بين الانتشار النووي والردع الصاروخي: العالم على رأس صاروخ

بين الانتشار النووي والردع الصاروخي: العالم على رأس صاروخ
إعداد: الدكتور أحمد علو
عميد متقاعد في الجيش اللبناني

«حين تشعر الدول بنسبة أقل وأقل من الأمان، فإنها تضاعف جهودها أكثر وأكثر لتكديس الأسلحة في ترساناتها إلى الحد الذي يكفي لإخافة العدو وردعه، ولكن تراكم القدرات العسكرية الكبيرة يزيد فقط من الشعور بعدم الأمن، وهذا ما يؤدي إلى سباق تسلح عنيف ومن دون نهاية».
جوزف كاميللري في كتابه أزمة الحضارة

 

 

أولاً: مقدمات

بين هواجس الأمن والطموح السياسي والمصالح الاقتصادية

تسعى الدول، في كل الأزمان، لتعزيز أمنها، وحماية نفسها ككيان سياسي وسيادي بين غيرها من الدول، والعامل الاعتباري والمهم بالنسبة اليها، هو بأي وسائل يمكن تحقيق هذا الهدف؟ إن الزمن الذي كانت فيه الدول تؤمِّن أمنها ببناء قواها العسكرية فحسب قد مضى، ذلك أن الإمكانات المتوافرة في التسلُّح العصري لم تترك لأي دولة الأمل بالاعتماد على العامل العسكري وحده، لأن سباق التسلح وأسلحة الدمار الشامل لم تترك لأي منها المجال لأن تربحها، ولأن أي حرب نووية تندلع ستضع الحضارة البشرية تحت الخطر المباشر، ولن يكون فيها رابح، ذلك أن المخزون الهائل من الأسلحة الفتاكة يمكنه تدمير كل شيء على الأرض. لذلك صار واضحًا أن أمن الدول يمكن أن يتحقَّق من خلال الوسائل السياسية، أكثر منه عبر الوسائل العسكرية، خصوصًا أسلحة الدمار الشامل (النووية والكيماوية والجرثومية والإشعاعية وغيرها).

فامتلاك هذه الأسلحة (وإن كانت اصطلاحًا عسكريًا يعني القوة والأمن لمن يمتلكها)، يعني أيضًا صعوبة القدرة على استخدامها لما لتأثير ذلك من خطر على مستعملها أولاً، وهكذا فإن هذا الاصطلاح إتخذ بعده العسكري في استخدامه سلاحًا سياسيًا للتأثير في العلاقات الدولية، وفرض الأمن الجماعي، ورسم السياسات العالمية والاستراتيجيات المختلفة.

يشغل موضوع أسلحة الدمار الشامل اليوم حيِّزًا مهمًا في التداول السياسي بين الدول، ويعتبر محركًا للتوجه السياسي والعسكري خصوصًا للولايات المتحدة الأميركية باعتبارها «زعيمة العالم اليوم».

 

بين منع الانتشار وسياسة الاحتكار

كانت الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأولى في العالم التي امتلكت السلاح النووي واستعملته في حربها ضد اليابان العام 1945، وقد بذلت جهودًا كبيرة لاحتكاره، والحؤول دون انتشاره، كما حثَّت دولاً أخرى للإفادة من الطاقة النووية في الأمور السلمية ومجالات التنمية، وقدمت مشروعًا بذلك للأمم المتحدة عُرف بمشروع «برنارد باروخ»[1] الذي رفضه الاتحاد السوفياتي. بيد أن هذا الأخير سرعان ما امتلك بدوره هذا السلاح العام 1949، وطوّر خلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي تقنية الصاروخ، التي أفاد منها العام 1957 لإرسال أول قمر صناعي إلى الفضاء الخارجي. وبذلك أصبح هذا الصاروخ قادرًا على حمل رؤوس نووية ما شكَّل تهديدًا للأراضي الأميركية التي لم تعد بمنأى عن أي هجوم سوفياتي محتمل. لحقت بريطانيا العام 1952، وبدعم من الولايات المتحدة، بركب الدول النووية، ثم تبعتها فرنسا في شباط/فبراير من العام 1960، ولحقتها الصين الشعبية العام 1964. وبذلك اكتمل النادي النووي المؤلف من الدول الخمس الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وصاحبة حق النقض (Veto) في مجلس الأمن الدولي. وقد حاولت الهند اللحاق بهذا الركب أيضًا، وأجرت أول تجربة نووية العام 1974، ولكنها أبقيت خارج النادي الدولي النووي، غير أنها حرّضت شقيقتها اللدود الباكستان على العمل للحصول هي أيضًا على سلاحها النووي لإقامة التوازن الأمني مع الهند، لا سيما أن الحرب كانت ما تزال مستمرة بينهما في ذلك الوقت، وقد تم لها ذلك العام 1998.

 

الإنتشار النووي

أدى إنتشار الأسلحة النووية الى تسعير حمى سباق التسلح، وشكّل مضامين خطيرة على جوهر السلام، خصوصًا مع إمكان وقوع قنبلة نووية بأيدي مجموعة عدوانية أو إرهابية. وبدعوى الحد من تزايد السعي للحصول على الأسلحة النووية، فقد تـمّ التوقيـع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ومنعه (NPT=Non-Proliferation Treaty)، وذلك في الأول من تموز/يوليو 1968، والتي دخلت حيّز التنفيذ في 5 آذار/مارس 1970. وقد أوجدت هذه المعاهدة منظومة من التدابير للمراقبة والحماية. فالوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA - International Atomic Energy Agency) تضطلع بمسؤولية التحقُّق من أن المواقع النووية التي تراقبها لا تستعمل لأغراض عسكرية، وذلك من خلال تقرير الحكومات المعنية والموقعة على المعاهدة، كذلك من خلال التفتيش العملي في المواقع النووية المحدَّدة. وقد التزمت دول المعاهدة تسهيل عمل الوكالة للوصول الى أي مركز أو منشأة نووية، أو ذات صلة، للكشف عليه، والتأكد من حسن تطبيق التدابير الضرورية للحماية.

جاءت معاهدة عدم الانتشار نتيجة عشر سنوات من المفاوضات في نطاق الأمم المتحدة، وقد تضمَّنت تعهدًا من الدول النووية الأطراف فيها، بالامتناع عن نقل الأسلحة النووية، أو غيرها من المواد النووية إلى أي طرف آخر، أو مساعدته لإنتاجها، أو الحصول عليها، كذلك تمتنع الدول غير النووية عن الحصول على مساعدات تمكِّنها من ذلك. ولكنها لم تعارض استخدام الذرّة لأغراض التنمية السلمية وإنتاج الطاقة.

لم يتجاوز عدد الدول الأعضاء التي تمتلك السلاح النووي رسميًا الخمس طوال فترة ما بين 1968 و1991، مع الإشارة إلى تجربة الهند العام 1974، وجنوب أفريقيا وإسرائيل. كما أن بعض الدول تخلَّى عن برامجه النووية كالأرجنتين والبرازيل، وجنوب أفريقيا في ما بعد قبيل تسليم السلطة للمواطنين الأفارقة الأصليين فيها العام 1993، وذلك نتيجة الأكلاف الباهظة لهذه البرامج التي أرهقـت ميزانيـات هذه الدول، أو تأثير الضغط الذي مارسته الدول الكبرى النووية عليها، لاعتبارات أمنية، أو سياسية، خصوصـًا الولايات المتحـدة الأميركيـة.

أميركا اللاتينية والمحيط الهادئ[2]

العام 1967 وقَّعت أربع عشرة دولة أميركية لاتينية، في مكسيكو عاصمة المكسيك، معاهدة «تلاتلولكو Tlatelolco» التي تحرِّم الأسلحة النووية في أميركا اللاتينية، وقد دخلت حيِّز التنفيذ في 25 كانون الثاني/يناير العام 1969. وبحلول العام 1980 إنضم إليها ثماني دول أخرى، وقد فرضت على الدول المتعاقدة أن تمنع وتتجنَّب استقبال أو تخزين أو إنشاء، أو نشر أو امتلاك أي سلاح نووي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذا ما منع تجارة هذه الأسلحة أو مرورها من خلال المنطقة، ما اضطر الولايات المتحدة وزميلاتها الأربع النووية إلى توقيع بروتوكول إضافي للمعاهدة المذكورة تعهَّدت فيه هذه الدول باحترام الدول غير النووية. والعام 1985 وقّع 11 عضوًا من مجموعة دول جنوب المحيط الهادئ معاهدة «راروتونغا Rarotonga» (وهي إحدى جزر كوك في المحيط الهادئ) التي أوجدت منطقة خالية من الأسلحة النووية، ودخلت حيِّز التنفيذ في 11 كانون الأول/ديسمبر العام 1986.

 

الشرق الأوسط

تُعتبر إسرائيل رسميًا الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط حاليًا، وقد قطع برنامجها النووي مراحل متقدِّمة وأنتج عشرات الرؤوس النووية وربما المئات. وهي تعتمد سياسة «الغموض الإيجابي» حول ملكيتها السلاح النووي، وعدده، ولم تنضم إلى معاهدة عدم الانتشار حتى اليوم، على الرغم من ضغوطات المجموعة العربية، والأمم المتحدة، حتى أن مشاريع جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل باءت بالفشل، وذلك لرفضها إخضاع مفاعلاتها النووية لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما أن الولايات المتحدة لا تبذل جهدًا للضغط على الكيان الصهيوني لقبول ذلك، في حين أقدم هذا على ضرب مفاعل «أوزيراك» في العراق العام 1981. ثم قامت الولايات المتحدة بضرب العراق واحتلاله وإسقاط نظامه تحت شعار إخفائه أسلحة دمار شامل، أو عدم السماح بالتفتيش عليها، العام 2003.

وإذا اعتبرنا أن إيران تنتمي إلى دول الشرق الأوسط فإنها تقوم اليوم بتطوير برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم، ما استدعى ردة فعل دولية وإقليمية كبرى أوصلت الملف النووي إلى مجلس الأمن الدولي، وفرض عقوبات إقتصادية عليها. كما أن الولايات المتحدة تهدِّد بضرب مفاعلاتها النووية ومراكز البحوث التابعة لها. وعلى الرغم من أن إيران سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش مراكزها النووية، وأعلنت أنها تقوم بتطوير برنامجها لأهداف سلمية، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الإتحاد الأوروبي لم تقتنع بذلك واعتبرت أنها تقوم بتطوير برنامجها النووي لأهداف عسكرية وإنتاج الأسلحة النووية. ولم تفلح المفاوضات حتى الآن في حل هذه المشكلة التي تعكس ازدواجية المعايير في النظر إلى بعض الدول، من منظور الدول الكبرى وخصوصًا الولايات المتحدة، والتي قد تؤدي الى صراع دموي خطير يطال المنطقة والعالم ويهدد السلام العالمي.

 

الشرق الأقصى

أعلنت اليابان في آب/أغسطس 1993 أنها تدرس إمكان إنتاج أسلحة نووية بسبب خوفها من نشوء قوة نووية كورية موحَّدة مستقبلاً تهدد مصالحها في آسيا، بالاضافة إلى خوفها من قدرات الصين الملفتة والصاعدة.

أصبحت الهند وباكستان دولتين نوويتين بعد إجراء تجاربهما النووية رسميًا في أيار/مايو 1998، ورفضتا التوقيع على معاهدة عدم الانتشار في غياب نص يفرض نزعًا شاملاً للسلاح النووي.

تعتبر كوريا الشمالية دولة نووية، وهي دولة «مارقة» بعرف الولايات المتحدة كونها لا تلتزم معاهدة عدم الانتشار وتنتهك مضمونها، وينظر إليها الغرب كإحدى دول «محور الشر»، في دعمها لدول وجماعات تعارض سياسات الولايات المتحدة في العالم اليوم. وقد جرت محاولات متعدِّدة معها لاستبدال برنامجها النووي بمساعدات مالية وتزويدها الطاقة التي تحتاج اليها.

