1- تعريفات الأزمة:
الأزمة هي نقطة تحول مصيرية في مجرى حدث ما، تتميَّز بتحسّن ملحوظ أو بتأخر حاد، وترتبط بتجاذبات قديمة لا بد أن تزول لتحلّ محلها ارتباطات جديدة، وتورث تغيرات كمّية ونوعية في هذا الحدث. الأزمة كمصطلح قديم ترجع أصوله التاريخية إلى الطب الإغريقي – "نقطة تحول" بمعنى أنها لحظة قرار حاسمة في حياة المريض – وهي تُطلق للدلالة على حدوث تغيير جوهري ومفاجئ في جسم الإنسان. في القرن السادس عشر شاع استخدام هذا المصطلح في المعاجم الطبية. وتم اقتباسه في القرن السابع عشر للدلالة على ارتفاع درجة التوتر في العلاقات بين الدولة والكنيسة. وبحلول القرن التاسع عشر تواتر استخدامها للدلالة على ظهور مشكلات خطيرة أو لحظات تحوّل فاصلة في تطور العلاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية. والعام 1937 عرّفت دائرة معارف العلوم الإجتماعية الأزمة بأنها "حدوث خلل خطير ومفاجئ في العلاقة بين العرض والطلب في السلع والخدمات ورؤوس الأموال".
ولقد استعمل المصطلح بعد ذلك في مختلف فروع العلوم الإنسانية وبات يعني مجموعة الظروف والأحداث المفاجئة التي تنطوي على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الأشياء، وهي النقطة الحرجة، واللحظة الحاسمة التي يتحدَّد عندها مصير تطور ما، إما إلى الأفضل، أو إلى الأسوأ (مثل الحياة أو الموت، الحرب أو السلم) لإيجاد حل لمشكلة ما أو انفجارها. كما عرّف (ألستار بوخان – Alastair Buchan) الأزمة في كتابه "إدارة الأزمات" بأنها تحدٍّ ظاهر أو ردّ فعل بين طرفين أو عدة أطراف، حاول كل منهم تحويل مجرى الأحداث لصالحه.
أما (كورال بل – Coral Bill) فإنها تعرّفها في كتابها "إتفاقيات الأزمة – A study in Diplomatic Management, the Conventions of Crisis" بأنها ارتفاع الصراعات إلى مستوى يهدد بتغيير طبيعة العلاقات الدولية بين الدول.
ويشير (روبرب نورث Robert North) إلى أن الأزمة الدولية هي عبارة عن تصعيد حاد للفعل ورد الفعل، أي هي عملية انشقاق تحدث تغييرات في مستوى الفعالية بين الدول، وتؤدي إلى إذكاء درجة التهديد والإكراه. ويشير نورث إلى أن الأزمات غالبًا ما تسبق الحروب، ولكن لا تؤدي كلها إلى الحروب إذ تسوّى سلميًا أو تجمّد أو تهدأ، على أنه يمكن دراستها على اعتبارها إشتراك دولتين أو أكثر في المواجهة نفسها[1].
كما يعرّفها (جون سبانير John Spanir) بأنها "موقف تطالب فيه دولة ما بتغيير الوضع القائم، وهو الأمر الذي تقاومه دول أخرى، ما يخلق درجة عالية من إحتمال اندلاع الحرب.
وفقاً لذلك فإن الأزمة هي "موقف مفاجئ تتجه فيه العلاقات بين طرفين أو أكثر نحو المواجهة بشكل تصعيدي نتيجة لتعارض قائم بينها في المصالح والأهداف، أو نتيجة لإقدام أحد الأطراف على القيام بتحدي عمل يعدّه الطرف الآخر المدافع، يمثل تهديدًا لمصالحه وقيمه الحيوية، ما يستلزم تحركًا مضادًا وسريعًا للحفاظ على تلك المصالح، مستخدمًا في ذلك مختلف وسائل الضغط وبمستوياتها المختلفة، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو حتى عسكرية.
2- مفهوم إدارة الأزمة:
إدارة الأزمات مسألة قائمة بحد ذاتها منذ القدم. وكانت مظهرًا من مظاهر التعامل الإنساني مع المواقف الطارئة أو الحرجة التي واجهها الإنسان بعد أن جوبه بتحدي الطبيعة أو غيره من البشر. ولم تكن تعرف آنئذٍ بإسم إدارة الأزمات وإنما عرفت تسميات أخرى مثل براعة القيادة، أو حسن الإدارة. وكانت هذه الممارسة هي المحك الحقيقي لقدرة الإنسان على مواجهة الأزمات والتعامل مع المواقف الحرجة بما تفجره من طاقات إبداعية، وتستفزّ قدراته على الإبتكار.
فالمفهوم البسيط لإدارة الشيء، هو التعامل معه للوصول إلى افضل النتائج الممكنة، بما يحقق مصالح القائم بالإدارة. ومن هنا فإن إدارة الأزمة تعني "التعامل مع عناصر موقف الأزمة باستخدام مزيج من أدوات المساومة – الضاغطة والتوفيقية – بما يحقق أهداف الدولة ويحافظ على مصالحها الوطنية. وهي أيضًا عبارة عن "محاولة لتطبيق مجموعة من الإجراءات والقواعد والأسس المبتكرة، تتجاوز الأشكال التنظيمية المألوفة وأساليب الإدارة الروتينية المتعارف عليها، وذلك بهدف السيطرة على الأزمة والتحكّم فيها وتوجيهها وفقًا لمصلحة الدولة[2].
وقد أصبح موضوع إدارة الأزمات على رأس الموضوعات الحيوية في العالم منذ العام 1962 والأزمة الكوبية، وتكمن أهمية هذا الحدث في تصريح وزير الدفاع الأميركي روبرت مكنمارا بقوله لن يدور الحديث بعد الآن عن الإدارة الإستراتيجية وإنما ينبغي أن نتحدث عن (إدارة الأزمات).
إذًا إدارة الأزمات تعني: "العمل على تجنب تحوّل النزاع إلى صراع شامل، بتكلفة مقبولة، لا تتضمن التضحية بمصلحة أو قيمة جوهرية"[3].
3- تحليل الأزمة:
بعد تقدير الأزمة وتحديدها تحديدًا دقيقًا، يقوم مدير "إدارة الأزمة" بمساعدة معاونيه بتحليل حالة الأزمة وعناصرها المختلفة ومكوناتها، بهدف اكتشاف المصالح الكامنة وراء صنع الأزمة، والأهداف الحقيقية غير المعلنة التي يسعون لتحقيقها.
ومن هنا يتم تحليل الموقف (أو حالة الأزمة) المركب إلى أجزائه البسيطة ثم إعادة تركيبه بشكل منتظم، بحيث يتم التوصل إلى معلومات جديدة، عن صنع حالة الأزمة وكيفية معالجتها.
وفي هذه المرحلة، يتم استخدام النماذج الرياضية لقياس حالة الأزمة وتحليلها. ويعتمد هذا بالطبع على الإختيار الدقيق والصحيح لأدوات القياس والتحليل والتي من أهمها:
ج- تحليل مواطن القوة لدى كل من الأطراف الصانعة للأزمة وكذلك الطرف الكابح لها، ومواطن الضعف لدى الطرفين.
د- تحليل طبيعة الخطر الذي تشكله الأزمة، وتكاليف استمرارها وأعباؤه، ومدى تأثير كل ذلك على الكيان الذي نشأت به الأزمة.
وبعد هذا كله، يتم تحويل ما توصلنا إليه من تحليلات إلى عناصر كمية ورمزية، واستخراج المؤشرات والنتائج والحلول الكلّية والجزئية والبدائل المختلفة التي يتعيَّن الإختيار من بينها، الأمر الذي يقلل من إحتمالات الخطأ والتحيّز غير الموضوعي عند القيام بعملية التخطيط لمواجهة الأزمة[4].
4- المستويات الثلاثة لإدارة الأزمة:
تسيطر حالة الأزمة متى وصل النزاع الدولي إلى مستوى عالٍ من العدائية يبدو معه لصنّاع القرار أن الحرب هي على وشك الوقوع أو أن احتمال حصولها أصبح حتميًا.
فالنزاعات غالبًا ما تمرّ بمرحلة الأزمة قبل أن تندلع الحرب، وعلى أية حال فإن إدارة الأزمات هي ليست وسيلة جديدة في العلاقات الدولية[5]، بل كانت في صميم آلية التوازن في أوروبا حيث نجحت الدبلوماسية المتعددة الجانب في الحفاظ على السلام قبل حروب نابليون وبعدها ولغاية اندلاع الحرب العالمية الأولى.
أما الذي تغيّر بعد الحرب العالمية الثانية فهو:
ج- الأنظمة السياسية، النظام الرأسمالي والنظام الإشتراكي، والعولمة السياسية.
وكان في الماضي، ولغاية العام 1945، أي في القانون الدولي التقليدي، مقبولاً استعمال أقوى الأسلحة فتكًا وتدميرًا، كوسيلة أخيرة ممكن اللجوء إليها للدفاع عن حق دولة ما أو تعزيزًا لمصالحها.
أما في العصر النووي، وهو عصرنا هذا، فإن اللجوء إلى إستعمال الأسلحة النووية وخصوصًا بين الدول الكبرى التي تملك تلك الأسلحة، أصبح ضربًا من الجنون لأن الدولة البادئة بالضربة والدولة المستهدفة والمستعدة للردّ كلتاهما معرضتان للفناء.
ومع أن الولايات المتحدة قد هددت العام 2003، أكثر من مرة، وعلى لسان مسؤوليها الأمنيين ونائب الرئيس بوش (ديك شيني) بإحتمال استعمال الأسلحة النووية التكتيكية المحصورة ضد كوريا الشمالية وايران، فإن هذا الإحتمال يبقى ضمن الإحتمالات الأميركية المطروحة لمحاربة الإرهاب.
