في كل بيت

التنشئة الإجتماعية تكسب الإنسان إنسانيته
إعداد: ناديا متى فخري

حذار الإسراف في التدليل والقسوة

 

الأسرة من أهم مؤسسات التنشئة الإجتماعية، وهي أقوى الجماعات تأثيراً في شخصية الفرد. فالمعروف أن الأسرة تشكّل التربة الأولى التي ينشأ فيها الفرد ومنها يكتسب شخصيته وهويته وفيها تتمّ أولى خطوات أهم عملية تربوية في حياة الإنسان، وهي عملية التنشئة الإجتماعية والنفسية والأخلاقية والروحية والعلمية، تلك العملية التي تحيل الطفل من مجرد كائن بيولوجي الى كائن إجتماعي إنساني، فالتنشئة الإجتماعية هي التي تُكسب الإنسان إنسانيته.

 

أنماط وخبرات
إن للأسرة أهمية كبيرة في مجال الوقاية من حدوث أخطاء في عملية التنشئة لأن خبرات الطفولة المبكرة وما يتعلمه الطفل في سني حياته الأولى، يحصل عليه في نطاق أسرته. فللأسرة تأثير عميق في رفد قدرات الولد وكفاءته في التكيّف، وهي التي يعود اليها سبب تدهور الحياة الانفعالية للأبناء وجنوحهم السلوكي.
بيد أن الأسر تنتهج أنماطاً مختلفة في تنشئة أبنائها تراوح بين الشدّة الزائدة واللين الزائد، ومن هذه الأنماط:
- الإسراف في تدليل الطفل، والإذعان لمطالبه مهما كانت غريبة، من دون مراعاة الظروف الواقعية أو عدم توافر الإمكانات... وهذا من الأنماط السيئة غير المقبولة سلوكياً.
- الإسراف في القسوة والشدّة مع الطفل، وإنزال العقاب به بصورة مستمرة، وصدّه، كلما أراد أن يعبّر عن نفسه.
- البعض من الآباء يتعامل مع الطفل بأسلوب يراوح بين الشدّة واللين، حيث يعاقب الطفل مرة في موقف ويُثاب مرة أخرى في الموقف نفسه.
وهناك أيضاً، الإعجاب الزائد بالطفل، حيث يعبّر الآباء والأمهات بصورة مبالغ فيها عن إعجابهم بالطفل ومدحه والمباهاة به... ومثل هذا الاتجاه ينمّي لدى الطفل الغرور وشيئاً من اللامبالاة حيال رأي الآخرين به.
ومن الخبرات الخطيرة التي قد يتعرّض لها الطفل، سوء معاملته أو سوء التعامل معه، ذلك أن إساءة التعامل مع الطفل تختلف من حيث النوع والدرجة أو الشدّة اختلافاً بيّناً بين أسرة وأخرى؛ وهذا الإتجاه في التربية والتنشئة يترك تأثيراً سلبياً على الأطفال ونموّهم، فالتسلّط الوالدي أو الإهمال أو الإفراط في الحب والدلال، وكذلك التمييز في المعاملة بين الطفل وشقيقه، معطيات وسلوكيات أبوية تحدث شرخاً في شخصية الأبناء، وتشعرهم بالفشل والإحباط وعدم القدرة على الإعتماد على النفس، وكثيراً ما تؤدي الى سلبية التكيّف.
يضاف الى ما ذكر إساءة التعامل العاطفي والإنفعالي مع الأطفال، وقد بيّنت الدراسات النفسية في هذا الإطار أن الآباء الذين يسيئون التعامل مع أبنائهم، هم أكثر عدواناً واندفاعاً وتوتراً وأقل نضجاً وذكاءً وثقافة من الآباء الذين يتعاملون مع أولادهم بنضج وفي حدود المعايير الأساسية للتنشئة الصحيحة.
إن خير مصدر يستقي منه الطفل الفضائل والسلوكيات الحميدة هو البيئة الأسرية التي ينشأ فيها... ولذلك لا بدّ من غرس الفضائل في نفوس الناشئة وتأمين القدوة الحسنة والمثال الطيب لهم... فالتربية الأسرية مسؤولة عن رعاية الطفل وتنشئته وفق ظروف صحية ونفسية تتيح له النمو السليم، وتعمل على إشباع احتياجاته الجسمية والوجدانية.
إن الدور الريادي للتنشئة الإجتماعية هو في كونها تكسب الولد الأخلاق القويمة وحسن السلوك والتهذيب والأمانة والإستقامة والصدق والإعتماد على الذات والمشاركة الإيجابية. فبقدر ما يحصل الأبناء على تنشئة صافية وبنّاءة، بقدر ما يكتسبون شخصية متوافقة تكفل لهم النجاح في صناعة مستقبل مشرق.
ولا تفوتنا الإشارة الى أن الطفل الذي لا تتمثّل فيه متانة الخلق وحسن السلوك، والمتّصف بشيء من العناد والمشاكسة واللامبالاة وسلبية التصرّف، إنما هو طفل نشأ في بيئة أسرية لم تتح له تنشئة إجتماعية سليمة.

 

التنشئة الإجتماعية وتأكيد الذات
الطفل كائن إجتماعي تشدّه الروابط الإجتماعية ومؤثراتها القوية الى بيئته، وهذه الروابط تتوطّد كلما قطع شوطاً في مدارج النمو والتطور. أما خبرته التي يكتسبها من اتصاله بسواه فتجعله أكثر قدرة على ترسيخ معالم فرديته التي يلزم الحرص على تثبيت أركانها. فتنشئة الولد لا تعني بحال من الأحوال أن ذاتيته تذوب في الكيان الإجتماعي بحيث تنطمس معالم شخصيته التي يجب العمل على تنميتها وتعهدها بالرعاية. وتطور الذات عند الطفل ينطوي على عوامل شتى، لعل أبرزها: التمايز الذي يجعله فرداً له معالمه الخاصة، وخصائصه الملازمة لفرديته الواضحة؛ وبقدر ما يتوافر الاستقرار النفسي للطفل بقدر ما يُتاح للذات أن تتكامل ويُكتب لها البناء السليم منذ البداية.
ومن مقومات تأكيد الذات ونمائها البنّاء، الإلتفات الى وجوب التنشئة الروحية وضرورة تقويم الأخلاق لتعزيز النضج الخلقي والوجداني وإنعاش السمات الطبيعية للشخصية الإنسانية.