سياحة في الوطن

زغرتا
إعداد: باسكال معوض بو مارون
تصوير: فادي البيطار

ساحل اهدن وامتدادها

المزنرة بالزيتون والليمون والانهار

تاريــخ وتـــراث وحكايات

ساحل اهدن وامتدادها الشتوي، زغرتا المزنرة بالزيتون والليمون، تخبرنا طواحينها والكنائس القديمة فيها، حكايات تاريخ وتراث.

 

أين زغرتا؟

زغرتا مدينة لبنانية تقع على الساحل الشمالي، وهي مجموعة من الهضاب مستطيلة الشكل، تحيط بها من كل جانب بساتين الزيتون والليمون. تعلو عن سطح البحر 150 متراً ويحيط بها من الجهات الاربع نهران: نهر رشعين ونهر جوعيت.

يعتبر مناخ زغرتا ساحلياً معتدلاً بشكل عام، غير ان صيفها حار وكمية الامطار ودرجات الرطوبة مرتفعة كونها محوطة بالانهار والاشجار.

من المعروف ان اهدن - زغرتا هما مدينة واحدة، مع ان اهدن بلدة في اعالي جبال لبنان الشمالية، فيما زغرتا مدينة ساحلية قريبة من شواطئ طرابلس.

إلا أن السكان هم انفسهم في المنطقتين، يقضون فصل الصيف في اهدن وبقية فصول السنة في زغرتا ولكل عائلة بيتها وارزاقها وممتلكاتها في كل من المدينتين. انها في الواقع ظاهرة فريدة من نوعها على الصعيدين الجغرافي والديموغرافي.

غير ان هذه الظاهرة اهدن - زغرتا، هي حديثة العهد نسبياً في التاريخ, فإهدن هي المدينة الاصلية التي يرجع تاريخها العريق، من دون ريب، الى بداية البشرية.

اما زغرتا فهي الموقع الساحلي الذي اختاره الاهدنيون ليقضوا فيه فصل الشتاء وذلك في بداية العهد العثماني.

 

زغرتا في مكتشفات «ماري»

قبيل الحرب العالمية الثانية كشفت اعمال التنقيب في موقع «تل الحريري» غرب الفرات («ماري» القديمة عاصمة الاموريين) عن اكثر من عشرين الف لوح مسماري كتب معظمها باللغة الاكادية. وبين الالواح، التي تشكّل مكتبة اثرية ضخمة، تقارير مثيرة جداً كتبها الملوك والموظفون ووثائق اقتصادية وادارية واجتماعية وتقارير مختلفة لها قيمتها الخاصة.

في بعض التقارير والمراسلات التي لها  علاقة بالخارج، ورد اسم زغرتا - المدينة الشمالية اللبنانية، اكثر من مرة بصيغة «Zagarata» والكلمة هذه تُرد الى جذر سامي مشترك وتفسيرها الاحاطة والتسوير والتحصين. وبالفعل فقد كانت زغرتا في القديم مطوّقة بسور كبير تتخلله المرامي وفي اعلاها يتربع حصن او قلعة حربية كبيرة.

 

حدودها

رسمت حدود زغرتا اكثر من مرة؛ فبعد ان تملكها الاهدنيون العام 1517 (مع بداية العهد العثماني)، رسمت مرة ثانية عندما اجرت السلطات في لبنان عملية مسح شبه كاملة للاراضي العام 1864. الا ان الاهدنيين ابوا ان يظلوا محصورين في تلك الحدود الضيقة التي رسمتها لهم اعمال المساحة، فأخذوا يوفرون ما كانت تدر عليهم املاكهم الواسعة في اهدن من الخيرات ويشترون به املاكاً جديدة في منطقة زغرتا. وهكذا اتسعت حدود زغرتا اتساعاً سريعاً وكبيراً حتى غدت من اغنى البلدات اللبنانية الساحلية.