وكانت اسرائيل في تشرين الأول من العام 1973، وببداية الأيام الأولى للهجوم السوري والمصري لإسترداد الجولان وسيناء المحتلتين من إسرائيل منذ العام 1967، والتي كانت فيه دفة الحرب مائلة لصالح العرب، قد هدَّدت باستخدام الأسلحة النووية ضد كل من سوريا ومصر.
أما الواضح من هذا فهو أن إمكان استخدام أسلحة نووية من دول تملكه (دولة نووية) ضد دول لا تملكه (دولة غير نووية) هي أكبر من حالة استعمال دولة نووية ضد دولة نووية أخرى، لأنه في الحالة الأولى سيُسجَّل البقاء، وبكل الإعتبارات، للدولة النووية مع إمكان تأثرها من قريب أو بعيد بتلك الضربة وخصوصًا إذا كانت الدولة المستهدفة قريبة من حدودها، بينما في الحالة الثانية، الدولتان معرضتان للفناء.
أما المستويات الثلاثة لإدارة الأزمات فهي:
1- الأساس الإستراتيجي:
إن نجاح إدارة الأزمات يعني بوضوح تطبيق سياسة متوسطة أو طويلة الأمد تمنع بموجبه نشؤ الأزمات أو امتدادها أو تلافي تلك الأزمات قبل تفاقمها.
وتتطلب إدارة الأزمات المعاصرة ملاحظة دقيقة ودائمة للسياسة الدولية وللتسلح وللسياسات الإقتصادية والإجتماعية.
كما أن تحليل أهداف السياسات الداخلية للدول يجب أن تُقيّم في ضوء التغيرات الحاصلة ضمنها. وإن الوصول إلى المعلومات ليس وحسب هو عمل مخابرات وتجسس، بل ممكن الوصول إليها عبر التحليل الصحيح للمواد المنشورة، والمتيسرة للجميع في الصحف والمجلات والإنترنت أو المرئية والمسموعة عبر الإذاعات والمقابلات التلفزيونية وغيرها.
من هنا فإن التعرّف المسبق بواقع الأزمات ممكن أن يسمح بمنع حصول تلك الأزمات، أو على الأقل يساعد بأن تكون آثارها أقل كارثية. وهذا الشكل هو ما يطلق عليه الأساس الإستراتيجي وهو مهم جدًا لإدارة الأزمات.
إن الخيار الإستراتيجي يجب أن يكون طويل الأمد بحيث تحدّد التقنيات المطلوبة وتتقارب القطاعات المفروض عملها مع بعض، في أثناء إدارة الأزمة. وإن وضع الخطط المسبقة والشاملة، والمساهمة القصوى من جميع القطاعات تضمن تحقيق الأهداف المرجوة وهي بالتالي أهداف سياسية، لأن الأولويات السياسية سوف تحدد وتحكم أي عمل عسكري يتخذ في أثناء الأزمة. ومع أن هذا المفهوم ممكن ألاَّ يكون مقبولاً لدى العسكريين الذين يشعرون بأن الإعتبارات العسكرية يجب أن تسود في حالة الأزمة.
2- التخطيط للطوارئ:
هي مرحلة رسم السيناريوهات ووضع الخطط وحشد القوى لمواجهة الأزمة والتصدي لها.
في البداية، يتم وضع مختلف الأطراف والقوى التي تم حشدها من قبل صانعي الأزمة، وتحديد بؤر التوتر وأماكن الصراع، ومناطق الغليان بصفتها جميعًا "مناطق ساخنة". ومن خلال هذه الرؤية العلمية الشاملة المحيطة بعملية الأزمة وبالأطراف المتعددة المرتبطة بالأزمة يتم رسم خريطة التحرك على النحو التالي:
ج- تحديد أسباب الأزمة المتصلة بالنظام، أي رموز النظام أو رموز القيادة في الكيان الإداري الذي يمكن التضحية به وإعداده لهذه التضحية، والتمهيد لدخول رمز جديد له شعبية، ترتاح إليه، قوى صنع الأزمة.
د- تحديد خطة امتصاص الأزمة الحالية عن طريق الإستجابة لبعض المطالب والتوافق مرحليًا مع قوى صنع الأزمة من خلال المراحل التالية:
ه- توزيع الأدوار على قوى مقاومة الأزمة وبصفة خاصة على أعضاء فريق المهام الذي تم تكليفه بمهمة التدخل المباشر لمعالجة الأزمة.
و- التأكد من استيعاب كل فرد للخطة العامة الموضوعة، وكذلك من التتابع الزمني للمهام وفقاً للسيناريو الموضوع لمعالجة كل من إفرازات الأزمة والقوى الصانعة لها، من أجل السيطرة على مسرح الأزمة بشكل فعال.
ز- حشد كل ما تحتاجه عملية التعامل مع الأزمة وتزويد فريق المهام احتياجاته من الأدوات والمعدات التي يتطلبها ويحتاجها الموقف.
ح- تحديد "ساعة الصفر" أو التوقيت المحدد لبدء العملية وتنفيذ المهمة المحددة بشكل فعّال وحاسم، على أن تتم متابعة ما يحدث أولاً بأول، والوقوف على رد فعل الأطراف الأخرى[6].
3- نطاق العمليات:
إن نجاح إدارة الأزمة تعتمد على الوقت - لذلك يقول (تشارلز هيرمان) أن الأزمات تتألف من ثلاثة مكونات هي: المفاجأة، التهديد الخطير للقيم المهمة، والوقت القصير المتاح لإتخاذ القرار[7]- وعلى الآلية الإدارية، وعلى العمليات. فإن الإنخراط السريع أو ما يطلق عليه بالتدخل لمعالجة الأزمة، واتخاذ القرارات السريعة لصنّاع القرار، وهو فريق عمل متجانس يعرف بعضه البعض الآخر، ويعمل بسرعة قصوى وبفاعلية أكبر من الحالات العادية والروتينية. وكان فريق المهمات الأميركي لإدارة الأزمة الكوبية يتألف من 17 شخصًا. أين الفعل؟
ومن خلال المعرفة والإحاطة الشاملة والكاملة "بالسيناريوهات البديلة"، والسيناريو المعتمد والمجاز للتدخل في الأزمة، وإسناد المهام وتوزيع الأدوار على فريق المهام ويكون مدير إدارة الأزمات قد حدّد كل شيء ووضع لكل عنصر الإحتمالات وفقًا لإتجاهات محددة.
وتتم معالجة الأزمة على أنها مجموعة مهام: أساسية وثانوية وتكميلية. أين الفعل
ج- أما المهام التجميلية فهي تقوم على إزالة الآثار والإنطباعات السيئة التي تركها فريق المهام "الخاص بمعالجة الأزمة" في مسرح الأزمة، وتحسين هذه الإنطباعات وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة[8].
- 2 –إدارة الأزمات والإدارة بالأزمات
الإدارة بالأزمات هي فعل يهدف إلى توقف نشاط من الأنشطة أو انقطاعه، أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع بحيث يؤدي إلى إحداث تغير في هذا النشاط أو (الوضع لصالح مدبّره)[9].
ومن الأمثلة على ذلك، تفتعل (بدلا من تخلق) دولة أحيانًا مشكلة ما على الحدود مع إحدى جاراتها لإحداث أزمة تهدف من ورائها إلى ترسيم الحدود أو الحصول على مكاسب معينة على المستوى السياسي.
والواقع أن الإدارة بالأزمات يقابله أسلوب آخر من قبل الطرف المقابل وهو إدارة الأزمات. إذ أن هذا الموقف المتأزم الذي أوجده (خلقه) الطرف الأول يستدعي قيام الخصم بتكثيف جميع إمكاناته، وتسخير كامل قواه للخروج من هذه الأزمة بمكاسب أو بأقل الخسائر.
والواقع أن النتائج ليست دائمًا مرضية لمن خلق الأزمة. فقد يصاب بخيبة أمل وعض أصابع الندم ويتمنى لو لم يخلق مثل هذه الأزمة التي جلبت عليه الخسارة.
إذًا، الإدارة بالأزمات يقابلها إدارة الأزمات، وقد تنجح الأولى وتخفق الثانية، وقد يحدث العكس بل وقد يخسر الطرفان وأحيانًا قد يكسب الجميع.
وتعتبر الأزمة في المرتبة الرابعة من الأطوار المتتالية لتطور النزاع. فالطور الأول يكون بشكل (حالة، موقف) يعبّر عنه بشكل تنازعي. أما الطور الثاني فقد يطرح ردّ فعل الأطراف على ادعاءات معلنة وتظهر في شكل نزاع سياسي أو قانوني. أما الطور الثالث فهو انجرار الأطراف إلى تعقيد للعلاقات المباشرة وغير المباشرة بحيث ينشأ شكل من النزاع طابعه سياسي إعلامي دعائي، ولكن يصبح الكلام يدور عن قابلية هذا النزاع لتهديد حفظ السلم والأمن الدوليين. أما الطور الرابع فهو أزمة سياسية دولية من شأن استمرارها أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدوليين، وتستخدم الأطراف المتنازعة كل ما تملك من وسائل ايديولوجية وإقتصادية وسياسية. أما الطور الخامس فهو انتقال أحد الأطراف إلى الإستعمال الفعلي للقوة العسكرية بأهداف تظاهرية أو بنطاق محدود، منها حشد للقوات المسلحة أو تهديد باستعمال القوة. أما الطور السادس فهو النزاع المسلح، وهو لجوء أحد الأطرف إلى استخدام القوة[10]. وهناك عوامل تؤثر في عملية صنع القرار والتي تؤدي إلى الأزمات وهي تشمل:
- 3 – مناهج تشخيص الأزمات
يُعدّ التشخيص السليم للأزمات هو مفتاح التعامل معها، وبدون هذا التشخيص السليم يصبح التعامل مع الأزمات ارتجالاً، وأساس التشخيص السليم هو وفرة المعلومات، المعرفة، الخبرة والممارسة. ومن هنا فإن مهمة التشخيص الدقيق لا تنصرف فقط إلى معرفة أسباب وبواعث نشوء الأزمة، والعوامل التي ساعدت عليها، ولكن بالضرورة إلى تحديد كيفية معالجتها، ومتى وأين تتم معالجة الأزمة، ومن يتولى أمر التعامل معها، وما تحتاجه عملية إدارة الأزمة من معلومات واتصالات وأدوات مساندة، وسيناريوهات اساسية وبديلة للتعامل مع الأحداث الأزموية ووقف تصاعدها، واحتوائها وامتصاص الضغط الأزموي المتولد عنها ... إلخ.
