نحن والقانون

تدابير السلامة والأمان في وسائل النقل المدرسي
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محام بالإستئناف

تعلو الصرخة وتشتدّ كلّما تعرضت حافلة مدرسية لحادث سير، خصوصًا عند وقوع قتلى وجرحى بين التلامذة ولأسباب تافهة، كاستخفاف السائق بمسؤولية أرواحهم، أو عدم استيفاء الحافلة الشروط الضرورية المطلوبة، وعدم التزام تدابير السلامة والأمان. والمؤسف أن الكثير من الباصات لا يستوفي معايير السلامة، حيث يحشر في باصات صغيرة أضعاف العدد المسموح بنقله من التلامذة. في الشتاء يتكدّسون بعضهم فوق البعض الآخر، وفي الطقس الحار تفتح الشبابيك والأبواب... ويجلس الأولاد في الفسحة الخلفية أرجلهم ممدودة خارج الباص ولا يحجبهم عن السقوط سوى شبك حديدي، أما الغازات السامة المنبعثة من العادم (الإٍشبمان) فتجد طريقها مباشرة إلى صدورهم...
فكيف يحدد القانون اللبناني تدابير السلامة والأمان في وسائل النقل المدرسي؟


الشروط القانونية الخاصة بوسائل النقل المدرسي


1- وجود مراقب مسؤول:
فرضت المادة الأولى من القانون الرقم 551/96 وجود مراقب مسؤول في كل وسيلة نقل مدرسي، حيث نصت على أنه «يمنع منعًا باتًا نقل تلامذة المدارس الرسمية والخاصة في جميع مراحل التعليم قبل الجامعي، من البيت الى المدرسة وبالعكس، أو الى أي مكان آخر بمختلف وسائل النقل المعدّة لهذا الغرض، من دون وجود مراقب مسؤول مكلف من قبل ادارة المدرسة في حال كانت المدرسة تملك هذه الوسيلة أو تستأجرها أو من قبل مالك هذه الوسيلة في الحالات الاخرى.
وفي حال إهمال تعيين مراقب في كل وسيلة نقل من قبل الجهة المعنية بذلك، يحكم عليها بغرامة تراوح بين قيمة الحد الادنى الرسمي للأجور وضعفيها، وذلك بالاستناد الى محضر ضبط منظم من قبل القوى المولجة بتطبيق قوانين السير، وفق المادة 3 من القانون المذكور.


2- مسؤولية سائق وسيلة النقل ومالكها وادارة المدرسة والمراقب عن الحوادث:
بالإضافة الى المسؤوليات التي ترتبها القوانين العامة، يتحمل سائق وسيلة النقل ومالكها وادارة المدرسة (في حال كانت تملك وسيلة النقل او تستأجرها)، بالتكافل والتضامن، المسؤولية المدنية عن كل ضرر يلحق بالتلامذة، ويكون ناجمًا عن عمليات النقل المدرسي.
ويكون السائق والمراقب مسؤولين جزائيًا عن أي إهمال في واجباتهما. كما يتحمَّل السائق ومالك وسيلة النقل وادارة المدرسة بالتضامن بينهم المسؤولية المدنية عن كل ضرر يلحق بالتلامذة خلال عملية النقل.


3- وجوب إجراء عقد تأمين لوسيلة النقل المدرسي:
فرض القانون على مالك وسيلة النقل أو مستأجرها اجراء عقد تأمين لوسيلة النقل المستخدمة لنقل التلامذة، على أن يغطي التأمين جميع الأضرار التي قد تنتج عن حوادث السير وخلافها في أثناء النقل.