 

المناطق الخالية من الأسلحة النووية

يرتبط عدم نشر نوع من الأسلحة النووية في مكان معيَّن بمفهوم «نزع السلاح» أو «التجريد العسكري Demilitarization»، والتجريد الكامل ينتج عن التحريم التام لنشر أي سلاح نووي في إقليم ما، وهكذا وجدت مناطق خالية من السلاح في جزر آلاند في بحر البلطيق، والانتاركتيكا، وأرخبيل سبيتزبرجن قرب النروج.

وحتى اليوم فقد أعلن الفضاء الخارجي منطقة خالية من السلاح النووي كما نصت معاهدة 1967 حول المبادئ التي تحكم نشاطات الدول في اكتشاف الفضاء الخارجي واستخدامه ومن ضمنها القمر، وغيره من الأجرام السماوية، والتي دخلت حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر 1967 وقد تضمَّنت فقرة تمنع نشر أي سلاح دمار شامل هناك. كما أن معاهدة 1971 حول منع تركيز أسلحة الدمار الشامل في قاع البحار وقعر المحيط، وفي باطن الأرض، دخلت حيِّز التنفيذ في 18 أيار/مايو 1972.

كذلك نوقش موضوع اعتبار أفريقيا منطقة لا نووية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأعلن بالقرار 1652 في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1961. كما وضعت مسودات مشاريع عديدة لخلق مناطق خالية من الأسلحة النووية في أماكن مختلفة من العالم كشمال أوروبا ووسطها، البلقان، البلطيق، البحر المتوسط، المحيط الهادئ والشرق الأوسط.

 

سياسة الانتشار أو الاحتكار

أثبتت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي السابق خلال النصف الثاني من القرن العشرين أن السلاح النووي يشكل رادعًا معقولاً لكلا الطرفين عن الانخراط في حرب نووية، وسقفًا لا يمكن تجاوزه في صراعاتهما حول العالم دفاعًا عن مصالحهما، ذلك أنه وكما قال الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن «إن حربًا نووية لا يمكن ربحها، ويجب عدم خوضها». كذلك فقد خيضت كل الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، بأسلحة تقليدية، وتحوَّل السلاح النووي إلى اصطلاح سياسي يؤثِّر في نسج العلاقات الدولية وإضفاء قوة معنوية رادعة للدول التي تمتلكه، ويعزِّز مكانتها الإقليمية والدولية، ويحمي مصالحها وأهدافها الجيوستراتيجية. من هنا سعت الدول الكبرى التي ربحت الحرب العالمية الثانية (دول النادي النووي الخمس)، إلى منع انتشار هذا السلاح من خلال معاهدة عدم الانتشار (NPT)، والوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) وذلك عبر تدابير الوقاية والحماية ومراقبة البرامج النووية للدول التي تسعى إلى استخدام الطاقة النووية لأهداف سلمية، وبشكل صارم.

إلا أن بعض الدول خرق معاهدة عدم الانتشار، وتمكَّن من حيازة أسلحة نووية، كالهند والباكستان وكوريا الشمالية، وإسرائيل، وخضعت ردة الفعل الدولية على ذلك لاعتبارات سياسية تتعلَّق بمصالح الدول الكبرى، فغضّت الطرف عن بعضها، ووقفت بوجه بعضها الآخر، ما أكَّد وجهة النظر المزدوجة للدول الكبرى ومجلس الأمن حيال هذه القضايا، وبالتالي أظهر عدم موضوعية تطبيق المعاهدة بمنع الانتشار، وهذا ما حفّز إيران على تطوير برنامجها النووي لأهداف سلمية كما تقول. إلا أن سياسة الولايات المتحدة واستراتيجيتها حيال الانتشار النووي في العالم بشكل عام، والشرق الأوسط بشكل خاص، تقوم على ردة الفعل تجاه النوايا عند بعض الدول، خصوصًا تلك التي تعارض سياستها العالمية واستراتيجيتها للحفاظ على أمنها القومي. وإيران اليوم تعتبر «عدوة» لمصالح الولايات المتحدة، ونوويةً ستهدِّد مصالح الأمن الإستراتيجي المتمثِّل في الشرق الأوسط بما يعنيه هذا الإصطلاح ويحتويه من موارد الطاقة، ووجود إسرائيل كحليف إستراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه، كذلك وجود دول صديقة وحليفة على طول الخليج العربي وعرضه، وصولاً إلى بحر قزوين ودول آسيا الوسطى وأفغانستان، والعراق حيث الوجود الأميركي العملي المتمثِّل بقواتها البرية، وقواعدها في تركيا والمحيط الهندي وباكستان والجزيرة العربية وغيرها.

إن سعي الولايات المتحدة اليوم لإجبار إيران على وقف برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم ومنعها من حيازة سلاح نووي، من خلال دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، أو مجلس الأمن، والتهديد باستخدام القوة أو العقوبات ضدها في حال عدم إذعانها «للإرادة الدولية»، أدى الى ردة فعل إيرانية تهدِّد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة كلها، ومن ثم ضرب مصالحها عبر العالم، ما يؤشر الى أن استخدام القوة العسكرية ضد إيران سيؤدي حتمًا إلى تهديد السلام في منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وربما في مختلف أنحاء العالم، حيث تنتشر مصالح للولايات المتحدة بأشكالها المختلفة.

 

سباق التسلح النووي Nuclear Arms Race

كانت الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأولى في العالم التي افتتحت العصر النووي مع نهاية الحرب العالمية الثانية حين قامت بأول تفجير نووي في صحراء «نيومكسيكو» في 16 تموز/يوليو 1945، وأتبعته بإلقاء قنبلتين ذريتين على اليابان، في 6 و9 آب/أغسطس من العام نفسه، نتج عن فظاعة تدميرهما استسلام اليابان، وعن ترجيع صداها دوي هزّ دول العالم في سياساتها واستراتيجياتها، وهذا ما دفع الدول الكبرى إلى خوض سباق هائل للحصول على السلاح النووي.

على خلفية الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب وتصاعده، تسارعت وتيرة هذا السباق في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وحلفائها، والاتحاد السوفياتي السابق وحلفائه. لقد حوَّلت الأسلحة النووية صراع الشرق والغرب إلى صراع يمسّ كل فرد في العالم المعاصر، وعاشت البشرية مأزقًا وجوديًا لأنها ستكون أولى ضحايا أي حرب تندلع. كما أدى سباق التسلح النووي إلى أزمة مستمرة في حياة دول الشرق والغرب، فالدول النووية وقعت أسيرة منطق هذا السباق الذي طوّر قوانينه الخاصة بمعزل عن إرادة الدول نفسها، والتي أضحت تدور في حلقة مفرغة، فكلما تم تطوير أسلحة جديدة وتضاعف عددها وحجمها إزداد شعور الدول النووية بعدم الأمان. وهذا الشعور المتزايد بالاحساس بالخطر كان بدوره ينمِّي سباق التسلح ويزيد من حاجة الدول إلى طلب المزيد من الأسلحة النووية الجديدة. وهكذا تحوَّل سباق التسلح إلى عنوان للعلاقات الدولية، ومؤشر لنمط سلوك الدول وتعاملها في ما بينها. وأصبح التسلح قرارًا لتأكيد حاجة، وتلبية لوظيفة، أو استجابة لتحدٍ، ولم يعد اصطلاحًا عسكريًا يعني تكديسًا لطائرات ومدافع ودبابات وأسلحة دمار شامل فحسب، بل تحوَّل إلى سياسة واستراتيجيا، وصار يحمل مضامين أمنية، ونمطًا للعلاقات، تسعى الدول وخصوصًا الكبرى منها لفرض سلطتها وهيبتها من خلال تحقيق سبق فيه مهما كلف الثمن.

في هذا الجو الواقع على حافة التفجر، واندلاع الحرب، قدَّمت الدول الكثير من إمكاناتها، وبدَّدت الكثير من ثرواتها القومية في سبيل التسلح، وانخرطت في سباق محموم للتسلح سعيًا وراء «هدف سام» هو تحقيق أمنها. وبذلك تحوَّل السباق إلى وحش يلتهم ما يجده أمامه من وفورات وإنجازات اقتصادية، وتقدم صناعي، وعلى حساب تنمية مجتمعات هذه الدول ورخاء شعوبها. كما أدَّت حمى هذا السباق والتنافس على تطوير الأسلحة إلى إنعكاس في البنية الفكرية والعسكرية للدول نتج منها:

أ - تطور الاستراتجيات العسكرية للدول.

ب- تأثر السياسات العامة للدول بالسياسات العسكرية.

ج- تأثر السياسات الخارجية والعلاقات الدولية بهذا التطور وانعكاس ذلك على التزام الأعراف والقوانين الدولية.

د- تطوُّر العقائد العسكرية للدول والكتل الدولية لتتماشى مع كل تطور تقني.

لقد دفع التنافس النووي ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، ورغبة كل منهما في إحراز قصب السباق، والتفوق في امتلاك النوع والكم الأفضل في مجال التسلح، دولاً أخرى إلى امتلاك أسلحة نووية خوفًا من تهديد كل من هاتين الدولتين غيرهما من الدول. ويرى روبرت مكنمارا (وزير دفاع أسبق للولايات المتحدة خلال ستينيات القرن الماضي) «أن تاريخ البرامج النووية في دول مثل الصين، والهند، وباكستان، وحتى فرنسا، جاء نتيجة التهديد النووي للدول غير النووية، بحيث أصبح دافعًا لها لامتلاك أسلحة نووية»[3].

 

نزع السلاح [4]Disarmament

على الرغم من أن التسلح حق سيادي يكفله القانون الدولي والعلاقات الدولية، إلاَّ أن هناك ضوابط تعارفت عليها الدول في تعاملها مع هذا الموضوع، وظهرت إلى الوجود اصطلاحات لكل منها معناها المحدَّد، فهناك اصطلاح نزع السلاح (Disarmament)، ومراقبة التسلُّح (Arms Control)، وعدم الإنتشار (Non proliferation)، والحد من التسلُّح (Arms Limitation)، وغيرها. وقد شكَّل موضوع نزع السلاح مجالاً واسعًا للجهود الدولية المتفق عليها للتخفيض والإلغاء النهائي لكل أشكال الحرب، وقد صار اليوم مبدأً أساسيًا من مبادئ القانون الدولي حيث تحدِّد شرعة الأمم المتحدة الطرق الواجب إتباعها لنزع السلاح، وذلك من خلال جهازين رئيسين من أجهزة المنظمة الدولية: الجمعية العامة ومجلس الأمن، كما تضم الأمم المتحدة لجنة تعرف باسم لجنة نزع السلاح (Disarmament Commission) تتألف من أعضاء الأمم المتحدة كافة.

 

نزع السلاح التام

أول وسيلة قانونية دولية لإقرار نص يعتبر أن نزع السلاح الشامل والعام هو الغاية النهائية لعملية مراقبة التسلح. كان قرار الجمعية العامة الرقم 1378 تاريخ 1959/11/20 والذي أصبح في ما بعد جزءًا لا يتجزأ (Embeded) من عدد من الاتفاقات العديدة الأطراف، كإتفاقية موسكو العام 1963 التي تحرِّم التجارب النووية بوسائطها الثلاث، واتفاقية عدم إنتشار الأسلحة النووية العام 1968. وفكرة نزع السلاح الكامل كانت واضحة منذ العام 1961 ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السـوفـياتي وذلك من خلال مفاوضات حول المبادئ المقبولة لنزع سلاح تام، وقد نصّت الفقرة الثالثة على:

أ - تسريح القوات المسلحة، وتفكيك الانشاءات العسكرية وخصوصًا القواعد.

ب- القضاء على مخزون الأسلحة النووية والكيماوية والجرثومية.

ج- تدمير وسائط إيصال أسلحة الدمار الشامل.

