عام في مؤسسة

٢٠١٩ لبنان للجيش: العوافي يا وطن

استحق جيشنا مجددًا أن نرفع له القبعة احترامًا وتقديرًا. على مدار أيام العام ٢٠١٩ بنهاراته ولياليه كان أداؤه مبهرًا في مختلف الميادين والأوضاع.
من متابعة البناء والتطوير في موازاة السهر على الحدود وحفظ السلم الأهلي وملاحقة المطلوبين وأوكار المجرمين، لم تغمض عين ولا تَعِب زند...
حتى في أصعب الظروف وأكثرها حراجة، ظل جيشنا محافظًا على الأداء المتسم بأقصى درجات الوعي والمناقبية. ساحات لبنان وشوارعه وأحياء مدنه وبلداته وقراه تشهد وتقول: العوافي يا وطن.

 

مع بداية العام أتت الأخبار الجيدة من الطبابة العسكرية التي شهدت ورشة لتوسيع المباني والعيادات وتحديثها، وتعزيز الخدمات عبر استحداث أكثر من جهاز وفرع فضلًا عن رفد عدة أقسام بمزيد من المعدات الحديثة، وتدريب العاملين وتزويدهم المزيد من المهارات، وتفعيل مراقبة الخدمات الطبية في المستشفيات المدنية.
الورشـة التي كانت قد بدأت قبـل مطلع ٢٠١٩، أثمرت وظهرت نتائجها تباعًا:
قسم جديد للعظم، نقلة نوعية في قسم غسيل الكلى، توسيع فرع الأمراض الداخلية، وفرع لتلقي الاتصالات في جهاز مراقبة الخدمات الطبية...
الجهود الحثيثة في الطبابة العسكرية لتأمين أفضل الخدمات الصحية للعسكريين وعائلاتهم، كانت ترجمة لاعتبار هذه الخدمات جزءًا أساسيًا من خدمة القتال يوازي بأهميته الأعمال القتالية، وفق ما أشار إليه قائد الجيش في أكثر من مناسبة.

 

في البلدات والقرى
تَواصَل اهتمام المؤسسة العسكرية بالإسهام في تنمية البلدات والقرى في مختلف المناطق عبر مشاريع كثيرة استجابت للحاجات الملحّة، كما تواصل تقديم الخدمات والمساعدات للمواطنين. عمل مديرية التعاون العسكري – المدني شكّل نموذجًا للعمل الفاعل عبر التوظيف الحكيم للإمكانات:
ورش عمـل لتطويـر المهارات المتصلة بالصناعات الغذائيـة والحـرف اليدويـة، التدريـب على تربيـة النحـل والدواجـن، تأهيـل طرقـات وإنـارة شـوارع وتجهيـز مدارس ومستوصفـات، وسوى ذلك من مشاريـع خدماتيـة نفّذتهـا المديرية بالتعـاون مع جهـات أجنبيـة ومحليـة، وعملـت في موازاتهـا على تأميـن حاجات أساسيـة (معاطـف، أغطيـة، حقائـب ومستلزمـات مدرسية...) في عشرات البلدات والقرى.

 

أبنية ومنشآت
كان وضع حجر الأساس لمركز تدريب القوات الخاصة في الشيخ طابا – عكار الحدث الأبرز على صعيد إنشاء المباني الخاصة بالمؤسسة العسكرية وتطويرها، والتي تواكب تطور الجيش بعديده وعتاده، وتلبي حاجاته في ما يتعلق بالتدريب وإقامة العسكريين وسوى ذلك.
هذا الحدث الذي شهدته المؤسسة في ربيع ٢٠١٩ كان تحت أكثر من عنوان: عهد جديد للتدريب في لبنان، الإسهام في تنمية المنطقة التي سيقام فيها المركز، وتقديم نموذج لمشاريع صديقة للبيئة. لكن وأبعد من كل ذلك، كان هذا المشروع تجسيدًا للثقة التي يحوزها الجيش محليًا ودوليًا. هذه الثقة هي التي أتاحت تمويل المشروع الضخم كما أتاحت للجيش الحصول على المساعدات. والكلمة التي ألقاها قائد الجيش في المناسبة أشارت بوضوح إلى هذا الأمر. وهو إذ شدّد على أنّ الدول تستثمر في جيوشها لما في ذلك من ضمانة لاستقرارها الأمني والاقتصادي، أضاف قائلًا: «في لبنان حيث عجزت السياسات المالية للحكومات المتعاقبة عن منح الجيش الحصة التي يستحق من الموازنة... تبقى إرادتنا الصلبة كما إيماننا برسالتنا سلاحنا... إرادة تستمد صلابتها من محبة اللبنانيين النابعة من الإنجازات العسكرية والأمنية المحققة والمعمّدة بدماء شهدائنا، مشكّلةً رسالة إلى العالم أجمع، ناجحة في انتزاع ثقة الدول».
بالإضافة إلى إطلاق مشروع مركز تدريب القوات الخاصة، شهد العام ٢٠١٩ افتتاح مستوصف للجيش في بلدة رأس بعلبك (مستوصف الملازم أول الشهيد جورج بوصعب). هذه المبادرة كانت تحية وفاء لأبناء منطقة رفدت الجيش بخيرة أبنائها، وكانت تجسيدًا لما يمكن أن تفعله الإدارة الجيدة للإمكانات القليلة. فسياسة التقشف المدروس أتاحت مراعاة الحاجات من دون أن تؤثر سلبًا على أداء المهمات.
السياسة نفسها معطوفة على محبة اللبنانيين لجيشهم أتاحت انطلاق مشروع ثكنة نموذجية جديدة للفوج المجوقل في غوسطا على قطعة أرض قدمها مواطنون. قائد الجيش الذي أطلق المشروع خاطب عسكريي الفوج مستذكرًا عشرات الشهداء الذين قدمهم، ومؤكدًا أنّ اللبنانيين يترجمون حبهم لهم دعمًا وسندًا وتقديرًا.
في السياق ذاته وضع العماد عون حجر الأساس لسجن نموذجي في الشرطة العسكرية مؤكدًا بهذه الخطوة أنّ الجيش رغم كل الصعاب والظروف مصرّ على التزام المبادئ والقواعد النابعة من حق الإنسان بالكرامة والمعاملة الإنسانية وإن كان مجرمًا ينفّذ عقوبة قضى بها القانون.
إلى ذلك، افتتح قائد الجيش أيضًا ساحة الشرف في الكلية الحربية مدشنًا النصب التذكاري لشهدائها، ومكتبًا للضباط المتقاعدين في الطبابة العسكرية، والمبنى الجديد لمستوصف شكري غانم في الفياضية.

