دراسات

التجدد والكفاءة في الطاقة لمستقبل مشرق واقتصاد مستدام
إعداد: د. سورينا مرتضى، م. غاده الداعوق
المركز اللبناني لحفظ الطاقة

اعتماد الطاقة المتجددة وتحقيق كفاءة الطاقة من الضرورات الملحة في عالم اليوم، خصوصًا وأنّ تغيّر المناخ بات من أبرز التحديات التي يواجهها المجتمع الإنساني. في ما يأتي أضواء على فوائد اعتماد الطاقة المتجددة وأهمية تجنّب الأخطاء الشائعة عند تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، وكيفية تحقيق الكفاءة القصوى للطاقة في المباني حسب المناطق المناخية.
تُعدّ الطاقة المتجددة موردًا طاقويًا نظيفًا ومتجددًا يمكن الاعتماد عليه لتوليد الكهرباء وتلبية احتياجات الطاقة، من فوائدها الحدّ من الأثر البيئي إذ إنّها تعتمد على مصادر طاقة طبيعية مثل الشمس والرياح والمياه، وبالتالي فهي تحدّ من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة. وللطاقة المتجددة أيضًا ميزة اقتصادية مستدامة، فعلى الرغم من أنّ تكلفة تركيب بعض أنظمتها قد تكون مرتفعة، إلا أنها تعتبر استثمارًا طويل الأمد يتيح فرصة الاستفادة من الكهرباء المولَّدة بشكل مستدام من دون الحاجة إلى دفع تكاليف إضافية، على عكس مولدات الديزل مثلًا التي تحتاج إلى الوقود والصيانة بشكل منتظم. بالإضافة إلى ذلك فإنّ ألواح الطاقة الشمسية والعاكس تستمر بالعمل لعدة سنوات من دون الحاجة إلى صيانة إضافية، ما يجعلها خيارًا اقتصاديًا أفضل وصديقًا للبيئة.
 

الطاقة الشمسية الكهروضوئية
من أكثر أنواع الطاقة المتجددة انتشارًا في لبنان الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وهي تقنية تُستخدم لتحويل ضوء الشمس إلى كهرباء. تعتمد عملية توليد الكهرباء من الشمس على مفهوم الخلايا الشمسية، إذ يتم تثبيت ألواح شمسية على سطوح معرضة لأشعة الشمس، مثل أسطح الأبنية. تحتوي هذه الألواح على الخلايا الشمسية المصنوعة عادة من مادّة السيليكون، وعندما تضرب أشعة الشمس الخلية الشمسية، يتم امتصاص الضوء وتحفيز الإلكترونات في الذرات داخل الخلية ما يسبب إطلاق الإلكترونات وتكوين تيار كهربائي. يُوجَّه التيار الكهربائي الناتج من الخلية الشمسية إلى أسلاك موصلة داخل اللوحة، وتجمع الألواح الشمسية الكهرباء من خلايا شمسية عديدة لزيادة الطاقة الكهربائية المنتجة. الكهرباء التي تنتجها الألواح الشمسية تكون عادة تيارًا مستمرًا (Direct Current DC)، لاستخدام هذه الكهرباء يجب تحويلها إلى تيار متردد (Alternating Current AC) باستخدام محول كهربائي يسمى عاكس (inverter) فيصبح بالإمكان استخدامها لتشغيل الأجهزة الكهربائية والإنارة. يمكن تخزين الكهرباء في بطاريات إذا كان هناك حاجة للحفاظ على الطاقة للاستخدام في وقت لاحق، مثل ساعات الليل أو في أوقات الغيم الشديد.
 

