ملف العدد

جدار الفصل العنصري
إعداد: يونس عوده

نكبة ثالثة تحوّل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية الى معازل لا يربطها شريان متواصل

 

مع بدء محكمة العدل الدولية في لاهاي النظر في مسألة "لجدار الأمني" حسب التسمية الإسرائيلية، و"جدار الفصل العنصري"  أو "النكبة الثالثة" كما أطلق عليه الفلسطينيون باعتباره يحوّل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية الى معازل لا يربطها شريان متواصل، لا بد من الإشارة الى أنه لا يمكن النظر الى هذه القضية بمعزل عن السياسة التاريخية لإسرائيل. فهو لا شك يندرج ضمن مخطط يحمل في كل مرحلة اسماً جديداً لخنق الهوية السياسية للشعب الفلسطيني، وتدمير مقومات التماسك الاجتماعي والكفاحي لهذا الشعب الذي يعاني منذ نحو ستين عاماً بفعل الاحتلال ونشوء "دولة إسرائيل". وإذا كان الهدف المرحلي هو تقليص مساحة "الدولة" الفلسطينية، بحيث تتراوح التقديرات عن قضـم أراض تتـراوح بـين 43 و52 بالمئة من إجمـالي مـساحة الضفة الغربية، وهذا ما يعتبره البعض أقصى ما تريده إسرائيل الى جانب وقف العمليات الفدائية وحشر "الدولة" الفلسطينية الموعودة، في ركن جغرافي يقلص امكاناتها السيادية وعوامل نموها البشري والسياسي والإقتصادي، فإن البعد الإستراتيجي للخطة هو تحويل مناطق الوجود الفلسطيني الى مجرد معازل يدفع بها ضغط الحصار الى الهجرة القسرية أي "ترانسفير" جديد نحو الشرق، وبالتالي الى إنهاء حلم "الدولة".

 

جذور فكرة الجدار

تعود فكرة "الجدار" عند رئيس الحكومة الإسرائيلية أرييل شارون الى العام 1973، وهو فعلاً ثبّت خطيطة على حائط مكتبه العام 1976 لمشروع الجدار، الذي كان يكرر دوماً أنه سيكون مثل "سور الصين العظيم". ومنذ ذلك الحين، يحاول شارون إيجاد الفرصة المناسبة للإنطلاق نحو التنفيذ، وقد انتعشت الفكرة عام 1994 من مشروع قدمه موشيه شاحال الذي كان وزيراً للشرطة من خلال خطة للفصل، وحماية المستوطنات في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وأعقبه خطط طرحها حاييم رامون ودان ميردور لإقامة جدار يرسم حدوداً ويحمي"الديموغرافيا والجغرافيا"، وتبعهما عوزي لانداو الذي أشهر خطة إقامة "جدار" يتواجد الجيش الإسرائيلي على طرفيه أو جانبيه مع الإجازة له بحق دخول المناطق الفلسطينية جميعها بحرية تامة.

واللافت أن البعض، بمن فيهم مسؤولون في السلطة الفلسطينية وأولهم رئيس الحكومة أحمد قريع، لا يتحفظون على بناء الجدار إذا ما تم الإلتزام بإقامته على ما يسمى بالخط الأخضر، باعتقادهم أن الهدف من وراء بناء الجدار هو فقط إزاحة الخط المذكور، لأنه بذلك تتم مصادرة مساحات من الأراضي المفترض أن تكون تحت إدارة السلطة الفلسطينية أو "الدولة" المقبلة. وهذا الموقف جعل بعض الدول الأوروبية تقف الى حد كبير الى جانب إسرائيل في بناء الجدار، إذا أعيد الى مسار "الخط الأخضر" لأنه "جدار أمني" والهدف منه منع العمليات العسكرية الفلسطينية ضد الإسرائيليين.