كما اشترى الاهدنيون جميع الاملاك الواقعة على ضفتي نهر رشعين ونهر جوعيت وقسماً من الاملاك الواقعة على ضفة نهر ابي علي اليمنى، وجميع المطاحن اللبنانية على ضفاف هذه الانهر والتي كان الطرابلسيون يملكون اكثرها، حتى اصبحت حدود زغرتا متاخمة لحدود طرابلس.

العام 1885 كانت قرية عردات القريبة من زغرتا للجهة الشمالية الغربية تابعة لمتصرفية طرابلس، وعندما قررت الدولة العثمانية ان تأخذ شباناً من القرية الى الخدمة العسكرية، عرض مسيحيو البلدة قضيتهم على يوسف بك كرم، فباعهم املاكاً واسعة في خراج بلدة مجدليا بأسعار بخسة، فبنوا منازل فيها وغادروا عردات، وهكذا انتقلوا من متصرفية طرابلس واستوطنوا متصرفية جبل لبنان، ونجوا من الخدمة العسكرية.

قسّمت زغرتا في اوائل العام 1928 الى خمسة احياء بموجب قانون صادر في العام نفسه، والذي قضى بأن يكون لكل من هذ الاحياء مختار مستقل ينتخبه سكان الحي ويكون مسؤولاً عن تسيير اعمال الحكومة والاهلين طبقاً لنصوص هذا القانون. والاحياء الخمسة في زغرتا هي: حي السيدة الشرقي، حي السيدة الغربي، حي الصليب الشرقي، حي الصليب الغربي، وحي المعاصر.

 

زغرتا: الطواحين

في زغرتا طواحين قديمة تشكل في الواقع جزءاً مميزاً وقائماً من التراث اللبناني والزغرتاوي والمعماري القديم ومنها:

 • طاحون المرداشية، يقع من الجهة الشرقية من زغرتا، بين دير مار سركيس وباخوس ومقهى المرداشية الكبير، على الضفة الشرقية لنهر رشعين. موقعه مميز وجميل تحوط به المياه الصافية الباردة والنباتات الخضراء والاشجار الكبيرة الوارفة الظلال. كانت هذه الطواحين قديماً ملكاً لآل كرامي من مدينة طرابلس. وفي سنة 1885 اشتراها منهم اسعد بك كرم ثم باعها من دير مار سركيس وباخوس - زغرتا، وهي ما تزال الى اليوم ملكاً لهذا الدير.

طاحون المرداشية، اقدم طواحين زغرتا واكبرها واجملها. فيه سبعة اقبية كبير معقودة بالحجارة الكبيرة وهو مَعلم معماري واثري مميز.

 

• طاحون نحلوس: يقع في اسفل زغرتا للجهة الشرقية الشمالية، على ضفة نهر رشعين، بناه الشيخ مخايل نحلوس الذي كان حاكماً على منطقتي الجبّة والزاوية (1692 - 1704). وفيه خمسة اقبية كبيرة ومعدّة لطحن القمح والحبوب وعصير جفت الزيتون.

 

• طاحون ابي كرم: بناه الشيخ ابو كرم بن بشارة الاهدني الذي تولى حاكمية الجبة من العام 1674 حتى 1679. وبعد ذلك اصبح الطاحون ملكاً مشتركاً بين آل كرم وآل معوّض، وهو شبيه بالطاحون السابق ذكره من حيث البناء المعماري الجميل والمساحة والاقبية.

 

• طاحون المخاضة العليا: وهو قديم العهد وأقبيته من العقد الحجري، ويقع في الجهة الغربية من البلدة، على ضفاف نهر رشعين.

 

• طاحون المخاضة السفلى: ويسمى اليوم طاحون «ابو زيد» فهو قديم العهد، واقبيته من العقد الحجري وهو يقع على مسافة قريبة من طاحون المخاضة العليا.

الى هذه الطواحين ثمة طواحين اخرى بعضها قديم العهد وبعضها اكثر حداثة (طاحون الزهرية، طاحون الغطيسية، طاحون ابو ديب، وطاحون الحوارة)، والتي تمثل جزءاً مهماً من التراث المعماري الزغرتاوي واللبناني.

