علاقات دولية

تركيا والاتحاد الأوروبي
إعداد: تريز منصور

ماذا يريد كل طرف من الآخر؟

نظام حريات وحقوق انسان ونمو مقابل تقليص خطر الصدامات
اتخذت قمة بروكسيل في 17 كانون الأول 2004، قراراً تاريخياً لبدء مفاوضات العضوية مع تركيا في الثالث من تشرين الأول 2005، وذلك بعد أن شهدت هذه المفاوضات مدّاً وجذراً منذ العام 1963.
وبالفعل، باشرت تركيا صباح الثلاثاء الواقع في 4 تشرين الأول 2005 مفاوضات الإنضمام الى الاتحاد الأوروبي، بعد مناقشات شاقة بين الدول الأعضاء (25 دولة) حول شروط هذه المفاوضات.
وهكذا فإن مرحلة جديدة من المفاوضات بدأت وعلى تركيا الإيفاء بوعودها أمام الاتحاد الأوروبي، وسيكون مطلوباً منها تغيير قوانينها ولوائحها وانظمتها، بحيث تتفق وقوانين وأنظمة ولوائح الاتحاد الأوروبي في جميع المجالات، كالتعليم والثقافة والصناعة والزراعة والمحاكم والأغذية والادوية والشؤون المالية والسياسة الخارجية والاحصاء والطاقة وغيرها...
ويرى المراقبون أن هناك أموراً سياسية جوهرية قد تعرقل المفاوضات مستقبلياً وأهمها: الإعتراف بقبرص اليونانية قبل ايجاد حل لمشكلة الجزيرة، الإعتراف بحصول إبادة أرمنية عام 1915، والإعتراف بالبطريركية الارثوذوكسية في اسطنبول على أنها مسكونية (عالمية)...
من جهتها رحبت الولايات المتحدة بفتح مفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، معتبرة أن فتح أبواب أوروبا أمام بلد مسلم بغالبيته سيساعد في ارساء نموذج فريد من الديموقراطية في الشرق الأوسط. فيما أعربت روسيا عن تأكدها من أن سير عملية المفاوضات لن يتناقض ومصالح شركاء الإتحاد الأوروبي.
لإلقاء المزيد من الضوء حول أهمية إنضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، التقت مجلة «الجيش» الباحث في القضايا التركية الدكتور محمد نور الدين (أستاذ محاضر في التاريخ واللغة التركية في الجامعة اللبنانية
- الفرع الأول، وأستاذ محاضر في
 كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان).

 

المسار التركي الاوروبي

* كيف سرت العلاقات والمفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في السابق، قبل إعادة استئنافها اليوم؟- يركز بعض مؤرخي الحداثة في تركيا، على عدة محطات اساسية: النزاعات الغربية، ثم مرحلة التنظيمات، وصولاً الى استكمال الاصلاحات في الدولة العثمانية على النمط الغربي في العام 1856. ولكن حجر الأساس وضع عملياً، مع تأسيس الجمهورية الأولى عام 1923، والإصلاحات التي انتهجها مصطفى كمال أتاتورك.
ومع ذلك فشلت تركيا في أن تصبح ثقافياً على الأقل جزءاً من المنظومة الأوروبية، بل تعارضت الكمالية (مجموعة النظم والإصلاحات) في معظم جوانبها مع معايير «كوبنهاغن»، التي اشترطها الإتحاد الأوروبي من أجل فتح الطريق أمام إنضمامها الى الإتحاد.
المحطة الرسمية الأولى في المسار التركي الأوروبي، لا شك تعود الى بروتوكول أنقرة، الذي وقّع عام 1963، والذي لحظ العضوية الكاملة في الإتحاد.
أما المحطة الرسمية الثانية، فكانت في العام 1999، عندما قبلت قمة هلسنكي الخاصة بزعماء دول الاتحاد الأوروبي، تركيا عضواً (مرشحاً) للإنضمام. أما المحطة الثالثة فكانت قمة بروكسيل في 17 كانون الأول 2004، التي اتخذت قراراً تاريخياً لبدء مفاوضات العضوية مع تركيا في الثالث من تشرين الأول 2005، وهذا ما حصل.

 

* ما هي أبرز العقبات التي أدّت الى تعثر المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي منذ العام 1963 ولغاية اليوم، والتي شهدت مدّاً وجذراً رغم إعتراف الاتحاد بعضوية تركيا الكاملة؟
- لا شك أن العلاقة التركية بأوروبا لها طابع استثنائي نظراً للتالي:

1- تعارض المسار التاريخي لكل من الطرفين.
فتركيا كانت على الدوام العدو الآخر للشعوب الأوروبية. وهذه العلاقة الدموية لم تقلّ عن حوالى خمسة قرون. وبالتالي ليس من السهولة أن يصبح أعداء الأمس أعضاء في عائلة واحدة.

2-التمايز الحضاري الذي هو في عمقه تمايز ديني بين ثقافة إسلامية وأخرى مسيحية.