 لذلك فإن الخط الأخضر بالمفهوم القانوني والدولي، هو جزء من خطوط الهدنة التي وقّعتها الدول العربية العام 1949 وبالتالي فإنها لا تمثل حدوداً سياسية، ولا صفة شرعية لها، لأن ترسيم الحدود النهائية والدائمة لن يتم إلا بحل جذري للصراع وبموافقة الأطراف المعنية. ولذلك يعتبر البعض أن إسرائيل استبقت أي ترسيم للحدود عبر اقتطاع أراض يمكن أن تكون ضمن حدودها مستقبلاً كأمر واقع.

لذلك فإن المشكلة الحقيقية، لا يمكن حصرها فقط بالعقل الصهيوني، أو الحلم الصهيوني الجديد إذا جاز التعبير. فالطامة الكبرى تكمن في ما إذا كان الطموح الفلسطيني الأكبر، وهو ما دلّ عليه العديد من التصريحات، بأنه يتلخص في مجرد الحصول على إقرار من محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية "مسار الجدار"، لا في إقامة الجدار بحد ذاته كمشروع تمزيقي تهجيري، ومن ثم عملية استيلاء جديدة على الأرض بكاملها ومنع قيام كيان فلسطيني.

 

 خطة شارون

تقوم خطة شارون للفصل على قاعدتين وثلاث مراحل:

■  القاعدة الأولى: إنشاء حزامين أمنيين طوليين.

 

■  القاعدة الثانية: إنشاء الجدار بعمق يتراوح ما بين 5 الى 10 كلم، وقد انتهت المرحلة الأولى من تشييده والبالغة 170 كلم، والتي بدأت في حزيران 2002 بموجب أمر عسكري حمل الرقم 1/1س، وهو يتضمن إقامة 5 أحزمة أمنية عرضية بين الحزامين الطوليين وينتج عنها تحويل الضفة الغربية الى 4 كتل ­ معازل، تسيطر إسرائيل على محيطها وتترك للفلسطينيين إدارة شؤونهم الداخلية، وهي: كتلة جنين ­ نابلس، كتلة رام الله، كتلة بيت لحم، وكتلة الخليل.

 

■  يمتد الجدار في المرحلة الأولى من قرية سالم أقصى شمال الضفة قرب جنين حتى مستوطنة ˜الكاناŒ وبلدة غرون جنوب قلقيلية، كما يمتد مسافة 20 كلم إضافية شمال القدس وجنوبها، ليشكل ما يسمى بـ"غلاف القدس".

 

■  يمتد الجدار في مرحلته الثانية التي أنجز منها حتى الآن حوالى 20 كلم من مستوطنة "الكانا" جنوب قلقيلية الى مستوطنة عوفر قرب رام الله بطول 186 كلم. بدأت الأعمال فيه في تشرين الأول الماضي ويمتد 23 كلم في الضفة الغربية، كما يمتد من بلدة "سالم" حتى التياسير على حدود غور الأردن بطول 60 كلم، وكذلك من مستوطنة "هارغيلو" الى مستوطنة الكرمل جنوب الخليل بطول 114 كلم، فضلاً عن العمل على جدار القدس في الرام والجيب والولجة وعناثا وحزما وشعفاط.

 

■  في المرحلة الثالثة والمعروفة بالجدار الشرقي، يسير خط الجدار بمحاذاة غور الأردن ويمتد من عين البيضا مروراً بطوباس وصولاً الى أريحا فالبحر الميت بطول 196 كلم، فيبتلع ثلث مساحة الضفة الغربية ويعزل غور الأردن عن الضفة فتصبح مدينة أريحا منعزلة تماماً. ويفيد تقرير لمكتـب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 11% فقـط من مسار الجدار يسير بمحاذاة "الخط الأخضر"، الفاصل بين الضفة الغربية وإسرائيل. ويضيف التقرير أن أكثر من 274 ألف فلسطيني في 122 بلـدة ومدينة ˜سيقيـمون في مناطق مغلقة بين الجدار والخط الأخضر أو في جيوب محاطة كلياً بجدار. ويوضح أن حوالى 850 كيلومتراً مربعاً من الضفة الغربية المحتلة ­ باستثناء القدس الشرقية ­ أي 14.5% من مساحتها ستكون في الجانب الذي تشرف عليه إسرائيل.

