السوق العربية المشتركة حلقة في اطار التعاون الاقتصادي العربي

السوق العربية المشتركة حلقة في اطار التعاون الاقتصادي العربي
إعداد: د. عبد الامير دكروب
أستاذ في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب

تتوزع البلاد العربية على مساحة من الاراضي توازي 14 مليون كلم مربع، وتشير مؤشرات عام 1999 الى ان عدد السكان بلغ 273 مليون نسمة، والناتج المحلي الاجمالي 622 مليار دولار، وتستحوذ هذه البلاد على 62.5% من احتياط النفط العالمي و28% من الانتاج العالمي. بينما تبلغ حصتها من الصادرات 3% او ما يوازي 163 مليار دولار، ومن الواردات العالمية 2.6% او 157.7 مليار دولار. اما نسبة التجارة البينية بين هذه الدول فلا تتجاوز 9% من مجمل تجارتها الخارجية.([1])

ومن المفيد ان نشير الى انه قبل الحرب العالمية الاولى، كانت معظم البلدان العربية في المشرق خاضعة لادارة واحدة في العهد العثماني، باستثناء مصر التي استقلت عن السيادة العثمانية في وقت مبكر. وكان يسود هذه البلدان نظام جمركي واحد، وكان النقد موحداً، مع حرية انتقال البضائع والافراد، وحرية ممارسة العمل والاقامة في ارجاء الدولة العثمانية. وقد استفادت الدول العربية من هذه الوحدة الاقتصادية، وكانت بضائعها الزراعية والصناعية تنتقل بحرية عبر ارجاء هذه الدول. وبالرغم من ان الدولة العثمانية اتاحت للدول العربية نوعاً من الوحدة الاقتصادية والادارية، الا ان السلطنة بحد ذاتها كانت في آخر عهدها، ولم تكن دولة عصرية، ولم تماشِ ركب الثورة الصناعية التي كانت تقوم في الغرب، فانعكس ذلك سلباً عليها وعلى الولايات التابعة لها ومنها الدول العربية ([2]).

بعد الحرب العالمية الاولى، خضعت البلدان العربية في المشرق لنظام الانتداب بحيث اصبحت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي وفلسطين والاردن والعراق تحت الانتداب الانكليزي. ونشأت دولة مستقلة في الجزيرة العربية، وتابعت مصر سيرها المستقل مع هيمنة انكليزية.

وهكذا فقدت البلدان العربية وحدتها الاقتصادية، حيث ادت التقسيمات السياسية الى اقامة الحواجز الاقتصادية والجمركية. وزالت حرية انتقال البضائع والافراد وحرية انتقال الاموال. واصبح لكل دولة نقدها الخاص بها ([3]). الا ان هذه الوحدة الاقتصادية لم تتفسخ تماما وظلت ولو بشكل نسبي تخضع للأطر الانتدابية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ونيل معظم الدول العربية المشرقية استقلالها، مما ادى الى زيادة التفسخ الاقتصادي وكان آخره انهيار الوحدة الاقتصادية بين سوريا ولبنان، حيث انتهت الوحدة النقدية عام 1948 وتبعها الانفصال الجمركي سنة 1950. وانهارت حرية ممارسة النشاط الاقتصادي لرعايا كل من البلدين في البلد الآخر سنة 1952، كما انهارت في الفترة ذاتها حرية التجارة بين الاردن وسوريا ولبنان، وتراخت علاقات التبادل التجاري بين كل من مصر والعراق والدول العربية الاخرى، وقطعت العلاقات نهائيا مع فلسطين المحتلة بعد قيام اسرائيل.

 

دور الجامعة العربية في التعاون الاقتصادي العربي

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الشعوب تعاني من وطأة اتفاقية سايكس-بيكو التي كان من نتائجها تقاسم النفوذ في المنطقة بين انكليزي وفرنسي وفرض حدود سياسية جديدة، كان لها الاثر الاكبر في لجم التواصل السياسي والاقتصادي بين شعوب المنطقة. وتلبية لرغبات هذه الشعوب في التقارب والتواصل قدمت مشاريع عديدة من دول المنطقة وبصيغ مختلفة، منها ما يدعو الى دولة اتحادية، ومنها ما يفضل التعاون والتنسيق مع الاحتفاظ بحق كل دولة باستقلالها واتخاذ قرارها. وكان بنتيجة ذلك ان وقع بروتوكول الاسكندرية الذي ينص على انشاء الجامعة العربية في 7 تشرين الاول سنة 1944، ووقعه اعضاء اللجنة التحضيرية المكونة من خمس دول عربية هي: الاردن، سوريا، العراق، لبنان ومصر. ومن ثم تم اقرار ميثاق الجامعة في 22 آذار سنة 1945، ووقعه بالاضافة الى الدول الخمس السابقة الذكر، كلž من السعودية واليمن. وحرص ميثاق الجامعة على ان تكون العضوية محصورة بالدول العربية المستقلة آنذاك.([4])

وقد جاء في ميثاق الجامعة: (ان الغرض من انشائها هو توثيق الصلات بين الدول العربية المشاركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة استقلالها وسيادتها.)

وان هذا التعاون المشترك يتم حسب النظم في كل منها، وذلك في ما يتعلق بالشؤون الاقتصادية والمالية والمواصلات والثقافة وأمور الجنسية والشؤون الاجتماعية والصحية. كما انه من مهام مجلسها مراعاة ما تبرمه الدول المشتركة فيها من اتفاقيات، وتعزيز وسائل التعاون مع الهيئات الدولية لضمان الامن والسلام وتنظيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية) ([5]).

وبالاضافة الى مجلس الجامعة المكون من ممثلي الدول الاعضاء، تم تشكيل اثنتي عشرة لجنة تعنى بمختلف الشؤون بين الدول الاعضاء، ومنها اللجنة الاقتصادية والمالية. وقد أُنيطت بهذه اللجنة اول محاولة لوضع قواعد التعاون الاقتصادي العربي. وقدمت تقريرها الاول بتاريخ 14 آب 1945، وتناول بالدرجة الاولى: التوصيات الزراعية، وتشمل القطاع الزراعي من جميع جوانبه ابتداء من جمع المعلومات واصدار النشرات وتنسيق الابحاث  واستعراض النظم العقارية وتقديم المقترحات لتحقيق الاصلاح الزراعي، الى كل ما يؤدي لاصلاح الشؤون الزراعية وتحسين معيشة سكان الريف.

كذلك شمل التقرير توصيات بالشؤون التجارية والصناعية والمالية. وكانت هذه التوصيات شاملة ومتعددة وتناولت سبل تطوير الصادرات والمواصلات والنقل البحري وتنسيق السياسة الجمركية ونظم الجمارك، وتسهيل السياحة، وانشاء غرف صناعية وتجارية مشتركة، وانشاء مؤسسات صناعية وتجارية ومالية مشتركة، وتنسيق اسس العملة وتيسير التداول النقدي الخ... ولكن للاسف فأن مهمة هذه اللجنة انتهت بعد تقديم تقريرها. فقد كانت لجنة مؤقتة، ولم تحاول حتى جعل هذا التقرير موضع مناقشة جدية من قبل مجلس الجامعة، فانتهت اعمالها وجهودها الى لا شيء ([6]).

كذلك وفي اطار التعاون الاقتصادي الذي رعته الجامعة العربية آنذاك، طُرحت عدة مشاريع اقتصادية، منها مشروع توحيد النقد بين الاقطار العربية، الذي قدمه في نيسان سنة 1946 امين عام الجامعة العربية آنذاك السيد خالد العظم، وكان يقضي بتوحيد العملة بين سائر اقطار الجامعة مع الغاء كافة العملات القديمة واحداث عملة جديدة تسمى بالدينار العربي ويكون معادلا للجنيه الاسترليني. ولكن هذا المشروع لم يكتب له النجاح لأن البلاد العربية اصبحت في وحدات سياسية منفصلة، ولكل سياستها الاقتصادية الخاصة بها، وكل بنك مركزي في اي دولة سيتبع سياسة خاصة تناسب ظروف دولته.

كذلك وفي اطار التعاون الاقتصادي العربي في ظل الجامعة العربية بعد نشأتها قدم مشروع التبادل التجاري بين البلاد العربية وقد وضعه السيد كمال جنبلاط وتبنته الحكومة اللبنانية ورفعته بمذكرة الى الامانة العامة للجامعة بتاريخ 10 آذار 1945. وقد سمي هذا المشروع (مشروع تنمية التجارة بين دول الجامعة العربية)، وينص على اعفاء كلي من رسوم الاستيراد للبضائع التي انتجت بكاملها في اراضي احدى دول الجامعة، وكذلك البضائع التي صنعت بكاملها في اراضي هذه الدول ولم يلحق بها اي عمل صناعي اجنبي... والحقيقة ان المشروع كان يهدف الى اطلاق حرية التجارة بين البلدان العربية ويظهر مدى الفوائد الجمة التي يجنيها كل بلد يتبنى هذا المشروع في اطار الجامعة. كما ان هناك مشاريع عديدة قدمت في هذا الاطار آنذاك منها ميثاق الضمان الجماعي الذي تنص إحدى مواده على انشاء مجلس اقتصادي مكون من وزراء الاقتصاد في بلدان الجامعة، كذلك قرار مجلس الجامعة سنة 1951 الذي يوصي الدول الاعضاء في الجامعة بأن تقيم علاقاتها الاقتصادية في ما بينها على اساس الافضلية، ثم قرار المقاطعة الاقتصادية لاسرائيل. وتشير المراجع الى ان الحكومة اللبنانية كانت وراء العديد من تلك المشاريع آنفة الذكر، كما ان قرار مجلس الجامعة العربية يشير الى مذكرة الحكومة اللبنانية بشأن ما يسمى (بالمؤتمر الاقتصادي الشرقي) ويشير ايضا الى مذكرة الجامعة العربية بشأن عقد مؤتمر اقتصادي وانشاء (هيئة اقتصادية بالشرق الاوسط).