 

سيدة زغرتا

تزخر زغرتا بكنائس اثرية وقديمة يفاخر بها الزغرتاويون، اقدمها، كنيسة سيدة زغرتا الشهيرة. فمع وصول الاهالي من اهدن الى البلدة الجديدة كان اول عمل اهتموا به بناء كنيسة الى جانب البرج الشاهق القائم وسط زغرتا. فقبل ان يبدأ الزغرتاويون ببناء بيوتهم، بنوا بيتاً للعذراء مريم شفيعتهم.

العام 1607 سلخ جزء من قلعة زغرتا موقع البرج القبلي الذي كانت فيه كنيسة السيدة، فاعتنى المطران جرجس بن عميرة مع ابناء البلدة بإعادة بناء الكنيسة. والعام 1651 تم توسيعها بمبادرة من المطران الياس الاهدني.

وعندما كثر عدد السكان في زغرتا اهتم الاهالي ببناء كنيسة كبيرة (دائماً على اسم سيدة زغرتا) تستوعب الشعب والزوار في الاحتفالات الدينية. والعام 1761 قام الاهالي بقيادة الشيخ يوسف فرنسيس كرم (جدّ يوسف بك كرم) ببناء كنيسة جديدة كبيرة وهي الكنيسة التي ما تزال قائمة حتى اليوم.

ولما كان البنّاء المشهور حنا صوطو في البلدة يبني احد القصور، استدعاه الخوري رزق يمين لبناء كنيسة سيدة زغرتا الجديدة، فبناها مثلما رسم له خطوط هندستها الزغرتاويون بالاتفاق مع اعيانهم ومطرانهم آنذاك يواكيم يمين الكبير. فجاءت الكنيسة آية في الفن المعماري والهندسة الكنسية: كنيسة على الطراز الماروني الصرف، وفي الوقت نفسه قلعة محصّنة سميكة الجدران يعلوها صف دائري من المرامي للحصار والدفاع، وجعل للكنيسة بابين احدهما للجنوب والآخر للغرب، وهما خفيان يحجب كلاً منهما بناء صغير خارجي كالغرفة بارز عن جدار الكنيسة الاساسي. وهذا الشكل من الابواب المؤدي الى داخل الكنيسة كان القصد فيه منع فرسان الدولة من الدخول بجيادهم الى حصن الكنيسة كما حصل مراراً  في العهد العثماني.

وكانت كنيسة سيدة زغرتا مزدانة بكنوز ثمينة جداً تحوي ستين مصباحاً كبيراً على شكل ثريات من الذهب والفضة، ومقداراً كبيراً من النذور والهبات والتقادم المتوجة بجواهر وسبائك ذهبية وفضية، بما لم يكن له مثيل في كنائس لبنان قاطبة. كما كانت غنية بكتبها الطقسية النفيسة والمطبوعة والمخطوطة.

بيد ان كل هذه الكنوز نهبها الجيش التركي العام 1866 عندما زحف بالآلاف الى زغرتا لمهاجمة بطل لبنان يوسف بك كرم بأمر من المتصرف داود باشا وحكومة الباب العالي. وقد احتل هذا الجيش الغازي زغرتا وهي خالية من اهاليها فأمعن في السرقة ونهب المنازل ولا سيما كنيسة سيدة زغرتا.

العام 1935 رممت الكنيسة بشكل جزئي وسريع، تلاه العام 1974 ترميم شامل بحسب الاصول الهندسية الحديثة، قامت به مديرية الآثار اللبنانية على عهد الرئيس سليمان فرنجية.

كما تمّ ترميم صورة سيدة زغرتا الاثرية بشكل فني على يد الراهب اللبناني الاب عبدو بدوي، العـام 1983.

يذكر ان قناصل فرنسا في مدينة طرابلس جعلوا من حصن الكنيسة مقاماً لأضرحتهم وذلك بالتوافق مع مطران اهدن وكهنتها وأعيانها وشعبها.