 

مواصفات الجدار

يبلغ عرض الجدار ما بين 80 و100 متر ويتكون من الآتي:

1-­ أسلاك لولبية شائكة كأول عائق للجدار.

2-­ خندق بعرض 4 أمتار وعمق 5 أمتار يأتي بعد الأسلاك الشائكة لمنع عبور الآليات.

3-­ شارع مسفلت بعرض 12 متراً وهو شارع عسكري لدوريات المراقبة والإستطلاع (4) ، يليه شارع مغطى بالتراب والرمل الناعم بعرض 4 أمتار، بهدف كشف آثار المتسللين على أن يجري تمشيط هذا المقطع مرتين يومياً صباحاً ومساءً.

5-­ بعد الشارع، جدار اسمنتي بارتفاع 7 أمتار ويعلوه سياج معدني الكتروني تنصب عليه معدات إنذار الكترونية وكاميرات وأضواء كاشفة وعناصر أمنية أخرى.

6-­ بعد الجدار، شارع رملي وترابي ثم شارع مسفلت وبعده خندق مماثل للخندق الأول ثم الأسلاك الشائكة اللولبية.

7-­ الإبقاء على بعض الأبواب للسماح لفلسطينيين يحملون تراخيص ضرورية بالعبور.

8-­ يمتد الجدار مسافة 730 كلم أي أكثر من ضعف طول الخط الأخضر الذي يصل الى 320 كلم.

 

تأثير الجدار على الفلسطينيين

إن القرى الواقعة بين الجدار والخط الأخضر، هي أكثر التجمعات تضرراً بعد أن كانت الأكثر ازدهاراً من الناحيتين الإقتصادية والإجتماعية. وقد تسبب الجدار حتى الآن في عزل 12482 نسمة منها 1119 في نطاق طولكرم وحدها، بينما بلغ عدد الأفراد الذين أصبحوا غرب الجدار 42100 شخص، وتسبب بتهجير 402 عائلة من منطقة جنين و4325 شخصاً من التجمعات التي مر الجدار في أراضيها، كما تسبب في عزل 2440 مبنى منها 982 في طولكرم، إضافة الى تدمير 10 مبان. وسـوف يتسبـب الجـدار فـي عـزل القرى الفلسطينية المتضررة مع ما سينتج عن ذلك من تقييد لحركة النقل والتنقل، كما يفصل نحو 30 تجمعاً فلسطينياً عن المراكز الصحية و11 تجمعاً عن مراكز الهاتف و8 تجمعات عن الشبكة الرئيسية للمياه و3 تجمعات عن الممول الرئيسي لشبكة الكهرباء.

وسيؤدي الجدار الحالي الى تضرر 7500 طالب من محافظات طولكرم وجنين وقلقيلية من حيث الصعوبة المستجدة في الوصول الى مدارسهم، فضلاً عن 150 مدرّساً. ويتوقع أن تتضاعف الأعداد مع اكتمال الجدار، وبالتالي ستزداد الكلفة التعليمية على عائلات الأجيال المقبلة، إن من خلال استخدام وسائل النقل، أو من حيث الوقت، ما سيزيد صعوبة الأوضاع الإقتصادية المتردية أصلاً للعائلات.