والحقيقة ان الجامعة العربية منذ انشائها سنة 1945 وبعد ذلك بأكثر من ست سنوات، لم تحقق عملاً هاماً في مجال التعاون الاقتصادي بين الدول العربية. وهذا يعود لاسباب عديدة منها: سياسي واقتصادي وتاريخي وجغرافي واسباب موروثة وطارئة كلها تؤثر في مسيرة هذا التعاون وتعيق خطواته. وليس من المتوقع ان يسير هذا التعاون الاقتصادي العربي بخطى منتظمة من دون مستجدات. لذا يجب العمل ما امكن على ازالة هذه العوائق، وهذا لا يكون الا بوجود الوعي الكافي لدى مختلف الاطراف وتغليب المصلحة العامة التي ستعم آثارها الايجابية الجميع، والتخلي عن المصالح الآنية الضيقة.

 

المجلس الاقتصادي العربي

بعد ان إتضح لمعظم الدول الأعضاء في الجامعة العربية ان اللجنة الاقتصادية ـ المالية المنبثقة عنها، ليست قادرة على القيام بالاعمال المنوطة بها، ورأت، بعد انشاء الكيان الصهيوني، ان مصالحها باتت مهددة، أدركت أن في توثيق عُرى التعاون الاقتصادي في ما بينها الوسيلة الفضلى للدفاع عن مصالحها وأهدافها، قامت بإبرام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي عام 1950، ونصّت المادة الثامنة على انشاء المجلس الاقتصادي العربي. ويتكون هذا المجلس من وزراء المال والاقتصاد العرب او من يمثلهم عند الضرورة. ولاحقا انفصل هذا المجلس عن المعاهدة الام التي انبثق منها، وذلك لاتاحة الفرصة امام الدول التي لا ترغب بتوقيع اتفاقية الدفاع ان تكون عضواً في هذا المجلس، وهكذا شملت عضويته الدول العربية كلها. وقد باشر المجلس اعماله في كانون الاول سنة 1953. ولغاية سنة 1998 كان قد عقد اكثر من 62 دورة ([7]). وفي سنة 1978 تم تطوير هذا المجلس بحيث اصبحت صلاحياته أوسع في الزامية القرارات وعدِّل اسمه فأصبح المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

ومن اهم انجازات هذا المجلس اتفاقية تسهيل التبادل التجاري والترانزيت بين الدول العربية سنة 1953. وقد وقع هذه الاتفاقية آنذاك كل من: السعودية، مصر، العراق، الاردن، سوريا ولبنان، وتلتها لاحقا الكويت. وكان هدف هذه الاتفاقية احداث نظام تجاري تفضيلي بين الدول الاعضاء وذلك عن طريق تخفيض تدريجي للتعريفات الجمركية. واهم ما تضمنته هذه الاتفاقية اعداد ثلاث قوائم هي: القائمة (أ) تتضمن منتجات زراعية وموارد طبيعية يجب ان تنتقل بدون اي قيد عبر البلاد العربية. والقائمة (ب) وتتضمن منتجات صناعية وعدداً من المنتجات الزراعية، وينبغي ان تتحرر بنسبة 25%. اما القائمة (ج) فتضم منتجات تحويلية يجب تخفيض التعريفات المفروضة عليها بنسبة 50%. كذلك نصت الاتفاقية على تبني نظام تفضيلي لتراخيص الاستيراد، وتسهيلات من اجل انتقال رؤوس الاموال الموجهة نحو تمويل مشاريع التنمية وتنسيق الضرائب الداخلية التي تفرض على بعض المنتجات الزراعية والصناعية، كما نصت على تبسيط الاجراءات الادارية من اجل تسهيل مرور البضائع (الترانزيت) عبر البلدان العربية ([8]).

ولأسباب عديدة تعثرت هذه الاتفاقية، ونشأ عنها نظام تجاري غير متكافئ لجهة نوعية الرسوم الجمركية ونظام التراخيص في كل دولة، وكان تطبيق هذه الاتفاقية يخضع في كثير من الاحيان لتقلبات المزاج السياسي للبعض وللتغيرات المفاجئة ولفترات التوتر والهدوء في المنطقة، اما العقبات الاساسية فتتمثل في تشابه المنتجات الاقتصادية التي يغلب عليها الطابع الزراعي كذلك في ضعف القطاعات الانتاجية المتمثلة بالصناعة والزراعة. ولئن كانت التجارة الخارجية وجدت بالاساس لخدمة القطاعات الانتاجية، فأي دور سيكون لها في غياب القاعدة الاقتصادية الاساسية المرتكزة على الانتاج والاستثمارات المنتجة. وبالرغم من ذلك فقد أنجز هذا المجلس بعض الخطوات العملية على طريق التعاون الاقتصادي، متماشياً مع الظروف الاقتصادية والسياسية للدول العربية.

 

اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية

أعد هذا المشروع في اطار الجامعة العربية باشراف اللجنة السياسية التابعة لها وذلك في 1956/5/22 في دمشق. وأوصت هذه اللجنة الحكومات العربية بتأليف لجنة من الخبراء العرب تتولى اعداد مشروع كامل للوحدة الاقتصادية والخطوات التي يجب ان تتبع لتحقيقها. وقد اجتمعت لجنة الخبراء في بحمدون بلبنان بتاريخ 1956/8/6 واعدت مشروع (اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية) وآليات تحقيقه. ومن ثم تمت احالته الى مجلس الجامعة الذي احاله بدوره الى المجلس الاقتصادي، وقد صادق عليه الاخير في 3 حزيران 1957.

ومن الجدير بالذكر ان الوفد اللبناني في اجتماعات بحمدون ابدى تحفظاته على المشروع بحجة انه مشروع نظري ولا يمكن تحقيقه دفعة واحدة، بل يجب ان يحقق على مراحل نظراً لاعتبارات كثيرة قائمة في دول الجامعة العربية. ولذلك كان من رأي الوفد اللبناني ان كل مرحلة يجب ان تضم الاهداف والوسائل القابلة للتطبيق عمليا، وان تكون كل واحدة ممهدة للثانية ([9]).

وقد نصت اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في مادتها الأولى على ما تعتبره اهداف الوحدة وهي:

1- حرية انتقال الاشخاص ورؤوس الاموال.

2- حرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية والاجنبية.

3- حرية الاقامة والعمل والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي.

4- حرية النقل والترانزيت واستعمال وسائل النقل والمرافئ والمطارات المدنية.

5-حقوق التملك والايصاء والارث.

 

وفي المادة الثانية تعرضت الاتفاقية لوسائل تحقيق اهداف الوحدة الاقتصادية العربية على الشكل التالي:

1-جعل بلادها منطقة جمركية حرة.

2- توحيد سياسة الاستيراد والتصدير والانظمة المتعلقة بهما.

3-توحيد انظمة النقل والترانزيت.

4- عقد الاتفاقات التجارية واتفاقات المدفوعات مع البلدان الاخرى بصورة مشتركة.

5- تنسيق السياسة المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة الداخلية وتوحيد التشريع الاقتصادي بشكل يكفل لمن يعمل من رعايا البلاد المتعاقدة في الزراعة والصناعة والمهن شروطا متكافئة.

6-تنسيق تشريع العمل والضمان الاجتماعي.

7- تنسيق تشريع الضرائب والرسوم الحكومية وسائر الضرائب المتعلقة بالزراعة والصناعة.

8-تنسيق السياسات النقدية والمالية والانظمة المتعلقة بها في بلدان الاطراف المتعاقدة.

9- توحيد اساليب التصنيف والتبويب الاحصائية.

10- اتخاذ اية اجراءات اخرى تلزم بتحقيق الاهداف المبينة في المادتين الاولى والثانية ([10]).

 

ومع ان هذه الاتفاقية أقرت من قبل المجلس الاقتصادي التابع للجامعة العربية عام 1957، الا انها وقعت فعلياً في 6 حزيران سنة 1962 من قبل الدول الاعضاء وهي: مصر، سوريا، العراق، الاردن، الكويت ثم انضمت اليها لاحقا وبتواريخ مختلفة كل من: اليمن الشمالي والجنوبي، السودان، الامارات العربية المتحدة، ليبيا، الصومال، موريتانيا وفلسطين. وبوضع هذه الاتفاقية وتطبيقها نشأ مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الذي اصبح له دور مشابه للمجلس الاقتصادي العربي السابق ذكره.

ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية هو المجلس الذي يشرف على تنفيذ اتفاقية الوحدة الاقتصادية. وهو عبارة عن هيئة دائمة مقرها القاهرة، يتخذ قراراته باغلبية الثلثين، ويتفرع عنه لجان اختصاص كاللجنة الجمركية المالية والنقدية واللجنة الاقتصادية لمعالجة شؤون الزراعة والصناعة والتجارة والنقل والمواصلات.

وككل الاتفاقيات العربية التي لا تتمتع بالانسابية الطبيعة، فقد تعثرت هذه الاتفاقية بعد الانتهاء من توقيعها مباشرة عام 1957 لاسباب كان اساسها الخلافات السياسية وتعارض الانظمة بين الدول العربية. كما كان هناك تعارض بين الدول ذات النظم الاشتراكية والاخرى ذات النظم الليبيرالية، ووجود دول نفطية غنية ودول فقيرة،و ودول ذات ثقل بشري وسياسي، ودول صغيرة، مع اختلافات في البنيات الاقتصادية والنقدية.

وعدا عن الخلافات السياسية وتعارض النظم الاقتصادية بين الدول العربية، نرى ان اتفاقية الوحيدة الاقتصادية العربية تبنت المدخل التبادلي للتكامل الاقتصادي من خلال تحرير السلع وحرية تنقل الاشخاص ورؤوس الاموال. وهذا وحده غير كاف في اقتصادات ضعيفة بحاجة الى عملية تنمية اقتصادية شاملة مستمرة وتكاملية مع الدول الاخرى، والطريقة التي اتبعها المجلس للوصول الى هدفه في التكامل الاقتصادي بين الدول الاعضاء لم تكن الطريق الأسلم، ولم يخطط لها كما يجب. وقد قيل الكثير في هذا الصدد من أنه ليست القيود الجمركية هي التي تمنع التوسع في التبادل التجاري بين الدول الاعضاء بقدر ما هو نوع التخصص الانتاجي ومستواه والذي تقوم عليه الاقتصادات العربية. ويقول الدكتور جمال العطيفي في هذا الصدد وفي مقارنة بين السوق الاوروبية المشتركة ودول الوحدة الاقتصادية العربية، بأن دول المجموعة الاولى  اعطت الاولوية في اتفاقاتها لتنسيق توزيع الانتاج الكبير بين دولها في حين ان المشكلة بين دول المنظومة العربية هي مشكلة انتاج وليست مشكلة توزيع ([11]). وهذا مؤشر هام على ضعف الاقتصادات العربية.

كما يؤخذ على اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية عدم تعرضها لمراحل التنفيذ، اي الالتزام بجدول زمني للتدرج في تطبيق بنودها، كذلك خلوّها من النصوص والاحكام الملزمة للدول المشاركة فيها، اضافة الى خلو نصوصها من الكيفية التي سيتم بها تنفيذ القرارات، او تحديد اي سلطة دستورية مختصة باصدار القوانين التي تمنع الدول الاعضاء في الاتفاقية من ان تصدر في اراضيها قوانين وقرارات تتعارض مع احكام الاتفاقية وان تصدر هذه السلطة القرارات الضرورية التي تستكمل نص الاتفاقية بما يجنّبها الاخطاء ويضمن لها القوة والاستمرار.

كما ان هذه الاتفاقية تفادت النص على عقوبات تطبق على الدول الاعضاء المخالفين. ومن المآخذ على هذه الاتفاقية بحسب آراء بعض لجان التقييم لاحقا، انها كانت طموحة اكثر من اللازم حين تصورت ان تحقيق الوحدة الاقتصادية يكون في فترة خمس سنوات قابلة للتجديد خمس سنوات اخرى، متجاهلة الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول الاعضاء.

عدا عن ذلك، وفي تحليل لتباطؤ تنفيذ او تعثر اتفاقية الوحدة الاقتصادية، يمكن القول ان العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية هي ثانوية الاهمية بالنسبة لعلاقاتها مع الخارج. وهذا يعود من جهة لعامل السيطرة الاجنبية الذي لم تتخلص منه، ومن جهة اخرى فان الدول العربية تنتمي الى كتلة البلدان النامية التي تصنف في اطار التجارة العالمية، وفي اطار توزيع العمل الدولي، بأنها من الدول المصدرة للخامات والمواد الاولية مثل النفط والغاز والفوسفات والقطن وغيرها، وهذه السلع ليس لها اسواق كافية في الدول العربية. وهذه الدول هي بحاجة ايضا للسلع الترسملية الصناعية غير المتوفرة لدى بعضها، وبالتالي فهي مضطرة لاستيرادها من الدول الصناعية المتطورة.

اضافة الى ذلك تجد بعض الدول النفطية انها ليست بحاجة ماسة للتفتيش عن اسواق عربية لسلعتها الوحيدة المصدّرة. كما ان هناك دولاً اخرى تجد في اتفاقية الوحدة الاقتصادية تقييداً لتنفيذ سياساتها الاقتصادية وتريد لنفسها كامل الحرية في وضع وتنفيذ مخططاتها. ثم ان بعض الدول العربية، تطبق سياسة حرية الاستيراد وحرية انتقال رؤوس الاموال وهذا غير متوفر في الدول الاخرى، مما يجعلنا نقول باختصار ان تعارض الانظمة اقتصادياً وسياسياً هو اكبر العقبات امام إتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية. وهكذا انقسمت الدول في نظرتها الى هذه الاتفاقية كل حسب وضعه، فمنهم من انضم اليها متحمسا، ومنهم من يماشيها مسايرة، ومنهم من انضم اليها ويعمل على تطوير علاقته الثنائية او الجماعية مع غيرها، والبعض يترقب النتائج حتى ينضم، وفريق لا يبدي اي اهتمام بالانضمام ([12]).

وبالرغم من كل هذه العوائق امام اتفاقية الوحدة الاقتصادية فقد اصدر مجلس الوحدة اكثر من 600 قرار، أبرزها قراره الهام بانشاء السوق العربية المشتركة([13]).

 

السوق العربية المشتركة

كانت الدول العربية في محاولاتها المتعثرة تسعى لانجاز الوحدة الاقتصادية الكاملة، وهذا معناه الاندماج الاقتصادي الكامل بكل ابعاده وبكل ما يعنيه من تحقيق مكاسب لصالح الدول الاعضاء. وهذا بحد ذاته عامل وعي وادراك لم ستجلبه هذه الوحدة من منافع  ومزايا وقوة لهذه الدول على الصعيدين الاقتصادي والسياسي وعلى صعيد التنمية والتقدم والازدهار لشعوبها. ولكن كيف سيتم انجاز هذا الحلم العظيم، وما هي الآلية التي يجب ان تتبع لتطبيقه، وما هي السبل لنزع العوائق وتذليل العقبات التي تعترضه؟ هذا ما لم يتفق عليه الجميع لاسباب ذكرت ولاخرى سنأتي على ذكرها لاحقا، لذا كان التعثر والتباطؤ والتراجع احيانا حلفاء لكل الاتفاقيات التي عقدت بين الدول العربية، وما اكثرها.

وقبل ان نتناول مباشرة موضوع السوق العربية المشتركة، لا بد من التذكير برأي بعض الاقتصاديين حول عملية الاندماج الاقتصادي الكامل او الوحدة الاقتصادية التي تعتبر هدفاً رئيسياً لدى العديد من الاقطار العربية. وللوصول الى هذا الهدف (اي الوحدة الاقتصادية) لا بد ان نمر بعدة مراحل منها: الاولى، منطقة التجارة الحرة يليها مرحلة الاتحاد الجمركي ثم مرحلة السوق العربية المشتركة واخيرا مرحلة الوحدة او الاندماج الاقتصادي الكامل. وفي هذه المرحلة الاخيرة يتم توحيد السياسات الاقتصادية والنقدية والمالية والاجتماعية الى جانب إلغاء القيود والتعريفات الجمركية، وتطبيق تعريفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي. والواقع ان مرحلة انشاء السوق العربية المشتركة هي بالمقارنة مرحلة ادنى من اتفاقية الوحدة الاقتصادية وتعتبر مرحلة تحضيرية لها. لذا رأينا الدول الاوروبية بدأت بإتفاقية السوق المشتركة لتنطلق الى تحقيق الوحدة الاقتصادية والاندماجية.

اما في الدول العربية فكانت الحالة معكوسة. وعندما طرحت هذه الدول اتفاقية الوحدة كانت تسعى لحرق المراحل وكان قرارها حماسياً وعاطفياً اكثر منه واقعيا، لذا وصل الى ما وصل اليه من تباطؤ وتراجع وعدم التزام من معظم الفرقاء.

ومع كل ذلك فأن مرحلة السوق العربية المشتركة التي نادى بها العديد من الاقتصاديين والسياسيين والمفكرين العرب هي خطوة متقدمة في مجال التكامل الاقتصادي العربي. اما السوق المشتركة برأي البعض وبحد ذاتها، (فهي شكل متقدم ومقبول من اشكال التعاون والتنسيق في المجالات الاقتصادية والانمائية، بين مجموعة من الدول تشعر بأن هذه السوق تحقق لها فوائد اضافية لم تستطع ولا تستطيع بمفردها ان تحققها، وتفترض السوق المشتركة التنسيق في مجال الانتاج ومجالات التجارتين الداخلية والخارجية وفي مجال اقامة المشروعات بدلاً من تكرارها في هذا البلد او ذاك، وتفترض ايضا ازالة الحواجز الجمركية جزئياً او كلياً لتقدم شكلاً من اشكال الحواجز الجمركية مع العالم الخارجي. وقد تتطور السوق المشتركة الى اتحاد اقتصادي او اندماج كامل)([14]).

