في ثكناتنا

بوركت السواعد والأفكار... مستوعبات شحن تحوّلت «فيللا» عسكرية
إعداد: باسكال معوض بو مارون

سابقة هي الأولى من نوعها في الجيش من حيث الإنشاءات المبتكرة، نفّذتها مديرية الهندسة لمصلحة فوج المغاوير... فبفضل الإبتكار والأفكار الخلّاقة تحوّلت مستوعبات شحن حديدية إلى ثكنة تمركز لسريّة القتال الجبليّ في اللقلوق، لتتحوّل ثكنة الصخور إلى «شاليهات» صيفية تؤمّن السكن لعناصر المغاوير.
في مديرية الهندسة التقينا الملازم أول المهندس غسّان جرجس من مصلحة الدروس الذي ساهم في التصميم المعماري والإنشائي للمبنى، فشرح لنا القصة من بداياتها...

 

من الألف
منذ حوالى العام قدّمت الأمم المتحدة للجيش هنغارين من الحديد، فطلبت القيادة وضعهما في منطقة اللقلوق لصالح سرية القتال الجبليّ في فوج المغاوير المتمركزة داخل ثكنة الصخور، والتي هي عبارة عن غرف محفورة داخل الكهوف ذات رطوبة عالية وتسرّب مائي مع حرارة متدنّية جدًا. وبعد فترة تبيّن أن الهنغارين غير صالحين للسكن في هذه الظروف المناخية، خصوصًا مع تراكم الثلوج وتدنّي الحرارة شتاءً وارتفاعها خلال الصيف. كما تبيّن أن العقار المذكور غير مملوك من الجيش لذا لا يمكن إقامة أي بناء إسمنتي عليه.
عندئذ، تمّ تغيير الخطط، فاقترح بعض المهندسين خطة بديلة تقضي باستخدام مستوعبات شحن حديدية هبة من الجيش الأميركي لاستعمالها في المنطقة. وعلى الأثر جرى صرف النظر عن استعمال الهنغارين إذ ثبت عدم صلاحيتهما للسكن، وتقرر الاستعانة بمستوعبات الشحن، فقام أحد الضبّاط المهندسين بتصميم مشروع لإنشاء مبنى في ثكنة الصخور.

 

الحاجة أم الابتكار
أشار الملازم أول المهندس أنّه بداية تمّ الاعتراض على الفكرة كونها مستهجنة وغريبة بعض الشيء، لكن تمّت الموافقة لاحقًا على هذا المشروع الرائد؛ وبناء على توجيهات مدير الهندسة في حينه العميد الركن حنّا جرّوج، تمّ إعداد دراسة مفصّلة تشمل أشغالاً معماريّة ومدنيّة وميكانيكية وكهربائية، مع تفاصيل المواد اللازمة لتنفيذ المشروع. واتّخذ قرار التنفيذ باليد العاملة العسكرية (عناصر من المغاوير ومن مديرية الهندسة). وعندما عرضت الدراسة على قائد فوج المغاوير العميد الركن شامل روكز، لاقت الفكرة استحسانًا لديه فقرر المضي قدمًا في المشروع لإنشاء المبنى قبل حلول فصل الشتاء. وبالفعل بدأ العمل في آب العام الماضي وتمّ تجنيد حوالى 30 عنصرًا من مختلف الإختصاصات عملوا بالمشروع. وهكذا تحوّل أربعون مستوعبًا للشحن شيئًا فشيئًا إلى غرف منامة ووحدات صحيّة ومخازن وقاعات طعام ومكاتب بمساحة بلغت 600 متر مربع أمّنت تمركز سرية كاملة (120 عنصرًا) في ظروف معيشية طبيعية.
وعن كيفية حلّ مشكلة المناخ البارد أو الحار في هذه المنطقة الجبلية، لفت إلى أنّه تمّ عزل الجدران الخارجية للمستوعبات بألواح من الفلّين المقاوم للمياه لعزل حرارة الداخل عن الخارج بشكل كامل، وجرى تلبيسها بألواح خشبية بشكل هندسي جميل. كما جُهّز المبنى بوسيلة تدفئة مركزية وشبكة مياه معزولة عن الطقس البارد منعًا لتجمّدها شتاءً. ويجري الإعداد لدراسة تركيب ألواح معدنية لاستثمار الطاقة الشمسية لتسخين المياه في المبنى.
أما عن تفاصيل ورشة العمل فأوضح الملازم أول جرجس أن العناصر عملوا في ظروف مناخية صعبة بكامل طاقاتهم، وحتى ساعات متأخرة من الليل، طوال الصيف والحرارة العالية، ثم خلال الخريف في برد وصقيع هذه المنطقة الجبلية العالية، فأنجزوا بدقة كبيرة عملاً صعبًا تطلّب تركيزًا وجهدًا ومثابرة، لكنّه أثمر نتيجة ممتازة وعملاً متكاملاً، خصوصًا وأنّ غالبية العاملين في المشروع سيقطنون في المبنى الذي جهّزوه. والجدير بالذكر أن كلفة إنشاء هذا المبنى من الباطون للمساحة نفسها (600 م م) تبلغ حوالى 200 ألف دولار، فيما كلّف هذا المشروع الخفيف بالكلفة والسريع بالوقت، 60 ألف دولار أميركي فقط.
وختم الملازم أول المهندس جرجس لافتًا إلى أن هذه التجربة يمكن تعميمها واعتماد بناء هذا النوع من الإنشاءات على الحدود اللبنانية - السورية، حيث التمركز الدائم للعناصر، من دون إمكان إنشاء أبنية إسمنتية في أماكن اسـتراتيجية، خصوصًا وأن تكلفتها متدنية نســبة الى الأبنيــة الحجريــة.

 

المشاركون
قام بالمشاركة في هذا المشروع ضمن توجيهات مدير الهندسة العميد الركن فؤاد القسيس، رئيس مصلحة الدروس العقيد المهندس جورج الجمل، النقيب المهندس سامر شقير، الملازم أول المهندس غسّان جرجس، الملازم أول المهندس مايك الليطاني، الملازم أول جورج جرجس، إضافة إلى عناصر من مصلحة المشاغل في مديرية الهندسة.