وسينشأ عن بناء الجدار تدمير لمصادر المياه الفلسطينية، إذ ستسحب اسرائيل 85 بالمئة من المياه الفلسطينية من الطبقات الجوفية للضفة الغربية، أي حوالى 25 بالمئة من حاجاتها، وكذلك فإنها صادرت حتى الآن نحو 30 بئراً من محافظتي طولكرم وقلقيلية ذات الطاقة التصريفية العالية. وهذه الآبار حفرت قبل العام 1967 وتقع على الحوض الجوفي الغربي، ما سينتج عنه حرمان الفلسطينيين من 18 بالمئة من حصتهم في هذا الحوض، والمقدرة بـ22 مليون متر مكعب سنوياً من أصل 362 حسب اتفاقات أوسلو، إضافة الى تدمير البنية التحتية لقطاع المياه من شبكات أنابيب مياه الشرب والري الزراعي، ما يؤدي الى فقدان قرى فلسطينية بكاملها للمصادر المائية، يوازيها تلوث الطبقات الجوفية عبر الإغراق المشترك للنفايات والإستخدام الخطر للأسمدة الكيماوية والضخ المتزايد والمؤدي الى التملح في التربة. هذا فضلاً عن التمييز في توزيع المياه في المناطق الفلسطينية التي تسيطر فيها مصلحة المياه الإسرائيلية (ميكوروت) . وتبين الدراسات أن الفلسطينيين يستخدمون 246 أم سي أم من مصادر المياه لتزويد نحو 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزه لسد حاجاتهم الزراعية والصناعية وخلافها، بالمقارنة مع استخدام إسرائيل لـ1959 أم سي أم لسكانها الذين لا يصلون الى 6 ملايين نسمة. أي ما يوازي الإستهلاك لكل فرد فلسطيني 82 سم يقابله استهلاك 326.5 سم للإسرائيلي، أي ما يعادل 5 أضعاف لكل فلسطيني من الضفة و7 أضعاف لسكان غزة.

 

الأراضي المصادرة

بلغت مساحة الأراضي المصادرة حسب مركز الإحصاء المركزي الفلسطيني من الأملاك العمومية التابعة للسلطة الفلسطينية حوالى 40460 دونم، تقع في غالبيتها في نطاق محافظة جنين، بينما بلغت مساحة الأملاك الخاصة المصادرة 124323 دونم غالبيتها في نطاق القدس، ومعظم تلك الأراضي مزروعة بالزيتون وقدرت مساحتها بـ626632 دونم تليها المحاصيل الحقلية وتبلغ 18522 دونم، ومن ثم المراعي التي تبلغ مساحتها 9800 دونم، وأخيراً الحمضيات 8008 دونم. ويضاف الى ذلك الأراضي المجروفة من أملاك السلطة وتبلغ 1296 دونم غالبيتها من محافظة جنين و21002 دونم من الأملاك الخاصة، والنسبة الأعلى في محافظة القدس ومعظمها مزروعة بالزيتون والمحاصيل الحقلية والحمضيات. كما تأثر 75 تجمعاً فلسطينياً تمت مصادرة أراضيها بقرارات عسكرية أو بوضع اليد أو بالطريقتين معاً.

وأدى ذلك الى اقتلاع نحو 100 ألف شجرة مثمرة وخصوصاً أشجار الزيتون، ما سيؤدي الى انخفاض إنتاج الزيت والزيتون، فضلاً عن الأضرار البيئية كون الأشجار من أهم العوامل وراء تحسين نوعية الهواء واستهلاك ثاني أوكسيد الكربون وإطلاق الأوكسيجين في الفضاء والتقليل من جريان المياه وانجراف التربة، وزيادة الإمكانية في تغذية الخزانات الجوفية، وكذلك مساهمتها الكبيرة في إدامة الحياة البرية لأنها الملاذ الآمن للطيور والحيوانات وبالتالي إدامة التنوّع البيئي. ومن المعروف أن إسرائيل اقتلعت منذ بداية الإنتفاضة حتى اليوم نحو مليون شجرة.