 

دواعي قيام السوق العربية المشتركة ومقوماتها

تعاني الدول العربية من اوضاع حرجة ومن شرذمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهي بالتالي مستهدفة على هذين المستويين. فعلى المستوى الاقتصادي تشكل انظمة غير متناسقة ومتفاوتة من حيث المستوى في الانتاج والتقدم، ولها اسواق ضيقة، ويخضع انتاجها لمنافسة البضائع الاجنبية، وليس لكل نظام منها بمفرده اي وزن تفاوضي او تعاقدي على الصعيد العالمي، مع الكتل الاقتصادية الكبرى كما لو كانت كتلة واحدة. وهي مستهدفة في اطار توزيع العمل الدولي من قبل الدول الصناعية المتطورة، على ان تبقى في خانة بلدان (العالم الثالث) التي تعتبر مصدِّرة للخامات والمواد الاولية رخيصة الثمن، ومستوردة للسلع الصناعية المتقدمة مرتفعة الاثمان. كذلك لا يخفى انها مستهدفة على الصعيد السياسي من قبل الصهيونية واسرائيل ومن يقف وراءها ومن قوى عالمية مهيمنة على ان تبقى هذه الدول مقسمة، مشرذمة، متناقضة، متناحرة حيث تبقى ضعيفة وتسهل السيطرة عليها واخضاعها للمصالح الصهيونية والاجنبية وجعل ثرواتها واموالها عرضة للنهب.

هذا في الخطاب السياسي والاقتصادي العام حول الدول العربية، اما في الواقع العملي فقد أظهرت معظم الدراسات الاقتصادية عدم قدرة الاسواق الصغيرة على الاستيعاب حتى للانتاج المحلي. فأي مصنع فيها ذو انتاجية عالية لا يمكن ان يعمل بكامل طاقته ما لم تتوفر له السوق الكبيرة، كذلك اي زراعة واسعة ومتخصصة لا يمكن ان تقوم وتتطور الا بوجود أسواق لها. ثم ان اتساع السوق هذا يساعد على الانتاج بمقياس أعلى وبالتالي يساعد على التخصص في الانتاج، وكلما زاد حجم انتاج المصنع، كلما انخفضت التكاليف، وبالتالي سعر السلعة. ولا شك بأن المنشآت الكبيرة التي تضمن تصريف انتاجها سوق كبيرة هي الأقدر في مجال التطور التقني وتحسين طرق الانتاج ومجالات البحث العلمي، من المؤسسات الصغيرة. ان زيادة الانتاج وتخفيض اسعار الكلفة وازالة الحواجز الجمركية امام حركتي التصدير والاستيراد في دول السوق ستنعكس ايجابا على اوضاع المواطنين في هذه الدول من حيث رفع مستواهم المعيشي.

والدول العربية لها مقومات السوق الكبيرة من عدة نواحي، اذ تتوافر فيها المقومات الاقتصادية من ثروات طبيعية كالنفط والغاز والفوسفات والحديد والاملاح والخامات الزراعية وغيرها. كذلك تتوافر في هذه البلاد الكتلة البشرية الضخمة التي تقارب اليوم 300 مليون نسمة، وهذه الكتلة البشرية بحد ذاتها توفر سوقا استهلاكية كبيرة للمؤسسات الانتاجية الكبيرة، مع توفر في القوى العاملة على اختلاف مستوياتها. اضافة الى توفر رؤوس الاموال العربية خصوصا في الدول النفطية. فاذا ما توفر لهذه الاموال المناخ الاستثماري الآمن فأن اسواقها المحلية تضيق بها، فلماذا لا تنتقل الى دول عربية ذات كثافة سكانية وامكانيات اقتصادية وايدي عاملة وخامات؟ كل هذه العوامل وغيرها تدعو الدول العربية للتفكير جديا بالتخلص من ضعفها وضعف مركزها السياسي والاقتصادي على الصعيد العالمي وللسعي لايجاد تكتل اقتصادي يصون لها مركزها بين الكتل العالمية.

 

كيفية قيام السوق واهم اهدافها:

ان قرار انشاء مجلس الوحدة الاقتصادية العربية كان قراراً طموحاً، وقد لقيَ معارضة من بعض الدول العربية، ولم يستطع تحقيق الاهداف المنشودة لاعتبارات مختلفة، ومع ذلك ظل يمارس دوره بما تسمح به الامكانات بالرغم من التناقضات، لتنسيق علاقات التعاون بين هذه الدول.

لذلك كانت فكرة انشاء السوق العربية المشتركة كمرحلة تمهيدية انتقالية تهدف الى الوحدة الاقتصادية العربية. وهكذا جاء قرار انشاء السوق العربية المشتركة من قبل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية (قرار رقم 17 تاريخ  13 آب 1964) نتيجة لدراسة قامت لها لجنة خاصة مكلفة من المجلس، واعتبرت السوق مرحلة من مراحل تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية بين الدول الموقعة سابقا على اتفاقية الوحدة ومنها: الاردن، العراق، سوريا، مصر والكويت وانضمت الى هذه الاتفاقية لاحقاً كلž من اليمن (1966) والسودان (1968).

وقد نصّت مقدمة قرار انشاء السوق على اعتبارها مرحلة مهمة تهدف الى ارساء دعائم الوحدة الاقتصادية  على اسس سليمة من اجل التنمية الاقتصادية المتناسقة، وخطوة هامة في سبيل تحقيق التكامل الاقتصادي بين الاطراف المتعاقدة وتحقيق التقدم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي في هذه الدول، وحدد هذا القرار اهداف السوق على الاسس التالية:

1-حرية انتقال الاشخاص ورؤوس الاموال.

2- حرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية والاجنبية.

3-حرية الاقامة والعمل والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي.

4- حرية النقل والترانزيت واستعمال وسائل النقل والمرافىء والمطارات المدنية([15]).

ومن الواضح ان هذه الاسس والاهداف هي نفسها التي قامت عليها اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية، ما عدا الفقرة الخامسة الخاصة بحقوق التملك والايصاء والارث. ولم يتضمن قرار انشاء السوق العربية اية نصوص توضح وتحدد صلاحيات الاجهزة المشرفة على السوق او المنوط بها ادارته. وكل ما يمكن استخلاصه هو ان مجلس الوحدة الاقتصادية الذي اصدر قرار السوق يعتبر السلطة العليا للسوق وله حق اصدار التشريعات والاحكام والنصوص اللازمة لتحديد مسيرته، وبهذه الصفة يعتبر مجلس الوحدة الهيئة التشريعية والمخططة للسوق، يساعده في ذلك عدة اجهزة منها: الامانة العامة واللجان والمكاتب الفنية. كما لم يلحظ قرار انشاء السوق ما يمكن ان ينشأ من مستجدات خلال تطبيق مراحل السوق من مشاكل ونزاعات وضرورة وجود لجنة تحكيم، لحل الخلافات التي يعود حلها بالطبع لمجلس الوحدة الاقتصادية.

وما تجدر الاشارة اليه ايضا هو حق العضوية، اذ تشير نصوص الاتفاقية الى ان حق العضوية في السوق العربية المشتركة يقتصر على الدول العربية الموقعة او التي ستوقع اتفاقية مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، اي ان الانتساب الى السوق دون الانتساب لاتفاقية الوحدة يعتبر مرفوضاً. وقد اثار هذا الموضوع جدلا واشكالا بين الدول الاعضاء في السوق والدول العربية الاخرى. وتعليل دول السوق لموقفها هذا يتلخص بأن اتفاقية السوق هي مرحلة انتقالية لتحقيق الوحدة الاندماجية الاقتصادية، كذلك فإن قرار انشاء السوق هو من صنع مجلس الوحدة الاقتصادية. والقرارات المنظمة للسوق انما تصدر عن هذا المجلس بصفته السلطة التشريعية، ثم ان اهداف السوق تشكل الجانب الهام من اتفاقية الوحدة. واخيرا ان امتناع الدول العربية الراغبة في دخول السوق عن الانضمام لاتفاقية الوحدة من شأنه احداث خلل قانوني في السوق. ذلك ان السلطة التي تخطط للسوق هي مجلس الوحدة المنبثق عن اتفاقية الوحدة التي تمتنع تلك الدول عن الانضمام اليها ([16])

هذا في حين ان بعض الدول العربية ترغب في الدخول الى السوق دون التوقيع على اتفاقية الوحدة، وعلى رأسها لبنان. فقد كان لهذه الدول رأي مغاير وطالبت بالدخول الى السوق مباشرة ورأت في تجربة السوق تجربة عملية لتبيان مدى نجاح فكرة الوحدة العربية، ضاربة المثل بدول السوق الاوروبية المشتركة التي تعتبر مشروع السوق لديها خطوة في طريق تحقيق الوحدة الاقتصادية. ولكن بعد جدل كثير وبعد طرح الموضوع على لجان مختصة وفي مجالس القمة العربية تقرر اخيراً ان يبقى النص على ما هو عليه، طبعا مع التعليل من اللجنة التابعة لمجلس الوحدة وذلك سنة 1969.