فالأزمة تعد بمثابة مرض فجائي أصاب إنساناً معيناً ويهدد حياته ويحتاج إلى:
ولن نستطيع تحقيق أي من هذه الأهداف دون تشخيص حالة المريض، ليس فقط لمعرفة ما هو المرض الذي أصابه، ولكن أيضاً لمعرفة مدى قدرة المريض على تحمل العلاج المقترح، والبدائل المناسبة للتعامل مع الحالة المرضية على أقصى درجة من السرعة، والدقة، والكفاءة وهي أمور كلها تمارس تحت ضغط الأزمة الرهيب.
ويستخدم في تشخيص الأزمات عدة مناهج أساسية وفيما يلي عرض لكل منها بإيجاز:
- 4 – دستور التعامل مع الأزمات
وهي تمثل دستور مبادئ يتعين على كل متخذ قرار أن يعيه جيداً عند التعامل مع أي أزمة تواجهه، وأن لا يتناسى أو يتجاهل إحدى هذه المبادئ التي هي شديدة الأهمية والخطورة، وهي:
ويعتمد تطبيق هذه المبادئ على توافر روح معنوية مرتفعة ورباطة جأش، وهدوء أعصاب، وتماسك تام خلال أحرج المواقف، وقدرة عالية على امتصاص الصدمات ذات الطابع العنيف المتولدة عن الأزمات الكاسحة.
فضلاً عن ضرورة توفر جهاز استخبارات كفؤ لتوفير المعلومات الكافية واللازمة والتفصيلية والدقيقة والحديثة والكاملة عن الأزمة وتطوراتها وعواملها، ومن ثم التعامل معها في إطار معرفة شبه كاملة[13].
- 5 – خطوات التعامل مع الأزمة
يتم التعامل مع الأزمات، وإدارتها إدارة علمية رشيدة بسلسة متكاملة ومترابطة من الخطوات المتتابعة وفيما يلي عرض موجز لكل خطوة منها:
أولاً – تقدير الموقف الأزموي
يقصد بتقدير الموقف الأزموي تحديد جملة التصرفات التي قامت بها قوى صنع الأزمة، وقوى كبحها، شاملة تقدير مكونات هذه التصرفات وما وصلت إليه الأزمة من نتائج، وردود أفعال، وآراء ومواقف محيطة مؤثرة أو متأثرة بها.
ويشمل تقدير الموقف تحليلات لمضمون العلاقات، ومكونات القوة للطرفين، ومصادر الوصول إلى النتائج الحالية، وأسباب نشوء الموقف الراهن، وروافد تطوره، وعلاقات المصالح، والصراع، والتنافس والتكامل، التي ارتبطت به أو بعدت عنه[14].
تقدير الموقف الأزموي
ثانياً – تحليل الموقف الأزموي:
بعد تقدير الموقف الأزموي وتحديده تحدياً دقيقاً، يقوم مدير الأزمة بمساعدة معاونيه بتحليل الموقف الأزموي، ويتم التحليل بهدف الإستدلال وصولاً إلى اليقين: عن طريق التمييز الواضح بين عناصر الموقف الأزموي، لتوضيح عناصر الأزمة، ومم تتركب، وتقسيمها إلى أكبر عدد ممكن من الأجزاء ليتسنى لنا إدراكها بأقصى وضوح ممكن، ومن هنا يتم تحليل الموقف الأزموي المركب إلى أجزائه البسيطة، ثم إعادة تركيبه بشكل منتظم، بحيث يتم التوصل إلى معلومات جديدة عن صنع الموقف الأزموي، وكيفية معالجته، ومن هنا يتم تحليل الموقف الأزموي إلى ما يتركب منه من عناصر مبسطة بهدف الإحاطة بها على وجه سليم.
ثالثاً – التخطيط العلمي للتدخل في الأزمة:
وهي مرحلة رسم السيناريوهات ووضع الخطط والبرامج، وحشد القوى لمواجهة الأزمة والتصدي لها، وقبل أن يتم هذا بكامله يتم رسم الخريطة العامة لمسرح عمليات الأزمات بوضعه الحالي، مع إجراء كافة التغيرات التي تتم عليه أولا بأول.
وعلى هذا المسح يتم وضع كافة الأطراف والقوى التي تم حشدها من قبل صانعي الأزمة ومن جانب مقاومي الأزمة، وتحديد بؤر التوتر وأماكن الصراع، ومناطق الغليان، باعتبارها جميعاً "مناطق ساخنة" ومن خلال هذه الرؤية العلمية الشاملة المحيطة بأبعاد "المسرح" الأزموي، وزوايا الرؤية المتعددة للأطراف المتعلقة المرتبطة بالأزمة، يتم رسم خريطة التحرك على النحو التالي:
ج- تحديد أسباب الأزمة المتصلة بالنظام، وأي من رموز النظام أو رموز القيادة في كيان الدولة يمكن التضحية به، وإعداده لهذه التضحية، وتوجيه السخط له، والتمهيد لدخول رمز جديد له شعبية ترتاح إليه قوى الصنع.
د- تحديد خطة امتصاص الضغوط الأزموية الحالية عن طريق الإستجابة لبعض المطالب والتوافق مرحلياً مع قوى صنع الأزمة من خلال المراحل العلمية الآتية:
ه- توزيع الأدوار على قوى الأزمة وبصفة خاصة على أعضاء فريق المهام الذي تم تكليفه بمهمة التدخل المباشر لمعالجة الأزمة.
و- التأكد من استيعاب كل فرد للخطة العامة الموضوعة، وكذا من التتابع الزمني للمهام وفقاً للسيناريو الموضوع لمعالجة كل من إفرازات الأزمة، والقوى الصانعة لها، وكذا للتضامن مع بعض عناصرها، وكذا للسيطرة على المسرح الأزموي بشكل فعال.
ز- حشد كل ما تحتاجه عملية التعامل الأزموي، وتزويد فريق المهام باحتياجاته من الأدوات والمعدات التي يتطلبها ويحتاجها الموقف الأزموي.
ح- تحديد "ساعة الصفر" أو التوقيت المحدد لبدء العملية وتنفيذ المهمة المحددة بشكل فعال وحاسم، على أن يتم متابعة ما يحدث أولا بأول، والوقوف على رد فعل الأطراف الأخرى.
وأياً ما كانت العملية التخطيطية، فإنه نتيجة للضغط الأزموي وما تتسم به العملية الأزموية من عدم وفرة الوقت الكافي للتخطيط، يلجأ متخذ القرار إلى مجموعة "السيناريوهات الجاهزة" READY MADE التي أعدت من قبل لمواجهة المواقف الأزموية الصعبة واستخدامها، أو إجراء تعديل طفيف عليها لتكون صالحة للإستخدام الفعلي.
رابعاً – التدخل لمعالجة الأزمة:
من خلال المعرفة والإحاطة الشاملة والكاملة والدارية "بالسيناريوهات البديلة"، والسيناريو المعتمد والمجاز للتدخل في الأزمة، وإسناد المهام، وتوزيع الأدوار على فريق المهام الأزموية يكون متخذ القرار في إدارة الأزمات قد حدد كل شيء، ووضع لكل عنصر احتمالاته، وحسب اتجاهاته، ثم اتخذ القرار.
وتتم المعالجة الأزموية مجموعة مهام أساسية ومهام ثانوية ومهام تكميلية تجميلية. فالمهام الأساسية تقوم على الصدام والدحر، والمواجهة السريعة العنيفة، والإمتصاص، والإستيعاب، والإستنزاف، وتحويل المسار الخاص بقوى صنع الأزمة.
في حين أن المهمات الثانوية تنصرف إلى عمليات تهيئة المسارات وتأمين الإمدادات وحماية قوى مواجهة الأزمات وتوفير المساندة والمؤازرة لها، أما المهام التكميلية التجميلية فتنصرف أساساً إلى معالجة الآثار الجانبية السلبية المترتبة عن الصدام مع قوى صنع الأزمة، وإمتصاص أي ما من شأنه أن يوجد غضباً أو خوفاً أو رعباً في المجتمع الذي حدثت فيه المواجهة الأزموية.
- 6 – مبادئ إدارة الأزمات
تتألف مبادئ إدارة الأزمات من:
1- تحديد الأهداف:
إن إدارة الأزمة بنجاح يعني أن كل جانب متورط بها عليه أن يعِ وبكل الأحوال، بأنه ليس بمستطاعه الوصول إلى أقصى أهدافه السياسية.
ففي الأزمة الكوبية عام 1962، بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي. استجابت الولايات المتحدة لعدم الإصرار على انسحاب كامل للوجود السوفياتي من كوبا، ولا على إبعاد نظام كاسترو من الحكم بل حددّت الولايات المتحدة مطاليبها بتفكيك منصات الصواريخ السوفياتية وبإزالتها من الجزيرة.