د- إلغاء المنظمات والوكالات والمعاهد المخصَّصة لتنظيم الجهود العسكرية، والتدريب العسكري.

يرى صموئيل هانتغتون: «أن نزع السلاح بشكل كامل يتطلب شكلاً من أشكال الحكومة العالمية التي تردع أمة من الاعتداء على أخرى. ففي عالم منزوع السلاح، ومن دون حكومة مسلحة تسليحًا كافيًا لمنع الاعتداء بين الأمم، فإن الاختلافات العقائدية والمصالح قد تؤدي بسهولة إلى تجدُّد النزاع العالمي وخطر الحرب، ولكن أي حكومة عالمية قادرة على منع النزاع العالمي قد تتحوَّل إلى ديكتاتورية مطلقة». ربما يجانب هذا القول الحقيقة في عالم القطب الواحد الذي نعيشه اليوم[5].

 

مراقبة التسلح Arms Control

حلَّت مراقبة السلاح محل نزع السلاح في مفردات الخبراء منذ ستينيات القرن العشرين، وكانت تعني هامشًا أوسع للعمل أكبر من نزع السلاح لأنها تتضمَّن خطوات تفرض التوازن، وتساعد في تجنب الحوادث. ولكن كان من الصعب فصل موضوع مراقبة السلاح عن المشاكل السياسية ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، كما أن الدولتين استعملتا الموضوع للدعاية في أغلب الأحيان وحتى نهاية الحرب الباردة. وتمَّ الحفاظ على السلم والأمن الدوليين خلال هذه الفترة عبر إقامة توازن للقوى، والردع النووي المتبادل بين القطبين، وقد تمَّ توقيع عدد من المعاهدات منها «سالت1 و2»، ثم «ستارت1 و2»، وغيرها من المعاهدات والاتفاقات التي كانت تهدف إلى الحد من إنتاج الأسلحة النووية ووسائطها ومراقبة نشر أي سلاح جديد من صواريخ وغواصات نووية.

لقد أدت عملية مراقبة السلاح والتسلح دورًا إيجابيًا يمكن تقديره عبر أبعاد ثلاثة:

أ - الردع الثابت: وذلك بتأمين قوى كافية ومعقولة لردع الخصم عن القيام بمغامرة سياسية غير محسوبة جيدًا قد تؤدي إلى الحرب.

ب- مراقبة سلاح ثابتة: من خلال إقامة علاقات عسكرية متبادلة بين الدولتين تسمح بمراقبة البناء العسكري والموارد العسكرية لكل منهما.

ج- تثبيت الأزمات: بإيجاد شكل من أشكال القوى عند الطرفين تمنع أياً منهما وقت الأزمات من القيام بالضربة الأولى.

وفي الواقع، استطاعت تدابير مراقبة الأسلحة أن تفتح الباب بين الطرفين لمحاولة بناء الثقة من خلال الاتصالات أكثر من تغيير واقع القوى العسكرية على الأرض، الذي حافظت الدولتان على توازنه، هذا الذي قال روبرت مكنمارا عنه: «إن التوازن لا يعني التساوي المطلق في الوسائل المتاحة، وإنما يعني قدرة كل جانب على الرد بتدمير الآخر بيقين مناسب»[6].

 

البعد الحقيقي لسباق التسلح

يرى البعض أنه لو كانت العلاقات بين الدول مبنية في أساسها على الثقة الكاملة في نوايا بعضها تجاه البعض الآخر، لما كان ثمة داعٍ للتسلح، ولما وجدت مشكلة نزع السلاح بالصورة التي نعرفها. إن الشك المتبادل يشكل عائقًا كبيرًا على طريق نزع السلاح النووي وغيره، وهذا يؤدي إلى المبالغة في طلب المراقبة والتفتيش[7] وتعقيداتهما، ويتحوَّل إلى حلقة مفرغة، ومأزق سياسي وفني، لم تتمكَّن الدول من تجاوزه حتى الآن. كذلك فإن العوامل الفنية والسياسية ليست هي الوحيدة في إعاقة عملية نزع السلاح، ذلك أن للمؤسسات العسكرية البيروقراطية، والتوجهات السياسية والعقائدية لقادة الدول في العالم، دورًا أساسيًا في ذلك. إلا أن السبب الأهم هو تلك الشبكة المعقَّدة من المؤسسات والصناعات العسكرية المعنيَّة مباشرة بإنتاج الأسلحة المختلفة وتطويرها، والتي تتدخَّل باستمرار لإحباط أي مشروع لنزع السلاح في العالم، وهي «كارتل» ضخم من المجمعات الصناعية العسكرية تتألَّف من الدوائر العسكرية الرسمية ووزارات الدفاع، والصناعات الحربية الخاصة، والوكلاء الذين يروِّجون هذه الأسلحة، ويعقدون الصفقات المربحة بين الدول والمصانع.

إن هذه المجمَّعات العسكرية الصناعية تقف ضد أي تخفيض في الأسلحة، وتحارب الأفكار التي تروِّج لنزع السلاح النووي وغيره، وهي تمتلك قدرات وإمكانات مالية ودعائية هائلة توظِّفها في تغذية التوترات الدولية، والتأثير في صناعة القرارات، ورسم السياسات الدفاعية للدول من خلال فرق تضعها في وزارات دفاع الدول الكبرى وخصوصًا الولايات المتحدة الأميركية. وإذا عرفنا أن حجم مبيعات هذه المؤسسات والمصانع السنوية يبلغ آلاف مليارات الدولارات، وأن اقتصادات عدد من الدول الكبرى يعتمد على هذه الصناعة، لأدركنا البعد الحقيقي لسباق التسلح، وطوباوية حلم نزع السلاح، وجدوى مراقبته!

وجهة نظر الولايات المتحدة حيال خطر استعمال أسلحة الدمار الشامل[8]

تعتبر الولايات المتحدة أن أسلحة الدمار الشامل (WMD) النووية والبيولوجية والكيماوية في حوزة الدول المعادية والارهابيين تمثِّل أحد أهم تحدِّيات الأمن القومي الأميركي، وعليها أن تتابع استراتيجية شاملة لمقاومة هذا التهديد في جميع أبعاده، ذلك أن استراتيجيا فعَّالة لمحاربة هذه الأسلحة (سواء في استعمالها أو انتشارها) هي ركن أساسي في منظومة الأمن القومي الأميركي. وكما هي الحرب على الإرهاب، فإن الاستراتيجيا الأميركية لحماية الأرض الأميركية ومفهومها الجديد للردع يختلف عن الماضي في محاربة أسلحة الدمار الشامل. ولضمان نجاح هذا المفهوم، ترى الولايات المتحدة الأميركية أن عليها:

-1 أن تستفيد من تطور الإمكانات المتاحة اليوم بما فيها التكنولوجيا الحديثة.

-2 تطوير وسائل الاستعلام والتحليل.

-3 تقوية وتعزيز علاقات التحالف مع الدول وإقامة شراكة جديدة مع أخصامها السابقين.

إن أسلحة الدمار الشامل، كما ترى الولايات المتحدة يمكن أن تسمح لأخصامها بإحداث أذى شامل على صعيد الولايات المتحدة، وعلى قواتها على أرض الوطن وفي الخارج، وعلى أصدقائها وحلفائها.

إن بعض الدول، بما فيها تلك التي دعمت وما تزال تدعم «الإرهاب» (بالمفهوم الأميركي)، تمتلك أسلحة دمار شامل أو تسعى لامتلاك إمكانات أكبر كوسائل ضغط وتهديد لا تعتبرها أسلحة الملاذ أو الخيار الأخير، ولكنها ترى فيها أسلحة يمكن استعمالها لاخضاع تفوق الدول الأميركية في مجال الأسلحة التقليدية ولردع الولايات المتحدة عن الرد على الاعتداء على أصدقائها وحلفائها في مناطق ذات أهمية حيوية لمصالح أميركا. كما يمكن الإشارة إلى أن المجموعات الارهابية تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل بهدف قتل أكبر عدد ممكن من الناس في الولايات المتحدة والدول الصديقة والحليفة، بدون إنذار، وبدون تأنيب ضمير.

كذلك ترى الولايات المتحدة في نظرتها لمحاربة مخاطر أسلحة الدمار الشامل أنها لن تسمح للأنظمة الأكثر خطرًا في العالم، وللإرهابيين بتهديد أمنها بالأسلحة «الأشمل تدميرًا»، لذا ترى أن عليها أن تأخذ المبادرة لحماية أرض الولايات المتحدة وشعبها، وحماية قواتها وأصدقائها وحلفائها من وجود التهديد المتمثل بأسلحة الدمار الاشمل وتطوره. كيف ذلك؟

 

أعمدة الاستراتيجيا القومية الأميركية

يمكن إدراج الاستراتيجيا القومية للولايات المتحدة لمحاربة أسلحة الدمار الشامل في ثلاثة محاور رئيسة:

أ - محاربة انتشار أسلحة الدمار الشامل (Counterproliferation).

ب- تعزيز عدم الانتشار وتقويته (Strengthened Nonproliferation).

ج- إدارة وتدبير النتائج والعواقب الناتجة عن استخدام أسلحة الدمار الشامل: (Consequence Management to respond to WMD use).

 

محاربة إنتشار أسلحة الدمار الشامل أو استخدامها

أدركت الولايات المتحدة الأميركية من التجارب أنها لن تنجح في تجنُّب واحتواء انتشار أسلحة الدمار الشامل إلى دول معادية أو منظمات إرهابية، لذلك على القوات المسلحة الأميركية والوكالات المدنية المتخصصة أن تمتلك الإمكانات العملانية اللازمة لمواجهة تهديد استخدام هذه الأسلحة سواء جاءت من دول أو منظمات عدوانية ضد الولايات المتحدة وقواتها العسكرية، أو أصدقائها وحلفائها، وذلك من خلال الوسائل الآتية:

1- المنع Interdiction

يشكِّل المنع أو «الاعتراض الفعّال» قسمًا مهمًا في استراتيجيا الولايات المتحدة لمحاربة أسلحة الدمار الشامل وتوزعها. لذلك ترى أن عليها تعزيز إمكانات قواتها المسلحة، وأجهزة مخابراتها، وتقنيات مؤسساتها الوطنية وقوانينها لاعتراض ومنع حركة ومواد وتكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل وخبرائها من الوصول الى أيدي الدول «المعادية» لها وللمنظمات الإرهابية.

2- الردع Deterrence

تعتبر الولايات المتحدة الأميركية أن التهديدات التي تتعرَّض لها اليوم أكثر اختلافاً عن الماضي ولكنها مما يصعب التنبؤ به، فالدول المعادية (لها ولأصدقائها وحلفائها) أظهرت تصميمها الحثيث على الوصول إلى أهدافها بالحصول على أسلحة دمار شامل، وهي تتابع ذلك بشكل عدائي (كما ورد في النص). وكنتيجة لذلك فهي تحتاج إلى طرق جديدة للردع، وتشكيل سياسة معلنة وقوات مسلحة فعالة، وعناصر أساسية قوية في موقفها الردعي المعاصر، بالموازاة مع الإستخدام الأقصى للوسائل السياسية لإقناع الأخصام بعدم امتلاك أو استخدام أسلحة الدمار الشامل.

كذلك ستظهر الولايات المتحدة، بما لا يدع مجالاً للشك، أنها تحتفظ بحقها في الرد، وبـ «قوة ساحقة» واستخدام خياراتها كافة في حال الاعتداء عليها أو على أصدقائها وحلفائها.

3- الدفاع وتخفيف النتائج Defence and Mitigation

تفترض الاستراتيجيا الأميركية أنه في حال فشل الردع، وبسبب النتائج المدمِّرة التي تكمن في استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد قواتها وشعبها، على هذه القوات والوكالات المتخصِّصة أن تمتلك الإمكانات الضرورية للدفاع ضد استخدام مثل هذه الأسلحة. وهذا يتطلَّب تدابير وقائية، وإمكانات تعطيل وتدمير مصادر وأصول ووسائل استخدام أسلحة الدمار الشامل العدوة وذلك قبل استخدامها أو انطلاقها.

