من ذاكرة الاجيال

وليم صعب أمير الزجل اللبناني وواضع دستوره
إعداد: إدي صعب
معاون مجند سابق

نطق بلغة الوادي وصنين والأرز

 

ولد وليم صعب في تحويطة الغدير في 16 أيار 1912. وتلقى دروسه في معهد الحكمة الذي تخرج منه في العام 1928. وهناك ظهرت موهبته في كتابة الشعر وارتجاله فصيحة وعامياً، وقارع كبار شعراء المنبر في زمانه، مثل شحرور الوادي ورشيد أيوب. وسرعان ما أنشأ جوقة زجلية ليكون للمنبري الكبير شحرور الوادي من يجاريه في القول المرتجل. لكنه هجر المنبر الزجلي ثم أوقف الجوقة عقب وفاة الشحرور عام 1937. للك لا يُذكر وليم صعب اليوم مع "الزجّالين"، بل مع "الشعراء الشعبيين" علماً أن "ردّاته" المنبرية ملأت لبنان.

 

أمضى وليم صعب معظم حياته في المجال التربوي، بدءاً من إدارته المدرسة المسكوبية في الشويفات وهو في الثامنة عشرة، والتعليم في عدد من المدارس، وإدارة عدد آخر، قبل أن يؤسس مدرسة "الأم" في بيروت عام 1970, التي استمرت حتى أواخر الثمانينات.

أنشأ مجلة مخصصة للشعر والثقافة الشعبيين عام 1933 باسم "البلبل"، وبدّل الاسم مرات عدة فصار "بلبل الأرز" ثم "أمير الزجل" و"البيدر"، واحتجبت المجلة عام 1975 بسبب الأحداث الدامية في لبنان، بعد أن كانت منبراً لروائع الشعر الشعبي في لبنان والمنطقة، وقد جمع صاحبها الكثير من التراث الشعبي الشفوي من ذاكرة الناس، ونشره على صفحاتها ليحفظه من الضياع. وكانت المجلة صلة وصل حقيقية بين الوطن والمهجر، فنشرت الكثير من شعر الحنين الذي كتبه كبار الشعراء اللبنانيين في أميركا الجنوبية والشمالية وأفريقيا وسواها. ومن هؤلاء نذكر شفيق معلوف والياس فرحات ونعمة قازان. ومنذ الاعداد الأولى في الثلاثينات، افتتح وليم صعب في مجلته زاوية نقدية شرّح فيها عيوب النظم الشعبي الشائعة في الأوزان والقوافي والمفردات والتراكيب، فتكوّن عن ذلك ما عُرف بـ"دستور الزجل". كما دعا الى هجر العبارات المحلية الضيقة وكتابة شعر شعبي قابل للإرتجال حول العالم العربي. وتبقى مجلة وليم صعب(1933-1945)المصدر الأوفى والأهم للشعر الشعبي، والتي يجري العمل حالياً على إعادة إصدارها مفهرسة في أقراص مدمجة (C.D) لوضعها بين أيدي الدارسين والراغبين والمتذوقين، وفي الجامعات والمراكز العلمية.

استلم وليم صعب إدارة القسم المخصص للأغاني الشعبية والشعر الشعبي في "راديو الشرق"، إذاعة لبنان، بين 1938 و1946, حيث نظم عدداً كبيراً من الأغاني كانت طليعة ما يُعرف بالأغنية اللبنانية مثل: أغنية الأم، وأغنية الشجرة، ونشيد الجندي وغيرها، بعدما كان الشائع لدى المطربين اللبنانيين الغناء المصري، وممن وضع الحان تلك الأغاني كبار الموسيقيين آنذاك، مثل: محيي الدين سلام، نقولا المني، ميشال خياط، محمود الرشيدي، إيليا بيضا. وهذا الأخير غنّى الكثير من تلك القصائد، الى جانب آخرين، مثل: لور دكاش، يوسف تاج، وديع الصافي، ميشال سمعان، جانيت فغالي (صباح), ليلى الصعيدي، علي الحاج البعلبكي، ديب ريّا... وجميعها محفوظة حتى الآن في أرشيف إذاعة لبنان.