 

الصليب الأحمر الدولي

أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي بياناً من جنيف بتاريخ 18 شباط 2002، انتقدت فيه بقوة الجدار الذي تبنيه إسرائيل معتبرة أنه مخالف للقوانين الإنسانية الدولية، لأنه يقضم جزءاً من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية. وجاء في البيان، إن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعتبر أن الحاجز (الإسرائيلي) في الضفة الغربية مخالف للقوانين الإنسانية الدولية لأن مساره ينحرف عن الخط الأخضر ليتوغل داخل أراض محتلة". ودعت اللجنة الضامنة لاتفاقات جنيف الموقّعة في العام 1949 حول حماية الأسرى والمدنيين في زمن الحرب، إسرائيل الى أن "توقف فوراً تخطيط أو بناء أو إبقاء هذا الحاجز داخل الأراضي المحتلة"، مشددة على الإنعكاسات الإنسانية والإقتصادية التي يخلفها هذا الجدار على آلاف الفلسطينيين.

و"الخط الأخظر" هو خط الهدنة المبرمة العام 1949 الذي يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية. وهي المرة الأولى التي تتخذ فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر موقفاً علنياً من هذا النوع.

وأوضـحت اللجـنة أن الجـدار "في الأمـاكن التي يحـيد فيـها عن الخط الأخضر ويتوغل في الأراضي المحتلة، يحرم آلاف الفلسطينيين من الوصول بشكل مناسب الى الخدمات الأساسية مثل الحصول على المياه والعلاج الصحي والتعليم، فضلاً عن مصادر دخل مثل الزراعة وأنواع أخرى من العمل". وتابعت أن الفلسطينيين العالقين بين"الخط الأخضر" والجدار يجدون أنفسهم "مقطوعين عملياً عن المجتمع الفلسطيني الذي ينتمون إليه"، وبناء الجدار "لا يزال يؤدي الى مصادرة ممتلكات فلسطينية بشكل واسع" وعمليات هدم وتدمير. واعتبرت اللجنة أن "المشاكل التي يواجهها السكان الفلسطينيون في حياتهم اليومية تظهر بوضوح أن الحاجز يخالف الواجب الواقع على عاتق إسرائيل، بموجب القانون الإنساني بضمان معاملة إنسانية للمدنيين الواقعين تحت الإحتلال والسهر على رفاهيتهم". واعترفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحق إسرائيل في ضمان أمنها، وأكدت مجدداً إدانتها لكل الأعمال الإرهابية. لكنها رأت أن الإجراءات التي تتخذها الدولة العبرية "تتجاوز بكثير ما يحق لقوة الإحتلال القيام به بموجب القانون الإنساني". وتؤكد إسرائيل أن الجدار يهدف الى منع وقوع هجمات فلسطينية داخل الأراضي الإسرائيلية ويتوغل داخل الضفة الغربية لحماية مستوطنات يهودية. وأوضح المندوب العام للجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأوسط بالتسار شتيهيلين، أن اللجنة الدولية استندت الى ملاحظات ممثليها واتفاقات جنيف، ولا سيما الإتفاقية الرابعة التي تحدد واجبات قوة الإحتلال حيال السكان المدنيين. وأكد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عرضت حججها على السلطات الإسرائيلية في إطار "حوار بنّاء". وقررت اللجنة نشر انتقاداتها لأنها تعتبر أنها باتت تمتلك ما يكفي من المعلومات حول تأثير الجدار الذي انجز ثلثه حتى الآن. ويعمل في مكاتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة والضفة الغربية 65 موظفاً أجنبياً و250 موظفاً محلياً.

 

الموقف الأميركي ­- الأمم المتحدة

حظي مشروع "الجدار الفاصل" بدعم أميركي مباشر واستخدام الفيتو خلال مناقشته في الأمم المتحدة، بعد أن كان الرئيس الأميركي جورج بوش اعتبره (الجدار) مشكلة. فالرئيس الأميركي قال في 25/7/2003 "إن الجدار الذي يبنيه الإسرائيليون حالياً في الضفة الغربية يعد مشكلة"، معتبراً أنه "من الصعب للغاية بناء ثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع جدار يتلوى كالأفعى عبر الضفة الغربية".

