كلمتي

الكلمة هي المعنى والتطبيق
إعداد: العميد الركن صالح حاج سليمان
مدير التوجيه

رافقت الكلمة الإنسان منذ بدايته، لا بل سبقته، ففي البدء كانت كلمة اللّه. وانطلقت الرسالة مرنّمة مطلقة سماعية قبل أن تربطها الحضارة بالتدوين، في الحجر أولاً، وعلى صفحة الورق تالياً، وكان لوطننا فضل مشهور في ذلك، يذكره المؤرخون.
وهي في ذلك استحضار للأحداث كائناً ما كان عمقها في الزمن، نتمكن بواسطتها، وباختصار عجيب، من التعبير والوصف والمقارنة واستخلاص العبر، كما اننا بواسطتها، نستطيع توقّع المستقبل والتحضير له، والسعي إليه. وهي أيضاً في سباق دائم مع الصورة، إذ كيف يمكننا أن نتحدث عن فعل سابق، أو نتوقّع حالة منتظرة من دون أن نتخيّل كلاً منهما؟
وفي الاعتقاد أن الكلمة كانت همهمة ما، أو عنعنة أو زغردة، تعارف البشر الأولون على فهمها، إلى أن صارت منظمة ومفهومة وذات قواعد وأصول. وتنوعت بين قبيلة وأخرى، وبالتالي بين شعب وآخر، ومن ثم بين قومية وقومية ووطن ووطن... وحين يلقي واحدنا خطبة أو حديثاً في مستمعيه فهو يلقي كلمة، وحين يتلو بيان دولته في محفل ما فهو يعلن كلمتها، ويحدد موقفها من الأمور والمسائل. لذا فهي المحطة الأساسية في اتخاذ المواقف وفي احترام تنفيذها والوفاء بها والثبات عند حدودها ومقتضياتها؛ من هنا ما قيل ويقال، على مدى الوجود، فلان عند كلمته، أي انه لم يكتف بإطلاقها، بل ثبت عند معانيها، وعند الواجبات التي تترتب عليها.
وكلمتي في ذلك هي الحوار الهادئ المسؤول، بعيداً عن برج بابل، وعن مجاهل الأمازون، بحيث يفهم الواحد الآخر، ويدرك مقاصده، ويحاوره ويقنعه، أو يقتنع برأيه. هدايته هي الحقيقة، وسبيله الصراحة، وغايته القانون الذي يحفظ المسافات بين الجميع، ويمنع الأيـام مـن التلاعـب بالأقـوال. باختصـار يبقينـا في إطار لما أسميناه الثوابـت الوطنـية والعســكرية التي تهتدي بها مؤسستنا الأم، من قمتها الحكيمة الشامخة إلى قاعدتها القوية الثابتة.
وتلك الكلمة هي صدى الحوار المسموع بيني وبينكم، وهي رجع لتطلعاتكم وأمنياتكم، وترديد لرأي أكرره على مسامعكم، وأضمّنه سبل الإقناع عندي وعندكم. فأنا لن أحاول إقناعكم بما لم أقتنع به، ولن أجرّب مشاركتكم بما لم أرتبط بأحكامه وأميل إلى براهينه.
إن كلمتي هي زرع وحصاد، وعلى البيدر تحسب الغلال.