ومن جهة أخرى وافق الإتحاد السوفياتي بالتخلي عن فوائد ومزايا وجود تلك الصواريخ من كوبا القريبة جداً من الشواطئ الأميركية لسد النقص والفجوة المتمثلة بضعف القدرات النووية السوفياتية الباليستية طويلة المدى، مقابلاً لإزالة الحصار الأميركي (الحجر الدفاعي) عن شواطئ كوبا وتعهّد أميركي بعدم الهجوم مستقبلاً على جزيرة كوبا.
2- التطبيق التدريجي وحصر إستعمال القوة العسكرية بمنطقة جغرافية محدودة:
إذا سلّمنا بمقولة "الدفاع عن مصلحة الدولة" موضوع غير قابل للنقاش أو التفاوض حوله، يصبح إنطلاقاً من تلك المقولة من حق الطرف المتورط في الأزمة اللجوء وربما حتمياً إلى إستعمال القوة ولو تدريجياً وتصاعدياً.
ولكن على العكس من ذلك، يجب عدم إغلاق الباب كاملاً، ويجب الإمساك بكل فرصة وبارقة أمل من أجل شراء الوقت.
كما يتوجب تأخير إمكانية إستعمال الخيار النووي ولو بحدوده التكتيكية. كما يتوجب أن يبقى النزاع العسكري محصوراً جغرافياً.
وهذا كله يتطلب مؤسسة أو فريق عمل بقيادة سياسية لتراقب وتشرف على عمل الآلة العسكرية. وهذا ما حصل فعلاً في الولايات المتحدة أثناء الأزمة الكوبية حيث تشكل فريق مهمات من 17 عضواً لمساعدة الرئيس جون كيندي بإتخاذ القرار والرد المناسب على التحدي السوفياتي.
وقد صوّتت الأغلبية من فريق المهمات لصالح حصار الشواطئ الكوبية مع إرسال إشارات وتحذيرات واضحة للسوفيات بأن الولايات المتحدة تحاول كسب الوقت. وتجنب هذا الإجراء الأولي التعرّض للخبراء الكوبيين عن طريق القصف الجوي مما سيعرّضهم للقتل أو للجرح وهذا ما سيعقّد الأزمة فيما لو حصل.
وإذا لم يؤتِ الحصار بثماره المطلوبة، فإن الهجوم أو الضربة الجوية ستبقى مُلحة وممكنة.
ولقد نجحت الولايات المتحدة بكسب الوقت بقبولها لنصيحة السفير البريطاني في واشنطن السير (دايفيد أورمسبي غور David Ormsby Gore)، الذي اقترح بأن يرسم خط الحصار قريباً جداً من الشواطئ الكوبية وأيضاً قريباً جداً من سفن الشحن السوفياتية ولكي يبعث بذلك رسالة عاجلة إلى موسكو لتغير اتجاهها.
وكان من مصلحة الولايات المتحدة حصر الأزمة الكوبية في المنطقة الكاريبية. بينما بالمقابل كان السوفيات عندهم الرغبة بالذهاب أبعد من ذلك وخاصة إلى مناطق ضعيفة استراتيجاً وسياسياً في أوروبا وخاصة برلين.
وبالنهاية تخلت موسكو عن رغبتها تلك وعادت ووافقت على التسوية والمتضمنة تفكيك منصات الصواريخ السوفياتية وإزالتها من الجزيرة مقابل فك الحصار الأميركي عن كوبا وتعهّد أميركي بعدم مهاجمتها وأيضاً ما اعتبر نصراً لموسكو سحب صواريخ جوبيتر الأميركية من تركيا.
وفي موقف مماثل للولايات المتحدة المتمثل بحصر المعارك العسكرية ضمن منطقة جغرافية محدودة وعدم إعطاء الفرصة لإمتدادها إلى مناطق أخرى. رفضت الولايات المتحدة – أثناء النزاع في كوريا – مطلب الجنرال الأميركي (ماكارثر Macarthur) بالإغارة الجوية على المراكز العسكرية والصناعية الصينية في شمال نهر يالو (Yalu) وذلك لعدم إعطاء السوفيات مبررات إضافية للتدخل وتعميق العداوة معهم. وبدلاً من ذلك فإن الحكومة الأميركية عزلت الجنرال ماكارثر من موقعه كقائد لقوات الأمم المتحدة في كوريا.
3- بقاء الجانبين أو منعاً للكسوف على الجانبين:
يصبح أثناء الأزمة الخصم وفجأة هو الشريك بتسوية الأزمة، ولبقاء الجانبين. فالطرفان جالسان في قارب واحد، كل واحد يصدّ الأمواج العاتية مدافعاً عن وجوده وبالمقابل يُلقّن الخصم دروساً في المقاومة.
وإن عدم الإصرار على المطالب التعجيزية ممكن أن تستعمل إعطاء الخصم/الشريك طريق مقبول للخروج من الورطة – الأزمة. وبالتالي الظهور بمظهر كسب نصر جزئي على الصعيدين المحلي والدولي.
فالحل العقلاني ممكن أن يمهّد الطريق لعلاقة ايجابية وبناءة بين الطرفين، بينما العكس سيؤدي إلى تدهور مميت للطرفين.
وفي حالة الأزمة الكوبية فإن موافقة كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي على التسوية لم تكن إهانة لأحد أو انتصار فريق على آخر بل نصراً للبشرية جمعاء، لأن هذه الأزمة اعتبرت أكثر الأزمات خطراً في التاريخ البشري بسبب الخطر الحقيقي للحرب النووية بين القوتين العظمتين.
فإن تفكيك منصات الصواريخ السوفياتية وسحبها من الجزيرة الكوبية أزال تهديداً للأمن وللمصالح الأميركية وهو ما اعتبر نصراً من وجهة النظر الأميركية، كما أن تعهد أميركا بعدم مهاجمة كوبا وبفك الحصار عنها مكّن خروشوف من الزعم بأن أهدافه الأساسية قد تحققت وهي حماية نظام فيديل كاسترو.
زيادة على ذلك فإن نهاية الأزمة الكوبية اعتبرت حسب رأي المراقبين نهاية الحرب الباردة بين الجبارين وتحول جذري في العلاقات الأميركية – السوفياتية.
وفي رسالته إلى خروشيف في 28 تشرين الأول 1962 والتي طورت آخر مشهد من المسرحية اقترح الرئيس جون كيندي، بتحديد ومراقبة التسلح وهو ما عرف لاحقاً باتفاقيات عدم زيادة الأسلحة النووية، وحظّر إجراء تجارب نووية وقد وقعت هذه الإتفاقيات لاحقاً بين الدولتين، كما وأن التعاون بين البلدين شمل قضايا ومناطق أخرى.
4- الحفاظ والإبقاء على الإتصالات مع الخصم
في الفترات الماضية – قبل العصر النووي – كان الدبلوماسيون يصمتون أثناء النزاعات ويبقى الكلام فقط للسلاح وبالتالي كانت الإتصالات صامتة وفي حالة سكون، تستأنف فقط في نهاية المواجهات العسكرية بغية المفاوضة على هدنة أو اتفاقية استسلام أو سلام بين الطرفين.
أما أثناء الأزمات المعاصرة فالسلوك التفاوضي الحالي متناقض مع الماضي بحيث أن صنّاع القرار هم على اتصال خلال الأزمة، وإذا ما حصل توقف فهو يستثمر لتحسين المواقع العسكرية أو للتقدم التدريجي للقوات المسلحة بغية استثمارها في المفاوضات.
فالإشارات المتبادلة أثناء الأزمة ليست محصورة فقط بالوسائل الشفوية، فالتفسير غير الصحيح ممكن أن يُسبب المشاكل، كما أن استنتاجات متعددة ممكن أن تفهم على غير حقيقتها كتهديد أو عرض ما.
كما أن الإتصالات الرسمية يجب أن نتخيلها بين أطراف الأزمة ومثال على ذلك الإتفاق الذي حصل أثناء الأزمة الكوبية عام 1962 والذي أشرنا إليه بالتفصيل وكان هذا الإتفاق قد ظُهر قبلاً وقدم بواسطة المراسل الصحافي الأميركي (جون سكالي) الذي عمل في محطة التلفزيون الأميركية (ABC) ومن ثم عيّن سفيراً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إلى القنصل (ألكسندر فومن) في السفارة السوفياتية اثناء الغذاء في مطعم أوكيدنيل بشارع بنسلفانيا في واشنطن.
ومن جهته عرف الرئيس خروشيف كيف يكون على اتصال مع رجل الأعمال الأميركي وليام كنوكس William Knox، من شركة وستنغ هاوس والذي كان بزيارة موسكو، ومع المغني الأميركي جيروم هينز بعد أن قدم حفلته في العاصمة السوفياتية.
ومع أن الأزمة الكوبية قد انتهت بسلام، إلا أن الجبارين قد استفادوا من عبرها ودروسها لتحسين سبل الإتصالات المباشرة أثناء الأزمات والحالات الطارئة والتي عرفت بعد ذلك بالخط الساخن بين العاصمتين.
5- البحث عن الدعم العريض:
وخاصة إذا ما لجأ الطرف المتورط في أزمة ما إلى القوة العسكرية، فعليه البحث عن الدعم العريض والتفويض لخططه من الدول الأخرى كل ما كان ذلك ممكناً.
كما أن الحاجة تفرض أيضاً الحصول على الدعم المعنوي والأخلاقي وليس فقط التفتيش عن الأحلاف للإشتراك بالأعمال العسكرية.
وتطبيق هذا المبدأ غالباً ما يأتي متأخراً، وضرورة أخذ قرارات حاسمة وسريعة أثناء الأزمة، ومن المستحيل إستشارة أقرب الحلفاء إذا كانت الضرورة وردة الفعل على عمل ما تتطلب السرعة لمواجهة تحدي غير متوقع وخاصة إذا كان التنبؤ في هذا المجال مستبعداً وبالتالي التخطيط لمواجهته.
