولى في قائمة الاستيراد اللبناني، بعد أن حلت مكان الولايات المتحدة الأميركية التي حافظت على المرتبة الثانية يليها الإتحاد الأوروبي، وهذا التغير يعود برأيه إلى عدة أسباب أهمها:
- تحوّل الطلب اللبناني من الأسواق الأوروبية إلى الأسواق الصينية، نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأوروبية بالتوازي مع ارتفاع سعر صرف اليورو.
- ملاءمة الأسعار المتدنّية للسلع الصينية للقدرة الشرائية للمواطن اللبناني، التي تدنت مع تدني قيمة الليرة اللبنانية، ممّا دفعه إلى التعديل في عاداته وخياراته الاستهلاكية متخليًا رويدًا رويدًا عن شراء العلامة التجارية الأوروبية.
- مرونة المصانع الصينية في تلبية طلبات المستوردين اللبنانيين، كمًا ونوعًا في الكثير من المجالات الإستهلاكية.
وعزا «التراجع في الاستيراد اللبناني بشكل عام إلى الركود الاقتصادي الراهن نتيجة الوضع الأمني والعسكري المحلي والإقليمي، ممّا انعكس تراجعًا في الإيرادات الجمركية وإيرادات الضريبة على القيمة المضافة بشكل ملحوظ».
 وقال أخيرًا إن «الخلل في وضع التجارة الخارجية الحالي هو هيكلي، ولا يمكن معالجته، إلا بخطوات أساسية لها علاقة بتحسين القدرة التنافسية وبفتح أسواق جديدة، والتحوّل نحو منتجات ذات قيمة مضافة، تتناسب والطلب المحلي والإقليمي، وبتحسين نهج التعاطي مع المستثمرين والمنتجين، من أجل تسهيل نشاطهم وتخفيض الأكلاف المترتبة عليهم. وقبل كل شيء، تأمين الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي الذي يشكّل العامل الأساس في تفعيل العجلة الاقتصادية، وتحقيق الإزدهار».

 

«النظيف والسليم» يتسابق المستوردون على شرائه
تنشط بشكل مضاعف عن السنة الماضية حركة الشاحنات المبرّدة المحمّلة بالــعنب اللــبناني، الذي شـهد إنتاجه تطـورًا مـلـحـوظــًا على صعيدي الكــميّـة والـنوعيـة.  
فالخطوات الرسمية المواكبة فعلت فعلها في تطوير هذه الزراعة التي تزداد المساحات المخصصة لها سنة بعد سنة.ولا يتوقف تطور زراعة العنب على زيادة المساحات المخصّصة لها فقط، إنما ترافق ذلك زيادة قياسية في الكميات المنتجة ونوعيتها التي تتبدل وتتطور وفق حاجات السوق المحلية والتصديرية.
ويلحظ أن التصدير ناشط بحرًا وبرًا وجوًا، بحيث يتســابق المستوردون على شــراء العنب اللبنــاني الذي بات يحمل إســـم «الــنظيف والسليم».
لا حدود للإيجابيات في الحديث عن موسم الكرمة في البقاع هذا العام، باستثناء سلبية واحدة يتشارك في معاناتها مختلف أصحاب الكروم الذين يشكون مما يسمونه «الإغراق»، والمقصود إدخال كميات كبيرة من العنب من سوريا باتجاه لبنان عبر المعابر غير الشرعية، ما يلحق ضررًا بالكميات المخصّصة للسوق المحلي اللبناني.
أما في ما خصّ التصدير فإن الأسواق العربية والأجنبية باتت مفتوحة أمام شاحنات التصدير المحمّلة بالعنب اللبناني، بحيث فتحت هذه الأسواق حدودها من دون أي عقبات، بعدما اطمأنت لسلامة العنب وخلوّه من الترسّبات، وهذا ما توثقه شهادات وزارة الزراعة وفحوصاتها، فالوزارة باتت تفرض على كل مصدّر عنب فحصًا مخبريًا يتعلق بنوعية الإنتاج وجودته، والفحص مجاني وفق ما يؤكد وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن، الذي تحدّث عن ثورة إرشادية في موضوع زراعة العنب التي تتسع يومًا بعد يوم.
إنها القيمة المضافة التي استفاد منها قطاع العنب بدءًا من المكافحة البيوليوجية التي تمتاز بفعالياتها ونتائجها الإيجابية المطلوبة، إلى توزيعها مجانًا، والأهم أن هذه المكافحة حلّت محل المكافحة الكيميائية السابقة المكلفة ماليًا، والتي كانت في أكثر الأحيان، العائق الأكبر أمام دخول شاحنات العنب إلى أسواق التصدير العربية والعالمية.
فقد حققت المعالجة البيولوجية نتائج مذهلة في تخفيض كلفة إنتاج العنب، والأهم، حمايته من الترسبات والمعالجات الكيميائية، إذ وزّعت وزارة الزراعة على المزارعين مجانًا، شرائط مشوّشة جنسيًا لذكور الفراش ما يمنع تكاثرها وانتشارها.

 

800 مليار دولار كلفة اقتصادات «الربيع العربي» والبطالة تتفاقم
توقّع مصرف HSBC البريطاني في دراسة أعدّها، أن تفقد انتفاضات «الربيع العربي» دول الشرق الأوسط نحو 800 مليار دولار من الناتج الاقتصادي في نهاية 2014، «إذ تواجه تلك الدول صعوبة في استعادة الاستقرار».
وتشير الدراسة إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سيكون للدول الأكثر تأثّرًا - مصر وتونس وليبيا وسوريا والأردن ولبنان والبحرين- أقل بنسبة 35 في المئة، ممّا كان سيبلغه لو لم تحصل تلك الانتفاضات في 2011. ولفتت الى أنّ التدهور الشديد في الميزانية وتراجع فاعلية الحكومة والأمن وسيادة القانون، «سيضغط بشدة على جهود صانعي السياسات حتى في ما يتعلق بإعادة التوظيف إلى مستويات ما قبل الثورة».
وتوقّع HSBC تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 4 في المئة في 2013 قبل أن يرتفع الى 4.2 في المئة في 2014 مقارنة بنسبة 4.5 في المئة في 2012، و4.9 في المئة في 2011. وتنطوي هذه التوقّعات على تفاوت كبير بين دول الخليج الغنية بالنفط، التي ازدهرت عمومًا وبين الدول المتعثرة في شمال إفريقيا. وعلى سبيل المثال، يتوقّع أن ينمو اقتصاد مصر 2.2 في المئة فقط هذه السنة و3 في المئة في 2014، لتعرّضها لضغوط شديدة على الميزانية العامة والموازين الخارجية، وهي معدلات نمو يعتقد كثير من المحللين، أنها أقل من المعدلات اللازمة لخفض البطالة.
وازدهرت دول الخليج منذ الـ2011 لأن «الربيع العربي» رفع أسعار النفط، إلا أنه ألحق ضررًا باقتصادات دوله أيضًا، «إذ زاد اعتمادها على الإنفاق الحكومي الذي تموّله إيرادات النفط، ما أعاق تنفيذها إصلاحات اقتصادية».