لقاء

دماؤهم أمانة
إعداد: إلهام نصر تابت

يواجه الرجال الخطر بقلوب من صخر، لا يتراجعون أمامه مهما كان عظيمًا. وحدها دموع أهالي الشهداء هي التحدي الذي لا يرغب رجل نبيل في مواجهته.

هذه الدمعة واجهها قائد الجيش العماد جوزاف عون بالأمس كما واجهها من قبل مرات ومرات. فها هو بين أهالي الشهداء، يعزّيهم، يشد أزرهم، مثمنًا شهادة أبنائهم التي لولاها لكان لبنان في كارثة كما قال. وها هو والد أحد الشهداء يقف منتصرًا بعنفوانه على الحزن الكبير والوجع العميق، معلنًا أن لديه بعد ثلاثة شباب يقدّمهم للجيش وللوطن.

إنّها حكاية الناس الملتصقين بجيشهم، يأتونه شبابًا، يقدّمون عرقهم ودمهم، وسواء غادروه كهولًا، أو ودّعوه مرفوعين على أكتاف الرفاق، يخرج من بيوتهم أبناء وإخوة يعتنقون المسيرة نفسها والوفاء إياه.

إنّه قدر عكار، وقدر أهلها الذين تحتضنهم المؤسسة العسكرية ويحتضنونها منذ مطلع الاستقلال، ولطالما كانوا في طليعة مجموعات الشهداء، أيًا كانت المعركة التي يخوضها الجيش.

هذه المرة لم يكن الدم الذي دفعه أهل عكار دفاعًا عن لبنان وأهله دمًا طاهرًا، غاليًا، عزيزًا وحسب، بل كان غزيرًا، تدفّق بسخاء: أربعة شهداء في موقعة واحدة، لحق بهم اثنان بعد أيام. ستة شهداء من أبناء عكار، لكنّهم ليسوا شهداء يخصّون بيوتًا وعائلات وبلدات محددة. «إنّهم شهداء الجيش، شهداء الوطن، شهداء كل منطقة وعائلة وبيت في لبنان، وشهادتهم حمت أبناء الجنوب كما أبناء بيروت وكسروان وسائر المناطق اللبنانية» وفق ما قاله العماد عون، معبرًا عن لسان حال كل عسكري وكل لبناني.

قائد الجيش أكد أيضًا أنّ التصدي للإرهاب هو في طليعة أولويات الجيش، وأنّه لن يسمح له بتمرير مخططه، مهما كان الثمن غاليًا بالنسبة لأهالي الشهداء وللمؤسسة على السواء، مؤكدًا أنّ الشهادة قدر وليست خيارًا. العماد عون الذي أكد أنّ بيوت عكار ستبقى زاخرة بالشباب الذين لن يبخلوا بتقديم دمائهم والتضحية في سبيل لبنان، قال «إنّ ما قدّمته هذه المنطقة يليق بتاريخها المشرّف بدءًا من معركة الضنية وصولاً إلى يومنا هذا».

كلام العماد عون جاء خلال لقائه أهالي الشهداء الستة في عرمان، قبل قيامه بجولة تفقدية في الشمال. فقد تفقّد العماد عون قيادة الكتيبة 23 في عرمان- المنية، حيث استمع إلى شرح مفصّل من قائد لواء المشاة الثاني وضباطه عن ظروف العملية التي أدت إلى استشهاد عسكريَّين، منوهًا بتمكّن عناصر اللواء من إحباط مخطط الإرهابي الذي كان ينوي تفجير نفسه داخل قيادة الكتيبة. وبعد زيارة مكتب أمن المنية، انتقل العماد عون إلى نادي الرتباء المركزي في الشمال، وهناك التقى أهالي العسكريين الأربعة من عداد مديرية المخابرات الذين استشهدوا في أثناء مداهمة منزل أحد الإرهابيين المطلوبين في محلة جبل البداوي- المنية، وعائلتَي شهيدَي لواء المشاة الثاني وقدّم لهم التعازي.

من جهتهم، ناشد أهالي الشهداء العماد عون إيصال رغبتهم إلى المسؤولين الرسميين برفضهم القاطع للعفو عن قتلة أبنائهم، مطالبين بالعدالة لأرواح الشهداء والاقتصاص من الإرهابيين، وأكدوا أنّهم لن يبخلوا بتقديم مزيد من التضحيات على مذبح الوطن مهما غلا الثمن لأنّ الوطن أغلى من كل شيء.

قائد الجيش الذي كان عبّر في بداية حديثه عن مدى تأثّره بلقاء أهالي الشهداء، رد على مناشدتهم قائلًا: «دماؤهم أمانة برقبتي».