 

عدد التلامذة المسموح به في وسيلة النقل المدرسي
نصت المادة الرابعة من القانون الرقم 551/96 على وجوب تحديد مهمات المراقب وعدد التلامذة الممكن نقلهم في وسيلة النقل بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري التربية الوطنية والشباب والرياضة والتعليم المهني والتقني.
وإنفاذًا لذلك، صدر المرسوم الرقم 4018/2010 (بتاريخ 12/5/2010) الذي نصَّ في المادة الأولى منه على ما يأتي:
- يُحدَّد عدد التلامذة في وسيلة نقل التلامذة بحسب رخصة المركبة الآلية الصادرة عن هيئة إدارة السير والآليات والمركبات وفق مواصفات المصنع.
- يمنع منعًا باتًا زيادة العدد أو وضع الكراسي الإضافية في وسيلة النقل، ويبقى الممر الوسطي مفتوحًا لدخول التلامذة وخروجهم من دون أي عائق.
وتقتضي الإشارة هنا الى وجوب تعديل القانون والمرسوم المذكورين، واشتراط وجود بابين في وسيلة النقل المدرسي لدخول التلامذة وخروجهم، بالإضافة إلى وجوب توافر أحزمة الأمان التي تخفف الأضرار في حال وقوع الحادث.


مهمات المراقب في وسيلة النقل المدرسي
حدَّدت المادة 2 من المرسوم المذكور مهمات المراقب في وسيلة النقل المدرسي على النحو الآتي:
1- الوجود في الحافلة قبل دخول التلامذة، وعدم مغادرتها حتى نزول آخر واحد منهم.
2- المشاركة في وضع خارطة الرحلة بالتعاون مع سائق الحافلة.
3- إعداد لائحة بأسماء الطلاب المسجلين في الحافلة وعناوينهم، وأرقام الهاتف.
4- منع التحدث مع سائق الحافلة إلا عند الضرورة.
5- الاتصال بمسؤول النقل في المدرسة في حال وقوع أي حادث.
6- تسليم تلامذة الروضات وتلامذة الحلقة الأولى إلى أهاليهم أو من ينوب عنهم.
7- ضبط النظام في الحافلة خصوصًا عند وقوع حوادث أو عطل، وعدم السماح بخروج التلامذة منها إلا في حالات الخطر وتحت إشرافه.
8- إلمام المراقب باستعمال مطفأة الحريق وعلبة الإسعافات الأولية.
9- أن يكون المراقب من ذوي السيرة الحسنة، وأن يكون عمره فوق 21 سنة.
10- في حال غياب المراقب، على الجهة المعنية بتعيينه، تكليف بديل عنه يتولى جميع المهمات المطلوبة المشار إليها.
ونصت المادتان 3 و4 من المرسوم المذكور على أنه تصدر عن وزير التربية والتعليم العالي القرارات اللازمة لتطبيقه، وتُكلَّف قوى الأمن الداخلي في ما خصها بمراقبة تطبيقه.

 

مواصفات «ليبنور» الخاصة بالسلامة العامة في باصات المدارس
حدّدت مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور) المواصفات التي يجب توافرها في تصميم الحافلات المنفردة لنقل التلامذة وأمتعتهم، وتجهيزها واستعمالها بهدف حمايتهم من الأذى المباشر وغير المباشر، ضمن مقاييس السلامة العالمية والعربية المعروفة والمعتمدة معًا، وعلى وجه الخصوص ما ينطبق منها على خصوصية الامكانات التقنية والبشرية والبيئية في لبنان. وقد تضمنت هذه المواصفات إرشادات تشمل السائقين والمراقبين والمدارس والتلامذة وفق الآتي:


1- إرشادات خاصة بسائقي السيارات التي تنقل التلامذة:
ثمة تركيز على التشدد في منح رخص قيادة السيارات والمركبات الآلية والبيانات وشروط منح الشهادة الطبـة، إضافة إلى التركيز على تقنيات القيادة الدفاعية (Defensive Driving) ومراعـاة تدابيــر السلامة الضرورية في إصعاد التلامـذة وإنزالهــم، حيث «يحظر على راكب المركبة ان ينزل منها أو يصعد اليها او ان يفتح مخرجًـا من مخارجهــا قبل ان يتأكـد مسبقًا من امكـان اجراء ذلك من دون أي خطر (المادة 37 فقرة 3 من قانون السير).