كذلك فإن انجاز تدابير الدفع الفعّال، والسلبي، والتخفيف من وقع النتائج وتنفيذ تدابير معالجة وتهدئة وقع النتائج المترتبة على استخدام هذه الأسلحة، يجب أن تحظى بأولوية تسمح للقوات المسلحة الأميركية والهيئات المتخصصة المدنية بإتمام مهماتها ومساعدة الحلفاء والأصدقاء عند الحاجة.

إن الدفاع الفعّال أو «الدفاع النشط» يمكن أن يعطّل، يعيق أو يدمر أسلحة الدمار الشامل وهي في طريقها الى أهدافها، وهذا يشمل سلاح جو قويًا وصواريخ ذات فعالية عالية للإعتراض.

أما «الدفاع السلبي» فيجب أن يتركَّز على مختلف أنواع أسلحة الدمار الشامل كلّ على حدة، والولايات المتحدة قامت منذ القديم بالاهتمام بوسائل الرد على التهديد البيولوجي والكيميائي على الرغم من الفوارق بينها، وهي تسعى دائماً لتأمين وتطوير وسائل دفاعها ضد الأسلحة البيولوجية.

يمكن ايجاز هذه الفقرة وخلاصتها بأن الولايات المتحدة تسعى للرد على أي عدوان يقع عليها فورًا وبالوسائل المتاحة من خلال ردعه أولاً أو تعطيله قبل انطلاقه أو خلال ذلك. كما أنها ترى وضع مخطط لما بعد النزاع وذلك بالقيام بعمليات لتدمير وتفكيك الامكانات المتبقية من هذه الأسلحة لدى الخصم، دولة كان أو شبكة ارهابية. وهي ترى أن ردها يجب ألاّ يمحو مصدر خطر هذه الأسلحة فحسب، بل يجب أن يتمتع بالقوة التي تردع الأعداء الآخرين الذين يملكون، أو هم في طريق الحصول على مثل هذه الأسلحة، عن التفكير بالقيام بعمل مماثل في المستقبل...

 

ثانيًا: أهمية الدفاع الصاروخي العسكري الأميركي

أ- المقدمات التاريخية للمشروع

يعيش عالم اليوم مشكلة تتفاعل ما بين دوله، وتتفاقم تداعياتها في أكثر من مكان، من أوروبا إلى آسيا إلى الولايات المتحدة الأميركية، وتتمثَّل برغبة الولايات المتحدة بإنشاء نظام دفاع صاروخي على أراضي القارة الأوروبية، وربما على مساحة الكرة الأرضية في ما بعد. وعندما باشرت الولايات المتحدة تنفيذ مشروعها في أوروبا اندلعت معارضة كبيرة له، بخاصة من روسيا الاتحادية وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب خطورته المباشرة على روسيا، وخطورة انعكاساته وتداعيات إنشائه على دول أوروبا وآسيا وربما على بقية دول العالم.

فما هو هذا المشروع العسكري؟ وما هي انعكاسات انشائه في أوروبا؟ وكيف انطلقت فكرة إقامته ومتى؟

إن الأجوبة عن هذه الاسئلة توضح انعكاسات المشروع على الحاضر والمستقبل.

1- بدايات المشروع

يعتبر البعض أن فكرة أقامة نظام دفاع صاروخي ضد الصواريخ ولدت العام 1944 خلال تساقط الصورايخ النازية «ف 1 وف 2» على مدينة لندن[9]. فقد أدرك البريطانيون أن الطريقة الفعالة لتدمير الصواريخ المهاجمة هي إطلاق صواريخ اعتراضية لتدميرها. وبالفعل، فقد مضى حوالى 17 عامًا ما بين ولادة هذه الفكرة والتجارب الأولى لاطلاق مثل هذه الصواريخ الاعتراضية، من قبل كل من الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد السوفياتي السابق، في العامين 1961 و1962. وقد بدا واضحًا منذ البداية سعي كل من الدولتين العظميين إلى تدمير صواريخ الدولة الأخرى. وعلى الرغم من بلوغ كل من بريطانيا وفرنسا والصين مرحلة الدولة النووية فإنها لم تؤثر على طبيعة الدفاع الصاروخي ذلك أنه، ولفترة طويلة، فإن الدولتين العظميين فقط كانتا تملكان القدرات الكافية والإمكانات المناسبة لشن هجوم نووي صاروخي، في أي مكان، اذا رغبتا في ذلك وبشكل مفاجئ. وعلى الرغم من انطلاق سباق التسلح النووي الصاروخي، والمحاولات المتعدِّدة لتطوير أنظمة الدفاع الصاروخية، خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، ما بين هذه الدول وبخاصة الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والاتحاد السوفياتي وحلفائه من جهة أخرى، فإن بعض القادة السياسين في الولايات المتحدة رأى أن يضع حدًا لهذا السباق في تطوير هذه الأنظمة، وذلك خلال التحضير لمحادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية[10] «سالت 1»، ومعاهدة الأسلحة المضادة للصواريخ البالستية «أ بي إم ABM»، وذلك في نهاية فترة الستينيات من القرن العشرين. لقد كان هؤلاء يخشون أن تعطي أنظمة الدفاع الصاروخية وهمًا مزدوجًا لكلا الطرفين قد يعمي بصيرتيهما بالتفوق فيقومان باستخدام الأسلحة النووية بعضهما ضد البعض الآخر، على خلفية أنهما يملكان أنظمة دفاعية صاروخية مضادة للصواريخ فيقع الطرفان في المحظور.

2-  مفاوضات الحد من سباق التسلح الصاروخي

لم تفلح الحجج الأميركية في وضع حد لسباق التسلُّح، بشكل مباشر أو فوري، لأن الجهود السوفياتية، في ذلك الوقت، كانت تتركَّز على سد الثغرة القائمة بينهما في مجال الأسلحة النووية الاستراتيجية. ولهذا ما يبرِّره بالنسبة إلى السوفيات إذ أن الولايات المتحدة، وبعد أن أجرى الاتحاد السوفياتي تجربته النووية الأولى العام 1949، وضعت في الأول من كانون الثاني/يناير 1950 مخطَّطًا لضربه بالأسلحة النووية حمل اسم «تروجان Trojan»، ويتضمَّن قيام حوالى 840 قاذفة استراتيجية بإلقاء ما يقارب 300 قنبلة ذرية فوق الأراضي السوفياتية، ولكن الفكرة أهملت لأن التدريب على الخطة أثبت عدم جدوى الضربة الاستباقية، ولعدم إنجاز الأهداف المحدَّدة لها بشكل فعَّال.

العام 1953 تبنَّت إدارة الرئيس الأميركي إيزنهاور مبدأ «الانتقام الساحق» (massive retaliation)، المرتكز على التفوُّق الساحق للولايات المتحدة على الاتحاد السوفياتي في مجالات الرؤوس النووية ووسائط إيصالها.

العام 1960 وضع أول مخطط متكامل لشن حرب نووية دعي «سيوب» (Single Integrated Operating Plan: SIOP) ويقوم على شن حرب شاملة على الاتحاد السوفياتي باستخدام أسلحة نووية غير محدودة.

في العام التالي طوَّرت الولايات المتحدة مخططها «سيوب 2» وفيه ارتأت القيادة السياسية والعسكرية أنه من الضروري أن تمتلك الولايات المتحدة «قوى استراتيجية نووية» كافية لإنجاز مفهوم «التدمير اليقيني» (assured destruction) للاتحاد السوفياتي. ويؤمن المخطط فكرة الضربة الوقائية للمراكز الحكومية، ومقرَّات القيادة والسيطرة (قطع الرأس)، وضرب الوسائط الناقله للأسلحة النووية، الأمر الذي يمكن أن يقلِّص قوة الرد والانتقام السوفياتية إلى حدِّها الأدنى. كما أن الدمج ما بين هذه الضربة الوقائية وأنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية، يمكن أن يحمل الأمل بإنجاز نصر تام على الإتحاد السوفياتي، فتكون الأضرار من أي رد انتقامي على الأرض الأميركية في مستوياتها الدنيا.

لذلك، وفي مثل هذه الظروف والمخطَّطات الأميركية، كان الاتحاد السوفياتي ينظر إلى المفاوضات للحد من نشر الصواريخ الاستراتيجية ومبادرات الحد من أنظمة الدفاع الصاروخية بعين الحذر والشك، في الوقت الذي كان يطوِّر فيه أنظمة دفاعه الصاروخية بنجاح أكبر من الولايات المتحدة. كما أن الموقف السياسي الدولي كان مضطربًا؛ فمن تورط الولايات المتحدة في فيتنام، إلى أزمة تشيكوسلوفاكيا مع السوفيات (1968)، وهزيمة العرب حلفاء السوفيات على يد إسرائيل (1967) الخ....، كل هذا دفع الطرفين إلى إيجاد وسائل لتخفيض حدَّة التوتر في علاقاتهما. وبالفعل، فقد بدأت المفاوضات بين الدولتين العظميين في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1969 من أجل هدف واحد رئيس هو «الحد من نشر أنظمة الدفاع الصاروخية»، وانتهت العام 1972 باعلان معاهدة (ABM) التي شكَّلت حجر الزاوية في إقامة علاقات ثابتة بين الدولتين خلال ما عرف بفترة الحرب الباردة (Cold War). وفي هذه المعاهدة ولد ما عرف بنظرية «التدمير المتبادل اليقينيMAD». وهكذا أتاح حظر نشر الأنظمة الصاروخية المتبادلة إقامة توازن استراتيجي بين الطرفين، لأنه ألغى الدوافع بينهما لزيادة إمكاناتهما الهجومية، او للحصول على أفضلية أحادية من خلال تطوير الأنظمة الدفاعية. لقد ثبَّتت هذه المعاهدة مبدأ الاستقرار في العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، وأوجدت الظروف والشروط التي تمنع أي طرف من التفوق على الطرف الآخر في الحاضر كما في المستقبل.

في آذار/مارس 1983 أطلق الرئيس الأميركي رونالد ريغن برنامجًا جديدًا للدفاع الصاروخي عُرِف باسم «مبادرة الدفاع الاستراتيجي Strategic (SDI) Defense Initiative» أو باسم «حرب النجوم Stars War»، يهدف إلى إعطاء دفعٍ لبرنامج الدفاع الصاروخي وتطويره بالتكنولوجيا المتقدِّمة التي تم التوصل إليها. وقد جهد الاتحاد السوفياتي، والذي كان يعاني مشاكل سياسية واقتصادية، لمواكبة التحدي الجديد بإمكانات فاقمت من أزمته الاقتصادية ما أسهم في ما بعد في انهياره.

تعامل الرؤساء الأميركيون في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفياتي، من الرئيس جورج بوش الأب إلى الرئيس بل كلينتون، مع روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي بأكبر ترسانة نووية (قنابل ووسائل إطلاق)، بخفة وعدم جدية بالنسبة إلى الأنظمة الدفاعية الصاروخية والمعاهدات التي كانت تنظم العلاقة بينهما، ورفضوا تطوير هذه المعاهدات وإعطاء دور مميَّز لروسيا بما يتناسب مع إمكاناتها العسكرية النووية والصاروخية. وعلى العكس، فقد سعت الولايات المتحدة إلى الانسحاب رسميًا من معاهدة الحد من الصواريخ البالستية ما سمح لها ببدء عمليات تطوير منظومات دفاع صاروخي مضادة وانتاجها ونشرها.