وضع الشاعر عدداً من المسرحيات الشعرية المغناة، أشهرها "الأجنحة المتكسرة" وهي رواية لجبران محوّلة شعراً شعبياً، وقد مُثّلت أكثر من مئة مرة في لبنان والمهجر، ولدى عرضها على مسرح التياترو الكبير عام 1940, بويع وليم صعب بإمارة الزجل اللبناني وهو دون الثامنة والعشرين، وكان الشاعر رشيد نخلة ناظم النشيد الوطني اللبناني، الذي توفي عام 1939, يحمل لقب "أمير الزجل"، قبله. وجاءت المبايعة من قبل عريف الحفلة الخطيب الشاعر يوسف الحاج، فقد اختتمها بمبايعة الأستاذ وليم صعب بإمارة الزجل باسمه وباسم العائلة الزجلية عموماً، ومثل ذلك كان رشيد نخلة قد فعل الأمر نفسه وأيضاً خلال حفلة مماثلة.

لم يكتف وليم صعب بذلك اللقب لنفسه أو يغلق عليه الأدراج، بل حوّله الى مؤسسة مُرخّص لها من الدولة اللبنانية باسم "جمعية إمارة الزجل"، ومن إنجازاتها جمع شمل الشعراء الشعبيين في لبنان، وتأدية خدمات ثقافية واجتماعية جليلة، وعقد مؤتمر للزجل العربي عام 1945 في لبنان، هو الأول (والأخير) من نوعه, شارك فيه كبار الشعراء الشعبيين في لبنان والعالم العربي مثل: محمود رمزي نظيم ومحمد عبد المنعم الملقب "ابو بثينة" من مصر، وعبد الغني الشيخ من سوريا.

وقام الشاعر برحلة الى دنيا الإغتراب بين أواخر 1946 وأواخر 1950, لمع نجمه خلالها في الولايات المتحدة وكندا والبرازيل والأرجنتين وفنزويلا. وأسس عدداً من الروابط لجمع شمل الشعراء الشعبيين ورفع مستوى نظمهم. ويذكره الشاعر جورج صيدح بإكبار في كتابه التـوثيقي الرائد "أدبـنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية" (1956), كمؤسس للرابطة الأدبية في الأرجنتين، وهي الرابطة الأولى التي تجمع الأدباء العرب هناك.

الى مجلته التي تحوي ألوفاً مؤلّفة من الصفحات، كان وليم صعب قد نشر عدداً من المجموعات الشعرية والدراسات. ولكـنه، قبل أن ينشر سيرته الذاتية وديوانـه المخطوطين اللذين أعدهما بنفسه، توفي في 30 تشرين الثاني 1999. وأقيم له مأتم رسمي وشعبي حاشد في بيروت وفي بلدته الشويفات حيث نقل جثمانه.

بعد موته، تولّى إبنه الشاعر والباحث والأستاذ الجامعي د. أديب صعب، ضبط ونشر السيرة الذاتية لوالده وديوانه. فصدرا عن "دار النهار" بعنوان "حكاية قرن" و"الديوان".

 

 

نشيد الجندي

في فجر استقلالنا           ضحكت لنا آمالنا

وكرمال اسمك يا وطن      موت الشرف يحلالنا

بسيوفنا منحمي الحمى     بأرواحنا وبذل الدما

والموت مات من الظما      لولا سيوف رجالنا
برماحنا العتم انجلى         وبارودنا غطّى الفلا

يوم الوغى ياما حلا         ضاق المدى بمجالنا

نحنا جنود المرجله            تواريخ فينا مسجّلة

والموت مهره محجلّه       بيقودها خيّالها

بلاد الشرف منصونها       منموت ما منخونها

 نحنا حجار حصونها          والنصر والعليا لنا


من رداته المشهورة

ركبت الأبجر ولجمتو               السور العالي هاجمتو

سحبت السيف ضربت السبع     شربت الدم بجمجمتو

بحري للظامي شافي            واسفنج المعنى كافي

غطوس وشيل اسفنجة فنّ     عصرها بتعصر قوافي

التحويطة فيها متراس          لشيخ سباع البسيطة

عنتر عبس بيحني الراس         ان خشّ حدود التحويطة

 

شهادات في وليم صعب

 ● أديب ذو ثقافة عالية، مليء الجنان بالخيال والشعور. أحب بني قومه، فنطق بلغة الوادي وصنين والأرز... لا تكتف بسماع شعر وليم صعب، بل اقرأه أيضاً. فأنت كلما قرأته زادك إعجاباً وتقديراً.