2- إرشادات خاصة بالمراقبين: يتوقف عدد المراقبين في الحافلات المدرسية على عدد التلامذة، ففي السيارات الكبيرة التي تحمل من 30 الى 40 تلميذًا وطفلًا، يستحسن وجود أكثر من مراقب ليتولوا مسؤولية كل تلميذ يصعد او ينزل او يجلس في الأوتوبيس.
ومن المهمات التي على المراقب القيام بها، على سبيل المثال لا الحصر: البقاء متنبهًا ويقظًا، مطيعًا للتعليمات ناقلاً للتلامذة قواعد السلامة. وعليه تدريب التلامذة على الوقوف في الصف خلف بعضهم البعض افراديًا من دون تدافع (تدفيش) ومراقبتـهـم في اثنـاء توجهـهم الى مقاعدهم ومساعدتهم على الجلوس بسرعة قبل تحرك الأوتوبيس، والتأكـد من خلـو ممـر البـاص الرئيس من الحقائب والكتب ومن أي عائق آخر، والانتباه الى النتوءات المعـدنية الحـادة في داخله (مسامير، براغٍ...) وابلاغ السائق عنها، وتذكير التلامذة بوجوب وصولهم قبل الوقت لنقلهم، وبالوقوف دائمًا على الأرصفة (اذا وجدت) او الى أقصى طرف الطريق في مكان آمن مكشوف من الوجهتين، والتأكد في كل مرة يتوقف فيها الباص لإنزال التلامذة أن لا وجود لأي خطر، وان يكون مستعدًا وجاهزًا للتدخل ولمساعدة السائق على ضبط النظام.


3- إرشادات خاصة بالمدارس:
يمكن للمدارس ان تستعين بمستشارين (افراد او لجان أهل او سائقين متمرسين مثلاً...) يتم التباحث معهم في المواضيع التي تتعلق بضمان سلامة التلامذة في المدارس وفي السيارات المخصَّصة لنقلهم. ويمكن للمدارس اتخاذ بعض التدابير التي تخفض نسبة حوادث السير، ومنها: اختيـار السائقين من ذوي الخبرة والاخلاق، وشراء او استئجار السيارات المخصَّصة لنقل التلامذة فقط، وتجهيز المتوافر لديها بالتجهيزات التي تضمن سلامتهم، وعدم التهاون في اجراء التصليحات والصيانة الدورية، واجراء عقود الضمان اللازمة، وتنظيم برامج تطبيقية للمراقبين والتلامذة، وتزويد المراقبين سترات ملوّنة ومميَّزة وأدوات وتجهيزات السلامة، وتحويل قسم من الطريق المؤدي الى المدرسة والباحات المخصَّصة لوقوف السيارات في المدرسة وممرات المشاة الى امكنة نموذجية تتوافر فيها مختلف اشارات السير اللازمة، واستخدام اللوحات الاعلانية والخاصة بالمدرسة كوسيلة تثقيفية لنشر مواضيع متعلقة بالسير والسلامة العامة.


4- ارشادات خاصة بالأهل:
على الأهل عدة موجبات ضرورية، أهمها: تحضير أولادهم قبل وصول الباص بوقت كاف لمنع الاستعجال والركض مما قد يتسبب بحوادث عديدة، وتذكير أولادهم دائمًا بضرورة التقيد بتعليمات المراقب والسلامة لتجنب الحوادث. وعليهم أن يتأكدوا من فهم اولادهم اهمية التزام الهدوء داخل الباص لمنع التأثير على تركيز السائق مما يجعله عرضة لارتكاب الاخطاء والحوادث.