 

ب: المعنى العسكري لمفهوم الصاروخ والدرع وأهميته الاستراتيجية

المعنى التقني للصاروخ البالستي

     1- عموميات

يرتكز بناء الصاروخ البالستي الحديث على تصميم الصاروخ الألماني v2 وv1 الذي أُطلقت منه عدة آلاف على بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وهو يحمل رأسًا حربيًا تقليديًا تصل زنته إلى 1000 كلغ من مادة ت.ن.ت TNT))، وهو بهذا المعنى يعتبر مدفعية بعيدة المدى تكمن أهميتها في تأثيرها المعنوي الكبير، وبإمكانها اليوم أن تحمل رؤوسًا حربية من أنواع مختلفة كيماوية جرثومية ونووية (أسلحة دمار شامل). يدعى الصاروخ بالستيًا (ballistic) لأنه يخضع في طيرانه وهبوطه لمبدأي الدفع والجاذبية كرمي الكرة أو الرمح في الجو، فهو يحتاج إلى قوة دافعة هي المحرك الذي يرفعه الى الفضاء حتى يبلغ النقطة القصوى وبعدها يسقط بقوة الجاذبية الأرضية على الهدف المحدَّد له. وهو بذلك يختلف عن الصاروخ الجوّال (كروز cruise) الذي يعتبر طائرة من دون طيَّار يتم توجيهه عن بعد، أو يكون مبرمجًا مسبقًا باتجاه هدفه، ويحرق محركه الأوكسيجين الموجود في الهواء كما في الطائرات[11]، بينما يعمل الصاروخ البالستي بمحرك يستخدم الوقود السائل، أو الصلب، أو الاثنين معًا، وتتم عملية الاحتراق داخل جسم الصاروخ ولا يستخدم الأوكسيجين الموجود في الخارج. وتبلغ سرعة الصاروخ البالستي حوالى 25 ألف كلم/ ساعة بينما لا تتجاوز سرعة الصاروخ الجوّال 2000كلم/ ساعة[12].

     2- مواصفات الصاروخ البالستي

يتخذ الصاروخ البالستي شكل أنبوب أسطواني (cylinder) ويراوح طوله ما بين 10 أمتار و30 مترًا ويتضمَّن الأقسام الآتية:

1. المحرك: يقع في أسفل الصاروخ وهو الذي يتولَّى عملية إحراق الوقود اللازم لدفع الصاروخ إلى الأعلى.

2. الوقود: ويكون إما سائلاً كالهيدوجين والأوكسيجين والكربون، أو صلبًا كالزنك والمانيزيوم، وأخلاط معدنية أخرى، يضاف إليها الأوكسيجين الصلب وبعض معدّلات الاحتراق.

3. دماغ الصاروخ: ويتضمَّن أجهزة التوجيه والقيادة.

4. الحمولة: وهي تراوح ما بين قمر صناعي مبرمج لوضعه في مدار حول الأرض، أو رأس حربي (war head) قد يحمل متفجرات عادية، أو سلاحًا كيماويًا، أو جرثوميًا، أو نوويًا[13].

     3- أنواع الصواريخ البالستية

يمكن تصنيف الصواريخ البالستية وفق حمولتها أو مداها كما يأتي :

1. صواريخ قصيرة المدى missile short range ballistic

    (SRBM) وهي التي لا يزيد مداها عن 1000 كلم.

2. الصواريخ ذات المدى المتوسط Medium range ballistic missile

    (MRBM) ومداها ما بين 1000 و2500 كلم.

3. صواريخ متوسطة المدى Intermediate range ballistic missile

    (IRBM) ومداها ما بين 2500 و5500 كلم

4. صواريخ عابرة للقارات Intercontinental ballistic missile

    (ICBM) . ومداها يفوق 5500 كلم.

5. صواريخ الغواصات Submarine launch ballistic missile

    (SLBM) وهي صواريخ عابرة للقارات أو متوسطة المدى.

     4- كيف تعمل الصواريخ البالستية ومراحلها

إن إدراك طريقة عمل الصاروخ منذ اشتغال محركه وانطلاقه في الفضاء، والفترات الزمنية لكل مرحلة من مراحل طيرانه، يُعطي إيضاحًا وتفسيرًا ويساعد في فهم معنى أهمية منظومة الصواريخ المضادة له ودورها، كما يبيِّن أهمية الجغرافيا في إقامة المنظومات الصاروخيه الدفاعية،.ذلك أن لكل مرحلة من مراحل طيران الصاروخ ومدتها أهمية خاصة كما يأتي :

1. مرحلة الدفع (boost phase) وتستمر من 3 إلى 5 دقائق، ويبلغ الصاروخ في نهايتها ارتفاعًا يصل إلى أكثر من 400 كلم خلال 50 ثانية يبدأ بعدها بالتسارع حتى يبلغ سرعته القصوى (15000 ميل)، وهو يطير نحو الهدف المحدَّد. وفي هذه المرحلة يتم حرق طبقات الوقود المجهَّز بها ليتخلَّص منها كلها عند نهايتها. وقد تستمر هذه المرحلة من دقيقة واحدة حتى خمس دقائق تنتهي بعدها مرحلة الدفع ليبدأ الصاروخ المتعدِّد الروؤس بإطلاق حمولته كل رأس باتجاه الهدف المحدد له. كما يمكنه إطلاق وسائل خداع وتضليل، من بالونات ورؤوس كاذبة، ما يضلِّل أجهزة الرادار الأرضية ويرغم وسائط الدفاع الأرضية على التعامل معها وكأنها أهداف حقيقية.

2. مرحلة المسار الحر (mid-course phase, or free-fall): وتدوم من عشرين الى خمس وعشرين دقيقة وفق المسافة ونوعية الصاروخ الذي ينتقل خلالها إلى خارج جو الأرض ويطير في مدار حولها على أقصى ارتفاع له قد يصل إلى 1200 كلم فوق سطح البحر وهي نقطة الذروة (Apogee) التي بعدها يعاود الهبوط الحر[14].

3. مرحلة العودة (reentry phase): وهي المرحلة التي تبدأ عندما تلامس أولى ذرات الهواء جسم الرأس الحربي للصاروخ ويبدأ احتراق بعض وسائط التضليل والأفخاخ وبقايا جسم الصاروخ، وعندها يبدأ الهواء بمقاومة رأس الصاروخ ومحاولة إحراقه دون جدوى كونه مجهَّزاً لمقاومة هذه الحرارة وهذا الضغط. وقد تبدأ هذه المرحلة على ارتفاع حوالى 100 كلم فوق سطح الأرض، حيث أن مدى الصاروخ هو الذي يحدِّد الزاوية التي على أساسها يضرب رأسه الحربي الهدف المحدَّد له. وكلما طالت مسافة طيران الصاروخ كانت زاوية هبوطه أقل من 20 درجة، بينما الصواريخ القصيرة المدى قد تسقط بزاوية 45 درجة[15].

 

مفهوم الدفاع الصاروخي وأهميته العسكرية و الاستراتيجية

   1. نظرية الدفاع الصاروخي

تقوم نظرية الدفاع الصاروخي الأميركية على مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن العام 1983، واستمر العمل في تطويرها طوال عهده، وهي ترتكز على بناء قواعد ومنصات صاروخية في البحر والفضاء الخارجي وتجهيزها، وتزويدها أجهزة تكنولوجية متطوِّرة جدًا في طبقات متعددة. وتكون جاهزة لاعتراض وتدمير أي صاروخ يطلق من الأرض أو الفضاء ضد الولايات المتحدة أو حلفائها في مختلف أنحاء العالم.

بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، عادت فكرة إحياء هذه النظرية وإنشاء درع صاروخي لحماية الأراضي الأميركية ضد الأعداء المحتملين الذين يشكِّلون تهديدًا للولايات المتحدة نفسها، أو لحلفائها على أرض القارة الأوروبية وآسيا خصوصًا بعد الحرب التي شنَّتها على افغانستان العام 2001، وعلى العراق العام 2003 واحتلالها له.

لذلك، تخشى الولايات المتحدة أن يلجأ بعض الدول المعارضة لسياساتها العالمية وتدخلها في أكثر من مكان على سطح الكوكب، والتي تطلق عليها اسم «الدول المارقة»، أو بعض المنظمات المتطرِّفة أو الأصولية والتي تسميها بالإرهابين، إلى امتلاك صواريخ عابرة للقارات أو صواريخ متوسطة قد تطالها مباشرة، أو حلفاءها وقواعدها المنتشرة عبر العالم. كما تخشى أن تمتلك هذه الدول والمنظمات أسلحة دمار شامل يمكن إيصالها إلى حيث تشكِّل خطرًا مدمرًا عليها وعلى حلفائها. وقد صنَّفت الولايات المتحدة عدة دول كخطر عليها منها إيران وكوريا الشمالية، ومنظمات مثل طالبان والقاعدة وحزب الله كمجموعات إرهابية، ولذلك هي تسعى إلى إقامة منظومة دفاع صاروخي عبر العالم في محاولة لإسقاط الصواريخ التي يمكن أن تطلق باتجاهها حين انطلاقها وقبل وصولها إلى أهدافها، وذلك استنادًا إلى طريقة عمل الصاروخ ومراحل مساره كما تبيَّن علميًا، ومن خلال التجربة العملية لعمليات الاعتراض الصاروخي.

   2. عمل منظومة الصواريخ المضادة للصواريخ.

يعتبر الخبراء أن الاعتراض الأفضل والأنسب للصواريخ المهاجمة هو ذلك الذي يتم في المرحلة الأولى لانطلاقه، أي مرحلة الدفع والصعود (boost phase)، بحيث يمنع الرأس الحربي من الوصول إلى الهدف المحدَّد ويسقط بفعل الجاذبية إلى الأرض ولا ينفجر حتى لو سقط على مكان إطلاقه، ذلك لأن تشغيل الرؤوس الحربية في الصواريخ البالستية لا يتم إلا في نهاية المرحلة الثانية أو بداية المرحلة الثالثة من مسارها. وبما أن تدمير الصاروخ في مرحلتيه الثانية أو الثالثة مهمة صعبة جدًا فإن اعتراضه في مرحلته الأولى يحمل أهمية قصوى من خلال اكتشافه فور إنطلاقه وذلك بواسطة الرادرات المتطورة أو الأقمار الصناعية المنتشرة في المدار حول الأرض سواء كانت تلك المخصَّصة للرصد والاكتشاف أو تلك المزوَّدة مولدات ليزرية (lazer). بناءً عليه تبرز عمليًا وعسكريًا واستراتيجيًا أهمية نشر شبكة كونية من الأنظمة الدفاعية ضد الصواريخ تسعى الولايات المتحدة إلى إقامتها بحيث تمتد من القارة الأميركية وعبر أوروبا وبعض دول آسيا، وعبر المحيطات بواسطة أساطيلها البحرية، فتنشئ شبكة رادارات على البر الأوروبي، ومنصات إطلاق للصواريخ المضادة القريبة من مواقع الخطر.

 

ج: استراتيجيا نشر صواريخ الدفاع الأميركية

ضمن برنامج الدفاع القومي الصاروخي (NMD)

(National Missile Defense)

إن الأهداف المحدودة لبرنامج الولايات المتحدة للدفاع الصاروخي وحتى نهاية العام 2013 يمكن تحديدها كالاتي:

• حماية الولايات المتحدة من تهديد الصواريخ البعيدة المدى من كوريا الشمالية.

• حماية حلفاء الولايات المتحدة وقواتها عبر البحار من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى على مسرح عمليات واحد (one theater)

• تمديد الدفاع الصاروخي الأميركي ليشمل الخطر المحدود لصواريخ إيرانية بعيدة المدى.

• حماية الحلفاء والقوات العسكرية عبر البحار من خطر صواريخ إيرانية بعيدة المدى وتمديد الحماية لتشمل أراضي الولايات المتحدة من خطر مماثل.

• تمديد مجال الدفاع لحماية الحلفاء والقوات عبر البحار من صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في مسرحي عمليات (two theaters).

ولتحقيق هذه الأهداف تخطِّط الولايات المتحدة لانجاز وتحقيق المنظومات الدفاعية الآتية بنهاية العام 2013 :

- 40 صاروخًا اعتراضيًا أرض–جو (Ground–Based Interceptor GBI) في ألاسكا وكاليفورنيا، تضاف إليها عشرة صواريخ في بولندا (وفق اتفاقية آب/أغسطس 2008).