ولكن بعد 3 أيام فقط وفي أعقاب اجتماعه برئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الذي قال أنه لم يناقش قضية الجدار وإنما أكد له أنه سيواصل بناءه بطريقة لا تقلق الفلسطينيين، قال بوش إن بلاده "متمسكة بالتزام أمن إسرائيل كدولة يهودية، والتزامي هذا، أمن إسرائيل لا يتزعزع".

وبعد  3 أشهر، وأثناء مناقشة مجلس الأمن الدولي مشروع قرار يدين إسرائيل لبنائها الجدار الأمني، والذي تقدمت به سوريا باسم المجموعة العربية باعتباره "غير شرعي استناداً الى القانون الدولي"، مارست واشنطن الفيتو بعد أن نال مشروع القرار تأييد عشر دول وامتناع 4 عن التصويت. وقد أحيلت مسودة القرار على الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنت "قرار تسوية" قدمته المجموعة الأوروبية يطالب إسرائيل بوقف الجدار بأغلبية 144 صوتاً ومعارضة 4 وامتناع 12 عن التصويت.

وطلبت الفقرة الأولى من القرار نصاً "من اسرائيل وقف وإلغاء بناء الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك حول القدس الذي ينحرف عن خط الهدنة عام 1949، ويتعارض مع بنود القانون الدولي ذات الصلة". إلا أن إسرائيل تحدّت الإرادة الدولية وقالت على لسان أكثرية مسؤوليها "إن السياج الأمني سيتواصل بناؤه، ولن تأخذ في الإعتبار الأكثرية الآلية في الأمم المتحدة التي هي بانتظام ضدنا، وضد الولايات المتحدة". وبعد ذلك تقررت إحالة القضية على محكمة العدل الدولية في لاهاي لإقناع المحكمة بأن الجدار غير قانوني من جانب الفلسطينيين، لأنه يستقطع مساحات كبيرة من الأراضي المحتلة التي يريدون إقامة دولتهم عليها، وليس لأن الجدار بحد ذاته غير قانوني. وقد قاطعت إسرائيل والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي جلسات المحكمة التي بدأت مداولاتها التي قد تمتد لسنة بشأن الجدار، كتعبير عن عدم الإعتراف بصلاحية المحكمة. وفي كل الأحوال، فإنه من المعروف أن إسرائيل لم تلتزم يوماً بمقررات الشرعية الدولية، منذ إنشائها ككيان في قلب المنطقة العربية، وإعطائها حق الوجود في البداية منذ قرار التقسيم الذي صدر عن الأمم المتحدة، والذي ينص على وجود دولتين، واحدة يهودية والأخرى فلسطينية، واستمرت باستهانة القرارات وتحدّيها وخصوصاً تلك القرارات التي تدعوها الى التنفيذ من دون قيد أو شرط، فكيف إذا كانت القرارات غير ملزمة؟!...

 

أهداف الجدار

■  يختزل الجدار ما تبقى من "خطة شارون" التي أعدها في السبعينات وبدأ بتنفيذها أوائل الثمانينات تحت مسمى مشروع "النجوم السبع".

■  الهدف من وراء الجدار إزاحة "الخط الأخضر"، الفاصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وإلغاؤه في مواقع كثيرة في مسعى الى إلغاء حدود 1967. كما يهدف الى ضم التجمعات الإستيطانية في الضفة الى إسرائيل، ومصادرة أكبر مساحة من أراضي الضفة بأقل كثافة سكانية.

■  يقسم الجدار الضفة الى "أربعة كانتونات" معزولة تسيطر إسرائيل على محيطها، وتترك للفلسطينيين إدارة شؤونهم الداخلية.