الأخطاء الشائعة
عند تركيب أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئيّة في لبنان عامّة وفي المناطق الجبلية والباردة خاصّة، يجب تجنّب الأخطاء الشائعة وهي الآتية :

  • تجاهل الاحتياجات الكهربائية: قبل تركيب نظام الطاقة الشمسية الكهروضوئيّة، يجب تحليل نمط استهلاك الكهرباء بعناية لتحديد حجم النظام اللازم. فقد يؤدي تجاهل هذه الاحتياجات إلى تركيب نظام أكبر أو أصغر من الحاجة، ما يعني عدم الاستفادة الفعّالة من النظام.
  • اختيار اتجاه غير مناسب لألواح الطاقة الشمسيّة: في لبنان، يعتبر توجيه لوحات الطاقة الشمسية نحو الجنوب أفضل خيار وذلك للاستفادة القصوى من أشعة الشمس، ما يساهم في زيادة إنتاجية الألواح وتحسين أدائها في توليد الكهرباء.
  • اختيار زاوية غير مناسبة لألواح الطاقة الشمسيّة: عند تحديد زاوية الألواح الشمسية، يجب مراعاة زاوية الشمس وارتفاعها، ومن الأفضل زيادة زاوية ارتفاع الألواح بنسبة بسيطة في المناطق الجبلية والباردة خصوصًا، وذلك للسماح للثلوج بالانزلاق بدلًا من التراكم على الألواح وتخفيض إنتاجيتها.
  • عدم الاهتمام بتنظيف الألواح: بالإضافة إلى الغبار والأوساخ، قد يتراكم الثلج والجليد على الألواح الشمسية في المناطق الباردة، ما يقلل من كفاءتها، لذلك يجب تنظيفها بانتظام للحفاظ على أداء فعّال.
  • تركيب أجهزة قديمة مجددة: يجب أن تكون الألواح والعواكس والبطاريات وكل مستلزمات النظام جديدة وذات جودة عالية لضمان الفعالية القصوى، لذلك يجب التأكد دائمًا من شهادات المنشأ بالإضافة إلى الشهادات الصادرة عن معهد البحوث الصناعية اللبنانية.
  • التأكد من حجم الكابلات: يجب اختيار كابلات ذات حجم مناسب، وخصوصًا كابلات البطاريات المتصلة بالعاكس، فقد يؤدي تصغير أحجامها إلى ارتفاع حرارتها وحدوث الحرائق.ومن المهم جدًا اتخاذ تدابير حفظ الطاقة وترشيد استهلاكها حتى بعد تركيب أنظمة الطاقة الشمسية لضمان استدامة النظام وتحقيق الفوائد البيئية والاقتصادية على المدى الطويل.

 

كفاءة الطاقة
يُعدّ تحسين كفاءة استخدام الطاقة في المباني السكنية القائمة تحديًا مستمرًا في لبنان، وهو يساهم في تحقيق الأهداف الوطنية في خفض استهلاك الطاقة. ويعتمد تخفيض استهلاك الطاقة وانبعاثات الغازات الدفيئة على إدخال إجراءات كفاءة الطاقة وترشيد استهلاكها في جميع القطاعات، بما فيها قطاع المباني الذي يستهلك  حوالى 78% من إجمالي الكهرباء المولدة في لبنان.
يتلخص مفهوم كفاءة الطاقة باستخدام كمية أقل منها لإنجاز المهمة نفسها المراد تنفيذها. تقلل إجراءات كفاءة الطاقة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة باحتراق الوقود الأحفوري، وبالتالي تساهم في مكافحة تغيّر المناخ وضمان استدامة الموارد. وتُعدُّ إجراءات كفاءة الطاقة مربحة ماليًا، فكثير من الخيارات تسترد تكلفتها الأولية في غضون بضع سنوات وتستمر في توفير الطاقة على فاتورة الطاقة (كهربائية وحرارية) لعقود.
مقارنةً بالسنوات الماضية، تتوافر حاليًا مجموعة متنوعة من الحلول لتحسين كفاءة الطاقة. ويُعدّ التدقيق الطاقوي* الشامل للمبنى الخطوة الأولى التي يجب القيام بها لتحديد إجراءات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة الممكن تنفيذها. وتتيح نتائج هذا التدقيق الطاقوي لأصحاب المباني اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على دراسات وحسابات دقيقة.
وفي ما يأتي توصيات لحلول مجدية تقنيًا وماليًا مع مراعاة المبادئ التوجيهية لإعادة تجهيز المباني القائمة، وكفاءة الطاقة وإمكان استخدام مبادرات الطاقة المتجددة. وقد تم تفصيل حلول كفاءة الطاقة في قطاع المباني خصوصًا حسب المناطق المناخية في لبنان.