المحامي الوزير إميل لحود(1940)

●  ينزل الزجل بفضلك ملاعب الوحي في دنيا الفصحى. إن مكان رشيد نخلة لن يحتله غير وليم، ويتلألأ من جديد أدب لبنان.

صلاح الأسير (1940)

●  تلذّ لي الزيارة حين ألقى        وأسمع صوت صاحبي الحبيب

    خبرت صفاته وعرفت عنه         فتى ملء المسامع والقلوب

شبلي الملاّط (1946)

●  إن في أغاريد وليم صعب، هذا الشاعر الرسّام، صوت لبنان وصورته وهو يغني ويضحك، كما فيه صوته وصورته وهو يحن ويبكي. إن في هذه الأوراق شعراً لا تكلف فيه، وفناً غير مزيّف، وموسيقى لم تعصف بها أوتار، وأناشيد لم تهتف بها حناجر... كان صوت لبنان دائماً عذباً شجياً. ولكن هذا الشاعر قد جعله بأغانيه أعذب وأحلى.

إيليا أبو ماضي (1947)

●  الأغنية اللبنانية، بكلماتها العذبة ولحنها المشتق من مائنا وهوائنا، لم تكن موجودة. وليم صعب أوجد الأغنية اللبنانية بشكلها العصري الجديد كلاماً ولحناً وموسيقى.

عجاج نويهض (1963)

●  إن معرفة شاعرنا وليم باللغة والعروض يسّرت له قياس الشعر الزجلي بتفاعيل الخليل ومشتقاتها، فنقد وضبط وأحكم، ومن خصائصه أنه ذو نفس ملحمي لا ينبهر في أول الحلبة ولا يخمد، بل يشتد كلما تفتح المدى.

بولس سلامة (1963)

 ●  عرفت وليم صعب شاعراً من الطراز الأرفع، إنه عملاق الشعر الزجلي اللبناني، وأميره منذ العام 1940. وأبى إلا أن يكون له فضل الريادة في الصحافة الزجلية. وعلى امتداد ثلاث وأربعين سنة، كانت مجلته صوت شعراء الزجل في لبنان والعالم العربي والمهجر. وستبقى عطاءاته في ذاكرة التاريخ وفي ذاكرتنا نحن، رفاق الدرب في الصحافة وفي الأدب وفي العمل القومي.

محمد بعلبكي (1999)

 ●  عندما التقيته كان في زيارته لوالدي )شبلي الملاط( الذي ما برح يردد كلما ذُكر وليم صعب عنده، أنه انسان نادر بين الناس لأنه لم يسمح يوماً للحقيقة بأن يتغشى لها وجه في كلامه، أو للصدق بأن يتسرب إليه أي تزويق. استطلع أسلوباً في الزجل جاء على ملتقى مميز بين الشعر الفصيح والشعر العامي. وتألقت في شعره، الى جانب الملاحة المألوفة في القول الشعبي، الفكرة المرتوية المتعمقة التي يتوخاها الإرتقاء الذهني. فكان طبيعياً أن ينهض زملاؤه الشعراء الى إعلان فضله وريادته، فأسندوا إليه إمارة الزجل.

وجدي الملاط (1999)

 

شعر تقرأه بقلبك

”لا بد لدارس هذا الديوان، في ذاته أو بالمقارنة مع ما هو في مستواه من الشعر الشعبي، من أن يلاحظ ظاهرة مهمة جداً عند وليم صعب، هي أن شعره، الى جانب عظمة لغته وصوره ومعانيه وشمول موضوعاته وفنونه، يتميز، بل يتفرد أيضاً، بخلوّ أوزانه من العيوب التقليدية التي وقع فيها كبار الشعراء الشعبيين. وهذه العوامل، مجتمعة، تجعل من شعر وليم صعب أكبر مثال على الكلاسيكية في الشعر الشعبي... إن كل قصيدة في هذا الديوان شهادة صارخة على أن مجد الشعر أُعطي لصاحبه... هذا شعر تقرأه بقلبك وتسمعه بعينيك. إنه أجمل سيرة لحياة صاحبه. وهو كشف للكثير من الجمال والجلال الذي خبأه الله في أجزاء الخليقة”.

د. أديب صعب، مقدمة”الديوان”