وقد تعاملت الولايات المتحدة مع الأزمة الكوبية بعيداً عن الأمم المتحدة واختارت فقط الدعم القانوني والسياسي من منظمة الدول الأميركية بالإضافة إلى حلفائها الأوروبيين الأساسين.
وبينما عملت الولايات المتحدة وحيدة عسكرياً في الأزمة الكوبية، فهي فضّلت عام 1950 أثناء الأزمة الكورية بالعمل تحت لواء الأمم المتحدة ومع 14 دولة ساهمت عسكرياً معها.
وهذا ما فعلته الولايات المتحدة أيضاً عام 1991، ضمن حرب الخليج الثانية ضد العراق، بينما عملت مع اسبانيا وبريطانيا عام 2003 ضد العراق وخارج إطار الأمم المتحدة.
وبالنسبة للإتحاد السوفياتي فقد عمل وحيداً في هنغاريا عام 1956 وبعدها في افغانستان عام 1978 بينما عمل مع أربع دول من حلف وارسو عام 1968 في تشيكوسلفاكيا.
والسؤال الذي يطرح في وقت الأزمات حول الدور الذي لعبه الطرف الثالث، من خلال الوساطة أو التوفيق والتي هي ليست مجدية بالتأكيد في كل أزمة.
والوساطة – وهي عموماً تدخل طرف ثالث بين طرفي النزاع بموافقتهما لإقتراح حل لفضّ النزاع بينهما ويمكن أن تكون الحلول غير ملزمة للطرفين.
ومن الأمثلة على وساطة الأشخاص وساطة الأوسترالي ديكسون ومن ثم الأميركي جراهام في النزاع بين الهند والباكستان حول منطقة كشمير.
وواسطة السفير السويدي غونار يارنج عام 1968 لإقتراح أساليب لتطبيق القرار 242 وقد فشلت وساطته بسبب تعنّت السلطات الإسرائيلية ومراوغتها، ومن الوساطات الناجحة للمؤسسات والحكومات وساطة البابا ليون الثالث عشر في النزاع بين اسبانيا وألمانيا حول جزر كارولين عام 1885 ووساطة الولايات المتحدة لإيقاف الحرب الروسية – اليابانية عام 1904.
أما لجان التوفيق فهي ما نصّت عليها معاهدة لوكارنو عام 1925 ووضعت لها قواعد منها: تأليفها من 3 – 5 أعضاء لا علاقة لها بالنزاع، وأن ينحصر اختصاصها في الخلاف على المصالح أي في الخلافات السياسية، وليس الحقوق (القانونية)، ومن الأمثلة على ذلك، لجنة التوفيق الدولية للبت في مصير بعض الأراضي المختلف عليها بين فرنسا وسيام (تايلاند) في 27 حزيران 1947. كما أن المادة 284 من اتفاقية الأمم المتحدة للبحار لعام 1982 قد اخضعت كل نزاع إلى التوفيق[15] .
والمهم في هذا المجال، ليس فقط الدعم الدولي بل ايضاً الحاجة تبقى ماسة وخاصة في الأنظمة الديمقراطية حيث الصحافة حرة، إلى الدعم الداخلي حيث للرأي العام كلمته المسموعة.
وغالباً ما يتخذ فريق المهمات القرار المناسب ومن بعده يطلع الأمة والرأي العام الداخلي على ذلك وخاصة في الأوقات الحرجة التي يكون فيها مصير الأمة في خطر.
6- الإعتبار من السوابق ودروس الأزمات:
على الرغم من الصلة بين الأزمات والحرب والقرارات التي تتخذ أثناء الأزمات التي تؤثر في إحتمال نشوب الحرب، فإن ليس كل أزمة تُسبب الحرب[16]، وغالباً ما تسبق الأزمات الحروب كما حدث في الحرب العالمية الأولى، وفي حالة أزمة الصواريخ الكوبية، فإن الأزمة قد انتهت على خير.
وتعد دراسة الأزمات السابقة وسيلة نافعة لمعالجة الأزمات المستقبلية. وينبغي علينا دراسة الأزمات السابقة لنتعلم الكيفية التي ندير بها مثل هذه المواقف بفاعلية ولنتفادى الحرب[17].
7- سيكولوجية التفاوض – كوجه من أوجه إدارة الأزمات:
من سمات الأزمة الدولية عدم قدرة أطرافها على التحكم في مسارها، وغموض أهداف أطرافها. فضلاً عن جو التوتر الذي يسود وسط التهديدات المتبادلة، والميل إلى إستعمال القوة المسلحة. ومتى تعقدت الأزمة الدولية يجد الأطراف المعنيون أنفسهم مدعوين إلى إتخاذ قرارات حاسمة في فترة زمنية محدودة وان أي خطأ يرتكبه أحد الأطراف في إتخاذ القرار قد يعطل الموقف التفاوضي.
امام هذه الحالة يغدو مطلب الإتصال بين أطراف الأزمة ملحاً حتى لا يخرج مسار الأزمة عن إرادة هؤلاء الأطراف المعنيين.
فسيكولوجية التفاوض – وهنا نذكر بأن التكوين السيكولوجي لأطراف التفاوض من المواضيع التي اهتم بها علماء السلوك، لما لهذا التكوين من أهمية كبرى في سير عمليات التفاوض بمختلف أنواعه وأساليبه، كما أن الفهم الحقيقي لطبيعة التكوين السيكولوجي للمفاوضين تتيح للمفاوض موقفاً أفضل برسم الهدف والخطط والتوازن بين الإستراتيجية والتكتيك.
فالخطة أو الإستراتيجية في حد ذاتها لا تعدو أن تكون مجموعة من الأسس والنوايا الطيبة، ولكنها بدون العمل الإنساني الكفوء والجاد لا تساوي شيئاً. من هنا أصبح الجانب الإنساني في التخطيط عنصراً أساسياً في عملية التفاوض، وأصبحت قدرة المفاوض على تفهم إمكانيات من يفاوضهم ودوافعهم شرطاً أساسياً لنجاح عمليات التفاوض.
وقد بينت الدراسات السيكولوجية أن مواصفات المفاوض الكفوء الناجح تنقسم إلى مجموعتين:
ويميل علماء السلوك إلى إجمالي مزايا وخصائص ومواصفات المفاوض الناجح في ثلاث قدرات:
ج- القدرة الفنية وتشير إلى فهم وإدراك، هدف التفاوض وإستراتيجيته وتكتيكيته[19].
ولا بد من الإشارة إلى أن علم النفس أسهم في تطوير أساليب الإختيار عن طريق تقديم أسلوب الإختبارات النفسية (السيكولوجية) التي تهدف أساساً إلى الكشف عن مدى توافر خصائص نفسية محددة، وتختلف الإختبارات النفسية المستخدمة في إختبار المفاوضين، فنجد أنواع الإختبارات المتعددة من اختبارات الذكاء إلى اختبار القدرات والمهارات، وإختبار الميول والإستعدادات، فهناك أيضاً اختبارات للقيم والمفاهيم وإختبارات للتكوين العام للشخصية.
وبعد الإختيار يأتي التدريب الذي يعطي المفاوض المتدرب معلومات جديدة في مجالات التفاوض وأساليب أو تدعيم وتأكيد ما لديه من معلومات ومفاهيم والإفادة منها. وقد قسم الباحثون في فن التفاوض، التدريب إلى نوعين:
- 7 – مراكز إدارة الأزمات ومواضيع بحوثها
أصبح موضوع إدارة الأزمات على رأس الموضوعات الحيوية في العالم منذ عام 1962 (الأزمة الكوبية) وتكمن أهمية هذا الحدث في تصريح وزير الدفاع الأميركي آنذاك (روبرت مكنمارا) بقوله "لن يدور الحديث بعد الآن عن الإدارة الإستراتيجية وإنما ينبغي أن نتحدث عن إدارة الأزمات".
ويلاحظ أنه على مستوى الجامعات العربية كلها لا توجد للأسف جامعة عربية تُدرّس إدارة الأزمات، ما عدا جامعة عين شمس – كلّية التجارة، وبإستثناء بعض الكليات العسكرية وإن كانت تتعرض للمسائل من منظور أمني ضيق[21].
أما أهم مراكز إدارة الأزمات فهي:
ومن المواضيع التي تم بحثها في هذا المركز:
ج- كوارث التسرب الإشعاعي.
د- الفاعلية التنظيمية لنظام الدفاع المدني في مصر في مواجهة الكوارث.
ه- دور المستشفيات في مواجهة الكوارث عند تفاجأ المستشفيات بازدياد الطلب غير المتوقع على الخدمات الصحية.
وعادة ما يتم رصد أزمة ما في مركز بحوث الأزمات في جامعة عين شمس، ثم يتم جمع البيانات وتحليلها، ثم تعقد ندوة يشارك فيها المختصون[22].
أنشئ هذا المركز رسمياً عام 1995 وقد استطاع العاملون في هذا المركز أن يخرجوا بنتائج جيدة، ظهرت بجلاء في كارثة السيول في مصر عام 1997 وقبله كارثة الزلزال عام 1992، كما قام المركز بإعداد بحوث خاصة بمسألة ماذا لو اكتشفنا مواد مشعة في نهر النيل، ماذا نفعل؟
ما الذي نفعله قبل وقوع الأزمة حتى نكون مستعدين لها؟ وماذا نفعل أثناء الأزمة إذا وقعت رغم كل الإحتياطات؟
وأخيراً، ماذا نفعل بعد وقوع الأزمة؟[23] وكذلك في حال تم التعرض بالقصف أو الأعمال الجوية للسد العالي في مصر.