 

تدريب ومناورات
حركة التدريب استمرت ناشطة خلال العام المنصرم في مختلف القطع والوحدات، وأظهرت المناورات والتمارين التي نُفّذت وصول عسكريينا إلى مستوى عالٍ من الاحتراف والكفاءة وذلك بشهادة العديد من السفراء والمختصين الأجانب.
ففي مجمّع العاقورة العسكري جرت مناورة هي الأكبر في تاريخ الجيش اللبناني نظرًا إلى حجم القوى المشاركة فيها. وكانت تمرينًا مشتركًا وقائعه تشبه إلى حد كبير وقائع معركة «فجر الجرود»، وقد حضرته إلى جانب قائد الجيش سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في لبنان وقائد الحرس الوطني القبرصي. أداء الوحدات المشاركة حدا بالسفيرة الأميركية إلى القول: «نحن فخورون جدًا لرؤية ما يحدث هنا، نحن نؤمن بحزم بهذا الجيش، وأتمنى أن يؤمن كل لبناني بجيشه».
قائد الحرس الوطني القبرصي الذي حضر أيضًا مناورة لفوج مغاوير البحر أبدى دهشته وإعجابه بالقدرات العالية التي ظهرت بوضوح في أداء المشاركين، وقال ممازحًا: «قد نستعين بكم إن واجهنا أي حادثة»، أما سفيرة بلاده السابقة في لبنان فلم تكن دهشتها بأقل، وقد عبّرت عن سعادتها بالمشاركة في هذا الحدث.
تمرين «الأسد المتأهب» بنسخته التاسعة والعشرين كان أيضًا مناسبة ظهرت فيها الكفاءة العالية لجيشنا، فالمشاركون عادوا مزوَّدين تهنئات وإشادات كبيرة من المدربين الأردنيين والأجانب. الكفاءة العالية نفسها تجلّت في تمرين تكتي بالذخيرة الحية نفّذه فوج الحدود البرية الثالث، كما في تمارين ومناورات أخرى.
في المحصلة، جدية التدريب واستمراريته انعكست بوضوح في الأداء على الأرض.

 

حدودنا السماء
العام ٢٠١٩ كان عام تفعيل دور المرأة في الجيش بامتياز، فهي ارتفعت إلى مستوى ضابط طيار، واضطلعت بمهمات تقنية حساسة في مجال الطيران، كما تولّت مهمات حدودية...
مئات الإناث أثبتن جدارة عالية في قطاعات متنوعة وتسلّمن لأول مرة مهمات حساسة في الجيش بعد أن خضعن لتدريب نوعي.

 