 

كنيسة القديسة بربارة

تقع هذه الكنيسة في الجهة الغربية من زغرتا، على الضفة اليمنى من نهر جوعيت وقد شيّدت في اواخر القرن الثامن عشر. وموقعها على ضفة النهر في الحقول، وبين اشجار الزيتون والسنديان يضفي عليها طابعاً مميزاً وحميماً. وكثيراً ما يزورها الزغرتاويون واهل الجوار في محنهم وامراضهم لينالوا بشفاعتها الشفاء والنعم.

وكانت العادة قديماً ان يزور كنيسة القديسة بربارة من بهم سقم او مرض، فيعلقون نتفاً صغيرة من ثيابهم فوق اغصان سنديانة ملاصقة للكنيسة، ثم يدخلون فيصلون وينذرون، واذا كان بين الزائرين مَن به وجع وألم في جسده، كان يلجأ الى حجارة خاصة مباركة قرب باب الكنيسة من الداخل، فيمررها على جسمه عموماً ومكان الوجع خصوصاً على امل الشفاء.

لقد شكّلت كنيسة القديسة بربارة منذ اكثر من مائتي سنة لزغرتا والجوار، مزاراً تقوياً شعبياً وريفياً مميزاً، وقد رممت من الخارج والداخل اكثر من مرة. وقد لبست مؤخراً القديسة بربارة الملقّبة بـ «أحسن جارة» حلة جديدة فخمة.

 

معبد مارت مورا

تكريم القديسة مورا قديم جداً في اهدن، يشهد على ذلك دير مارت مورا الشهير في البلدة الذي تأسس العام 1339. فبعد ان استقر الاهدنيون في زغرتا في بداية العهد العثماني بفترة قصيرة، بنوا معبداً صغيراً على اسم مارت مورا على الجهة الشرقية من زغرتا قرب محلة «معيقل» على ضفة نهر رشعين. وكان يقصده العاملون والمارّون بالبساتين للتبرّك فيضيئون الشموع امام صورة القديسة مورا.

وقد هدم هذا المعبد الصغير واعيد بناؤه أكثر من مرة.. ومنذ حوالى عشرين سنة اعيد بناؤه على الطراز الحديث، وعادت الشموع والزيوت تضاء من جديد في داخله طلباً للشفاعة.

 

كنيسة سيدة الحارة

تقع هذه الكنيسة في الجهة الجنوبية الغربية من زغرتا، حيث كانت عبارة عن غرفة كبيرة هي ملك لوقف زغرتا، ثم تحولت الى معبد كرّس على اسم «سيدة الحارة» وذلك في اواخر العام 1899.

اما لماذا سميت سيدة الحارة، فلأن الاهدنيين كان لهم في اهدن كنيسة قديمة اثرية وعجائبية على اسم سيدة الحارة، فأحبوا ان يكون لهم في مشتاهم «زغرتا» ايضاً كنيسة تحمل الاسم نفسه.

 

كنيسة الحبل بلا دنس

بناءً على طلب اهالي اهدن - زغرتا وراهبات المحبة اللعازارية في طرابلس والمرسلين اللعازاريين، رحب البطريرك الماروني الياس الحويك بالاتفاق مع وكلاء اوقاف اهدن - زغرتا العام 1903 بإعطاء راهبات المحبة اللعازاريات قطعتي ارض كبيرتين لبناء مدرستين الاولى في اهدن والاخرى في زغرتا.

وقد قامت رئاسة راهبات المحبة بطرابلس، بمعونة المرسلين اللعازريين ببناء دير ومدرسة في كل من اهدن وزغرتا، على الطراز الحديث، وداخل اسوار دير زغرتا، شيدت كنيسة على اسم العذراء مريم «سيدة الحبل بلا دنس».

كنيسة مار يوسف القديمة

تقع في محلة العبي في الجهة الجنوبية من زغرتا وعلى الجهة اليسرى من طريق زغرتا - اهدن وهي حديثة العهد نسبياً يعود تاريخها الى العام 1947.

اما الكنائس الجديدة فعديدة ومنها كنيسة مار يوحنا المعمدان، وكنيسة مار يوسف (الجديدة) وكنيسة مار مارون.