- 4 وحدات صواريخ ثاد (Terminal High Altitude Area Defense THAAD)، وهي صواريخ اعتراضية في مناطق الارتفاعات العالية الطرفية. وعددها أكثر من 96 صاروخًا: الوحدة 24 صاروخًا (3×8).

- أجهزة رادار ثابتة في كل من: ألاسكا وكاليفورنيا وبريطانيا وغرينلاند وجمهورية التشيك(؟)، تضاف إليها خمسة رادارات محمولة (x-band).

- 18 قطعة بحرية (Aegis) للدفاع الصاروخي بحمولة حوالى 133 صاروخًا اعتراضيًا (SM2s, SM3s).

- وحدات قليلة من أسلحة الليزر (Lazer) المحمولة جوًا.

كذلك ثمة إمكانية تحقيق بعض عربات القتل الاعتراضية المتعدِّدة، والتي يمكن أن تكون جاهزة بحلول نهاية العام 2013، في حال وافقت إدارة الرئيس أوباما على تنفيذ وتحقيق ما ينقص منها[16].

 

د: إنعكاسات إقامة الدرع الصاروخي في العالم

1. الإنعكاسات على روسيا ومحيطها

- روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي

يمكن اعتبار انهيار الاتحاد السوفياتي السابق العام 1991 أحد تداعيات وإنعكاسات مشروع «حرب النجوم» أو مبادرة الدفاع الاستراتيجي الآنف ذكرها إذ أدَّت محاولة الاتحاد السوفياتي اللحاق بالركب العلمي والتنافس التقني، وأعباء الانفاق العسكري لسباق التسلح مع الولايات المتحدة، إلى التسريع في انهيار الاتحاد وسقوطه واستقلال عدد كبير من الدول والجمهوريات التي كان يتشكَّل منها. وبقيت روسيا وحدها الدولة الكبرى والوريثة الطبيعية لهذا الاتحاد بعد أن كانت زعيمة له وقائدة لهذه المجموعة من الدول التي كانت تدور في فلكها، في محيطها القريب، وعبر العالم، في ما عرف في ذلك الوقت بعصر المعسكرين الكبيرين: الرأسمالي، والشيوعي، أو الأميركي والسوفياتي، طوال فترة الحرب الباردة ما بين العامين 1945 و1990.

- العلاقات الروسية الاميركية

يكمن في لاوعي قادة الدولتين الروسية والأميركية شعور مشترك ومتراكم من الخوف والحذر والشك الدائم الواحد في نوايا الآخر، ناجم عن فترة طويلة من الصراع بينهما استمر حوالى نصف قرن. وعلى الرغم من المعاهدات والاتفاقات التي عقداها لإظهار حسن النوايا وتخفيض أسلحتهما النووية وعدد الصواريخ، إلاَّ أنهما يعرفان ضمنًا أن التنافس بينهما لمَّا ينته بعد. فالولايات المتحدة سكرى بنشوة الفوز والقضاء على الاتحاد السوفياتي السابق، وتفردها بقيادة العالم وزعامته، ومتابعة المحاولة للهيمنة على «الأوراسيا» وبقية العالم. أما روسيا الاتحادية، وارثة الاتحاد السوفياتي السابق، فقد ضمَّدت جراحها، وأعادت ترميم اقتصادها ومؤسساتها، ثم بدأت إعادة بناء قواها العسكرية وصناعاتها الحربية والصاروخية والنووية، وذلك لردم الهوة بينها والغرب[17]. كما أنها لم تنسَ الاستراتيجية الأميركية التي وضعها زبغنيو بريجنسكي العام 1980 لطرد السوفيات من أفغانستان ودعم الميليشيات الإسلامية لتحقيق هذا الهدف. وحتى عندما كانت روسيا تحتضر في عهد الرئيس بوريس يلتسين لم يتخلَّ بريجنسكي عن خوفه من انبعاث روسيا من جديد وتهديد الأمن الأميركي، وكما قالت تقارير البنتاغون العام 1992 «إن روسيا هي القوة الوحيدة في العالم التي يمكنها تدمير الولايات المتحدة[18].

- مخاوف روسيا وعدم الثقة المتبادلة

حاولت الولايات المتحدة وما زالت تحاول إقناع روسيا بأن نظام الدفاع الصاروخي الجديد لا يستهدفها ما يعكس تناقضًا مع عقيدة الولايات المتحدة الدفاعية بالنسبة إلى روسيا، ذلك أن الولايات المتحدة أعلنت أنها إنما تقوم بهذه الاجراءات بعد تقويم الأخطار التي تهدد أمنها القومي. وهذا يعني بعد تقويم إمكانات دول أخرى تجسِّد هذه الأخطار، أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي تملك القدرة النووية على تدمير الولايات المتحدة، لذلك لا يمكن لموسكو أن تصدِّق أن واشنطن التي تبني هذه المنظومة الدفاعية الصاروخية المتعددة الطبقات والباهظة الثمن لا تملك إمكان توجيه ضربات مدمِّرة لصواريخها النووية الاستراتيجية[19]. وما يعزِّز مخاوف روسيا هو أن الولايات المتحدة رفضت قيام قيادة مشتركة للمراقبة والسيطرة على هذه المنظومة مع روسيا وفق أصول وقواعد معينة، وآثرت أن تنفرد بقيادة هذه المنظومة لوحدها، وأن تقتصر مشاركة روسيا على تقديم مساهمات تقنية، وتبادل معلومات وحلول وليس المراقبة أو المشاركة في قيادة هذه المنظومة. كما أن روسيا تعتقد أن الدرع الصاروخي المزمع إقامته على أراضي تشيكيا وبولندا قد يكون الخطوة الأولى لنشره على أراضي القارة الأوروبية كلها وهذا ما ينسجم مع تبريرات حلف الناتو عن توسيع حدوده، وبالتالي قد تنتشر قوى الدفاع الصاروخي في غرب أوروبا، وهذا ما تعتبره روسيا اخلالاً بالتوازن الاستراتيجي بينها والولايات المتحدة، وفق المعاهدات المعقودة بينهما. وقد قامت روسيا بالإيضاح للولايات المتحدة أن الأراضي الروسية تمتلك ميزة أفضل لبناء درع صاروخي في مواجهة أي تهديد، خصوصًا من الجنوب، قد يهدِّد الولايات المتحدة. لكن هذه الأخيرة لم تبدِ حماسًا لمشاركة روسيا، ولا سيما أن ثمة معلومات كثيرة لدى روسيا تفيد بأن الولايات المتحدة تخطط لنشر أجزاء من منظومة دفاعها الصاروخي جنوب الحدود الروسية (جورجيا وأذربيجان)، ولعل العمل هذا كان أحد أسباب الحرب الجورجية الروسية الاخيرة، وهو ما يؤكد مخاوف الروس من أن الدرع الصاروخي الأميركي إنما يستهدف التهديدات الآتية من الجنوب ومن روسيا في الوقت نفسه. وبالاستناد إلى رأي الخبراء الروس والأميركان، فإن صاروخًا مضادًا للصواريخ ينطلق بسرعة 4,5 إلى 9 كلم/ ثانية يمكن أن يدمِّر هدفًا على مسافة 2000 إلى 2500 كلم من مكان نصبه، (إذا كان منصوبًا في شمال شرق بولندا، مثلاً)، لذلك فإن الصواريخ المنصوبة في شرق أوروبا، يمكن، برأي الخبراء، أن تصيب تلك المنشورة في قواعد «شليابنسك»، و«أورونبرغ»، و«وساراتوف» الروسية. كما أن بعض الخبراء يقول إن الصاروخ المنطلق بسرعة 9 كلم/ثانية يمكنه إصابة أي صاروخ بالستي منطلق من أي قسم من روسيا الأوروبية، وتدمير رأسه الحربي[20].

-  وجهة نظر الولايات المتحدة حول درع الدفاع الصاروخي الأميركي في أوروبا

يرى الأميركيون أن أوروبا لا تملك دفاعًا ضد الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى، لذلك فإن منصّات الصواريخ الدفاعية التي تقترح الولايات المتحدة إقامتها في وسط أوروبا (الرادار في تشيكيا، وعشر منصات صاروخية في بولندا) ستعمل بالارتباط والتكامل مع غيرها من عناصر منظومة الدفاع الصاروخية الأميركية ما يؤمِّن لأوروبا وسائل الدفاع الأولية تجاه أي خطر أو تهديد[21]. كما أن الولايات المتحدة عرضت نشر هذه المنصات والقواعد وإقامتها على نفقتها الخاصة، وتأمل بإنجازها بحلول العام 2013، هذا التاريخ الذي يسبق موعد ايران مع امتلاكها صواريخ بالستية بعيدة المدى كما يتوقَّع الأميركيون أو يرجِّحون. وقد صرَّح مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون أوروبا وأوراسيا «أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى نشر هذه الصواريخ لتدافع عن نفسها ولكن أمن أوروبا هو من أمن الولايات المتحدة، كما أن الأمن عبر الأطلسي لا يمكن تجزئته، وأوروبا الوسطى هي المكان المثالي لحماية أمن أوروبا وأمن الولايات المتحدة ضد أي صواريخ بالستية تطلق من الشرق الأوسط[22].

قامت الولايات المتحدة بشرح وجهة نظرها وبذلت جهودًا لإقناع حلفائها وتبديد هواجسهم حول الموضوع وبخاصة روسيا التي تعرف أن هذه الصواريخ لا يمكن أن تشكل خطرًا عليها، أو على قوة دفاعها الصاروخية البالستية. ويرى الأميركيون أنه استنادًا إلى إمكانات الصواريخ البالستية الدفاعية، ووفق المواقع الجغرافية، لا تملك منظومة الدفاع هذه في أوروبا الوسطى إمكان التصدي للصواريخ البالستية الروسية البعيدة المدى، وبذلك فإن الاعتراض الروسي، والإدعاء بالإخلال بالتوازن الاستراتيجي غير صحيح برأي الأميركيين، وأن تهديد روسيا لدول أوروبا في حال إنجاز هذا المشروع هو من قبيل التهويل والتكتيك الروسي لفصل الولايات المتحدة عن حلفائها الأوروبيين[23]، والتاثير عليهم لمنعهم من إقامة هذه المنظومة على أراضيهم.

- العودة الى سباق التسلح

لم تتوصَّل المفاوضات الروسية - الأميركية حول مشروع الدرع الصاروخي طوال الأعوام الماضية، إلى حل يرضي الطرفين إذ حافظ كل على موقفه ومقترحاته ورؤيته لإنجاز هذا المشروع. كذلك لم تفلح الجولات المتعدِّدة واللقاءات ما بين الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، في إقناع الطرف الروسي بالموافقه على المشروع الأميركي، ولا أفلحت مقترحات الطرف الروسي في تغيير الموقف الأميركي، فتأجل البحث في المشروع. غير أن الأحداث التي وقعت في القوقاز في آب/أغسطس 2008، والحرب الروسية الجورجية والطريقة التي انتهت بها، سرّعت في قبول تشيكيا وبولندا للمشروع، بعد ترددهما سابقًا، إلا أن ذلك استدعى ردًا روسيًا قاسيًا ومهدِّداَ الدولتين بأنهما ستتعرَّضان لتلقي ردات فعل أي هجوم عليها من قبل هذه الصواريخ ما سيعرِّضهما للخطر، وتحوِّلهما إلى هدف للصواريخ الروسية. كما هدَّد بعض القادة العسكريين الروس بقصف مراكز هذه الصواريخ في البلدين[24]. كذلك صرَّح الرئيس الروسي ميدفديف بأن روسيا ستقوم ببناء دروع صاروخية دفاعية، وأنها وضعت قواتها في حالة جهوز دائم[25].