لقد حدد قرار انشاء السوق العربية المشتركة اول عام 1965 تاريخاً لبدء تنفيذ احكامه، خصوصاً في ما يتعلق بتطبيق الاعفاءات والرسوم الجمركية والضرائب الاخرى. ويستوجب هذا التحديد التمييز بين فترتين: فترة ما قبل 1965 وفترة ما بعدها، على ان يتم تحديد ومعرفة القيود ومختلف الرسوم والضرائب في الفترة الاولى، اي ما قبل 1965 ويتم تثبيتها، وتقدم قوائم بكل هذه السلع سواء كانت زراعية ام صناعية، والتي سيتم التبادل بها بين الدول المتعاقدة، على ان ترسل هذه القوائم قبل نهاية العام 1964 الى مجلس الوحدة الاقتصادية.

وفي ما يتعلق بالفترة الثانية التي تبدأ في مطلع 1965 فقد اعدت لها جداول تحدد نوعيتها وكيفية وتاريخ اعفائها من الرسوم الجمركية والضرائب، على ان يتم تحريرها من هذه الرسوم في مدة قصوى لا تتجاوز خمس سنوات اعتباراً من مطلع 1965. هذا مع العلم انه بقيت سلع صناعية كثيرة خارج هذا الاطار الزمني المحدد.

وهكذا كان الجدول (أ) الذي ضم جزءاً من المنتجات الزراعية والحيوانية والثروات الطبيعية. وقد كان هذا الجدول ملحقاً باتفاقية تسهيل التبادل التجاري بين دول الجامعة العربية، التي تم اعفاؤها كلياً من الضرائب والرسوم الجمركية، منذ بدء نشوء السوق. اما المنتجات الزراعية والحيوانية والثروات الطبيعية غير الواردة في الجدول (أ) فيسري عليها تخفيض تدريجي بمعدل 20% سنوياً.

اما في ما يخص المنتجات الصناعية العربية، فلكي تأخذ هذه المنتجات الصفة الوطنية وتستفيد من احكام السوق، تم تحديدها على انها المنتجات المصنعة في كل دولة من دول السوق والتي لا تقل كلفة الانتاج المحلية الداخلة في صنعها عن 40% من كلفة الانتاج الكلية. وقد تم التمييز بين ثلاثة انواع من المنتجات الصناعية في اتفاقية السوق العربية، كما اختلفت مدة تحريرها عن سائر المنتجات الزراعية والحيوانية والمواد الأولية، حيث ان هناك منتجات صناعية كانت داخلة في اتفاقية التبادل التجاري والترانزيت، وقد حظي بعضها سابقا بتخفيض في الرسوم الجمركية والضرائب قدره 25%  وبعضها الآخر 50% قبل سنة 1964. وهناك سلع صناعية اخرى تطبق عليها التعرفة الجمركية كاملة.

وهكذا فإن النوع الاول من المنتجات الصناعية والداخلة في الجدول (ب) من اتفاقية السوق العربية، طبق عليها التخفيض من الرسوم الجمركية والضرائب بمعدل 10% سنوياً بالاضافة الى التخفيض الذي تتمتع به اصلاً وهو 25%.

اما النوع الثاني من المنتجات الصناعية والداخلة في الجدول (ج) من الاتفاقية فقد طبق عليها تخفيض قدره 10% سنوياً بالاضافة الى التخفيض السابق الذي هو 50%.

والنوع الثالث من المنتجات الصناعية التي تخضع للتعريفة الجمركية الكاملة ولا تدخل في الجدولين (ب) و(ج) من الاتفاقية، فيطبق عليها تخفيض قدره 10% سنوياً مما يستوجب عشر سنوات لتحريرها. وهكذا نرى ان السلع الصناعية غير محددة في تخفيضاتها بمدة زمنية متوازية مع غيرها من السلع.

 

واقع السوق العربية المشتركة

ان مبدأ العضوية في السوق العربية المشتركة يقتصر على الدول الاعضاء في مجلس الوحدة الاقتصادية. وهكذا قامت السوق بداية بأربعة دول هي: الاردن، سوريا، العراق ومصر، ومن ثم اتسعت دائرة العضوية فضمت كلاً من اليمن، السودان، ليبيا وموريتانيا. اما الدول الاخرى الاعضاء في المجلس الاقتصادي فلم تنضمّ بعد الى السوق وهي: الامارات العربية المتحدة والصومال.

ظلت السوق العربية في حالة تطبيق جيده وبمستوى عال من الالتزام في السنوات الاولى من عهدها، ثم حدث تباطؤ في التطبيق لظروف واسباب مختلفة وخاصة نشوء الازمات والاختلافات الثنائية والجماعية بين الدول العربية، فانعكس ذلك سلبا على مبدأ التطبيق لأحكام السوق. وكان لتجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية الاثر الاكبر على مسيرة السوق. وعندما عادت لمصر  عضويتها لم تستأنف التزاماتها في اطار السوق حتى الآن. اما اطراف السوق الاخرى فقد اختلفت مواقفها بين ملتزم وبين متوقف صامت وبين من يسود موقفه الغموض.

ومع ذلك يمكن القول ان التزام دول السوق في مراحلها الاولى بتطبيق احكامها، انعكس ايجابا على حجم المبادلات التجارية بين هذه الدول. وتظهر الارقام انه بينما بلغ حجم التجارة البينية بين هذه الدول سنة 1965 حوالي 97 مليون دولار، ارتفع هذا الرقم سنة 1975 الى 1.2 مليار دولار. هذا على الرغم من ضعف الهياكل الانتاجية لهذه الدول آنذاك. ثم ما لبث ان انخفض هذا الرقم سنة 1989 الى 788 مليون دولار والى 699 مليون دولار عام 1994 ([17]).

هذا الانخفاض في حجم المبادلات بين دول السوق بالرغم من نمو وتنوع هياكلها الانتاجية، يدل على تعثر احكام السوق وضعف الالتزام بهذه الاحكام من قبل الدول المعنية، بل العودة الى فرض قيود ورسوم جمركية في تلك الحقبة. وهذه الارقام الواردة اعلاه تقدم ابلغ دليل على الترابط الفعلي سلبا ام ايجابا بين حجم المبادلات التجارية من جهة وبين الالتزام او عدم الالتزام بقرارات السوق.

لقد هدف قرار مجلس الوحدة الاقتصادية رقم 17 تاريخ 1964 الى انشاء سوق عربية مشتركة فعلية، ولكن للاسف لم ينتج عن هذا القرار اكثر من منطقة حركة للتجارة لم تستطع ان ترقى لمستوى اتحاد جمركي عام بين الدول المتعاقدة. وبالرغم من كل ذلك، فأن هذه التجربة مع ما اعتراها من مشاكل وصعوبات اظهرت بعض الايجابيات المتمثلة بقدرة الدول العربية على التحرير الكامل للتبادل التجاري العربي من الرسوم الجمركية والقيود الضرائبية كافة في ظل تنظيم قواعد المنافسة العادلة والمتكافئة. ثم ان هذه السوق القائمة حاليا بين سبع دول عربية تمثل تمهيداً حقيقياً للاقدام على طرح مشروع (منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى) والحائز على دعم مؤتمر القمة المنعقد في القاهرة سنة 1996. وفي السنوات الخمس عشرة الاولى من عمر السوق العربية، ارتفعت نسبة التجارة البينية بين دول السوق الى مستويات جيدة بالرغم من ضعف هياكلها الانتاجية آنذاك.

وفي رأي الامين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية د. حسن ابراهيم فإن قرار انشاء السوق العربية من حيث المبدأ هو إرساء لقواعد التكامل الاقتصادي العربي وصولاً الى الوحدة الاقتصادية الكاملة. وقد رافق هذه العملية برأيه عدة خطوات على جميع الاصعدة من قبل مجلس الوحدة الاقتصادية، راعت قرار انشاء السوق، اذ اعدت دراسات جادة ومقترحات محددة للتنسيق الصناعي، تمّ اقرار اتفاقيتين لتنمية وحماية الاستثمار، وتأسيس اربع شركات عربية برؤوس اموال حكومية في التعدين والدواء والثروة الحيوانية والصناعة. كما تم اعداد مشروع قانون عربي موحد للشركات المشتركة، ووضعت دراسات للتنسيق والربط بين خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية القطرية في اطار جماعي، ومشروع مبدئي لاستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك ([18]).

وفي المجال الفني انشئ اكثر من عشرين اتحاد تقع في نطاقها عشرات القطاعات ومئات المؤسسات الانتاجية، كما انشىء المكتب المركزي العربي للاحصاء. وقام المجلس بإعداد مشروعات مؤسسات لكل من صندوق النقد العربي والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار واتفاقيات في المجال الضريبي. كما تم في مجال النقل اعداد مشروع تنظيم النقل بالعبور (الترانزيت) ومشروع شركة عربية مشتركة للنقل للبري. اما فيما يخص القوى العاملة، فقد تم اقرار اتفاقيتين في قطاع التأمينات الاجتماعية ومشروع بطاقة شخصية لانتقال الاشخاص بين الدول الاعضاء ([19]).

