علاقات دولية

العلاقات الألمانية الفرنسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة
إعداد: الملازم أول باسل الحجار
من كتيبة الحراسة والمدافعة عن مطار رفيق الحريري الدولي

من يحكم أوروبا الشرقية يسيطر على منطقة القلب
من يحكم منطقة القلب يسيطر على جزيرة العالم
من يحكم جزيرة العالم يسيطر على العالم كله
(هارولد ماكايندر)

 

نجحت أوروبا بعد نهاية الحرب الباردة في تجاوز مرحلة الفراغ الإستراتيجي والجيوبوليتيكي الذي نجم عن انهيار المعسكر الإشتراكي بزعامة الإتحاد السوفياتي. وطوت بذلك القارة العجوز، الراغبة في تجدد شبابها، صفحة طويلة من تاريخها كانت خلاله خط التماس الأطول والأكثر التهابًا وتأثرًا طوال مرحلة الحرب الباردة. كما تمكIنت أوروبا من «هضم» تركة الإتحاد السوفياتي الثقيلة المتمثلة بمجموعة الدول القومية المتمسكة بتمايزها القومي والعرقي والبعيدة كل البعد عن التجربة الديمقراطية. وتجاوزت تاريخها الذي خطت الحروب معظم سطوره من أجل استكمال عملية التوحيد السياسي والإقتصادي والإجتماعي، في اتحاد مشترك «فوق قومي».

 

دور التحالف الألماني – الفرنسي في إحياء الدور لأوروبي
تمكّنت هذه «الأوروبا الجديدة»، الأكثر توسعًا وتماسكًا، حسب تعبير زبغنيو بريجنسكي (مستشار الأمن القومي لدى الرئيس الأميركي جيمي كارتر وأحد أهم صقور الحرب الباردة) من دفن النظرة الأوروبية القديمة الناجمة عن معاهدة فرساي وعن مؤتمر يالطا، وتحولت إلى كيان حديث ومتين ذي أهداف ومساع «فوق قومية» يضم حوالى 450 مليون نسمة يتمتعون بمستوى معيشي عالٍ ويعيشون تحت سقف الديمقراطية.
وقد أرجع الكثير من المراقبين نجاح هذه الخطوة الأوروبية العملاقة إلى التفاهم الألماني – الفرنسي المتين الذي شكل عنوان المرحلة الأوروبية بعد الحرب الباردة، حيث يواصل المحرك الألماني – الفرنسي دفع القاطرة الأوروبية على سكة الوحدة مرورًا بالعديد من المحطات الهامة التي جعلت هذا التعاون القلب النابض للإتحاد الأوروبي واللسان المتحدث والمعبر عن تطلعاته وأهدافه. وقد شكل التقارب الفرنسي الألماني دفعة إيجابية لدور أوروبا في النظام العالمي الجديد الذي نشأ في أعقاب الحرب الباردة، وراهن الكثيرون على كونه عنق الزجاجة الدي تخرج عبره أوروبا من تحت المظلة الأميركية ونظام الأحادية القطبية.
شبّه المراقبون السياسيون هذه العلاقة «بشهر العسل» ولكن السؤال المطروح بقوة هو: هل يبقى هذا التحالف صامدًا في وجه المتغيرات والتطورات الدولية والإقليمية المتسارعة خصوصًا مع التغيير الهام في ميزان القوى الأوروبية لمصلحة ألمانيا، ومع اختلاف وجهات النظر في العديد من القضايا الأوروبية والعالمية؟

 