■  يقضي الجدار على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً وقابلة للحياة ضمن حدود العام 1967.

■  قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول العام 2003 بغالبية 90 دولة إحالة ملف الجدار على محكمة العدل الدولية في لاهاي لإعطاء رأي استشاري في مدى تطابقه مع القانون الدولي.

 

مراحل بناء الجدار

­-المرحلة الأولى:

■ انتهت إسرائيل من تشييد المرحلة الأولى التي بدأتها في حزيران (يونيو) العام 2002.

■  يمتـد الجـدار من قرية سـالم أقصـى شمال الضـفة قرب جـنين، حتى مسـتوطنة الكنا وبلدة عزون جنوب قلقيلية. كما يمـتد 20 كيلـومتراً إضـافية شـمال القدس وجـنوبها، ليشـكل ما يسـمى "غـلاف القدس".

■  صودر من أجل بناء الجدار 1100 هكتار من الأراضي الفلسطينية الأكثر خصوبة، واقتلع أكثر من مئة ألف شجرة.

■  عُزلت 17 بلدة وقرية "بين الجدار والخط الأخضر" بكثافة سكانية تبلغ 55 ألف نسمة، في حين تحولت خمسة تجمعات سكانية الى معزل بكثافة 8500 نسمة.

■  عزل الجدار نحو 37 بلدة "عن مصادر رزقها"، وبات 109 آلاف شخص مفصولين عن مزراعهم ومصادر المياه والأسواق وحتى الرعاية الطبية.

■  يحاصر الجدار قلقيلية (40 ألف نسمة) من كل الجهات ولا يسمح لسكانها بالخروج إلا عبر مدخل واحد. ­

 

-المرحلة الثانية:

■  يمتد الجدار في مرحلته الثانية من مستوطنة الكانا جنوب قلقيلية الى مستوطنة عوفر قرب رام الله بطول 186 كيلومتراً. وتمت الموافقة عليه في تشرين الأول (اكتوبر)

العام 2003، وبدأت أعمال البناء فيه. ويمتد الجدار بعمق 22 كيلومتراً في الضفة، ويلحق الضرر بـ80 ألف فلسطيني في المنطقة.

■  يمتـد الجدار أيضـاً من سالـم حتى بلدة التياسير على حـدود غور الأردن بـطول 60 كـيلومتراً، وهـو جـزء تمـت الموافقة عليه وبوشر بناؤه.

■  الجدار يمتد أيضاً من مستوطنة هارغيلو الى مستوطنة الكرمل جنوب الخليل بطول 114 كيلومتراً.

■  يتواصل العمل أيضاً على جدار القدس في الجيب والولجة والرام وعناتا وحزما وشعفاط.

 

- المرحلة الثالثة: "الجدار الشرقي":

■  الجدار الشرقي يسير بمحاذاة غور الأردن وبموازاة الجدار الغربي، ويمتد من عين البيضا مروراً بطوباس وصولاً الى أريحا والبحر الميت بطول 196 كيلومتراً. وهو يبتلع ثلث مساحة الضفة ويعزل غور الأردن عن الضفة ويحيل مدينة أريحا الى كانتونات.

■  سيضم الجدار نحو 25 مستوطنة ومواقع سياحية على طول غور الأردن، لكن الحكومة لم تصادق على مخططه بعد. الجدار بالأرقام

■  يبنى الجدار على مراحل، بعضها استكمل وبعضها الآخر قيد البناء، ولم تصادق الحكومة الإسرائيلية حتى الآن على مخطط الجدار الشرقي الممتد على طول غور الأردن.

■  سيؤثر الجدار على حياة 680 ألف فلسطيني، أي نحو ثلث سكان الضفة: سيعزل نحو ربع مليون فلسطيني في 122 تجمع سكاني بين "الخط الأخضر" و"الجدار الفاصل". وسيضطر أكثر من 400 ألف فلسطيني الى عبور الحواجز للوصول الى مزارعهم أو أماكن عملهم في الجهة المقابلة من الجدار.