مما تقدم في هذا المجال حول التعاون الاقتصادي العربي، يتراءى الخلط بين قرارات السوق العربية المشتركة التي تضم عدداً معيناً من الدول العربية، وقرارات مجلس الوحدة الاقتصادية العربية الصادر عنه قرار السوق، بشكل اصبحت معه قرارات السوق العربية المشتركة ضبابية تختلط فيها الاتفاقيات الاقتصادية العربية على اختلافها ما بين ثنائية او جماعية او اقليمية كالسوق الخليجية المشتركة والسوق المغاربية وما شابه.

 

العقبات امام تطوير السوق

لا شك في انه من السهولة بمكان ان يسرد المطلع بعض النقاط التي تظهر بارزة مشكلة العوائق امام تطوير السوق العربية المشتركة او اي نوع من التعاون او التكامل او الاندماج الاقتصادي العربي. لكن موضوعاً بهذه الاهمية لا يمكن ينظر اليه بنوع من السطحية. ان الاسباب التي تذكر اليوم على انها عوائق امام تطور السوق العربية والوحدة الاقتصادية، ما هي بنظري الا نتائج لمسببات عميقة وتاريخية عملت التجزئة والتباعد على تعميقها.

وقبل ان نسرد معظم هذه الاشكاليات البارزة اليوم لا بد لنا ان ندرك ان الاستقلال السياسي الذي حصلت عليه معظم الدول العربية هو استقلال منقوص او مستبدل بسيطرة اقتصادية مالية وثقافية من قبل الدول التي كانت مستعمرة لهذه المنطقة. وقد سارت العلاقات لاحقا في هذه الاطر المذكورة لصالح الدول الغربية في اطار من التبعية.

اذا كانت الدول العربية قد شهدت بعض التناسق في النصف الاول من القرن العشرين من حيث مستوى المعيشة ومستوى الدخل والمستوى الثقافي والاجتماعي، فأن هذا الوضع حاليا يختلف عما كان وعلى جميع الصعد. ولو اخذنا عدة عوامل ظاهرة مثل: معدل الدخل الفردي، المستوى التعليمي ونسبة الأمية، مستوى التصنيع ومستوى التطور الزراعي والمستوى الثقافي والاجتماعي والعادات والتقاليد، لرأينا ان هناك فروقاً بين الدول العربية وعلى جميع المستويات. فما هو (السحر) الذي سيقرّب بين هذه الدول ويدمجها بهذه السرعة في تكامل اقتصادي في ظل هذا التفاوت الكبير؟

ان توحيد المانيا كان حلماً لجميع الالمان، ومع ذلك فإنه عند حدوث الوحدة بعد انهيار جدار برلين، شعر الالمان الغربيون بالعبء والتكاليف الباهظة التي سوق يدفعونها لدمج الالمانيتين، وبالتالي رفع المستوى الاقتصادي في المانيا الشرقية ليجاري مثيله في الغربية، ونتساءل هنا: هل اصبحنا في مستوى من الوعي القومي ليتحمل بعضنا التضحيات؟ ثم انه في اوروبا الغربية عندما فكرت الدول بأقامة سوقها الاقتصادية المشتركة، كان المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لدى معظم شعوب دول السوق متقارباً، ومع ذلك تتعرض هذه الدول بين الحين والآخر عند تطبيقها لمبادىء واحكام السوق، للعديد من المشاكل والعقبات، تستطيع ان تتغلب عليها بواسطة الوعي والرؤية البعيدة لما ستجلبه انظمة السوق من خير للجميع.

اما في الدول العربية فقد رأينا العقبات والمشاكل التي تظهر في جميع الاتجاهات عند تطبيق مبادىء وانظمة السوق. وكانت الصعوبات الاكبر حدة وتعقيداً مع دول السوق الفقيرة نسبيا (مثل اليمن والسودان) لأن اقتصاداتها لا تزال اكثر تخلفا من بقية دول السوق. لذلك يمكننا القول  ان الفروقات المذكورة بين الدول العربية هي من اهم الاسباب والعوائق امام مسيرة التعاون الاقتصادي العربي.

وانطلاقاً من هذه الفروقات نرى اسواقاً عربية اخرى تظهر على هوامش السوق العربية المشتركة التي ترعاها بالدرجة الاولى الجامعة العربية. واذا كانت السوق العربية المشتركة تمثل بالدرجة الاولى المشرق العربي، فأن هناك تنسيقاً هاماً على المستوى الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم كل دول الخليج مع السعودية والذي تتشابه وتتقارب اقتصاداته من بعضها البعض، كذلك توجد اللجنة الاستشارية لدول المغرب العربي، التي تولت التنسيق الاقتصادي بين دول المغرب الاربعة: تونس، الجزائر، المغرب وليبيا. وتوجد منظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط بالاضافة الى العديد من الاجهزة الاقليمية والقطاعية التي تعلو سلطتها احيانا على سلطة الجامعة العربية نفسها.

ان هذا التباين الواضح في اقتصادات الدول العربية في مجال الاندماج والتكامل الاقتصادي، وهذه التبعية الاقتصادية، لا يمكن ان تؤدي بالطرق التقليدية المطروحة اليوم الى سوق عربية مشتركة.

فرغم كل الاتفاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول العربية، الثنائية منها والجماعية والتي يرعاها المجلس الاقتصادي العربي، فإن التجارة البينية بين الدول العربية لا تتجاوز 10% من قيمة تجارتها مع الدول الاجنبية. وهذا يدل على ضعف هذه الاقتصادات ذات الانتاجية المتدنية والتي لا تستطيع ان تعتمد على بعضها في تلبية حاجاتها من السلع الاستهلاكية او السلع الضرورية الخاصة بالمشاريع التنموية التي يحتاج اليها قطاعا الزراعة والصناعة.

ان الغاء الحواجز الجمركية بين دول  السوق العربية المشتركة لا يعتبر شرطاً كافياً لاقامة سوق عربية، اذ ان الحد الادنى المطلوب لذلك هو التجانس على الاقل بين هذه الاقتصادات وتنسيق السياسات الاقتصادية مع اتباع حركة تنمية للقطاعين الزراعي والصناعي، وايجاد نوع من الثقة المتبادلة، مع تبادل للمعلومات وتوزيع عادل لمزايا الاندماج الاقتصادي، لا ان تأكل سوق الدول الكبيرة الخيرات الناجمة عن حركة الاندماج دون التعويض على اسواق الدول الصغيرة.

ومن العوائق التي يجمع عليها الاقتصاديون العرب انه بالاضافة الى تماثل الانتاج والمنتوجات في هذه الدول، لا زالت المواد الاولية وعلى رأسها النفط تشكل العمود الفقري لصادرات العديد من الدول العربية. وهذه المواد تصدر بمعظمها الى الخارج ولا يمكن ان تستوعبها حالياً الاسواق العربية. لذا في هكذا اقتصادات ستظل التجارة العربية البينية منخفضة ومحدودة.

ومن العوائق غير المشجعة ايضا عدم وجود شبكة مواصلات ونقل بين الدول العربية، وعدم توفر شبكات المعلومات والاحصاءات عن النشاطات الاقتصادية العربية، وعدم وجود مناخ استثماري ملائم لأي دولة عربية. وفي هذا المجال يشير البيان الصادر عن المؤتمر السابع للمستثمرين ورجال الاعمال العرب المنعقد في بيروت في تشرين الاول 1997، بأنه على الرغم من كل قوانين تشجيع الاستثمار الصادرة في الدول العربية، فان 10.3% فقط من اموال العرب الموجودة في الخارج عادت الى العالم العربي ([20]).

ويعزو آخرون فشل السوق الى غياب الارادة الشعبية والى عدم توفر الارادة السياسية وانعدام الرغبة لدى صانعي القرار السياسي للسير في التكامل الاقتصادي. ويرى البعض في المعوقات لقيام السوق ضعف آلية تنفيذ الاتفاقيات التي يتم التوقيع عليها، وعدم وجود خطة عربية شاملة في المجال الاقتصادي لا تتعارض مع الخطط القطرية. بينما يقول احد الباحثين اننا كعرب نعمل بعكس التيار حيث ننطلق من المبدأ السياسي للوصول الى الهدف الاقتصادي، بينما ينطلق الآخرون من الاهداف الاقتصادية للوصول الى المصالح السياسية ([21]).

وفي تحليل للامين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية برهان الدجاني حول نشأة السوق العربية المشتركة والاسباب المانعة لقيامها في مراحلها المختلفة وبالشكل الامثل، يرى الكاتب (وهو خبير في الشؤون العربية الاقتصادية) عدة اسباب نوجزها بما يلي: الحساسيات السياسية بين الدول العربية والحرص على السيادة وبالتالي اخضاع مفهوم التعاون الاقليمي لحاجات السيادة. اختلاف النظرة الى السياسة الخارجية والارتباط الدولي مع معسكرين متناقضين وبالتالي اختلاف العلاقات الاقتصادية الخارجية. ثم التباينات الملحوظة في التراكيب الاجتماعية والانظمة الاقتصادية والسياسية ومستويات النمو والاختلافات الديموغرافية من حيث احجام السكان. كذلك الاختلافات في تركيبات المصالح الاقتصادية المحلية الضالعة وتنوع آثار هذه المصالح على السوق المشتركة، واخيرا التلكؤ من قبل الادارات السياسية نتيجة للمخاوف وعدم وضوح الرؤيا ومبدأ الشك وتفضيل السلوك الثنائي في التعامل بدل اسلوب السلوك الجماعي. ([22])

اما العوائق والعقبات الكلاسيكية التي جابهت نشوء السوق وحالت دون تطوير آلياتها وبلوغها اهدافها، فقد اجمع عليها معظم الاقتصاديين الذين رافقوا هذه التجربة من خلال مسؤولياتهم في الجامعة العربية وفي المؤسسات واللجان الاقتصادية التابعة لها. وكان الرأي السائد ان النتائج التي نجمت عن اتفاقية السوق العربية المشتركة في مجملها حتى اليوم كانت متواضعة وعلى الصعد كافة.