الزعامة الفرنسية التقليدية
وجدت فرنسا في أوروبا الموحدة الوسيلة المثلى لاستعادة أمجادها الغابرة ودورها الذي يتجاوز حدودها الإقليمية كقوة عظمى على مسرح السياسة العالمية. كما اعتبرت أن توحيد أوروبا هو بداية التخلص من التسلط «الأنجلو – ساكسوني» على القارة الأوروبية ومن مظاهر «الأمركة» التي غزت الحضارة الأوروبية. بمعنى أوضح، إن أوروبا الموحدة بالنسبة الى فرنسا هي أوروبا تقودها فرنسا، ما يعيد تعويم الأسهم الفرنسية كقوة عالمية تنافس الولايات المتحدة على النفوذ داخل حدود القارة الأوروبية، فما دامت باريس هي التي ستقود أوروبا فإنها في الوقت نفسه ستعيد لفرنسا العظمة التي ما زال الفرنسيون يشعرون أنها قدر أمتهم الخاص. انبثقت هذه النظرة الفرنسية لأوروبا الموحدة من الهوس التوهمي لدى الزعامة الفرنسية بالفكرة القائلة إن فرنسا لا تزال قوة عالمية، وهي باستغلال تحالفها مع ألمانيا في بناء أوروبا، تعزز حرية اختيارها وقدرتها على التأثير على الولايات المتحدة باعتبارها الشريك الأكثر ثقة وقدرة على على الحفاظ على منظومة المصالح الأميركية في أوروبا، وعلى استقرارها المحكوم بالتوازنات الدقيقة التي أرساها النظام العالمي الجديد. لا شك أن فرنسا استفادت من الفراغ الذي عاشته معظم الدول الأوروبية بعد نهاية الحرب الباردة لتطالب بالزعامة الأوروبية، فبريطانيا ارتضت لنفسها - ولا تزال حتى اليوم - ثوب العزلة عن محيطها الأوروبي، وتحولت إلى ذيل للقوة والقرار الأميركيين. أما ألمانيا فكانت لا تزال تهضم أو تستوعب القسم الشرقي بعد الوحدة وتصهره وتزرع فيه هويتها المتميزة، كما أن جسور الثقة مع شركائها الأوروبيين كانت قيد الإنشاء بعد أن تهدمت نتيجة ماضيها النازي. لذلك استولت فرنسا على الفكرة الأوروبية وصقلتها بمفهومها الخاص، ولكن مع إدراكها الحقيقة المرة بأنها لا تستطيع تزعم القارة الأوروبية من دون دعم ألمانيا وبالتحديد الدينامية الإقتصادية الألمانية التي شكلت عامل الجذب الأول للدول الأوروبية إلى أوروبا الموحدة تحت الزعامة الفرنسية.
لاقت فكرة الزعامة الفرنسية لأوروبا في البداية قبولاً لدى ألمانيا خصوصًا أن امتلاك فرنسا السلاح النووي ضمن لها تفوقًا استراتيجيًا داخل أوروبا الغربية، بالإضافة إلى موقع فرنسا القوي داخل مجلس الأمن باعتبارها إحدى الدول الخمس المتمتعة بممارسة حق الفيتو الذي أكسبها مكانة محترمة على الصعيد العالمي. كما أن ألمانيا كانت تدرك أن سعيها لزعامة أوروبا يمكن أن يؤدي إلى ظهور النعرات القومية الأوروبية وإلى بعث المخاوف التاريخية الراقدة المتوجسة من دور ألماني مسيطر على أوروبا، حيث حساسية الشعوب الأوروبية تجاه الألمان لم تنطفىء بعد وجرح الحروب لم يندمل ويختفي أثره. لذلك اعتبرت ألمانيا الزعامة الفرنسية لأوروبا خشبة الخلاص التي ستحيي برلين بواسطتها أوراق اعتمادها التاريخية والأخلاقية، في الوقت الذي تستمر فيه بمسارها التطوري من دون إثارة المخاوف الأوروبية من جهة وامتعاض الولايات المتحدة من جهة أخرى. فلو أن الألمان سعوا إلى تزعم حركة الوحدة الأوروبية لنعوها وهي لا تزال طرية العود. ومن أجل تأكيد زعامتها لأوروبا لعبت فرنسا بمهارة الورقة الروسية لتشكل بالتالي عاملاً ضاغطًا على الولايات المتحدة وبالتالي إجبارها على الإعتراف بها كزعيمة للقارة الأوروبية. فباريس أعلنت مرارًا وتكرارًا عدم معارضتها وجود منطقة نفوذ روسية في أوروبا الشرقية كما أنها عارضت علانية فكرة توسيع الإتحاد الأوروبي نحو الشرق.
ظلت هذه المعادلة المتحكمة بالعلاقات الألمانية – الفرنسية، التي تحكمها التوازنات الدقيقة والمصالح الآنية لكلا الطرفين، سارية المفعول إلى حين ظهور تغيرات سياسية وجيوبوليتيكية على المشهد الأوروبي والعالمي. فقد حملت هذه التغيرات بوادر دور ألماني جديد وفاعل في أوروبا كقوة إقليمية تزاحم فرنسا على زعامة القارة ويمكن أن تشكل في المستقبل القريب قوة عالمية ولو جزئيًا.

