نحو مجتمع أفضل

تعاطي الحشيشة بين المفاهيم الخاطئة والحقائق الصادمة
إعداد: ميا روفايل
جمعية CDLL

كثيرةٌ هي العادات السيئة التي تجتاح مجتمعنا وتتغلغل بين شبابنا، ولأنّ الكثيرين يمارسونها، فقد أضحت عاديّة رغم مساوئها وتأثيراتها السلبية. من هذه العادات تدخين الحشيشة.

يعتقد كثيرون من الشباب أنّ الحشيشة لا تسبّب إدمانًا، وأنّ تجريبها أو تدخينها  بضع مرّات لا يعني ضرورة التعلّق بها والإدمان عليها، لكنّ هذا الاعتقاد خاطئ،  فالقنّب المعروف بالحشيشة أو بالماريجوانا هو مادة تؤثّر بشكل كبير على الجهاز العصبي والتصرّفات والوعي وتؤدّي إلى الإدمان النفسي والجسدي.

في العام 2022، صرّح 30.7% من طلاب تراوح أعمارهم بين 17 و 19 سنة في الولايات المتحدة الأميركية باستخدامهم للماريجوانا، و 6.3% من هؤلاء يستخدمونها  يوميًا. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم العديد من الشباب أيضًا أجهزة vaping لاستهلاك منتجات القنّب. وفي العام نفسه، أفاد ما يقارب 20.6% من الطلاب بأنّهم دخنوا الماريجوانا في العام الماضي بواسطة الـvape، وثمة 2.1% منهم يفعلون ذلك  يوميًا (National Institute on Drug Abuse NIDA)

 

ما يقلق في لبنان

أما في لبنان فالمقلق هو تدنّي أعمار مستخدمي المواد المخدرة. ولقد وردت إلى جمعيّة سي.دي.أل.أل  (Cénacle De La Lumière CDLL) التي تعمل في مجال تنمية المجتمع والوقاية وعلاج الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية والإدمان، معلومات من مسؤولين في مدارس لبنانية وعدد من الأهالي والطلاب تفيد عن تناول الكحول من قبل أولاد في سن السادسة من العمر وتدخين التبغ في سن الثامنة واستخدام الحشيشة في سن التاسعة.

ويُذكر هنا أنّ معظم الاضطرابات النّفسية والجسدية الناتجة عن تعاطي المخدرات سببها تعاطي الحشيشة (40%) والحالات التي تحتاج لعلاج من جرّاء تعاطي الحشيشة تصل إلى 33% ، أمّا 4% من الوفيات المرتبطة بتعاطي المخدرات عالميًا ناجمة عن مادة الحشيشة (United Nations Office on Drugs and Crime UNODC, 2022).

من هنا نلاحظ أنّ الفاتورة الاجتماعية والصحية والاقتصادية لتعاطي الحشيشة عالية بسبب تأثيره على الصحة العامة وارتفاع كلفة العلاجات الصحية والنفسية والاجتماعية، خصوصًا في ظل الوضع الاقتصادي في لبنان، وارتفاع سعر الدعم النفسي والصحّي.

أثبتت دراسة أميركية قام بها المعهد الوطني لتعاطي المخدرات NIDA في العام 2019 بأنّ التعرّض لمكوّن الـTHC الموجود في الحشيشة، يعطّل النضوج الطبيعي للخلايا العصبيّة الدماغيّة والتي تؤدي دورًا حاسمًا في الأداء. وعلى المدى البعيد، يؤثر تدخين الحشيشة على اتخاذ القرارات والتحكّم والاندفاع، كما أنّه قد يزيد من مخاطر تطوّر أمراض نفسيّة كالانفصام بالشخصيّة واضطراب ثنائية القطب والذهان والهلوسة المؤقتة واضطرابات القلق والوسواس القهري لدى المراهقين.

 

التأثيرات

من تأثيرات تعاطي الحشيشة  على المدى القصير التسبب بفقدان التركيز، عدم معرفة الزمان والمكان، احمرار العيون، شهية مفرطة، ارتخاء بالعضلات وسرعة بدقّات القلب.

أما على المدى البعيد، فتأثيرها سيّئ على الرئة والقلب، وهو يضاعف أعراض الالتهابات التنفسيّة ويضعف مناعة الجسم وقدرته على محاربة الأمراض.