 

مدرسة مار يوسف الرائدة

تشكل مدرسة مار يوسف - زغرتا صفحة مميزة من تاريخ زغرتا الحديث والمعاصر ولعلها تختصر بشكل من الاشكال، قسمات وملامح هذا التاريخ.

فمنذ نشأتها وطوال ثلاثة قرون متواصلة، ما تزال جدران هذه المدرسة تلقي بثقلها على جدران كنيسة سيدة زغرتا الملاصقة لها . وتعتبر اقدم المدارس النظامية في الكنيسة المارونية ولبنان.

ومدرسة مار يوسف زغرتا هي ثمرة مبادرة شخصية من قبل مطران اهدني مولع بالعلم هو جرجس بن سركيس عبيد الاهدني الملقب بـ «بنيامين».

كانت المدرسة منذ انشائها رائدة في القرن السابع عشر، وكانت برامجها الدراسية شبه نظامية من حيث تنوع المواد وتدرجها وفقاً للعمر ومستوى الاستيعاب.

وكان اساتذتها من ذوي الاختصاص والخبرة، واضطلعت بدور اساسي في نمو الحياة التربوية والثقافية في زغرتا والشمال منذ اواخر القرن السابع عشر حتى اواسط العشرين.

تمّ اولاًَ بناء الاقبية المحاذية للكنيسة التي كانت صفوفاً لأحداث البلدة على ان تكون مجانية. بعدها شيّد المؤسس غرفاً علوية لسكن الاساتذة، الذين كانوا من ذوي الاختصاص وقد بقيت الاقبية القديمة على حالها حتى اليوم.

وفتحت الكنيسة ابوابها اواخر العام 1696 واستقبلت المدرسة الطلاب من زغرتا والشمال حيث كانت صفوفها تتدرج صعداً وفقاً لأعمارهم. وكانت مواد التدريس تلقّن تدريجاً بالنسبة الى مستوى الصفوف والاعمار.

العام 1733 عهد مؤسس المدرسة بإدارة شؤونها الى الآباء اليسوعيين واشترط عليهم ان يعلّموا احداث زغرتا والقرى المجاورة مجاناً، وان يشرحوا التعليم المسيحي للشعب ايام الآحاد والاعياد كما يتبين من الصك الذي دوّنه الاب فرنسيس رتز رئيس عام الرهبانية اليسوعية بهذا الشأن.

وفي السنة 1898 استلم المدرسة المونسنيور بولس الخوري يوسف سليمان معوّض الاهدني وجعل من ازدهارها هدفه الاساسي فكرّس لها كل اوقاته ونشاطه. وبالفعل فقد عرفت في ايامه تقدماً وازدهاراً ما جعل من ذلك العهد عهدها الذهبي. وقد تخرّج فيها طلبة كثيرون ألّفوا نواة النهضة الادبية الحديثة في زغرتا والزاوية.

وتقلّبت حال المدرسة بين النجاح والاقفال بعد ان تعاقب على ادارتها عدة مدراء من البلدة ومن خارجها حتى العام 1933 حين تسلمها الاب سمعان عاقلة الاهدني، فاستقدم عدداً كبيراً من الاساتذة والمربين القديرين وجعل الطابق السفلي مدرسة مجانية للاولاد الفقراء، ونال من الحكومة الفرنسية مساعدة مالية سنوية زادت سنة بعد سنة. كل هذا جعله يحوّل المدرسة معهداً مجانياً بالكامل لطلاب زغرتا وجوارها من فقراء وميسورين يتلقنون فيه الدروس المختلفة بالعربية والفرنسية لغاية الصفوف العليا.

وظلت المدرسة سائرة في معارج التقدم والنجاح حتى العام 1947 حين استأجرتها الحكومة اللبنانية من وكلاء وقف زغرتا وجعلتها مدرسة حكومية رسمية، كما هي حالها اليوم.