إدارة الأزمات – أمثلة ونماذج دولية – أثناء وبعد الحرب الباردة:
أما الدروس التي تعلمنا إياها هذه الأزمات فيما يتصل بالظروف التي تكون فيها الحرب أمراً يصعب تفاديه تقريباً، عندما يتجاهل صناع القرار أخطار الحرب أو يقللون منها تصبح إدارة الأزمة شيئاً بالغ الصعوبة، ويمكن أيضاً أن تحول الخطط الحربية المتصلبة أو المبادرات العسكرية الأحادية دون تفادي نشوب الحرب، وتمثل التحالفات عاملاً ثالثاً يمكن أن يعوق عملية إدارة الأزمة في حين أن السياسة الداخلية تعتبر عاملاً رابعاً يمكن أن يحبط جهود السيطرة على الأزمة.
وتمثل الأزمة الكوبية عام 1962 الحالة التي يمكن فيها تفادي نشوب الحرب.
- 8 – الإدارة الإسرائيلية للأزمات الإستراتيجية في الصراع العربي الإسرائيلي
وبعد أن تطرقنا إلى مفهوم الأزمة سابقاً[24]، فإن مفهوم الأزمة الإستراتيجية تجمع بين مفهوم الأزمة ومفهوم الحرب المحدودة وتعني "موقفاً ينتج عن صراع استراتيجي – أي طويل وممتد – بين دولتين أو أكثر في نفس الإقليم يشمل تهديداً للقيم والمصالح الجوهرية في الإقليم خاصة قيم الأمن، وتزيد فيه إحتمالات المفاجأة ويتم استخدام القوة العسكرية بما يرتب أثاراً على التوازن الإستراتيجي في الإقليم".
أ- عندما تكون في وضع أسوأ نسبياً من خصمها (كما حصل في أزمة 1973) وتفاهم نيسان 1996.
ب- أو في مرحلة انتهاء الأزمة بعد أن تكون قد حققت أهدافها في الأزمة.
- 9 – النظريات الأميركية الجديدة في إدارة الأزمات في نظام القطب الأوحد
إن إشكالية النخبة الفكرية والسياسية الأميركية (أو ما يسمون بالمحافظين الجدد)، تكمن في مسألة ضبط النظام العالمي الجديد بعد انهيار الإتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكية، وهذه النخبة انقسمت إلى فريقين:
لهذا السبب توقّع أنصار هذه النظرية بداية عصر جديد تسود فيه المنافسة الإقتصادية بين الدول. إلا أن أطروحة فوكوياما تضمنت نظرة حذرة إلى بلدان الجنوب (العالم الثالث). فهذه المجتمعات لم تتمكن قط من تجاوز النزاعات التقليدية السابقة على الليبرالية (كالنزاعات القومية والدينية والإثنية) والتي تحمل معها الصراعات العدوانية والتي نبذتها الليبرالية. لهذا السبب لم يستنتج فوكوياما أن انهيار الثنائية السوفياتية – الأميركية ستؤدي حتماً إلى توحيد العالم. بل ان نهاية الحرب الباردة ستؤدي إلى تقسيم العالم شطرين شطر المجتمعات ما بعد التاريخية Post-historical world وشطر المجتمعات التاريخية Historical world.
كان في إمكاننا أن نتوقع الفصل بينهما، نظراً إلى طغيان قوة عالم ما بعد التاريخ وقدرته على الإنكفاء في كل المجالات، ونظراً إلى غياب قوة دولية مسيطرة فيه، إن لم تطرح مسألتان هما:
وفي الإتجاه نفسه تبلورت أطروحة من صميم مجلس الأمن القومي الأميركي، صاحبها المستشار السابق انطوني لايك Anthony Lake، الذي شارك فوكوياما في تفاؤله لكنه تجاوزه من خلال طرحه لمبدأ التوسع الديمقراطي وأطلق هذا المبدأ على خلفية نظرية مفادها أن انهيار الثنائية – مع انهيار القطب الثاني – أدى إلى إنتقال الصراع من الحقل السياسي – العسكري إلى الحقل الإقتصادي بين الأنظمة الديمقراطية الليبرالية، وكثيراً ما نشأ على أنقاض النظام الإشتراكي السابق، لكن المشكلة في هذه الأخيرة تكمن في إستقرار المؤسسات الديمقراطية الذي لن يتحقق إن لم يتوافر الإستقرار الإقتصادي اللازم، وتقضي مهمة التوسع الديمقراطي بدعم هذه الأنظمة الناشئة من خلال توفير الدعم الإقتصادي وتكثيف الإستثمارات الدولية لها.
لقد أخذ التأمل في مسألة إدارة الأزمات السياسية الجديدة أبعاده النظرية كافة اعتباراً من حرب الخليج الثانية، إذ أدى خروج طرف محلي – العراق – عن قواعد اللعبة الدولية المألوفة إلى ظهور هاجس ضبط الفاعلين والدول التي تخرج على حقل النفوذ الأميركي – أو الغربي بعامة – وظهر الهاجس من الأطراف غير المضبوطين من قبل قوة عظمى قادرة على توضيح نمط تعاملها وعلى رسم حدود مصالحها. ونوجز الطرح الجديد هذا – بأطروحة بريجنسكي – الذي قال أن الولايات المتحدة هي آخر امبراطورية في التاريخ. والإشكالية الأساسية هي إشكالية ضبط المناطق المتأزمة في العالم حتى نتفادى أمرين هما الفوضى من جهة، ونشأة عملاق سياسي – استراتيجي جديد من جهة أخرى فالسؤال هو كيف يتم ضبط عالم يخرج بعضه على القواعد المألوفة والتي تفرضها الولايات المتحدة؟
كان في مقدمة من طرح الإشكالية بدقتها أنصار الفكر الواقعي ومنهم (Waltz Wal) والتز والت، والذي قال:
وللإجابة على هذا السؤال، اختلفت الأطروحات، فانطوني لايك Anthony Lake الذي كان متفائلاً حول مصير النظام الدولي. اعتقد أن الدول التي تعتبر مصدر هذه الفوضى الجديدة أصبحت معدودة ومحصورة في المكان، والتي في نظره لا تحترم قواعد اللعبة الدولية وتقع غالبية هذه الدول – ما عدا كوبا وكوريا الشمالية – في العالم الإسلامي وتشمل العراق وإيران وليبيا والسودان. أما الحل لهذه الدول فهو بالإحتواء.
ونعلم أن لايك هو صاحب فكرة الإحتواء المزدوج للعراق وإيران، ونذكر عدداً من العوامل المشجعة لذلك وهي:
وهو بحصره المسألة الأساسية في إشكالية الدول العاصية، لم يولِ أهمية للأزمات الأخرى الناتجة من انهيار الدولة.
لذا أشار بعض المنظرين أمثال ابرامز Abramz، إلى المخاطر الناجمة عن المجموعات الإرهابية الخارجة عن سيطرة الدول والناتجة من ضعف أو انهيار هذه الأخيرة، وإذ أثارت القضية الصومالية جدالاً بين المحافظين الذين رفعوا شعار "لا تمزجوا بين مصالح الولايات المتحة وأمانيها Do not confuse between US interests and US hopes" وبين أنصار التدخل الإنساني في الصومال، طرح السؤال الآتي: ما هي الحدود بين الفوضى الناتجة من انفجار الدولة والتي تبقى محصورة فيها، وبين تلك التي تنتج اثاراً دوليةً فتشكل خطراً على مصالح الولايات المتحدة؟ لكن هل من الممكن أن نحصر معالجة الأزمات السياسية من دون أن نؤسس هذه المعالجة في نظرية أشمل، تترك لمفهوم الأزمة مكانه المحوري؟ هل يمكننا أن نعالج مظاهر هذه الأزمات وأطرافها بأنها بقايا أو أوجه محصورة قابلة للزوال أن استخدمت الولايات المتحدة وسائل القوة اللازمة؟
أما السؤال حول كيفية المصالحة الأميركية لتلك الأزمات السياسية. فالإجابة تكمن في اتجاهين:
وفي إطار هذا الإتجاه دعا البعض إلى رد الإعتبار إلى الجغرافيا السياسية والتي تحدد استراتيجية الدول انطلاقاً من موقعها الجغرافي ونذكر منهم (بريجنسكي) الذي طرح السؤال الآتي: كيف نضبط العالم حتى لا تستطيع أي دولة كبرى السيطرة على أوراسيا[26]. وبيّن بريجنسكي أن على الولايات المتحدة أن تولي اهتماماً خاصاً بآسيا الوسطى بصفة كونها جزءاً اساسياً من قلب أوراسيا، وأميركا أصبحت قادرة على التقدّم إلى قلب أوراسيا بسبب انهيار الإتحاد السوفياتي. ثم أنه يحذر من امرين هما الفوضى من جهة ونشأة كتلة مسيطرة (سياسية استراتيجية) تجمع بين روسيا والصين وإيران وإن نشأت هذه الكتلة فإن نفوذ الولايات المتحدة معرّض للخطر.
أما إدارة الأزمات وفقاً لهذا الرأي فهو يجب أن ينصب في الحؤول دون تكتل القوى الكبرى والوسطى ذات التأثير على قلب أوراسيا واستيعاب كل واحدة منها على حده.
ج- أما في الطور الثالث فالصراع سيصبح صراعاً بين الحضارات.
وبالنسبة إلى هانتنغتون فإن الأديان تشكل العنصر الأساسي لتحديد هوية الحضارات، واستطراداً يقسم العالم إلى:
أما الصدمات بين الكتل الحضارية فقد تصورها عام 1993 على الشكل التالي: إن الصراع هو صراع بين الغرب وبقية العالم، أما الكتلتين الأشد خطورة فهما الكتلة الإسلامية والكتلة الصينية ذات الوعي الحضاري القوي. لهذا السبب تكمن إدارة الأزمات في ما يأتي:
إن تصنيف العالم من منظار النزعة الأميركية ونظرياتها، يصطدم بواقع وهو:
لهذا السبب، ستبقى نظريات الضبط هذه إما ناقصة أو خيالية من شأنها المضاعفة من العدوان على الشعوب.