مناسبات ومواقف
كان على الجيش أن يخوض معارك قاسية للحفاظ على حقوق عسكرييه في ظل إجراءات التقشف في موازنة ٢٠١٩. والقيادة التي أبدت تفهمًا عميقًا للأوضاع الصعبة في لبنان التزمت سياسة تقشف منذ العام ٢٠١٧ واتخذت إجراءات كثيرة في هذا المجال، أدت إلى إعادة أموال إلى الخزينة. لكن ما لم تستطع تحمّله أو السكوت عنه هو استهداف الجيش. وفي مواجهة هذا الواقع، كانت للعماد عون مواقف حازمة أطلقها خلال أكثر من مناسبة. فها هو يُعلن من رأس بعلبك: «لن تثنينا ادّعاءات واتهامات.. عن حفظ كرامة وطننا وأهلنا... لن نُحبَطَ ممن أطلق المواقف المساندة لنا خلال المعارك، ليعود وينسحب عند المساس بحقوق العسكريين...» ومن متحف الرئيس اللواء فؤاد شهاب أطلق قائد الجيش صرخة مدوّية حين قال: «يؤسفنا ويؤلمنا ونحن في حضرة مؤسس الجيش... أن نشهد اليوم ما يتعرض له جيشنا من حملات تستهدف بنيته ومعنويات عسكرييه...»، مضيفًا: «لم يُترك للجيش خيار تحديد نفقاته، وباتت أرقام موازنته مباحة ومستباحة من قبل القاصي والداني، وعُرضة للتحليلات والنقاشات، وكأنّ المقصود إقناع الرأي العام بأنّ الجيش يتحمل سبب المديونية العامة».
وإذ تطرّق إلى الانعكاسات السلبية لمنع التطويع والتسريح... اعتبر أنّ ثمة «ما يؤسس لسلوك متعمّد لتطويق المؤسسة العسكرية بهدف إضعافها وضرب معنويات ضباطها وجنودها»... مؤكدًا: «عهد ووعد منّا: لن نستكين».

 

على الأرض
جولات القائد الميدانية واكبت جميع النشاطات والتطورات وامتدت لتشمل المراكز العسكرية في مختلف المناطق. من جرود عرسال إلى الحدود الجنوبية وجبل لبنان وبيروت والشمال، حيث اطلع على أدق التفاصيل في أوضاع العسكريين كما في ما يختص بتنفيذ المهمات والتدريب وإقامة المنشآت وافتتاح الجديد منها. وفي كل الحالات كان قرب رجاله يشدّ على أياديهم ويحفّز هممهم على المزيد من الالتزام والعطاء. كما كان مبادرًا إلى تكريم من استشهدوا منهم، مضيئًا شعلة الوفاء حيث سالت دماؤهم في الجرود.

 

بالعلم نحمي
في موازاة تنفيذ المهمات الدفاعية والأمنية وتطوير المنشآت والتجهيزات.. استمر رفد مسيرة التعليم بمزيد من الفعالية، وذلك من خلال التطوير المستمر للمناهج المعتمدة، كما من خلال اعتماد أحدث الطرق في التدريس، كذلك تمّ تفعيل التعاون مع الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بما يتيح للعسكريين متابعة الدراسات العاليا وتطوير معارفهم بأفضل السبل.

 

معًا انتصرنا... معًا في كل حين
طريق الشهادة جمع جيشنا وأهله في أكثر من موقع ومعركة. و«طريق شهداء الإرهاب» التي تصل بلدة القاع بالمراكز العسكرية الحدودية، شكّلت نموذجًا للتلاحم بين الجيش والمواطنين. وقد دشّن العماد عون هذه الطريق وافتتح «ساحة الجيش» في البلدة مؤكدًا عمق الارتباط بين الجيش وأهله، وعمق إصرار القيادة على المساعدة في إنماء المناطق النائية.
في المقابل ردّ المواطنون على هذه المبادرة وسواها بكثير من الحب والتقدير. وإذ سلّم أهالي القاع مفتاحها للعماد عون، كانت اللقاءات بين الجيش والمواطنين في مناسبة الأول من آب ومناسبات أخرى، عامرة بالمحبة والفرح وكل ما يدلّ إلى أنّ الجيش وأهله يقفان معًا في كل حين.

 

المظلة الجامعة
في ١٧ تشرين الأول شهدت ساحات لبنان وشوارعه انطلاقة احتجاجات شعبية واسعة شملت مختلف المناطق. كان على الجيش انطلاقًا من دوره كحامٍ للمؤسسات الدستورية وللديموقراطية أن ينفّذ مهمة بالغة الحساسية والتعقيد. فهو من جهة يتفهم حق المواطنين بالتظاهر والاحتجاج، ومن جهة أخرى يضطلع بمسؤولية حماية المؤسسات الدستورية وحفظ حق المواطنين في التنقل وممارسة أعمالهم.
أمضى العسكريون أيامًا طويلة في الساحات والشوارع منفّذين المهمة الدقيقة بصبر وطول أناة وانضباط. قدموا مثالًا في المناقبية والقدرة على التعامل مع واقع متفجّر قد يؤدي بالوطن إلى متاهة الفوضى بأبشع وجوهها، فكان المظلة الجامعة للبنانيين.


دماء غالية
خلال العام ٢٠١٩، انضمّ إلى قافلة الشهداء سبعة عسكريين، وهم: النقيب حسن فرحات، المؤهل باسم الخطيب، المعاون بركات خشفة، الرقيب دياب حلوم، العريف المجند محمد الأشقر، العريف المجند إبراهيم صالح والمجند خليل حمّود.

 

في إطار تفعيل مسيرة التزام القوانين الدولية الإنسانية وحقوق الإنسان، استُحدثت في الجيش وظيفة مستشار في القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، كما أطلقت مدوّنة سلوك تراعي حقوق الإنسان.