إلى جانبكم

بين الأرض والسماء...
إعداد: ندين البلعة خيرالله

بين الأرض والسماء...
هم جزء من حياتنا اليومية، إنّهم الضمان الأكيد لسلامتنا وأمننا أينما كنا ومهما حدث! إنهم عناصر المؤسسة العسكرية، الذين يثبتون يومًا بعد يوم أنهم سترة النجاة والملجأ الوحيد للبنانيين كلما واجهتهم صعوبات أو ظروف طارئة.
كلما وقعت واقعة وبدا  التعامل معها صعبًا أو شبه مستحيل، تراود أذهاننا  على الفور  فكرة "هلق بيتدخل الجيش وبحلّا"! وهذا ما حصل في 28 كانون الأول 2023، حين أنقذت وحدات الجيش اللبنانيين من كارثة تقنية طرأت على التلفريك.
نتيجة عطل طارئ، أمضى عدد من الأشخاص ساعات معلّقين بين الأرض والسماء داخل مقصورات التلفريك في جونية قبل أن ينجح الجيش، وتحديدًا الفوج المجوقل في تنفيذ عملية الإنقاذ، بالتعاون مع القوات الجوية والدفاع المدني.
بدأت العملية عند الساعة الثانية عشرة ظهرًا واستمرّت حتى السابعة مساءً، حيث توجّه عناصر من الفوج لتقييم الوضع وتحديد الأولويات وبدء الإنقاذ من المكان الأخطر، وكان الدور الأساسي لطوافة من القوات الجوية عملت على تحديد المقصورات التي يوجد في داخلها محتجزون لإنقاذهم بحسب الأفضلية. وقد تبين (من خلال جولات الطوافة) أنّ هناك أشخاصًا عالقين في مقصورات فوق الأوتوستراد، وفوق طرقات عامة بين جونية وحارة صخر وساحل علما، إضافة إلى 3 مقصورات قرب حريصا.
مشاهد تحبس الأنفاس تابع قسمًا منها اللبنانيون عبر شاشات التلفزة، بينما تجمهر عدد كبير من سكان المنطقة على الطرقات يعاينون الوقائع. على الأرض أناس تشخص أنظارهم إلى الأعلى مترقبين متسائلين حول الوسائل التي ستُعتمد للإنقاذ ومطلقين الأدعية، وفوق عسكريون على "كابلات الفولاذ" معلّقين في الهواء. استعملوا الحبال للـrappel، أجروا الاتصالات اللازمة لتأمين رافعتين كبيرتين بارتفاع 70 مترًا لإنقاذ العالقين في داخل المقصورات المعلّقة  فوق الطرقات،  بعد أن كانوا قد حاولوا الإنقاذ بواسطة rappel  من الطوافة مباشرة إلى مقصورة التلفريك، ولكنّ الهواء المنبعث من المروحية أدّى إلى اهتزاز المقصورة بشكل كبير، لذا لجأوا إلى الرافعات واستعملوا السلال التي يستخدمونها في تدريبات الفوج.
الإجراءات التي اعتمدت في إخلاء كل المقصورات، أعطت الطمأنينة للناس العالقين الذين لم يضطروا إلى القيام بأي مجهود، وكانت الأولوية المطلقة تأمين سلامتهم. مهمة إنقاذ سيدة حامل كانت الأسرع والأصعب، وقد اهتم بها جندي مسعف كي لا يلحق بها أي ضرر، وحين لامست قدماها الأرض غمرت العسكري وشكرته بتأثّر كبير. وفي مقصورة ثانية نزلت أم متشبّثة بطفلها ومربوطة بالحبال فوق الأحراج، وفي ثالثة كاهن وعائلته... جميعهم بكوا دموع الفرح والطمأنينة أولًا عند رؤية الجيش يتولّى المهمة، وثانيًا عندما وطأت أقدامهم الأرض بسلام.
في بلد لا يخلو يوم من أيامه من مشكلة طارئة، تثبت المؤسسة العسكرية باستمرار أنّها إلى جانب مواطنيها دائمًا، وهي جاهزة لتلبية النداء في أي ظرف كان...

 

... وفي غمار السيول
في 23 كانون الأول 2023، هطلت أمطار غزيرة فتسبّبت بارتفاع منسوب نهر بيروت، وفاضت المياه على الطرقات في محلة الكرنتينا، ما أدّى إلى احتجاز عدد من السيارات التي علقت في المياه مع وصول ارتفاعها إلى أكثر من مترَين في بعض الأماكن. مشاهد صادمة سُجّلت على غالبية طرقات لبنان يومها، لكنّها كانت كارثية في الكرنتينا. وعلى الرغم من تدخل الدفاع المدني وبلدية بيروت لسحب السيارات والمواطنين وفتح مصارف المياه، فإنّ المهمة كانت شبه مستعصية.
في اليوم التالي، تلقّى فوجا الهندسة والأشغال المستقل أمرًا من القيادة بالتدخل لإزالة الردميات والوحول من الطرقات وتنظيفها من أجل معالجة زحمة السير في المحلة، وفتح الطريق أمام المواطنين. وهذا ما حدث، فقد توجّهت آليات تابعة لفوج الهندسة مع آمر سرية الآليات الهندسية ومجموعة من العناصر، إلى جانب شاحنتَي قلّاب من فوج الأشغال المستقل بأمرة ضابط ومجموعة من العناصر إلى المحلة، وبدأوا بتنظيف الطرقات وجوانبها أمام المحال التجارية ليتمكّن أصحابها من الدخول إليها. وبعد خمس ساعات من العمل المتواصل، نجح الفوجان في فتح الطريق أمام المواطنين وتنظيفها وإزالة الأتربة ونقلها.
في السياق ذاته تجدر الإشارة إلى أنّ عناصر من فوج الأشغال المستقل أمضوا الليلة نفسها في مستشفى قلب يسوع الذي طافت المياه في مخازنه وقسم الطوارئ فيه، وقد عمل العناصر  على شفط المياه بمضخات الفوج الخاصة واستمرّت مهمتهم هذه طوال الليل وحتى اليوم التالي.