علامات فارقة

الصوت العابر للأجيال والهويات يستمرّ في توسيع حضوره المشرق
إعداد: الهام نصر تابت

عيد فيروز: 21 مليون تغريدة حب

 

في 21 تشرين الثاني المنصرم، وعشية عيد الاستقلال، غرّد 21 مليون شخص معبّرين عن حبّهم للسيدة فيروز، وفق ما جاء في موقع الملتقى الالكتروني.
فيروز الأيقونة التي لها في وجدان اللبنانيين والعرب مساحة من الصعب أن تكون لغيرها من الفنانين، تواصل توسيع حضورها المشرق «سنة عن سنة». ويواصل صوتها العبور من جيل الى جيل، مخترقًا حدود الأوطان والقوميات والثقافات.

 

صدفة؟
يقع عيد ميلاد السيدة فيروز عشية عيد استقلال لبنان، هذه المصادفة لم يتنبّه لها كثيرون في الماضي، لكن هذه السنة جرى التركيز عليها، وكان الاحتفاء بعيد فيروز على نحو لم يسبق له مثيل.
لماذا؟ ليس من الضروري أن نسوق الاحتمالات والاجتهادات، المهم أن التعبير عن الحب لهذه السيدة كان أشبه بطوفان اجتاح وسائل الاعلام ومواقع التواصل الإجتماعي. وهذا أقلّ ما تستحقه فيروز الظاهرة التي قد تمضي قرون عديدة من دون أن تتكرر. والمهم أيضًا أننا كلبنانيين عوضنا (وإن بالكلام) عن تقصير مزمن طالما انتقدتنا بسببه النخب الثقافية والإعلامية في العالم العربي الذي سبقنا إلى تكريم فيروز بمبادرات جميلة، من مصر إلى تونس والجزائر وفلسطين وسوريا وسائر البلدان العربية.

 

ورجعت عَ بعلبك
منذ 60 عامًا، وقفت فيروز في بعلبك لأول مرة. يومها صدح صوتها مغنيًا «لبنان يا أخضر يا حلو». ومنذ ذلك اليوم أصبح هذا الصوت العمود السابع في الهيكل. وبات طيف هذه السيدة وشمًا في حجارة القلعة وفي قلوب الناس.
صنعت فيروز لبعلبك مجد مهرجاناتها ومواسم فرحها. كان موعدها مع بعلبك الموسم الذي ينتظره البعلبكيون واللبنانيون والأجانب المتقاطرون من مختلف أنحاء المعمورة.
بعد غياب قسري فرضته الأحداث، عادت إلى بعلبك في العام 1998، ومن ثم في العام 2006، غير أن حرب تموز نسفت المواعيد. فكان عرض ليوم واحد، وانتظار لموعد جديد يعيد لمهرجانات بعلبك عزّها.
محافظ بعلبك- الهرمل بشير خضر صنع من التزامن بين مناسبات ثلاث (عيد الاستقلال، عيد فيروز، ومرور 60 عامًا على أول ظهور لها في بعلبك)، مبادرة حضارية. وبالتعاون مع بلدية بعلبك وعدة جهات، أضيئت القلعة بالعلم اللبناني وبصور لفيروز، في احتفال جميل شارك فيه البعلبكيون واللبنانيون، موجهين التحية إلى السيدة التي تشكل جزءًا من هويتنا الوطنية والثقافية.
خلال الاحتفال نقلت وسائل الإعلام احاديث كثيرين ممن واكبوا مهرجنات بعلبك، وأعادوا سرد حكايات الحنين والذكريات. هنا كانت تقف، هنا غنّت «بعلبك أنا شمعة على دراجك»، هنا كان يجلس عاصي ومنصور ويشربون القهوة، هذه غرفة فيروز في أوتيل بالميرا، ما زالت كما تركتها آخر مرّة... ما زالت مقفلة بانتظار أن تعود إليها.
كان الاحتفال لقاءً مؤثرًا بين اليوم والأمس وانتظارًا لغد جميل.

 

وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي
شاركت وسائل الإعلام في إحياء عيد فيروز بمبادرات عديدة. من المقالات والريبورتاجات الجدّية التي تعمقت في مسيرة هذه السيدة وأضافت جديدًا الى معرفتنا بها، إلى مواد مختلفة أقل حرفية بعضها تعمّد الإثارة، لكن في كل الأحوال كان التعبير عن الحب والتقدير عنوانًا، ليوم فيروز في وسائل الإعلام اللبنانية والعربية. أما في مواقع التواصل الاجتماعي، فكان طوف من المعايدات والمشاعر والأغاني والصور تحت عنوان عيد فيروز. الفيروزيون مجموعات وافرادًا احتفلوا بهذا العيد. كثيرون نشروا صورًا وتسجيلات نادرة. أما الأبرز في هذا السياق فكان تسجيل هاشتاغ #عيد فيروز-عيد الدني، 21 مليون تغريدة.

 

«خلص الحكي»
مرّ العيد، ما قيل قد قيل وما كتب قد كتب، ولكن ماذا بعد؟ هل يكون تكريم الكبار ببعض مبادرات ومقالات وتحقيقات وما إلى ذلك من «لزوم المناسبة»؟ أم أن التكريم الحقيقي يقتضي فعلًا ثقافيًا حضاريًا ملموسًا؟ إن فعلًا كهذا هو ضروري ليس لتكريم فيروز، وإنما لتكريس وعينا لثقافتنا وتراثنا وللقيم الوطنية والإنسانية التي زرعها في وجداننا صوت فيروز.
ما العمل؟ نضم صوتنا إلى الأصوات القليلة التي خرجت باقتراحات جدّية، منها:
- إنشاء مكتبة لفيروز تضم أرشيفها الضخم والذي ما زال قسم كبير منه مشتتًا، وتضم أيضًا الأبحاث والدراسات القيّمة التي كتبت حول هذا التراث، وهي كثيرة، بعضها صادر في لبنان وبلدان عربية، وبعضها في أوروبا وأميركا.
- حفظ هذا التراث بما تتيحه التكنولوجيا الحديثة من إمكانات.

- اعتماد التراث الفيروزي في مناهج كلّيات ومعاهد الفنون الجميلة.
- الإسراع في تحويل بيت فيروز في زقاق البلاط إلى متحف قبل أن تقوى عليه عوامل الزمن، علمًا أن القرار موجود لكن ينبغي التنفيذ.
- أخيرًا، صوت فيروز ليس للصباح وللمناسبات فقط، فلماذا تسرح وتمرح الأغاني التي تمزّق الذوق والمشاعر كل الوقت على الأثير والشاشات؟