3- التفاوت في الوضعين الإقتصادي والإجتماعي بين تركيا والمجتمعات الأوروبية. لذلك اختلف المسار التركي عن مسار الدول الأوروبية الأخرى، التي انضمت أو تريد الانضمام الى الاتحاد.
ورغم ذلك، فقد اصرت تركيا على أن تكون جزءاً من المنظومة الغربية أولاً وعضواً في الإتحاد الأوروبي ثانياً.

 

إصرار تركي للعضوية

* لماذا هذا الإصرار التركي للعضوية، رغم كل العقبات. وما هي المنافع العامة التي قد تحصل عليها تركيا جراء هذا الإنضمام؟- إن احد الدوافع الأساسية لهذه التوجهات الغربية داخل تركيا، هو أن النخبة الأتاتوركية، التي حكمت منذ تأسيس الجمهورية ولا تزال الى حدّ كبير، تهيمن على الدولة، كانت تريد بنزعتها الغربية أن تؤكد قطيعتها مع محيطها السابق المشرقي الإسلامي. لذلك انضمت تركيا الى حلف شمالي الأطلسي واعترفت عام 1949 بالكيان العبري (دولة إسرائيل)، ثم سعت أو بدأت رحلة العضوية مع المجموعة الأوروبية. لكن الأمر الأكثر لفتاً للنظر، هو أن وتيرة الإصلاح على الطريق الأوروبي، بلغت ذروتها مع «حزب العدالة والتنمية» (الحاكم) الذي له طابع إسلامي.


* لماذا برأيك؟

- باختصار، يمكن أن نعيد موقف هذا الحزب لثلاثة أسباب رئيسة:

1- رغبته في أن يتخلّص الإسلاميون من النظام العسكري العلماني المتشدّد، الذي حكم تركيا طوال ثمانية عقود، ونكّل بكل معارضيه من أكراد وإسلاميين. فالعضوية الأوروبية تعني نظام حريات وحقوق انسان وديموقراطية.

2- لهذا الحزب تصوّر مختلف عن العلمانيين لدور تركيا في العالم، وهم يسعون وراء أن تكون تركيا قوة إقليمية ودولية في أوروبا وفي العالم الإسلامي. وهذا غير ممكن تحقيقه إلا بالعضوية الأوروبية.

3- إن 11 أيلول فرض خريطة تفكير جديدة، دفعت بقيادة «حزب العدالة والتنمية» (الحاكم) لإيجاد مكان لتركيا المسلمة خارج دوائر التوتر والاضطراب، والمشكلات المزمنة المذهبية العربية، والتخلّف الإقتصادي الذي يعاني منه العالم الإسلامي.
فالإنضمام الى الإتحاد الأوروبي، ينقذ تركيا من أن تكون جزءاً من هذه الصورة القائمة للعالم الإسلامي. وطبعاً هناك مكاسب تركية كبيرة على هذا الصعيد، إذ سترفع العضوية مستوى الرفاهية للمجتمع التركي، وستطلق ديناميات إقتصادية هائلة، وتردم الهوة الإنمائية بين المناطق، فضلاً عن تأسيس مواطنية متكافئة، وتعطّل النزاعات العرقية والمذهبية.
ولكن، في المقابل، هناك هواجس تطرح من الأسئلة أكثر مما تقدم إيجابات حاسمة.
وفي رأس هذه الأسئلة ما يتعلق بسؤال الهوية، وسؤال الدور.
 في ما يتعلق بسؤال الهوية، يحاول «حزب العدالة والتنمية» (الحاكم)، أن يقدم طرحاً جديداً يجمع بين حرية الفرد المسلم والمواطنية المتكافئة.
وهو ما يحققه النظام الحقوقي المعمول به في الإتحاد الأوروبي، وهذا تطلّع مشروع، وله ايجابياته. ولكن السؤال المضاد هنا، يتعلق بالهوية الجماعية للمسلمين في تركيا. وهنا تكتسب تجربة العضوية التركية في الإتحاد، معنى خاصاً، لأن نتائج هذه التجربة في علاقتها بالهوية الإسلامية، لا يمكن الحسم بها، قبل مرور عدة عقود على هذه العضوية. ولا بد من الإشارة الى ان تركيا تغيّر للمرة الثانية خلال قرن الملامح الأساسية لهويتها، من عثمانية اسلامية الى جمهورية علمانية الى أوروبية.فهل يمكن القول أن تركيا بلا هوية؟

 

اين مصلحة الاتحاد الاوروبي؟

*ماذا عن مصلحة الإتحاد الأوروبي بعضوية تركيا؟ وفي حال وجود مصلحة، لماذا هذه الدقة بالمفاوضات والاختبارات؟

- لا شك أن الأوروبيين، من زاوية تاريخية وثقافية، يحملون شكوكاً كبيرة تجاه سعي تركيا، لأن تكون جزءاً من إتحادهم. مع ذلك، لا يمكن للأوروبيين أن يتجاهلوا التحديات الدولية في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد 11 أيلول، اذ أنهم ينظرون، فيجدون خطر «الإرهاب» داخل بيتهم.
العضوية الأوروبية لتركيا، تقلّص الى حدّ كبير، المخاوف من حدوث صدام حضاري، وتظهر أن الحوار والتفاعل بين الديانات المختلفة ممكن.