■  سيبتلع الجدار بعد الإنتهاء من بنائه كاملاً ما بين 43 و45 في المئة من مساحة الضفة ويضمها الى إسرائيل.

■  سيضم الجدار الى إسرائيل 12 مستوطنة في القدس، و54 مستوطنة في الضفة، يسكنها نحو 80 في المئة من مستوطني الضفة والقدس.

■ 14.5في المئة من مساحة الضفة (850 كلم2) ، باستثناء القدس الشرقية، ستعزل بين الجدار و"الخط الأخضر".

■  صادرت إسرائيل 18 ألف دونم من أجل بناء الجدار.

■  الجـدار الذي يمتــد مسـافة 730 كيلومتـراً، أطـول بكثــير من "الخـط الأخضر" الذي يبـلغ طولـه 311 كيلومتراً. وفقـط 11 في المئة من الجدار يسير بمحاذاة "الخط الأخض".

 

 تاريخ الجدران في العالم... تدمير حتمي

■ سور الصين العظيم: من أشهر الجدران في العالم المعروف بـ"سور الصين العظيم" الذي امتد 10 آلاف كلم وبدأ بناؤه في القرن الثالث قبل الميلاد على يد امبراطور الصين الأول "كين شين هوانندي" بهدف حماية الأراضي التي يسيطر عليها. لكن السور لم يمنع المغول من غزو الصين، فقامت أسرة منغ التي حكمت الصين بين عامي 1368 و1644 بتدعيم السور وتقوية جدرانه، إلا أن الغزاة تجاوزوا السور عبر الأنفاق من مناطق بعيدة ودخلوا العاصمة بكين سنة 1550.

■  سور روما: في أيام الأمبراطور أوغست (14-63قبل الميلاد) ، امتدت سلطة روما داخل أوروبا. وكي تحمي حدودها أقامت خطوطاً دفاعية على شكل أسوار وسلمتها لأمراء محليين للدفاع عن الأمبراطورية، وكانت بطول 800 كلم. وعندما احتل الأمبراطور أدريان الأراضي البريطانية أقام سوراً مماثلاً بطول 145 كلم لحماية ممتلكاته من هجمات السكوتلنديين والإيرلنديين، إلا أن جيوش البرابرة التي اجتاحت أراضي الأمبراطورية دمرت الأسوار والمواقع الدفاعية وأنهت الأسطورة.

■  جدار كمبوديا: قرر حكام كمبوديا تعزيز حدودهم مع تايلاند فأقاموا جداراً بطول 800 كلم بهدف منع هجمات الخمير الحمر، إلا أن الهجمات استمرت.

■  جدار استراليا: هدفه حماية المزارع من الكلاب المفترسة (الدنغو) وهو عبارة عن سياج بارتفاع مترين.

■  جدار برلين: بدأ بناؤه عام 1961 لوقف حروب الألمان الشرقيين نحو الغرب، إلا أن 39 ألف شخص اجتازوه رغم الحراسة المشددة قبل أن يزال عام 1989، إثر انهيار المعسكر الإشتراكي وقتل نحو 250 شخصاً أثناء عمليات الهروب.

■ "بيغ وول":

الجدار الكبير أو مشروع "بيغ وول"، والمقرر أن يمتد من المحيط الهادئ حتى المحيط الأطلسي على طول الحدود المكسيكية الأميركية لوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين، طوله المقرر 3200 كلم، لكنه لن ينجز قريباً بسبب ارتفاع التكاليف المادية.

 

هذه المعلومات مستقاة من: ­ وحدة الدعم الفني في وزارة التخطيط الفلسطينية. ­ تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. ­ إحصاءات مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية (بتسيلم) . ­ جريدة الحياة، الإثنين 20/2/2004.