 

نحو ألمانيا أوروبية أو أوروبا ألمانية؟
شكل توحيد ألمانيا وتطورها الإقتصادي والإجتماعي بعد الحرب الباردة تغييرًا جذريًا ومتسارعًا لملامح السياسة الأوروبية في التاريخ المعاصر. فلم تعد ألمانيا تكتفي بكونها الشريك الأصغر سنًا لفرنسا سياسيًا بينما هي الأقوى إقتصاديًا والأكثر مساهمة ماديًا في دعم المؤسسات الأوروبية. وقد شكلت هذه الحقيقة الجيوبوليتيكية الجديدية صدمة لصانعي السياسة الفرنسية الذين راقبوا بقلق وحسرة تحول ألمانيا التلقائي والطبيعي إلى القوة الأولى في أوروبا. إذ أن ألمانيا الحالية قد أصبحت قادرة ومستعدة لوضع رؤيتها الخاصة وتصورها بشأن شكل أوروبا ومستقبلها والإفصاح علنًا عن نواياها بصفتها شريكة لفرنسا وليست تابعة، ولم تعد ألمانيا تطرب على وقع الأنغام الفرنسية. أما أبرز العوامل التي مهدت لتراجع الدور الفرنسي وبروز الدور الألماني على سدة الزعامة الأوروبية فنلخصها بالآتي:
1. إدراك ألمانيا الحدود الحقيقية لقوة فرنسا التي تعاني من الضيق الإقتصادي، كما أن مؤسساتها العسكرية غير كفوءة جدًا مقارنةً بنظيرتها الألمانية والأميركية (هذا ما أظهرته بوضوح حرب الخليج الثانية والمساهمات الفرنسية العسكرية فيها). بالتالي ففرنسا تحولت إلى قوة أوروبية متوسطة المدى لا تستطيع حتى حماية مصالحها الحيوية في الدول الأفريقية التي كانت تدور في فلكها فكيف تحمي أوروبا من أي خطر يتهددها إقتصاديًا وعسكريًا؟
2. تحولت ألمانيا إلى دولة «غير مؤذية» ولكن في الوقت نفسه «محصنة» بفضل الحضور العسكري الأميركي على أراضيها الذي منحها شهادة حسن سلوك أمام جيرانها. وبفضل ذلك تمكنت ألمانيا من استيعاب أوروبا الوسطى المنضوية حديثًا إلى الجسم الرأسمالي الديمقراطي وتمكنت من جذبها إلى فلكها بواسطة التجدد والتحرر الإقتصادي الذي تحفزه استثمارات ألمانية ضخمة واقتصاد ديناميكي منفتح.
3. ساهمت المصالحة الألمانية – البولندية التي تمت برعاية الولايات المتحدة الأميركية في تأكيد الدور الريادي لألمانيا في الشرق، وهذا ما أطلق عليه المستشار الألماني هلموت كول تعبير التوسع الإنفجاري في التجارة الألمانية – البولندية. حتى قيل إن ما فشلت جحافل النازية في تحصيله من بولندا تمكنت الديبلوماسية الألمانية منه بدعم إقتصادها الحي. فالمصالحة الألمانية – البولندية فاقت أهميتها الجيوبوليتيكية انهيار سور برلين وتوحيد البلاد.
4. الموقف الألماني الإيجابي من توسع الإتحاد الأوروبي شرقًا حيث تبنت ألمانيا انتماء بولندا ودول البلطيق والدول الإشتراكية سابقًا إلى الإتحاد الأوروبي في مقابل موقف فرنسي متصلب حائر أمام خطوتين أهونهما شر: فإما أن تعارض التوسع شرقًا وتفقد عندها تأييد هذه الدول من جهة، ودعم الولايات المتحدة من جهة أخرى، وبالتالي تفقد حظوظها بالزعامة الأوروبية وبموقع مميز في أوروبا الوسطى والشرقية التي اعتبرها هارولد ماكايندر «منطقة القلب» في أوروبا. وأما أن تقبل التوسع الأوروبي نحو الشرق، والذي سوف يؤدي لا محالة إلى رجحان الدور الألماني. فهذا الدور يستمد تأثيره وقوته من ثلاثة اعتبارات حاسمة: أولها الموقع الجغرافي لألمانيا في قلب الإتحاد الأوروبي في حال توسعه شرقًا، وثانيها متانة اقتصادها الذي يحتل المرتبة الثالثة في العالم بعد الإقتصاد الأميركي والياباني، وثالثها الثقل السكاني وجالياتها الفاعلة في معظم دول أوروبا الوسطى، فضلاً عن وحدة التراث والأصل والثقافة. وأكبر دليل على ذلك العلاقات الألمانية النمساوية، فبعد أن كان الإندماج مع النمسا (الأنشلوس) مطلبًا ألمانيًا في عهد هتلر، أصبح التماهي مع ألمانيا والمصير المشترك حاجة نمساوية.
5. برز النفوذ الألماني وتطور بشكل كبير خلال الأزمات المالية التي ضربت اليورو، حيث استغلت حكومة برلين كونها الممول الأكبر لعمليات الإنقاذ المالي والبنك المالي لأوروبا والممول الرئيسي لأجهزة الإتحاد الأوروبي ومشاريعه، من أجل تحقيق ما فشلت في تنفيذه آلة هتلر الحربية أو حنكة بسمارك ودهائه السياسي، ألا وهو نشر النفوذ الألماني في أوروبا بالطريقة الناعمة (soft way) وما يتبعها من تدخل في الشؤون الداخلية وتمرير سياسات التقشف وخطط الإنقاذ والتمويل.
أعادت هذه السياسات الألمانية المخاوف الأوروبية إلى الظهور وأبرزت السؤال المحوري الذي يطرح إشكالية الوحدة الأوروبية الجديدة: هل نحن أمام ألمانيا أوروبية أم أوروبا ألمانية؟