وإن ما يشهده العالم منذ 11 أيلول خطير جداً، وبدء مفاوضات العضوية مع تركيا يخرج الاتحاد الأوروبي، وللمرة الأولى، من دائرة الإتهام بأنه ناد مسيحي، ويضع حجراً كبيراً في بناء الثقة بين العالمين الإسلامي والغربي.
ثم ان أوروبا بالعضوية التركية، ستكون قادرة على أن تكون قوة عالمية، إذ ستصل حدودها الى الشرق الأوسط والقوقاز، وسيكون لها تأثير إيجابي، بفضل تركيا، على العالمين الإسلامي والتركي من آسيا الوسطى الى القوقاز (طزخستان، كزخستان، أزربيدجان...) وهذا لم يتوافر حتى للولايات المتحدة.
وهناك دراسات تقول أن عدد مسني أوروبا سوف يتخطى عدد شبابها في العام 2020، وهذا يعني أنه لا يمكن لأوروبا سد هذه الثغرة، إلا باليد العاملة التركية الشابة.
وأخيراً ثمة سؤال كبير وخطير يطرح، هل ستتحول تركيا من رأس حربة للعالم الإسلامي داخل أوروبا، الى رأس حربة لأوروبا داخل العالم الإسلامي؟
لنترك الإجابة للمستقبل، ولنتفاءل بالإيجابيات.

 

هناك دراسات تقول أن عدد مسني أوروبا سوف يتخطى عدد شبابها في العام 2020، وهذا يعني أنه لا يمكن لأوروبا سد هذه الثغرة، إلا باليد العاملة التركية الشابة
*هل أن بدء المفاوضات اليوم يدخل ضمن لعبة بلورة النظام العالمي الجديد؟

- إن التساؤل حول دور تركيا في التوازنات الدولية والاقليمية، أساسي. فتركيا حليف للولايات المتحدة وفي الوقت نفسه ستصبح عضواً للإتحاد الأوروبي. النقطة المشتركة من الأوروبيين والأميركيين هو أن تكون تركيا جزءاً من الغرب. لكن الى أية كفة أو جهة ستميل أنقرة لاحقاً، فهذا مرتبط بالصيغة التي سيكون عليها الإتحاد الأوروبي: فإذا بقي الاتحاد كما هو الآن، من دون سياسة خارجية ودفاعية موحّدة، فسيكون بإمكان تركيا الإبقاء على تحالف قوي مع الولايات المتحدة. وإلا فسيكون العكس.

*ما هي الشروط الأوروبية الأساسية لعضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي، وهل تمّ تحديد فترة زمنية للانضمام؟

- ان ما يتحكم بالعلاقة التركية الأوروبية في فترة المفاوضات هو «وثيقة إطار المفاوضات» التي اقرها إجتماع لوكسمبورغ في 3 تشرين الأول 2005.

وهذه الوثيقة تتضمن 35 عنواناً يتناول مناحي الحياة من دون استثناء، على صعيد الإدارة والزراعة والمصارف والطاقة وصيد السمك والفساد والجمارك والعلاقات الخارجية والسياسة الإقليمية والقضاء والتعليم وحقوق الإنسان والمرأة... ولكن ليس هناك شغف زمني لانتهاء المفاوضات، فهي قد تستغرق 10 أو 20 عاماً أو أكثر. غير أن هناك موضوعات سياسية تشكل حساسية كبيرة لتركيا، قد تعرقل المفاوضات وأهمها:

- الإعتراف بقبرص اليونانية قبل إيجاد حل لمشكلة الجزيرة.- الإعتراف بحصول إبادة أرمنية عام 1915.

- الإعتراف بالبطريركية الارثوذكسية في اسطنبول على انماء مسكونية (عالمية) وليست خاصة بارثوذكس تركيا فقط. كذلك ذكرت وثيقة مفاوضات العضوية، ان العضوية مرتبطة أيضاً بقدرة الإتحاد الأوروبي على «هضم» تركيا في الاتحاد من ناحية عدد السكان، وما يترتب عن ذلك من تفرعات... فتركيا أشبه بسمكة كبيرة غير قابلة للبلع بلقمة واحدة.
وان الخوف من قدرة الإتحاد الأوروبي، ولا سيما فرنسا والمانيا وبريطانيا على استيعاب بلد كبير مثل تركيا، يشكل الهاجس الأكبر للاتحاد.
في المحصّلة، تركيا دخلت في امتحانات متعددة عبر تاريخها، وأوروبا دخلت أيضاً في مثل هذه الامتحانات، ولا سيما بين اعداء الحرب العالمية الثانية وإن ما ستشهده في السنوات المقبلة، سيكون بالفعل تجربة تاريخية يترقبها الجميع، ويتمنون لها النجاح.

تصوير: المجند ايلي ملّو