كذلك أمر الرئيس الروسي باعادة تجديد الصناعات العسكرية النووية الردعية، وطلب من قادة جيشه وضع الخطط العصرية لإعادة تنظيم الجيش بحلول شهر كانون الأول/ديسمبر 2008. كما صرَّح بأن روسيا ستبدأ بمرحلة إنتاج كثيف للبوارج الحربية، وبخاصة النووية منها والتي تحمل صواريخ «كروز»، والغواصات ذات المهمات المتعددة، وحدَّد أن منظومة الردع النووية لمختلف الظروف السياسية والعسكرية يجب أن تؤمن بحلول العام 2020. وهكذا يبدو أن هذا الموقف يعتبر كإعلان عن بدء سباق تسلُّح جديد مع الولايات المتحدة الأميركية بدأت تباشيره تظهر بإعلان رغبة روسيا بيع فنزويلا المعادية لسياسة الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية تقنيات نووية، كما صرَّح بذلك الرئيس الروسي في أثناء زيارته لتلك الدولة، بالإضافة إلى دعم سوريا وتقديم اليورانيوم المخصب إلى إيران ومساعدتها في بناء مفاعلاتها النووية.

ولكن هل سينحصر هذا السباق في التسلح في روسيا وحدها أم أن منطق الأمور وطبيعة العلاقات الدولية يشيران إلى أن هذا السباق سيشمل معظم الدول الكبيرة في العالم وخاصة النووية منها، والتي تسعى إلى أن تكون كذلك، فمن الصين والهند والباكستان إلى إيران وحتى أميركا الجنوبية، يبدو أن ردات الفعل تؤيد التوجُّه الروسي[26].

 

2. إنعكاسات إقامة الدرع الصاروخي على دول أوروبا وبقية دول العالم

- رؤية الاتحاد الاوروبي للمشروع وموقفه منه

ورد في إحدى وثائق الاتحاد الأوروبي للعام 2003، والتي تحمل عنوان «استراتيجية الأمن الأوروبي: أوروبا آمنة في عالم أفضل» ما يأتي: «على عكس التهديد والخطر الواضحين خلال الحرب الباردة، فإن الأخطار القادمة والجديدة التي تهدد أوروبا، ليست عسكرية بشكل صاف، أو يمكن معالجتها بوسائل عسكرية محضة، فكل منها يتطلَّب مزيجًا من الوسائل[27]. كما يبدو أن أيًّا من الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي لديه هواجس أو قلق مباشر من احتمال هجوم صاروخي عليها، ولكن هناك اختلافًا في وجهات النظر بين أعضاء حلف الناتو حول تقييم الأخطار من بعض الدول المعيَّنه. ولكن برلمانات هذه الدول لم تسقط الاحتمال من حساباتها ويبدو مستغربًا من الديمقراطيات البرلمانية أن تتصرَّف وتدفع مقابل احتمال الأخطار ودراسات معالجتها، في الوقت الذي لم تطلع فيه على هذه الدراسات[28]. إن ميثاق «دفاع صاروخي بالستي متعدد الطبقات وفعّال» كان قد وقّع العام 2005، من قبل دول الناتو، وقد قدرت تكلفة هذا المشروع للعشرين سنة القادمة «بمليار يورو»، إضافة إلى عشرين مليار يورو ستنفقها كل دولة من الأعضاء على بطاريات الدفاع الصاروخي. ويبدو أن ارتفاع هذه التكاليف يشكل هاجسًا لبعض الدول، فمعظم دول الناتو الأوروبية غير متهيئة أو غير موافقة على زيادة نفقاتها على أمور الدفاع بدلاً من أمور التربية أو الصحة. ولكن على الرغم من ذلك فإن «الناتو» يعتبر أن توسيع المنظومة الدفاعية لحماية المراكز السكانية يقود إلى إمكان التكامل المحتمل مع منظومة الدفاع الصاروخي القومية في الولايات المتحدة نفسها[29] التي تعيش أكثرمن أي دولة هاجس هجوم صاروخي عليها. ومنذ عهد الرئيس ريغن والحكومات الأميركية المتعاقبة تنقِّح وتتابع هذا المشروع الذي يعتبره الأوروبيون «غير واقعي» وخيالي. وفي ميزانية العام 2008 طلبت الحكومة الأميركية تعديلات على موازنة الدفاع الصاروخي في أوروبا لتعزيز وسائل الحماية للقواعد الأوروبية ومحطات الرادار، ولتوفير تجهيزات ووسائط اعتراضية. كذلك هي تريد توسيع هذه الحماية لتشمل الحلفاء والأصدقاء وإظهار الدعم الدولي لمنظومة الدفاع الصاروخي. والخطر الأساسي لكل هذه الانشاءات بالنسبة إلى الولايات المتحدة مصدره إيران، فهل هذا الخطر أو التهديد حقيقي؟

- الموقف الأوروبي

لا يشارك معظم الأوروبين نظرة الولايات المتحدة في اعتبار أن إيران يمكن أن تكون مصدر تهديد لهم، مباشر أو في المستقبل، لاعتبارات عديدة منها أن إيران حاليًا لا تملك روؤسًا نووية حربية، ولا يمكنها ذلك في المستقبل القريب، أو حتى أنها لاتريد ذلك من الأساس كما تقول. ولكنها تملك صواريخ متوسطة لا يزيد مداها عن 1200 كلم، وتنكر أنها تطوِّر الجيل التالي من الصواريخ ذات المدى 3000 كلم. وهذا الإنكار مثار جدل، ولكن الأكيد أنها لا تطوِّر أو تملك صاروخ شهاب5 بمدى 6000 كلم والذي، وإن كان يطاول القسم الأكبر من أوروبا، فهو لا يهدِّد أرض الولايات المتحدة التي تبعد أكثر من عشرة آلاف كلم. كذلك قد يكون من المحتمل أنها تطوِّر صاروخًا يصل إلى الولايات المتحدة ولكن ليس قبل العام 2015 كما يتوقَّع الأميركيون[30].

من ناحية ثانية يرى الأوروبيون أن وضع رأس نووي على صاروخ غير موثوق به يشكل عملاً خطرًا وباهظ الثمن. وحتى لو نجح في مهمته فإن الرد الانتقامي عليهم سيكون مدمرًا ويعني انتحارًا وطنيًا.

كما أنهم يعتبرون أن الولايات المتحدة تتحضَّر بوجه احتمال خطر مستقبلي، أكثر منه خطر وشيك، ورغبتها في إقامة صواريخ اعتراضية في أوروبا يتطلَّب تعاونًا أوروبيًا مشتركًا يمكن تسريعه بإقناع الأوروبين بأن هناك خطرًا وشيكًا عليهم. ولكن لا يبدو أن هناك دلائل واقعية تشير إلى أن إيران ترغب في مهاجمة أوروبا، وتنحصر حجتهم في تطوير إمكاناتهم النووية (إذا وجدت فعلاً) لأهداف سلمية، أو في أحسن الحالات كما تعلن أكثر الدول النووية الأخرى، لأهداف ردعية، وحماية الذات الوطنية، ضد خطر نووي عليها[31].

- جدوى المشروع

اعتبرت مجموعة من العلماء في معهد ماساتشوستس الأميركي للتكنولوجيا (MIT) في دراسة أعدَّتها حول برنامج الدفاع الصاروخي الأميركي، أن هذا البرنامج فاشل لأنه «من الناحية العلمية البحته، قد لا تكون مبادرة الدرع الصاروخي في النهاية سوى مبادرة سياسية في المقام الأول قبل أن تكون عسكرية كما يبدو محتواها. كذلك اعتبرت الدراسة أن بإمكان العديد من البلدان، وليس روسيا وحسب، تطوير منظومات مضادة للدرع الصاروخي أبسطها إخفاء الرأس الحربي الحقيقي للصاروخ المهاجم ضمن مجموعة من وسائط التضليل المناسبة، ما يربك اجهزة الرادار والاستشعار، أو إطلاق مجموعة صواريخ دفعة واحدة، بما يفوق قوة الدرع على الاعتراض، أو تحميل كل صاروخ عددًا من الروؤس الحربية الحقيقية والمزيَّفة ما يفقد الدرع فعالية الدور الموضوع له وغيرها من الوسائل التي يمكن اختراعها لشل فعالية الصواريخ المعترضة وتشتيتها.

من هنا، فإن معظم الدول الأوروبية ترى عدم جدوى المشروع أو إمكان تحقيق الأهداف التي وضع لأجل تحقيقها، خصوصًا بعد أن أفادت تقارير البنتاغون بأن التجارب العملية على فعالية الصواريخ الاعتراضية التي أجريت خلال العام 2008 لم تكن بحجم طموحات واضعي المشروع[32]، والتقنيات المتاحة حتى الآن، إذ نجحت 6 تجارب فقط من أصل 11 تجربة في إصابة الهدف. كما أن هناك الكثير من التعقيدات التقنية والفنية التي تعيق فعالية الصواريخ الاعتراضية من حيث الأمكنة التي ستقام فيها في أوروبا، وعدم موافقة بعض الاحزاب والقوى السياسية حتى داخل البلدان التي وافقت مبدئيًا على إقامتها فوق أرضها الوطنية، عدا عن وسائل الضغط الروسية على بعض هذه الدول.

خلاصة القول أن معظم دول الاتحاد الأوروبي يرى أن درع الدفاع الصاروخي ما هو إلا مشروع لاعتراض الصواريخ البالستية بواسطة صواريخ اعتراضية عالية الكلفة لم تتطوَّر بعد بالشكل الفاعل والمجدي والمجرب، والموثوق به، ويمكن اختراقه، ضد تهديد أو خطر من المحتمل أنه غير موجود في الحقيقة، كما أن بعض الدول الاوروبية يرى في الدرع «خط ماجينو» جديد في القارة الأوروبية[33].

- تداعيات المشروع

خلال عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون رفعت دوائر المخابرات الأميركية تقريرًا سريًا إلى إدارته تحذِّرها فيه من أن بناء منظومة الدفاع الصاروخي الوطنية قد تطلق موجات من عدم الاستقرار وتثير الحوادث حول العالم، وقد تعرِّض للخطر العلاقات الأميركية مع حلفائها الأوروبيين. كما رأى التقرير أن بناء الدرع ونشره سيدفع دولًا كالصين والهند والباكستان لتطوير صواريخها النووية الاستراتيجي المتوسطة المدى[34]. كذلك سيدفع هذا الأمر إلى انتشار تقنية الصواريخ في دول الشرق الاوسط.

 

3. انعكاس المشروع على بقية دول العالم

أثار موضوع إقامة الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا، موجات من ردود الفعل السياسية حول العالم، وبخاصة تلك الدول التي تعتبر نفسها معنيَّة بشكل مباشر بهذا الموضوع، أو تلك التي تملك أسلحة نووية ووسائط إيصالها المختلفة من صواريخ وغيرها.

ولما كانت روسيا قد اعتبرت نفسها المستهدفة الأولى والمباشرة لهذا المشروع فوقفت ضده، وحاولت وما زالت تحاول إقناع الولايات المتحدة بتغيير جغرافية نصب الصواريخ والرادارات التي يتشكَّل منها الدرع، وضرورة مشاركة الدول ذات العلاقة بهيئة قيادته ومراقبته وطريقة عمله، وهذا ما لم توافق الولايات المتحدة عليه حتى الآن.

وبما أن الهدف المعلن من إقامة هذا الدرع هو التصدي لخطر محتمل أو هجوم إيراني، أو كوري شمالي، صاروخي ونووي على أوروبا أو أميركا، فإن الموقف الايراني ما يزال يؤكد على عدم نيته في إنتاج أسلحة نووية، أو تصنيع صواريخ عابرة تهدد أوروبا أو الولايات المتحدة بخاصة بعد موافقة كوريا الشمالية على وقف إنتاجها وتصنيعها، أو بيعها الصواريخ والتقنيات النووية للدول التي تعتبرها الولايات المتحدة مصدر خطر وتهديد لها ولحلفائها.