1-    مناخ المناطق الجبلية متوسطة الارتفاع والمناطق الداخلية:
في هذه المناطق، تواجه المباني طلب تدفئة في الشتاء والخريف والربيع وطلبًا كبيرًا على التبريد في الصيف. بالنسبة لعمليات التجديد المحدودة، فإن الحد من تسرب الهواء* (air tightening)، والتهوئة الليلية*، والزجاج الموفر للطاقة، والطاقة الكهروضوئية، وتسخين المياه بالطاقة الشمسية وإضاءة LED، هي جميعها إجراءات، تقلل من الطلب على الطاقة. كما أنّ التظليل والتهوئة الليلية مفيدان جدًا لتوفير الطاقة والراحة. وفي حال تجديد المبنى بشكل شامل، فإن الإجراءات الأولى التي يجب التفكير فيها هي التظليل، والزجاج الموفّر للطاقة وإطارات النوافذ العازلة، وتخفيف تسرب الهواء(air tightening)، وعزل السقف الخارجي* أو الأسطح الخضراء*، والعزل الخارجي* أو جدار التجويف*  بالإضافة إلى اعتماد إضاءة LED.
 

2-المناطق الجبلية شديدة البرودة:
إنّ الحد من تسرّب الهواء، والزجاج الموفّر للطاقة، وإضاءة LED، واستخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء وتسخين المياه هي الإجراءات السهلة التي يجب مراعاتها في المناطق الجبلية شديدة البرودة. في ما يخص الإجراءات الأكثر تعقيدًا، فيمكن اعتماد الزجاج الموفّر للطاقة وعزل الأسقف والجدران من الخارج أو في التجويف أو من الداخل. إنّ تقليل التهوئة بشكل صحيح إلى الكمية المطلوبة وتجنب الجسور الحرارية* سيؤتي ثماره جيدًا أيضًا، وقد يساعد التظليل في ارتفاع درجة الحرارة في المباني الأكبر حجمًا والمعزولة جيدًا.
كما هو الحال في كل مكان في لبنان، تُعد الطاقة الشمسية وسخانات المياه الشمسية أيضًا، خيارًا جذابًا ومستدامًا. ويمكن أن تكون المضخات الحرارية* في مصدر المياه (على سبيل المثال استخدام المياه من الأنهار أو البحيرات القريبة) خيارًا.
 

 

3-إجراءات عامة
هناك بعض الإجراءات التي يمكن اعتمادها بشكل عام في القطاعات كافة، مثلًا، من المهم اختيار الأجهزة الكهربائية التي تحمل شارة أو ملصقًا طاقويًا، والبحث عن إعدادات وميزات توفير الطاقة في كل جهاز. واستنادًا إلى الشارة الطاقوية يمكن اختيار الأجهزة الكفوءة التي تستخدم كميات أقل من الكهرباء لأداء المهمة نفسها بالمقارنة مع الأجهزة الأخرى، وخصوصًا القديمة منها. في هذا السياق تُعتبر أجهزة التكييف والتبريد من أكثر الأجهزة استهلاكًا للطاقة في جميع أنواع المباني، لذلك ننصح بتركيب الأجهزة التي يشير الملصق الطاقوي فيها إلى كفاءة عالية للطاقة. وننصح أيضًا بتركيب جهاز تحكم في درجة الحرارة قابل للبرمجة لضبط الجداول الزمنية لتوفير الطاقة خصوصًا عند الخروج من المنزل.
في الختام، يمكن القول إنّ كفاءة الطاقة تؤدي دورًا حاسمًا في تحسين استخدام الطاقة وتقليل التأثير البيئي. وبالتالي فإنّ تطبيق الإجراءات التي سبق ذكرها في المنازل والمدارس والمباني التجارية والصناعية وغيرها يمكن أن يحمل معه فوائد ملموسة على صعيد توفير الطاقة والمال والمساهمة في الحفاظ على البيئة.