 

خطة الإنقاذ الفرنسية
لم يكن خافيًا على فرنسا أنّ تطور الدور الألماني سيفقد التحالف المشترك بين البلدين الهدف الذي نشأ من أجله وفق وجهة نظرها، وهو تمهيد الطريق أمام زعامتها لأوروبا. بل أنها انها رأت أن تطور هذا الدور سيؤدي إلى زيادة تهميش الدور الفرنسي المصاب أصلاً بعوارض الإضمحلال والذوبان خصوصًا مع استحالة الوقوف أمام حركة التاريخ الطبيعية وديناميتها التي تقضي برجوع ألمانيا الدولة الفيديرالية الأولى في أوروبا. لذلك كان لزامًا على فرنسا أن تتحرك بسرعة على جميع المستويات للحد من خسائرها على صعيد المساحة الإقليمية والدولية نتيجة تسارع نمو الدور الألماني. فكان الرهان الفرنسي على أوروبا الجنوبية للفكاك من حالة التقشف الإقتصادية والسياسات المالية التي تفرضها ألمانيا. ولكن هذا التحالف الجديد المضاد للهيمنة الألمانية ولد ميتًا فهو جمع دولاً لا توحدها الرؤية أو السياسة المشتركة بل التذمر المشترك. من جهة أخرى فإن برلين ليست قصيرة النظر إلى الحد الذي يجعلها تستثير عداوة كل الدول الأوروبية الجنوبية، خصوصًا مع إدراك هذه الدول أن غياب الدعم الإقتصادي الألماني، وإن كان مشروطًا، يعني رصاصة الرحمة والخروج الكامل من المنظومة الأوروبية. لذلك لم تكن هذه الدول لتقامر استراتيجيًا واقتصاديًا مع فرنسا الضعيفة وغير المستقرة. من هنا فإن هذا التحالف الفرنسي المضاد للدور الألماني لم يتخط الحدود التكتية، فما تستطيع فرنسا تقديمه لهذه الدول لا يكفي لتعويضها عن تراجع علاقاتها مع ألمانيا... ومع مجيء فرنسوا هولاند إلى الحكم في فرنسا تلبدت سماء العلاقات بين البلدين بغيوم التباعد والمواجهة خصوصًا مع إصرار أنجيلا ميركل على سياستها الإقتصادية وثبات موقفها من قضية الديون الأوروبية عامة واليونانية بشكل خاص.
وفي حين طلب الحزب الإشتراكي الفرنسي عبر وثيقة رسمية أصدرها إلى هولاند الدخول في مواجهة مع اليمين الألماني للحد من اندفاعاته ولجم طموحه الإقليمي، رفض اليمين الفرنسي سياسة التباعد مع ألمانيا، وأجبرت ضغوطه اليسار الحاكم على التنصل من الوثيقة المناوئة لألمانيا وتأكيد ضرورة التعاون الفرنسي – الألماني لحل الخلافات. وقد اتخذ اليمين الفرنسي هذا الموقف ليس من أجل عيون ميركل بل لأنه، ككل القوى اليمينية في أوروبا يحمل مسؤولية تراجع الحيوية الإقتصادية الأوروبية ومعدلات النمو إلى نظام الرفاهية الإجتماعية الذي يشكل العبء الأكبر على أوروبا من خلال جذب المهاجرين، وبالتالي تتلاقى نظرتهم الإستراتيجية مع النظرة الألمانية المحبذة لسياسات التقشف والرقابة المالية وفرض القيود على منح الإقامات واستقبال المهاجرين.