 

عوامل الخطر

تؤدّي عدة عوامل خطر دورًا في احتمال إدمان أشخاص أكثر من سواهم، ومن هذه العوامل التعرّض لأي نوع من المخدرات والكحول قبل الولادة (العنصر الوراثي) والبيئة التي يعيش فيها الفرد، والمستوى التعليمي، والعلاقات الاجتماعية وغيرها. هذه العوامل تجعل من السهل أن يدمن الأفراد على المخدرات خلال أشهر قليلة، ما يزيد خطر تطوّر أمراض نفسيّة لديهم نتيجة تعاطي المخدرات.

ويتأثر الأطفال المعرّضون للمواد قبل الولادة بالعديد من عوامل الخطر، بما في ذلك العوامل البيولوجية والجينية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بنتائج خطيرة على صحتهم العقلية.

 

المفاهيم الخاطئة

من أكثر المفاهيم الخاطئة حول الحشيشة أنّها لا تشكّل خطرًا والدليل أنّ تعاطيها مسموح به في بلدان معيّنة، ولكن من المهم أن نكون على علم بنتائج الدراسات التي أجريت في البلدان التي شرّعت الحشيشة. فقد تبيّن أنّ نسبة الإدمان ازدادت بشكل كبير أيًا كان نوع التشريع. ومن أهمها وأحدثها تلك التي قامت بهاJama network (Journal of the American Medical Assosiation)  . تؤكّد هذه الدراسة بأنّ الأدلة التي تدعم استخدام القنّب لعلاج الألم المزمن والتشنج منخفضة جدًا وله تأثير سلبي على صعيد زيادة خطر التهابات الدماغ الحادة وسرطان الرئة والرأس والرقبة والجهاز البولي التناسلي وغيرها من أنواع السرطان.

كما أن توافر الأدوية المصنوعة من القنب زادت عدد المتعاطين من الشباب والأطفال، كما في ولاية كولورادو الأميركية التي ارتفعت فيها نسبة تعاطي الشباب إلى 55 % من المعدل الوطني بعد التشريع، بحسب الفدرالية الدولية لمكافحة المخدرات.

 

وبالمقارنة مع النيكوتين، تتعدّد المفاهيم التي تجزم بأنّ الحشيشة أقل ضررًا لأنّها طبيعيّة، لكن الحقيقة أنّ المادتين خطيرتان. الحشيشة مادة طبيعية لكنها تحتوي على مواد سرطانية أكثر من السيجارة العادية، ويمكن أن يؤدي تدخين  3 سجائر حشيشة إلى ما يعادل ضرر 20 سيجارة نيكوتين (British Lung Foundation, 2002)

أمّا لمن يظن بأنّ الحشيشة أقل خطرًا من المواد المخدّرة الأخرى فإنّ إحصاءات جمعية CDLL حول طالبي العلاج في مركزها للتأهيل من الإدمان، تُشير إلى أنّ 80% من الشباب المدمنين الذين يتلقون العلاج قد بدأوا بتعاطي الحشيشة قبل استخدام مواد مخدّرة مختلفة. في الواقع، الحشيشة هي مدخل للمواد المخدّرة الأخرى كالكوكايين والهيرويين والأمفيتامين. وبناءً على دراسة جديدة تبيّن أنّ  44.7 % من الأفراد الذين تعاطوا القنّب في حياتهم أقدموا على تعاطي مخدرات أخرى  (Roberto et al, 2015)

 

 

بناءً على ما تم ذكره، وبهدف تقليل التكلفة المترتبة على المجتمع من جراء تعاطي الحشيشة، تعمل جمعيّة CDLL على تكثيف جلسات التوعية حول مخاطر المخدرات منها الحشيشة في المدارس، وتفتح المجال للنقاش مع التلاميذ والاستماع إلى وجهات نظرهم وآرائهم والردّ عليها بالبراهين المثبتة علميًا. كما يهمّها التعامل مع مقدّمي الرعاية والأهل بشكل خاص في هذه المؤسسات التربويّة كونها العنصر الأهم في مساعدة الشباب والأطفال على التنبّه لهذه المشكلة.