- 10 –أزمة دارفور: إدارة للأزمة محلية برعاية إقليمية ودولية
المساحة والموقع والسكان:
تبلغ مساحة دارفور 250 ألف كم2 ما يعادل 1/5 من مساحة السودان، وموقعها الجغرافي في غرب السودان يجعلها تقع على الحدود مع ثلاث دول هي: ليبيا، تشاد، وافريقيا الوسطى. ولقد كانت منطقة دارفور ولاية مستقلة عن السودان في الفترة من 1898 إلى العام 1916، حيث انضمت إلى السودان مرة أخرى.
أما بالنسبة إلى السكان، فيبلغ تعدادهم حوالي ستة ملايين نسمة منقسمين إلى قسمين أساسيين:
القسم الأول: يضم القبائل الإفريقية وأهمها الفور والزغاوة والمساليت والبرتى والتاما
والبرحق والقلاتة.
القسم الثاني: يضم القبائل العربية وأهمها التعايشة وبنوهلبة والزريقات والمسيرية والمعاليا.
اسباب الأزمة:
عرف إقليم درافور طوال تاريخه صراعات قبلية على المراعي والأراضي ومصادر المياه، وكانت تتم تسويتها عبر الأعراف وألأطر القبلية المحلية. ولكن نظام المحليات الجديد الذي أدخله نظام الرئيس السوداني جعفر النميري، وسعى لإلغاء النظام القبلي وحاول إجتذاب ولاء بعض رؤساء القبائل والمحليين، أوجد نوعاً من عدم الثقة بين بعض هذه القبائل والحكومة، حيث أصبحوا ينظرون إليها بوصفها طرفاً غير محايد في النزاعات المحلية.
وقد ساهم الصراع بين الشمال والجنوب في السودان – والذي وصف بأنه أطول صراع في تاريخ افريقيا وتسبب بمقتل أكثر من مليوني شخص وأجبر أكثر من 4.5 مليون شخص على ترك منازلهم – في أضعاف الحكومة المركزية في الخرطوم، وبالتالي ازدياد معاناة إقليم دارفور من الإهمال والتهميش.
بالإضافة إلى ذلك فقد كان للحرب الأهلية في تشاد ولتدخل ليبيا وتشاد الأثر السيء للأوضاع في دارفور. وأصبحت بالتالي مسرحاً خلفياً للقوى والصراعات الدائرة في تشاد. كما أصبح الحصول على الأسلحة سهلاً، حيث أغرقت المنطقة بالسلاح في محاولة لإحتواء الطموحات الليبية في تشاد مما أدى إلى إيجاد أرضية مناسبة لتفاقم النزاعات القبلية في الإقليم أدت إلى الوصول إلى الأوضاع الحالية من إقتتال وفوضى وأعمال عنف وحتى إبادة جماعية. كما عمدت الحكومات المركزية السابقة إلى تزويد بعض القبائل بالسلاح لتكوين ميليشيات محلية تهدف إلى منع الحركة الشعبية لتحرير السودان من مد نفوذها إلى غرب السودان، غير أن هذه القبائل استخدمت هذه الأسلحة فيما بعد في صراعها مع القبائل الأخرى في الإقليم. وقد أدى تفاقم النزاع إلى زيادة أهمية الهوية القبلية للأفراد. وحسب تقارير الأمم المتحدة، فقد أصبح التفريق بين العربي والإفريقي الذي كان عديم الأثر في السابق، سبباً في الوقوف على جانبين مختلفين من الصراع السياسي.
وقد انفجرت الأزمة في دارفور منذ ظهور الحركات والتنظيمات المسلحة في عام 2003 مثل جبهة تحرير السودان وجناحها العسكري "جيش تحرير السودان" الذي يضم مجموعة كبيرة من الضباط السودانيين السابقين في الجيش السوداني. وينادي التنظيم بحكم ذاتي موسع وإعادة تقسيم السلطة والثروة وإعادة بناء السودان على أسس جديدة.
وهناك أيضاً حركة العدالة والمساواة وهي تنظيم يتبنى رؤية ديمقراطية تعتمد على صوت واحد لشخص واحد، كما يدعو التنظيم إلى فصل الدين عن الدولة وبناء سودان جديد مدني فيدرالي وإتاحة دور أساسي للمهمشين. ولقد أعلنت الحركة عن عودة أنضمام الحركة الوطنية للإصلاح والتنمية إليها في 3 تشرين الأول 2005، بعد أن انسلخت عنها سابقاً.
ويقول الصادق المهدي رئيس وزراء السودان السابق في اسباب أزمة دارفور، أنه عندما جاء نظام البشير كان يرى أن دارفور منحازة لحزب الأمة، فأراد تغيير تركيبتها الإجتماعية وغيّرها لكي تنحاز له، فقام بإجراءات كثيرة خلقت فوضى في الإقليم، وكانت هناك مشاكل قديمة موجودة ما بين الرعاة والمزارعين مشاكل قبلية إعتيادية وطبيعية.
وعن سؤال هل المشكلة داخلية أم خارجية؟ أجاب الصادق المهدي، نعم هي مشكلة في أصلها داخلية ولكنها صارت بعد ذلك متصلة بالمجتمع الدولي، فقد أصبحت متصلة بجهات خارجية بحيث أنه الآن لا يمكن الفصل بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية، المهم هو ضرورة عقد ملتقى جامع لمناقشة أجندة دارفور، وذلك بحضور جيراننا والأمم المتحدة والجامعة العربية والإتحاد الإفريقي كمراقبين لحسم هذه القضايا، وإلا فهي ماضية في الإفلات من السيطرة والحالة الإنسانية ماضية في التدهور، وسيؤدي هذا الموقف إذا لم يواجه بهذه الإجراءات العادلة إلى تدويل لقضية دارفور مثلما حدث في قضية كوسفو[28].
الأمم المتحدة وأزمة دارفور
وصفت تقارير الأمم المتحدة التدابير التي اتخدذتها الحكومة السودانية لوقف القتال وحماية المدنيين بأنها يشوبها نقص كبير وغير فعاّلة إلى حد بعيد، وأنه بصرف النظر عن القتال الدائر بين المتمردين من جهة والحكومة والجنجويد من جهة أخرى، فإن أهم عنصر في الصراع هو الهجمات التي تعرض لها المدنيون وأدى إلى تدمير وحرق قرى بأكملها وتشريد مجموعات كبيرة من السكان المدنيين.
ونظراً للإهتمام السياسي الدولي بأزمة دارفور فقد تزايد عدد عاملي منظمات الإغاثة الإنسانية في الإقليم من 228 في نيسان 2004 إلى 12.500 (محليين ودوليين) خلال عام واحد. وهناك 81 منظمة غير حكومية و 13 من منظمات الأمم المتحدة موجودة في الإقليم حالياً وقد نجحت هذه المنظمات في توصيل المعونات الغذائية إلى نحو 2.4 مليون شخص ولقد أدانت الأمم المتحدة الهجوم على اللاجئين في دارفور، كما استنكر الأمين العام للأمم المتحدة الهجمات على المدنيين وموظفي الإغاثة الإنسانية وبعثة الإتحاد الإفريقي والإعتداء على تشاد.
كما سجل الإتحاد الإفريقي الذي له قوات لحفظ النظام في الإقليم، والذي يأخذ دوراً رائداً في المفاوضات السياسية، العديد من الإنتهاكات والأحداث من قبل الحركات المتمردة في منطقة الملم وشعيرية بالإضافة إلى المجازر في قريضة، وحرق القرى في دار سلام وأم قنطورة وجمالي وفركو وأم نزار وقرضاية ووحلة.
وقد تعالت الأصوات المنادية بزيادة عدد قوات الإتحاد الإفريقي إلى أقصى حد متفق عليه وهو 7.731 جندي، علماً أن ثلثي تمويل القوات يوفرها الإتحاد الأوروبي. ولقد ساهم تراشق الإتهامات بين كل من الحكومة السودانية والحركات المتمردة في الوضع المأساوي في دارفور حيث تحاول كل جهة إلصاق التهمة والإنتهاكات والجرائم بالجهة الأخرى. كما ساهم ذلك التراشق بين الحكومة والمتمردين بالتلكؤ في الجلوس على مائدة التفاوض في وقت تصاعدت فيه الدعوة من أجل عقد مؤتمر جامع يمثل جميع أبناء دارفور.
القرار 1593 وأزمة دارفور
جار القرار رقم 1593 الذي أصدره مجلس الأمن في 31 آذار 2006 بإحالة الملف الخاص بالوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، متوافقاً مع فلسفة وشعار المحكمة الجنائية الدولية وهو معاقبة مجرمي الحرب والمتهمين بجرائم الإبادة الجماعية وبالجريمة ضد الإنسانية. وقد نص القرار على إحالة الوضع في دارفور منذ 1 تموز 2002 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية معتبراً في الوقت نفسه أن الحالة في السودان لا تزال تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. مشدداً على وجوب أن تتعاون حكومة السودان وجميع أطراف الصراع الأخرى في درافور تعاوناً كاملاً مع المحكمة والمدعي العام، وأن تقدم إليهما كل ما يلزم من مساعدة.
وقد شملت القائمة التي أعدتها لجنة تقصي الحقائق التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى درافور 51 إسماً يشتبه بإرتكابهم جرائم حرب[29].