ويمكن تلخيص مواقف بعض دول في آسيا حول الموضوع كما يأتي :

- الصين:

ترى أن إقامة الدرع الصاروخي في أوروبا ستضعف معاهدة الحد من الأسلحة الصاروخية المتوسطة في أوروبا (ABM) التي انسحبت منها الولايات المتحدة منفردة العام 2002، وبذلك فهي تعرض التوازن الاستراتيجي العالمي للخطر. كما أنها ترى أنه من الممكن تغيير المهمات والوسائط التي تقول الولايات أنها ستقيمها في بولندا وتشيكيا، وتحوِّل هذه القواعد من قواعد صواريخ اعتراضية متوسطة إلى مراكز لاعتراض صواريخها العابرة للقارات، وهذا يمنح الولايات المتحدة تفوقًا نوعيًا على قوة الردع الصينية والروسية معًا، وبذلك تصبح الصين مكشوفة وغير آمنة. ولذلك اعتمدت الصين مبدأ «التدابير الضرورية» لحماية نفسها وضمان الرد «بالضربة التالية» بامكاناتها النووية، وزادت من عدد صواريخها ورؤوسها النووية وطوَّرت في وسائلها الاعتراضية وتدابيرها الدفاعية[35].

إن الصين تدعم الموقف الروسي في رفضها للمشروع في حال تطوره إلى ما هو أبعد من التصدي للخطر الإيراني، هذا عدا عن التعاون الموجود ما بين إيران والصين بخاصة التبادل التجاري بينهما وحاجة الصين المتزايدة إلى النفط والغاز الإيرانيين.

 

- منظمة شانغهاي[36]

ركزت في اجتماعها السنوي في آب/أغسطس 2008 على المبادىء الأساسية التي قامت عليها، ودعمت موقف روسيا من قضية حربها مع جورجيا، كما أكدت مواقفها السابقة من قضية الدرع الصاروخي وضرورة عدم تفرُّد الولايات المتحدة بنشر هذه المنظومة الصاروخية التي تهم أمنها فحسب، بينما المطلوب أن تشمل هذه المنظومة دول العالم كافة، وأن تشترك في قيادتها ومراقبتها والعمل من خلالها بمبدأ الشراكة، فالأمن يهم جميع الدول، ومن الضروري المحافظة على هذا الأمن بوجه أي خطر أو تهديد من أي جهة أتى. ورأت المنظمة أن هذا يسهل عمل المنظومة الصاروخية في أنحاء العالم، ويبدِّد هواجس الدول المعترضة.

- دول الشرق الاوسط:

1) سوريا: على أثر الحرب الروسية - الجورجية في مطلع آب/أغسطس 2008، زار الرئيس السوري بشار الأسد موسكو والتقى الرئيس الروسي ميدفيديف ودعا بعد الاجتماع إلى تسريع التعاون العسكري بين دمشق وموسكو، وأعلن أن سوريا ستكون مستعدة لنشر منظومة صواريخ روسية على أراضيها إذا تلقت اقتراحاَ بذلك، وذلك ردًا على نصب الدرع الصاروخي الأميركي في أوروبا.

2) إسرائيل: تعتبر معنيَّة مباشرة بمشروع نشر الدرع الصاروخي في أوروبا، وهي تعتبر نفسها المهدَّدة الأولى في حال امتلاك إيران أسلحة نووية وصواريخ بالستية، وبخاصة بعد إطلاق بعض التهديدات من قبل قادة إيران «بمحوها عن الخريطة» في حال شنَّت الولايات المتحدة أو إسرائيل هجومًا على إيران. ولطمأنة إسرائيل زودتها الولايات المتحدة مؤخرًا منظومة دفاعية صاروخية اعتراضية وجهاز رادار متطورًا لرصد انطلاق الصواريخ الإيرانية، وبإدارة عناصر أميركيين كما ستزودها طائرات متطوِّرة جدًا بعيدة المدى وقادرة على حمل صواريخ متطورة.

3) دول الخليج: على أثر الأزمة الروسية الجورجية طالب بعض دول الخليج الولايات المتحدة بيعها منظومات صاروخية اعتراضية قدِّرت قيمتها بمليارات الدولارات (دولة الإمارات العربية المتحدة اشترت بقيمة 7 مليار دولار من الولايات المتحدة)، كذلك أبدت المملكة العربية السعودية رغبتها في شراء نظام دفاع صاروخي مماثل.

 

خلاصة

في 17 أيلول/سبتمبر 2009 صرَّح الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه سيعلّق برنامج الدفاع الصاروخي في أوروبا، وسيدرس استبداله بوسائل أخرى، ربما في البحار، أو على أرض دول ثالثة قد تكون تركيا أو إسرائيل أو إحدى دول البلقان، وذلك في محاولة لاسترضاء روسيا وربما الصين، أو غيرها من الأسباب وهذا ما ترك ارتياحًا نسبيًا لدى الروس، وأثار قلقًا في إسرائيل التي سارعت الولايات المتحدة إلى تدعيم ترسانتها العسكرية بصواريخ حديثة وربطها بمنظومة عمل الصواريخ الدفاعية الأميركية سواء أكانت البرية منها كصاروخ ثاد (THAAD)، أو باتريوت 3 (PAC)، أو غيرها، وتزويدها رادارات حديثة وغيرها، ولكن الأهم من ذلك أنها ربطتها بالمنظومة الرادارية الأميركية الفضائية ورادارات الأساطيل البحرية من منظومة aegis، وأجرت معها مناورات وتدريبات على كيفية عملها وطريقة اعتراض صواريخ منطلقة من أي مكان في الشرق الأوسط، وذلك بهدف منعها من أي تصرف عدائي تجاه إيران أو لبنان، في الوقت الذي لا تريده الولايات المتحدة، وإقامة حدود الاطمئنان داخل اسرائيل بالقدرة على التصدي والرد على أي محاولة إيرانية أو غيرها لضرب إسرائيل بالصواريخ من مختلف الأنواع. وهكذا أصبح النظام الدفاعي الصاروخي الأميركي منتشرًا حول العالم تقريبًا، بحرًا وجوًا وفي الفضاء الخارجي والذي ربما سيكون مسرحًا لحرب الصواريخ إذا اندلعت خلال هذا القرن، ذلك أنه قد بات من الواضح أن الدول الكبرى النووية والصاروخية تسير باتجاه سباق تسلح جديد ميدانه الفضاء، وأسلحته الصاروخ والرادار والقمر الصناعي ومدافع الليزر المركَّزة في الفضاء، وبذلك نكون أمام حرب نجوم حقيقية هذه المرة.؟

 

[1]-     Baruch plan – www.wikipedia

 

[2]-     International law, progress publishers, Moscow 1990, p.p 186 - 200.

 

[3]-    روبرت مكنمارا، «ما بعد الحرب الباردة»، ترجمة محمد حسين يونس، دار الشروق، عمان طبعة أولى، 1991.

 

[4]-     International law, Ibid

 

[5]-     Samuel Huntigton, “The Realities of Arms Control”, by Harvard nuclear study group intenational conflict and conflict management, printice hall Ontario, Canada, 1984.

 

[6]-    مكنمارا، مرجع سبق ذكره.

 

[7]-    اسماعيل صبري مقلد، «العلاقات السياسية الدولية»، دار السلاسل الكويت 1985، ص 602.

كذلك انظر العالم المعاصر والصراعات الدولية 1991، ص 13.

 

[8]-     National strategy to combat weapons of mass destruction, December 2002, www.google.com.

 

[9]-     Peter Romashkin and Pavel Zolotarev, on “U.S plans to deploy ABM systems in Europe”, June 19-2008,

        على الرابط:  http//www.onlineexclusive.com

[10]-   محادثات ومعاهدات عقدت ما بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

 

[11]-   أحمد علو، درع الدفاع الصاروخي في اوروبا، مجلة الجيش، العدد الرقم 277،  ص: 48. كذلك انظر, سامح راشد في مقالة : نظام الدفاع الصاروخي، على الرابط : اسلام اون لاين.. www.islam_online.net

 

[12]-    www.missilethreat.com

 

[13]-   أحمد ابراهيم محمود، الدرع الصاروخي الأميركي، اسلام اون لاين7 / 1 / 2001

 

[14]-    www.missilethreat.com

 

[15]-    The stages of a ballistic missile’s flight, www.missilethreat.com.

 

[16]-    Missile Defense, The space relationship, and the twenty-first century,

by: independent working group (IWG), 2009 report p : 22 – section 2.

 

[17]-   أحمد علو، السياسة الخارجية الروسية، مجلة الجيش، العدد 263.

 

[18]-    Serge Halimi, Retour Russe, Le Monde diplomatique, Septembre 2008, N0 654, page 1.

 

[19]-   مرجع سابق  Pavel Zolotarev, Missile defense challengers, p: 71

 

[20]-   المصدر السابق , p: 72

 

[21]-    John p. Caves, Jrand Mc Lain Bunn, Russia cold war perspective on missile defense in Europe,

        www. Frstrategie.org/barre FRS/.

[22]-    Ibid.

 

[23]-    Ibid.

 

[24]-   جريدة الحياة  16/8/2008

 

[25]-      Tony Halpin, Russia to build missile defence shield, www.timesonline-27-september 2008.

 

[26]-    Consequences of missile defence shield in the world. Google.com

 

[27]-    David Webb, Does Europe need an anti-missile Defense Shield, www.europarl.europa.eu.

 

[28]-   Ibid

 

[29]-   Ibid

 

[30]-    Ibid p. 2

 

[31]-   Ibid p. 2

 

[32]-   Ibid p. 3

 

[33]-   خط ماجينو هو خط دفاعي اقيم في اوروبا قبيل الحرب العالمية الثانية, ما بين غرب اوروبا والمانيا النازية, وهو مؤلف من معتصمات وخنادق وقلاع محصنة مزودة بالاسلحة المتنوعة والجيوش المناسبة.

 

[34]-   Bob Drogin and Tyler Marshall, US secret report, Los Angles Times, may 19, 2000.

 

[35]-   Gary Brown and Dr Gary Klintworth, The US National Missile Defense Program: vital shield or modern day Maginot line?, in foreign affairs, December 2000.

 

[36]-   (منظمة شنغهاي) : Shanghai Cooperation Organization (SCO). أسِسَت العام 2001, واعضاؤها هم : الصين – روسيا – كازاخستان – قيرغيزستان – طاجكستان – اوزكستان - واعضاء مراقبين : الهند – ايران منغوليا – باكستان. وهدفها دعم الأمن الاقليمي والتعاون لمكافحة الارهاب والتهريب.

 

Between nuclear proliferation and the deterrence force of missiles The world is under threat


Countries of the whole world have been striving since ever to reinforce security and protect themselves as political and sovereign entities. It became evident that the security of nations can be affected by political means rather than military.
However, the possession of weapons of mass destruction also entail the capability of exploiting them because of their danger. This term has taken a military dimension due to the fact that the weapons have already a political influence over International relations. This subject has an important aspect in the political negotiations between the states since it considered as the driving force of military and political orientation.

Entre la -prolifération nucléaire et les répressions des missiles Le monde sous la menace


Les pays du monde entier s’efforcent depuis toujours, de renforcer la sécurité et de se protéger en tant qu’entité politique et souveraine. Il est devenu clair que la sécurité des nations peut être atteint par des moyens politiques plutôt que militaires, en particulier les armes de destruction massive (nucléaires, chimiques, biologiques, radiologiques, etc)
Les acquisitions d’armes de ce genre impliquent aussi les moyens de les utiliser en raison de leur risque, Si ce terme a pris une dimension militaire, parce que les armes ont déjà une influence politique dans les relations internationales avec l’imposition d’une sécurité collective et globale d’élaboration de différentes stratégies. Ce sujet a un aspect important par la négociation politique entre les États, étant le moteur de l’orientation politique et militaire, en particulier les États-Unis en tant que e «leader américain du monde actuellement».