كذلك أدرك الفرنسيون نتيجة الوعي التاريخي الذي ولد من رحم حربين عالميتين، أن أي نكسة للتحالف الألماني – الفرنسي عبر خنق ألمانيا وحرمانها من مجالها الحيوي، سوف يرجع حلم الوحدة الأوروبية خطوات عملاقة إلى الوراء، وسوف يجعل فرنسا وحيدة وضعيفة بين ثلاثة عوالم مفترسة تتنازع الأدوار وتتقاتل ولو حتى على فتات المصالح. فعبر المحيطات التي خضعت لجبروتها وسيطرتها، تدنو الولايات المتحدة التي ترغب بأوروبا موحدة لكن وفق النموذج البريطاني أو الكندي: مشوشة الأفكار، ضبابية في التعامل مع أزماتها الداخلية على غرار الأزمة اليوغوسلافية أو البوسنة. وعلى الحدود الشرقية ينشط البركان الروسي تحت الجليد منتظرًا اللحظة المناسبة لاستعلدة نفوذه التقليدي في أوروبا الوسطى والشرقية، والذي بدونه لا تعدو روسيا كونها قوة إقليمية متوسطة الحجم. وأكبر دليل على ذلك الموقف الألماني – الفرنسي المشترك والمتماهي من أزمة أوكرانيا الحالية ومن وضع جورجيا التي أصبحت الشوكة في الخاصرة الروسية وأي ضرب لهذا التحالف الألماني – الفرنسي سيحيي التطلعات الروسية الجيوبوليتيكية النائمة تجاه أوروبا. أما بالقرب منها فهناك ألمانيا التي سينتهي، فور انهيار التحالف مع فرنسا والعمل الأوروبي المشترك، تماهيها الذاتي مع أوروبا. وبالتالي سوف تتبنى تعريفًا أكثر قومية وتشددًا لمصالحها وبالطبع على حساب الجارة الهرمة فرنسا.
لكل هذه الأسباب السالفة الذكر، وعلى الرغم من تراجع العلاقات الألمانية – الفرنسية مقارنة بما كانت عليه سابقًا، لا بد من استمرار التعاون بين البلدين. فأوروبا تبنيها برلين وتقودها، لم يحن وقتها بعد، لاعتبارات تاريخية من جهة، ولعدم دخول الولايات المتحدة في حالة ضعف تجبرها على قبول تسيّد دولة واحدة على أوروبا من جهة أخرى. أما أوروبا تقودها فرنسا فهي وهم. ولكن الحقيقة الدامغة التي تأكدت بعد دخول أوروبا الجديدة معمودية السياسة الدولية، هي أن أوروبا تحتاج إلى هذا التحالف من أجل تغليب مصالحها الفوق قومية على الخلافات الآنية والآتية.

 

المراجع:
- رقعة الشطرنج الكبرى لزيغبينو بريجنسكي.
- www.CNAS.org
- www.Al<okatel.com
- The Golf conflict 1990 – 1991
By Laurena Freedman.