 

اين اصبحت السوق العربية المشتركة حالياً؟

بما ان سنة 1971 كانت التاريخ المحدد لانجاز تحرير معظم السلع بين الدول العربية المشاركة في السوق، ولم يتم ذلك وفق الاصول، فقد قام المجلس الاقتصادي العربي المشرف على اتفاقية السوق بتكليف لجنة اقتصادية لتقييم المرحلة التي حققتها السوق، وتقييم للمشروعات المشتركة المطروحة للمرحلة القادمة. وقد انجز هذا التقرير عام 1972 كتقييم اول للاتفاقية. وتناول هذا التقرير بالنقد اتفاقية السوق العربية المشتركة واعلن:

- ان مجلس الوحدة الاقتصادية العربية كان متسرعاً باصدار قرار انشاء السوق العربية، ولم يراع الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول الاعضاء التي تستطيع ان توجد تنسيقاً حقيقياً وجاداً بين خططها الاقتصادية، مع ما استلزم ذلك من عدم الفصل بين قرارات السوق وقرارات مجلس الوحدة الاقتصادية.

- ظلت التشريعات التجارية والمالية والنقدية غير موحدة او منسقة ولم يتم تنفيذ قرار انشاء اتحاد المدفوعات العربي.

- رغم الغاء القيود الادارية الكمية فأن هيمنة القطاع العام على التجارة الخارجية في ثلاث دول من دول السوق (مصر، سوريا والعراق) اوجدت سبيلاً لتطبيق سياسات تقييدية واستخدام ذلك القطاع اداة في اخضاع التبادل التجاري لاعتبارات سياسية.

- محدودية القدرة التصديرية والتشابه السلعي في مكونات التجارة وتفضيل بعض الدول توجيه ما لديها من فوائض تصديرية للتسويق بالنقد الحر.

- استمرار اجراءات الحملة بما يتعارض مع قرار السوق بسبب اختلاف هياكل التكلفة التي اسهم فيها تباين الرسوم الجمركية على المستلزمات المستوردة من الخارج.

- قيام بعض دول السوق بتحديد اسعار محلية مرتفعة لبعض منتجات القطاع العام، بينما تصدرها لباقي الاعضاء باسعار متدنية.

- اتباع بعض الدول في السوق مبدأ تخطيط التجارة الخارجية ووضع ميزانية نقدية وفقاً لأولويات تحددها، مما يؤدي الى منع الاستيراد من دول اعضاء لعدم ادراج قيم صادرات الاخيرة في تلك الميزانية، مع حظر استيراد بعض السلع من باقي الاعضاء لأنها تصنفها على انها سلع كمالية.

- طلب بعض الدول استثناء عدد من المواد من التخفيض او الاعفاء بحجة شدة اعتماد ايراداتها العامة على الحصيلة الجمركية منها. كما امتنعت بعضها عن تنفيذ مراحل متقدمة من تحرير التبادل متذرعة بعدم التزام باقي الاعضاء بالتحرير سابقا. ([23])
وبالرغم من كل الانتقادات الموجهة لآلية تنفيذ احكام السوق من قبل الدول الاعضاء، فقد اوصت اللجنة بضرورة التمسك بقرارات التحرير الكامل للتبادل التجاري، والعمل على اخراج اتحاد المدفوعات الى حيز الوجود، وتنسيق الخطط الخمسية لدول السوق والعمل على تجنب تكرار المـشروعات وتضاربها في دول السوق، ودراسة الوسائل اللازمة للتوفيق بين احكام السيادة الوطنية وبين الزامية قرارات السوق، بالاضافة الى تجنيب التبادل التجاري مخاطر القرارات السياسية، والكف عن عقد الاتفاقيات الثنائية بين دول السوق.

وفي ظل مراجعة ثانية لقرار السوق العربية المشتركة ظل المجلس الاقتصادي يتابع تنفيذ الأحكام الخاصة بتحرير التجارة بين الدول الاطراف والتشاور مع الدول الاخرى التي لم تنضم الى السوق للتعرف على الصعوبات التي تحول دون انضمامها. وتشكلت لذلك لجنة تطوير السوق التي انعقدت سنة 1983 ووضعت عدداً من المقترحات التي تؤدي الى تفعيل السوق وتطويرها. كما ابرزت بعض الصعوبات والمشاكل التي تؤثر على نمو دول السوق ومن ثم على نمو التبادل المتكافىء بينها. ومنها: تباين السياسات الاقتصادية، عدم توفر الجودة في المنتجات المتبادلة، عدم الالتزام بالمواصفات والمقاييس المتفق عليها، تنافس المنتجات المحلية لدول السوق بسبب تشابهها، منافسة السلع الاجنبية للسلع الوطنية المماثلة، ارتفاع اسعار التصدير بسبب ارتفاع التكاليف وتباين اسعار المواد الاولية واسعار الطاقة، عدم المعرفة بأساليب التسويق الحديثة وصعوبات النقل والنقص في تبادل المعلومات ([24])

وفي العام 1984 اوصى المجلس الاقتصادي بأن تقوم دول السوق العربية بتطبيق قواعد منطقة التجارة الحرة في مرحلتها الاخيرة، اي الاعفاء الكامل من الرسوم والضرائب في عملية التبادل التجاري. ولا ينطبق ذلك على الدول الاقل نموا في السوق اذ تتحدد صيغ مرنة لها. والجدير بالذكر انه بالرغم من ان المجلس الاقتصادي ظل دائما يصر على تفعيل التعاون بين دول السوق العربية، الا اننا كنا نرى توالي الاتفاقيات الاقتصادية بين الدول العربية الثنائية منها والجماعية، والتي تصب جميعاً في خانة تطور المبادلات والتجارة البينية بين الدول العربية، والتي تعتبر مشابهة او مكملة في اطار شمولي اكبر لاهداف ومبادىء السوق العربية المشتركة. ففي العام 1984 كان يوجد عدد من الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية في مجال التبادل والتجارة بين الدول العربية بلغ حوالي 122 اتفاقية ([25]).

عدا عن ذلك وبناء على اقتراح مقدم من العراق والذي هو عضو في السوق العربية المشتركة، اقر المجلس الاقتصادي بتاريخ 1981/2/27 اتفاقية (تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية). وقد صادقت عليها حتى الآن 18 دولة عربية ([26])، بينها دول من السوق العربية المشتركة. ومن الطبيعي ان تقرأ هذه الاتفاقية من عنوانها. فهي تصب في خانة تنشيط التجارة الخارجية بين الدول العربية، واهدافها لا تختلف كثيرا عن اهداف السوق، الا انها اكثر مرونة واخف إلزاما. ويأتي على رأس اهدافها: تحرير التبادل التجاري بين الدول العربية، مبدأ الحماية المتدرجة للسلع والمنتجات العربية، تسوية المدفوعات الناشئة عن التبادل التجاري، التوزيع العام للاعباء والمنافع المترتبة على تطبيق الاتفاقية، عدم اللجوء الى العقوبات الاقتصادية في المجال التجاري بين الدول الاطراف... وتختلف هذه الاتفاقية عن اتفاقية السوق العربية المشتركة بأنها تعتمد المدخل الانتقائي للسلع، اي انها تحدد السلع التي تخضع للتحرير او الحماية، بعكس اتفاقية السوق التي تنص على التحرير التدريجي لمعظم السلع من الرسوم والقيود.