تسوية الأزمة:
بعد ثلاث سنوات من النزاع في دارفور والذي اسفر عن مقتل 300 الف شخص وتهجير 2.4 مليون شخص بحسب تقديرات دولية، وافقت الحكومة السودانية والفصيل الأكبر بين ثلاثة فصائل متمردة في إقليم دارفور في 5 أيار 2006، في أبوجا (عاصمة نيجيريا) وبرعاية إقليمية (الإتحاد الإفريقي) ودولية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي) على اتفاق السلام الذي اقترحه الإتحاد الإفريقي، غير أن الفصيلين المتمردين الآخرين رفضاه.
ويهدف هذا الإتفاق إلى إنهاء النزاع والأزمة الإنسانية المستمرين منذ 3 سنوات، وعلى انضمام مقاتلي المتمردين إلى القوات المسلحة السودانية، وأن تنزع الحكومة سلاح ميليشيا الجنجويد العربية الموالية لها.
وفي 8 أيار 2006 طلبت الولايات المتحدة من مجلس الأمن تسريع نشر قوات دولية في إقليم دارفور حماية للإتفاق الموقع في ابوجا ولتقديم مساعدات إنسانية للمدنيين كانت قد قدمتها الإدارة الأميركية وهي بقيمة 225 مليون دولار.
وقد وافقت الحكومة السودانية بتاريخ 24 أيار 2006 على فكرة إرسال قوات دولية مكان قوات الإتحاد الإفريقي في دارفور وذلك بعد أن رفضتها سابقاً، بحجة أن الوضع قد اختلف الآن بعد اتفاق أبوجا وفقاً لوزير الخارجية السوداني (لام اكول) الذي قال: "يمكن الآن البحث في دور للأمم المتحدة وبالتحديد في إطار الترتيبات الأمنية". ووصف إتفاق أبوجا بالناقص بسبب إمتناع بعض الفصائل المسلحة في الإقليم عن توقيعه.
ورغم أن أزمة دارفور منفصلة عن أزمة جنوب السودان إلا أنها مرتبطة بها بطريقة غير مباشرة كما أسلفنا سابقاً ربما من حيث إهمال الحكومة لجذود أزمة دارفور بسبب إنشغالها بحرب الجنوب وربما لعدم قدرة الحكومة على رد التدخل الخارجي التشادي أو الليبي ايام الحرب في منتصف الثمانينات. وعلى اية حال إن توقيع إتفاقية السلام بين متمردي الجنوب والحكومة السودانية في نيروبي في كانون الثاني 2005، والتي أنهت 21 عاماً من الحرب الأهلية، ساهمت بلا شك في إرساء ثقافة جديدة في السودان عنوانها المفاوضات مكان الإقتتال وأن المحاذثات كفيلة بتسوية أية مشاكل عالقة بين الأطراف ومثال على ذلك متابعة المحادثات وكان آخرها في حزيران 2006 بين رئيس السودان عمر البشير ونائبه بالفا كير الزعيم الجديد في جنوب السودان حول ثلاث مناطق (من بينها ايبي) مختلف عليها بين متمردي جنوب السودان والحكومة السودانية وهي مناطق تشكل حدوداً بين الشمال والجنوب وتعتبر منطقة ايبي غنية بالنفط وتشكل أحد العوائق الرئيسي أمام تطبيق اتفاقية السلام.
[1] - د. كمال حمّاد، النموذج الإستراتيجي الأميركي في إدارة الأزمات الدولية، مجلة الدفاع الوطني، العدد 43، كانون الثاني، 2003، ص. 1- 2.
[2] - د. كمال حمّاد، المرجع السابق، ص . 2 – 3.
[3]- د. فهد الشعلان، إدارة الأزمات، الرياض، 1999، ص. 29.
[4] - د. هيثم أبو السعود، المجتمع وإدارة الأزمات، ضمن مجلة معلومات دولية، العدد 57، صيف 1998، ص. 24 - 25
[5] - بينما على العكس من ذلك، يقول الدكتور محمد رشاد الحملاوي، أن إدارة الأزمات هو فرع حديث للغاية لأن الإحصائيات تقول أنه ما بين عامي 1980 و1993، أي خلال 13 سنة فقط، نشر حوالي 70 % من إجمالي ابحاث إدارة الأزمات ما يثبت أن هذا الفرع جديد ومهم للغاية، انظر، د. محمد رشاد الحملاوي، إدارة الأزمات، أبو ظبي، 1997، ص. 1 – 2.
[6] - هيثم أبو السعود، المجتمع وإدارة الأزمات، ضمن معلومات دولية، العدد 57، صيف 1998، ص. 25-26
[7] - ديفيد جارنم، دراسات في النزاعات الدولية وإدارة الأزمة، أبو ظبي، 2001، ص. 5
[8] - المرجع السابق، ص. 26
1- د. فهد الشعلان، إدارة الأزمات، الرياض، 1999، ص. 18 – 19.
[10] - د. كمال حمّاد، النزاعات الدولية، بيروت، 1998، ص. 39 – 41.
[11] - ديفيد جارنم، دراسات في النزاعات الدولية وإدارة الأزمة، مرجع سبق ذكره، ص. 22
[12] - د. محسن أحمد الخضيري، إدارة الأزمات، القاهرة، الطبعة الثانية (د.ت)، ص. 88 – 94.
[13] - المرجع السابق، ص. 98.
[14] - د. محسن أحمد الخضيري، مرجع سبق ذكره، ص. 148.
[15] - د. احسان الهندي، الأساليب الودية في حل الأزمات والمنازعات الدولية، ضمن معلومات دولية، العدد 57، عام 1998، ص. 89 – 90.
[16] - Charles Herman, International crises as a situational variable, in James Rosenau (ed.) International politics and foreign policy, new York, free press, 1969 pp. 409 - 421
[17] - المرجع السابق.
[18] - د. حسن الحسن، التفاوض والعلاقات العامة، بيروت 1993، ص. 127 – 128.
[19] - المرجع السابق، ص. 129
[20] - د. حسن الحسن، مرجع سبق ذكره، ص. 129.
[21] - د. محمد رشاد الحملاوي، إدارة الأزمات، مرجع سبق ذكره، ص. 1 – 2.
[22] - المرجع السابق، ص. 3 – 4.
[23] - المرجع السابق، ص. 4.
[24] - والتي تعني استخدام الدولة لمختلف أدوات المساومة –الضاغطة والتوفيقية – أثناء الأزمة على نحو يعزز سياستها ويضعف سياسة الخصم إلى أدنى حد للسيطرة على الأزمة وتوجيهها وفقاً لمصلحتها.
[25] - دلال محمود السيد، الإدارة الإسرائيلية للأزمات الإستراتيجية في الصراع العربي – الإسرائيلي، القاهرة، 2003، ورد في مجلة السياسة الدولية، العدد 155، كانون الثاني 2004، ص. 279 – 281.
[26] - ماكيندر (1919) وسبايكمان (1942) اعتبار أن من يسيطر على أوراسيا يستطيع أن يسيطر عليها كلها ومن ثم على العالم أجمع.
[27] - فؤاد نهرا، في ندوة إدارة الأزمات الدولية، نظمتها مجلة شؤون الأوسط، العدد 102، ربيع 2001، ص. 22- 28.
[28] - الصادق المهدي، القضية السودانية بين صراع الداخل ونفوذ الخارج، بيروت، 2005، إعداد قناة العالم، ص. 218 – 221.
[29] - د. أحمد الرشيدي، محاكمة مجرمي دارفور... قراءة في القرار 1593، السياسة الدولية، عدد 163 تاريخ كانون الثاني 2006، ص. 106 – 107.
Crisis Management
(Example of the American and Israeli crisis management)
This research topic defines the crisis as a critical turning point in the course of an event leading to an obvious amelioration or a serious decline, and is tied by old affinities that must be replaced by new engagements, and provokes quality and quantity changes in this event.
Conforming to the concept of crisis management, it has to be used in order to draw the best possible results in the interest of the crisis manager.
The research stresses on the different methods available to make a diagnostic of and analyze the crisis through three stages. The author believes that the exact diagnostic of crises is the key point to deal with these crises in order to avoid improvisation. He also uses different methods to carry out this kind of diagnostic.
The researcher considers that every decision maker, when dealing with a crisis, should be completely aware of the regulations when dealing with crisis.
He also suggests the stages to follow when dealing with a crisis, along with the principles and the crisis management centers and their relevant research topics, stressing finally on the Israeli crisis management example and the most recent American theories related to crisis management in a unique pole world.
La Gestion des Crises
(La gestion américaine et israélienne des crises constituent un exemple)
La recherche définit la crise de prime abord comme une étape charnière et critique qui marque le cours d’un événement et conduit à une nette amélioration ou à un sérieux recul, et est liée à d’anciennes affinités qui doivent être remplacées par de nouveaux engagements, et provoque des changements qualitatifs et quantitatifs relatifs à cet événement.
Selon le concept de la gestion de crises, il s’agit d’envisager ce concept de façon à tirer les meilleurs résultats possibles au profit du responsable de la gestion de la crise.
Le chercheur souligne les méthodes de diagnostic et d’analyse de crises à travers trois niveaux. Il considère que le diagnostic exact des crises demeure un point essentiel pour les affronter, et qu’en l’absence de ce dernier, les tentatives d’affrontement d’une crise relèvent de l’improvisation. L’auteur a aussi recours à plusieurs méthodes pour diagnostiquer une crise.
Il avance que tout preneur de décision, en affrontant quelque crise, doit être pleinement conscient des règles à suivre en cas de crise.
Le chercheur évoque également les étapes à suivre en cas de crise, ainsi que les principes et les centres de gestion de crises, et les sujets de recherche correspondants, en soulignant finalement l’exemple de la gestion israélienne et les nouvelles théories américaines en matière de gestion de crises dans un système unipolaire.
Links
[1] https://www.lebarmy.gov.lb/ar/content/57-d