مفاهيم ومصطلحات
*التدقيق الطاقوي الشامل: هو عملية تقييم شاملة لكفاءة استخدام الطاقة في مبنى الهدف منها فحص جميع جوانب استهلاك الطاقة وتحليل كيفية استخدامها. ويشمل ذلك فحص الأنظمة الكهربائية والتدفئة والتهوية وتكييف الهواء وأنظمة الإضاءة والعزل الحراري وأمورًا أخرى ذات صلة، وقد يقدّم  توصيات لإجراء تحسينات أو تحديثات تقنية تزيد من كفاءة استخدام الطاقة وتقلل من الاستهلاك.
*تسرب الهواء: المقصود، تسرّب الهواء من خارج مكان معين إلى داخله أو العكس، ويمكن أن يكون ذلك عبر الفجوات أو الشقوق في الجدران والنوافذ أو أماكن أخرى في الهيكل المعماري. يُعتبر التحكم في تسرّب الهواء أمرًا مهمًا في تصميم المباني والمنازل، إذ يؤثر بشكل كبير على استهلاك الطاقة في أنظمة التدفئة والتبريد وبالتالي على كفاءة الطاقة. عملية تحسين تسرب الهواء تشمل عادةً استخدام مواد عازلة وتحسين العوازل في الجدران والنوافذ للحد من انتقال الهواء غير المرغوب فيه بين الداخل والخارج.
 *التهوئة الليلية: تتم عادة من خلال فتح النوافذ أو استخدام وسائل أخرى لتحسين تدفق الهواء داخل المبنى في ساعات الليل وضمان جودته وتخفيض درجات الحرارة في فصل الصيف.
*التظليل: هو تقنية تستخدم لتقليل أو منع وصول الشمس إلى مكان معين. يمكن تحقيق التظليل عن طريق استخدام مواد مثل الستائر أو الظلال أو الأشجار أو هياكل مصممة خصيصًا لتقليل كمية الحرارة التي تصل إلى المكان.
 عزل السقف الخارجي: هو عملية تطبيق مواد عازلة على سطح السقف الخارجي للمبنى بهدف تحسين عزله الحراري وتقليل تسرب الحرارة إلى الخارج أو دخولها من الخارج. يهدف هذا الإجراء إلى تحسين كفاءة الطاقة للمبنى وتوفير التدفئة والتبريد بشكل أكثر فعالية.
*الأسطح الخضراء: هي تقنية تقوم على زراعة النباتات والأعشاب على أسطح المباني أو الهياكل ويمكن أن تساهم في عزل الحرارة وتحسين جودة الهواء.
*العزل الخارجي: عملية تقضي بوضع مواد عازلة على الجدران الخارجية للمبنى بهدف حمايته من التأثيرات الجوية الخارجية، إذ يمنع تسرّب الحرارة من داخل المبنى إلى الخارج في فصول البرد والعكس في فصول الحرّ. يمكن أن يشمل العزل الخارجي استخدام مواد مثل العوازل الحرارية والألواح العازلة.
*جدار التجويف: هو المسافة الموجودة بين طبقتين من الجدران وهو يساهم في تحقيق العزل الحراري والحماية من الرطوبة.
*الجسور الحرارية: الجسور الحرارية هي نقاط أو مناطق في هيكل المبنى تتدفق الحرارة من خلالها أكثر من غيرها، ما يؤدي إلى فقدان حراري أو اكتساب حرارة غير مرغوب فيها. لتجنب الجسور الحرارية، يتم اتخاذ إجراءات خاصة في تصميم المبنى وفي عملية البناء، مثل استخدام مواد عازلة حراريًا في هذه المناطق وتأمين عوازل فعّالة لمنع انتقال الحرارة.
*المضخات الحرارية: هي أنظمة تستخدم لنقل الحرارة من مكان إلى آخر، وعادةً ما تستخدم لتدفئة المباني ولإنتاج الماء الساخن. تعتمد هذه الأنظمة على مبدأ نقل الحرارة من مصدر بارد إلى مصدر حار، ويمكن استخدامها لأغراض التدفئة في الشتاء والتبريد في الصيف. تقوم المضخات الحرارية بسحب الحرارة من المصدر البارد (مثل الهواء الخارجي، أو الماء الجوفي، أو الأرض) ونقلها إلى داخل المبنى. يتم تحقيق هذا باستخدام وسيط حراري (عادة سائل تبريد خاص) يمر عبر دورة حرارية مكونة من مكثف ومبخر وصمام تمدد.