واخيراً وليس آخراً في هذا المجال، نجد ان اهتمام الدول العربية ينصبّ اليوم على اقامة (منطقة التجارة العربية الكبرى) والتي اقرها المجلس الاقتصادي الاجتماعي في شباط 1997 وبدأ العمل بها في اول سنة 1998، وهي تنص على تخفيض الرسوم الجمركية على السلع العربية المتبادلة بمعدل 10% سنويا، على ان يتم التوصل الى تحرير السلع العربية بالكامل في عام 2007. ([27]) وقد استندت هذه الاتفاقية في برنامجها التنفيذي بصورة اساسية على تفعيل اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري ما بين الدول العربية. وقد صادقت عليها حتى الآن ثماني عشرة دولة عربية. اما الدول غير المصادقة عليها فهي: الجزائر، موريتانيا، جيبوتي، وجزر القمر. ويعتبر الاساس في الانضمام الى هذه الاتفاقية الموافقة على الاتفاقية السابقة، وعلى البرنامج التنفيذي للاتفاقية الجديدة، الذي يعتمد مبدأ التحرير التدريجي لكافة السلع الزراعية والحيوانية والمصنعة ونصف المصنعة وبنسبة سنوية محددة، مع اعتماد هياكل الرسوم الجمركية المطبقة فعليا في 1997/12/31 في كل دولة من الدول العربية ليتم التخفيض على اساسها. كما تمت الموافقة على مبدأ اعتماد الروزنامة الزراعية، بحيث يحق بموجبها لكل دولة تحديد عدد من السلع الزراعية التي لا تتمتع بالتخفيض من الرسم الجمركي المطبق عليها في فترة معينة من العام وذلك بعد موافقة المجلس الاقتصادي على قائمة السلع الزراعية المقدمة من الدولة المعنية. ([28])

لا شك ان هذه الاتفاقيات الجديدة بين الدول العربية والتي تدفع جميعها باتجاه تنمية التبادل الاقتصادي العربي، تظهر الى اي مدى اصبحت اتفاقية السوق العربية المشتركة ضرورية، وتظهر في الوقت نفسه بأن المجلس الاقتصادي يحاول ان يوجد اتفاقيات تجارية اكثر مرونة من اتفاقية السوق، واقل الزاما وتجمع اكبر عدد من الدول العربية. وربما كان ذلك عاملاً لاستقطاب الدول الاكثر حذراً للدخول في اتفاقية ملزمة.

 

الخاتمة

اسفرت تجارب التعاون الاقتصادي العربي وعلى رأسها تجربة السوق العربية المشتركة عن الضعف في فاعلية القرار السياسي بشأن ما يتخذ من قرارات في مؤتمرات القمة على المستوى الاقتصادي، وعدم توفر روح الالتزام والانضباط عند التطبيق لدى مختلف الاطراف. وبالرغم مما نراه اليوم ولو ظاهريا لحالة من التضامن العربي، فأن العلاقات السياسية وتقلباتها وحالات التجاذب والتنافر السياسي، أثّرت بشكل سلبي على العلاقات الاقتصادية، وعلى التعاون الاقتصادي بين هذه الدول. ولا زالت العلاقات السياسية بين الدول العربية، تخضع لنوع من التجاذب الخفي حيناً والظاهر احياناً، عندما يحاول البعض اثبات زعامته، او تفرده بالقرار السياسي بدون ان يدرك ما لذلك من ضرر على العلاقات الاقتصادية، وبشكل يجعل المواطن العربي يشعر بأن القرارات الحماسية والعاطفية التي تصدر عن القيّمين على الشؤون السياسية والاقتصادية، غير جادة، وبأنهم عندما يطرحون مبدأ تدعيم التعاون الاقتصادي العربي، انما يكونون اما غير مؤمنين بما يطرحون، او غير مدركين لمخاطر هذه القرارات التي تتخذ بشأن التعاون الاقتصادي ولا تنفذ.

ان النزعة الفردية غالبة لدى الدول العربية ومعها محاولة البعض اظهار تردده في تطبيق قرارات التعاون الاقتصادي، وبأنه انما يفعل ذلك بداعي المحافظة على السيادة الوطنية وحماية قطاعاته الانتاجية من المنافسة. والحقيقة ان الكثير من الدول العربية سواء الاعضاء في مجلس الوحدة الاقتصادية ام في السوق العربية المشتركة، انما تخشى كثيرا على عائداتها من الرسوم الجمركية، عندما تتم عملية تحرير التبادل التجاري في ما بينها من هذه الرسوم. ولكن لو كان هناك ادراك ووعي كافيين، لعرفت ان المكاسب والعائدات المالية التي تأتي عن طريق التصدير هي اعظم وأهم من الرسوم الجمركية التي تجبيها من دخول السلع. ويتراءى للمتتبع للعلاقات الاقتصادية العربية، بأن الدول العربية حتى الآن لا تعطي الافضلية في سياساتها الاقتصادية لمشاريع التعاون والتكامل الاقتصادي العربي على حساب السياسات الاقتصادية القطرية. ويتضح ذلك من مستوى التمثيل في مجلس الوحدة الاقتصادية الذي لا يرقى التمثيل فيه الى مستوى الوزراء بل يبقى محصورا بالاداريين وذوي الاختصاص.

بعد كل ما عرضنا حول هذا الموضوع تظهر لنا الفجوة الكبيرة بين كل من السياسيين والاقتصاديين على الصعيد العربي. والكل يعلم التلازم الجدلي بين السياسة والاقتصاد. ومعنى ذلك ان القيادة السياسية التي تمسك بزمام الامور لا تدرك قيمة التعاون الاقتصادي ومكامن القوة المتوفرة لها فيه. وهي تغلّب المصالح القطرية الضيقة، يساعدها في ذلك وعلى الصعيد القطري البيروقراطية الادارية الاقتصادية، التي ترى غالبا مساوىء اي خطوة تكاملية قبل حسناتها وتقيسها بمقياس الربح والخسارة على المدى القصير.

واذا كان هناك من كلمة اخيرة في هذا المجال فلا بد من الاشارة وبإختصار الى استنتاجات ثلاثة لكي تقوم سوق عربية مشتركة فاعلة بين الدول العربية:

1- يجب توفر الارادة السياسية والوعي الكافي لمعرفة قيمة التعاون الاقتصادي العربي وما يعطيه من قوة ودفع للدول العربية على الصعيد العالمي في ظل مشاريع العولمة الاقتصادية وفي ظل التكتلات والمنظمات الاقتصادية العالمية. وهذا لا يكون الا بتوافر النوايا الحسنة لدى مختلف الاطراف.

2-ان التعاون الاقتصادي العربي وانشاء تنظيمات اقتصادية على غرار السوق العربية المشتركة، لا يمكن ان تظهر جدواه في ظل قطاعات انتاجية هزيلة. لذا يجب ان تترافق مشاريع التعاون مع عملية تنمية متكاملة ومدروسة لقطاعات الانتاج، وتسهيلات فعلية لتشجيع الاستثمارات ما بين الدول المتعاقدة.

3-لا بد من بنية اقتصادية مساندة لمشاريع التكامل الاقتصادي العربي تتمثل بالخدمات والاجهزة المساندة المتطورة، من شبكة طرق مواصلات جيدة، ووسائل نقل عصرية متطورة ومعرفة جيدة بالتسويق والترويج والشحن والتخزين والتمويل وضمان ائتمان الصادرات.


[1]  التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الامانة العامة لجامعة الدول العربية، ايلول سنة 2000 - صفحة د.

[2]  برهان الدجاني (الاقتصاد العربي بين الماضي والمستقبل)، الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة العربية، الجزء السادس، صفحة 62.

[3]  المرجع السابق، صفحة 63.

[4]  سليمان المنذر: (السوق العربية المشتركة)، مكتبة مدبولي، القاهرة، سنة 1999، صفحة 11.

[5]  المرجع السابق، صفحة 12.

[6]  برهان الدجاني (الاقتصاد العربي بين الماضي والمستقبل)، الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة العربية، الجزء الاول 1988، صفحة 70.

[7]  سليمان المنذر: (السوق العربية المشتركة)، مرجع سابق صفحة 16.

[8]  عبد الحميد ابراهيمي (ابعاد الاندماج الاقتصادي العربي واحتمالات المستقبل)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1977، صفحة 126.

[9]  سليمان المنذر (السوق العربية المشتركة) مرجع سابق، صفحة 77.

[10]  مجلة معلومات دولية، مركز المعلومات القومي في الجمهورية العربية السورية، العدد 60، دمشق 1999، صفحة 209.

[11]  جمال الوطيفي (اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية)، مجلد الاعمال التمهيدية لاتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية، صفحة 22.

[12]  برهان الدجاني (الاقتصاد العربي بين الماضي والمستقبل)، الجزء الاول، 1988، صفحة 50.

[13]  محمد محمود الامام (السوق العربية المشتركة في ظـل المتغيرات الاقليمية والدولية) مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، القاهرة 1996، ص 13 .

[14]  مجلة معلومات دولية، مرجع سابق، صفحة 61.

[15]  يحي عردوكي (السوق العربية المشتركة) منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1970 صفحة 177.

[16]  يحيى عردوكي (السوق العربية المشتركة) مرجع سابق صفحة 189

[17]  حسن ابراهيم - الامين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية، (السوق العربية المشتركة الحلم العربي المؤجل)، مجتمع الاعمال العرب، عمان ص 4 (مذكرة للمؤتمر).

[18]  حسن ابراهيم، مرجع سابق.

[19]  المرجع السابق

[20]  مجلة معلومات دولية، مرجع سابق ص 65.

[21]  المرجع السابق، ص 66.

[22]  برهان الدجاني، الجزء السادس، مرجع سابق ص 240.

[23]  محمد محمود الامام، مرجع سابق صفحة 14.

[24]  المرجع السابق صفحة 22.

[25]  التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الامانة العامة لجامعة الدول العربية 1984، صفحة 122.

[26]  التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الامانة العامة لجامعة الدول العربية 1998، صفحة 171.

[27]  دراسات اقتصادية، الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية، عمان، تشرين الثاني 1998، صفحة 156.

[28]  التقرير الاقتصادي العربي الموحد، 1988 مرجع سابق صفحة 171.