 

أنهار الخير

تعتبر زغرتا بلدة غنية بالمياه اضافة الى انهار تزخر بينابيع وانهار كثيرة ومنها:

• نهر رشعين: ينبع من جوار بلدة رشعين في زغرتا الزاوية، من لحف جبل ايزال، ويعلو النبع عن سطح البحر حوالى 130م ويلقب محلياً بنبع «الزريقة» لزرقة مياهه. اما النهر فهو ساحلي يبلغ طوله حوالى 10 كلم وتنساب مياهه العذبة والباردة بين بساتين الليمون، ويحيط بزغرتا من الشرق والشمال فيسقي اراضيها ويدير طواحينها، ثم يلتقي بنهر جوعيت في ضواحيها الشمالية الغربية فيصب النهران في نهر قاديشا.

• نهر جوعيت: ينبع من ضواحي اهدن الشمالية الشرقية، وطوله حوالى 20 كلم. ينساب بين عدد من قرى الزاوية، حيث يرفده بعض الينابيع الصغيرة، وبوصوله الى بساتين الزيتون يحيط بزغرتا من ناحيتي الجنوب والغرب الى ان يلتقي في ضواحي زغرتا بنهر رشعين.

ويجدر بالاشارة ان جوعيت هو نهر شتوي بامتياز، ينبع من اعالي الجبال قوياً وينسكب في اودية عديدة، عند وصوله الى المناطق الساحلية يتسبب في بعض الاحيان بفيضانات محلية. فيردد التقليد المحلي: في سنة كذا حصلت «طوفة جوعيت».

 

الزراعة في زغرتا

في القرون الاربعة الاولى بعد انشائها كمشتى لإهدن، ظلت زغرتا بلدة زراعية بشكل تام، تنتج الزيتون والقمح والحبوب وبعض الخضار والاشجار المثمرة الساحلية. وفي الثلث الاول من القرن التاسع عشر عرفت حركة تجارية ناشطة جداً، حتى انها لقبت بـ «البندر» اي المعرض الدائم للحبوب (قمح، شعير، عدس، ذرة الخ...) المعدّ للبيع والشراء والتبادل التجاري القريب البعيد. الى المدن والبلدات اللبنانية الشمالية وصولاً الى المدن والبلدات السورية القريبة من شمالي لبنان.

غير ان الحرب العالمية الاولى اوقفت هذه الحركة التجارية تماماً، فعكف الزغرتاويون على تعلّم الحرف والمهن. وقد اهتم الاهالي فترة من الزمن، بتربية دودة الحرير. ثم عرفت زغرتا في فترة ليست ببعيدة، تطوراً لافتاً في الحرف والمهن المحلية مثل البناء والحدادة وصناعة الاحذية وصناعة القصب والسلال، والخياطة والنجارة والتي تكاد اليوم تتلاشى. ودخلت زغرتا اخيراً في حركة التجارة الحديثة والخدمات السريعة في داخل المدينة وخارجها.

وتبقى زغرتا دوماً مشهورة بزيتونها وزيتها، من حيث الوفرة والجودة معاً. فشجرة الزيتون قد لازمتها منذ مطلع العهد العثماني، وذلك بشكل قريب ويومي. وهي نفسها كناية عن هضبة تحيط بها من كل جانب تلال وهضاب من الزيتون تمتد فتتصل بأكبر مجموعة متواصلة من شجر الزيتون في لبنان: زيتون الكورة وزيتون الزاوية.

 

عائلات زغرتا

يبلغ عدد سكان زغرتا حوالى 20 الف نسمة ويتوزعون على العائلات الآتية: معوّض، دويهي، فرنجية، يمّين، مكاري، دحدح، سعادة، فنيانوس، كرم، الجعيتاني، أبشي، الاهل، مخلوف، المعرّاوي، الرهبان، الحربية، عاقلة، الحلبي، كعوي، صوطو، ترازيا، العريجي، الصيصة، بوطنّوس، الست، الخوام، الحايك، باسيم، العكاري، الزعتيني، ابو زيد، الخازن، اندراوس.

 

مرجع: دليل زغرتا الاب الدكتور يوسف يمين