5- ارشادات خاصة بالتلامذة:
على التلامذة أيضًا مسؤولية الحفاظ على سلامتهم الشخصية، من خلال: التزام تعليمات الأهل والمراقب والسائق وتوصياتهم، والوصول الى مكان توقف الباص في الوقت المحدد من دون الاستعجال الذي قد يتسبب بحوادث، والانتظار على الرصيف او أقصى طرف الطريق وفي مكان مكشوف من الوجهتين والوقوف بالصف والصعود افراديًا، والجلوس على المقاعد المخصّصة لهم قبل تحرك الباص والامتناع عن الوقوف والمشي داخله والتزام الهدوء، وعدم رمي الاشياء وقذفها وابقاء النوافذ مغلقة وعدم فتحها الا بإذن من السائق او المراقب، وعدم مدّ رؤوسهم او أيديهم خارج النوافذ، والانتباه عند النزول، وعلى التلامذة الكبار المساهمة في السلامة العامة والاسعافات الأولية.

 

واقع تدابير السلامة والأمان في وسائل النقل المدرسي
يبدو واضحاً أن معظم القواعد القانونية المذكورة، ما زالت حبرًا على ورق، على الرغم من الحوادث المتكرِّرة في مختلف المناطق اللبنانية، وعلى الرغم من وقوع العديد من الضحايا من تلامذة المدارس، في ظل عدم وجود مراقبين إجمالاً في الكثير من المدارس باستثناء الكبرى منها التي تعتمد بشكل كبير على أساتذتها للقيام بهذه المهمّة. ومن أبرز المشاكل في هذا المجال:
1- إن معظم الباصات المدرسية مزوّدة بابًا واحدًا ولا تحتوي على أحزمة أمان للتلامذة.
2- يشاهد الجميع سيارات فان صغيرة تحمل حوالى 27 تلميذًا بدلاً من 8 او 10 تلامذة، وحافلات كبيرة تحمل أكثر من 55 تلميذًا بدلًا من 30 او 40 تلميذًا.
3- ان الحافلات المستعملة والمستوردة من الخارج والتي كانت مخصَّصة لنقل التلامذة في الدول المتقدمة، مميَّزة بلونها الأصفر والكتابات التي تعرّف عنها (باص مدرسة School Bus) والاشارات (قف Stop) والاضواء الحمراء الكبيرة وباب الطوارئ من الخلف (Emergency Door) ومخارج الطوارئ على الجانبين، والتجهيزات الداخلية والفرش...، كلها تعطي دلالة واضحة على الأهمية التي توليها الادارات في تلك الدول المتقدِّمة للسيارات المدرسية ولتجهيزات السلامة فيها، بينما تفتقر معظم الحافلات المدرسية في لبنان إلى معايير السلامة.
4- في الطقس الحار تفتح الشبابيك والأبواب، حتى الخلفية منها في الباصات الصغيرة، ويشاهد التلامذة يجلسون في الفسحة الخلفية الموجودة فوق غطاء المحرك وأرجلهم ممدودة خارج الباص. وبالإضافة الى ما ينتج من هذه الطريقة من أخطار جسدية تتمثل في السقوط، فإن تنشّق هؤلاء التلامذة الغازات السامة المنبعثة من العادم (الاشبمان) يتسبب بأمراض خطرة.
وقد أبرز بعض هذه المشاكل تقرير البعثة العلمية السويدية «سويرود» (Sweroad)، التي استقدمتها الحكومة اللبنانية بهبة من حكومة السويد لإجراء إحصاءات حول حوادث السير، بحيث أورد هذا التقرير أنه «بسبب النقص في الإفادة عن حوادث السير التي ينتج منها وقوع إصابات أو وفيات، لا يمكن إدراك حقيقة حجم المشكلة التي يعانيها وضع السلامة على الطرقات».
كل هذا يستدعي التعاون بين جميع المعنيين للحفاظ على سلامة التلامذة، وذلك من خلال التشدّد في تطبيق القواعد القانونية ذات الصلة، وأيضًا من خلال سنّ قوانين جديدة أو تعديل أخرى قائمة.

المراجع:
• http://www.sidonianews.net
• http://www.yasa.org/ar
• http://www.nowlebanon.com/arabic/NewsArchiveDetails