صيف وعطلات

متعة للأولاد ومتاعب للأهل هل من خيارات لجعلها غير ذلك؟
 

يأتي الصيف، تبدأ العطلة، ويمتلئ البيت بأصوات الأولاد من ساعات الصباح حتى آخر الليل... العطلة الصيفية فسحة ضرورية للراحة ولتجديد النشاط، لكنها قد تكون عبئًا على الأهل؛ خصوصًا إذا لم تكن أوضاعهم الماديّة مريحة. فهل يمكننا التخطيط لصيف ممتع ومفيد من دون أن نرهق ميزانيتنا؟

عودة إلى الروابط والمسؤوليات العائلية
بداية، فلنحاول رسم صورة مختصرة: الأم منهمكة في تحضير العشاء بعد نهار حافل من العمل... ابنتها المراهقة في غرفتها في حديث طويل على الـ"الواتس آب"، تطلب الأم مساعدة، تتأفف الفتاة وتعترض فهي بالأمس رتّبت ثيابها... الأب يتابع برنامجًا تلفزيونيًا، لكنّه منزعج: إبنه الذي بات على عتبة الثامنة عشر "حردان" لأن والده لم يسمــح لـه بالخــروج ولــم يعــره السيــارة، الصغيــر يبكــي... لا أحــد في البيــت راضٍ...

واقع قد يكون يوميًا، لكنّه يتفاقم في العطلة، وهذه العطلة نفسها يمكن أن تشكّل فسحة لإعادة "برمجة" الوضع.
من الضروري الإقرار بأن الإجازة الصيفية متنفّس للطالب فهو يستطيع خلالها أن يمارس هواياته، وينمّي مواهبه، إذًا يمكن أن نبدأ من هذه النقطة، بحيث نوفّر لأولادنا فرص ممارسة هواياتهم وتطوير مواهبهم، فقد تتحوّل هواية إلى حرفة في المستقبل وقد تتطوّر موهبة وتصقل لتصل إلى حدّ الإبداع.
في المقابل، ينبغي أن نفكر باستغلال الفرصة للتركيز على إكساب أولادنا مهارات أساسية لتعزيز نموّهم جسديًا واجتماعيًا ونفسيًا. فنمط الحياة السائد، منحهم فرصًا كبيرة من خلال التكنولوجيا وما تتيحه من مجالات أمامهم، لكنّه في الغالب أبعدهم عن ممارسة نشاطات ضرورية لتنمية شخصياتهم بمختلف أبعادها.
بداية مع الفتيات اللواتي يمكنهن مساعدة أمهاتهن في ترتيب الغرف والأعمال المنزليّة؛ فالحياة العصرية جعلت أولادنا ينساقون غالبًا إلى نمط من العيش يفتقر إلى المشاركة في المسؤوليات المنزلية والعائلية. الفتاة تجد حرجًا في أعمال التنظيف والترتيب وسواها، وكأنها أعمال تخصّ فقط الأمهات والجدات بالأولوية عاملات المنازل.
الفتيات من ناحيتهم قد يعتبرون أن الأعمال المنزلية شأن خاص بالإناث فقط، وبالتالي فهم غير مستعدّين للمشاركة حتى في أبسط الأعمال مثل ترتيب أغراضهم أو ثيابهم، أو حتى في رفع الصحون عن المائدة... ينبغي ربما أن نعيد الاعتبار إلى مسألة المشاركة في تحمّل الأعباء، وكلٌ وفق ما يستطيع القيام به. هذه المشاركة أساسية في بناء روح المسؤولية من جهة، وهي من جهة أخرى تنمّي الاستقلالية. أولادنا يطالبون باحترام خصوصياتهم واستقلاليتهم؟ فليكن، لكن الاستقلالية لا تقتصر على ما يحقّ لهم به، وإنما تشمل أيضًا ما يتوجّب عليهم. إضافة إلى ذلك فإن المشاركة في مسؤوليات المنزل تعزّز الروابط الأسرية وتجعل كل فرد يشعر بما يعانيه الآخر؛ وتفسح مجالات للتواصل قد يكون من الصعب توافرها في أيام الدراسة.

فضلاً عن ذلك، تُكسب المشاركة في أعمال المنزل أولادنا، مهارات ضرورية. كثيرات هي الفتيات اللواتي يُقدمن على الزواج وليس لديهن القدرة على تدبير أمورهن المنزلية، وكثر هم الشباب الذين لا يعرفون كيف يغيّرون مصباحًا كهربائيًا...

من حيث يحبون
ليس من اليسير أن ننتزع أولادنا من الأجواء التي يعيشونها ونعود بهم إلى الماضي، وحتمًا ليس هذا ما نريده؛ وإنما يمكن أن نجعلهم يتشاركون معنا بعض المسؤوليات إنطلاقًا مما يحبون فعله: ماذا تريدون أن نأكل غدًا؟ إبحثوا عن وصفات جديدة في الإنترنت، وسوف تقومون بتحضيرها. ربما كانت هذه طريقة جيدة لتعليمهم الكثير من المهارات ولجعهلهم يشاركون في الكثير من الأعمال، مثل الطهي، العناية بالحديقة وزراعة بعض الأصناف، وأعمال التصليح الخفيفة، أو شراء حاجيات المنزل الصغيرة، وترتيب الخزائن، وتنظيم الصور الفوتوغرافية...
وهوس الأولاد بالتكنولوجيا الحديثة يمكن استثماره بطريقة مزدوجة: أولاً من خلال تعليمهم بعض برامج الكمبيوتر ليكون جلوسهم أمام الشاشة أكثر إفادة، مثل برامج الـ word أو الـ Paint أو الـ Power Point. وثانيًا من خلال التعلّم منهم في هذا المجال؛ فمعظم الفتيان والفتيات اكتسبوا مهارات استخدام التكنولوجيا الحديثة أكثر من أهلهم، ويمكن الاستفادة من معارفهم في هذا المجال سواء لتعليم الأهل أو لتعليم الإخوة الأصغر.
 

فكريًا وجسديًا
إن الرياضتين الفكرية والبدنية مهمتان جدًا خلال العطلة؛ فالقراءة من أهم الأنشطة الثقافية التي ينبغي إيلاؤها الاهتمام الأكبر لدى الأبناء، لكن الطريقة التي تمارس فيها خلال الإجازة الصيفية، تختلف عن تلك التي تمّ اتباعها أثناء العام الدراسي. فالتنوّع والمشاركة وزيارة المكتبات، تجذب الاهتمام إلى اقتناء الكتب والحصول على المعلومات بطريقة إختيارية وليس إجبارية.

أما الرياضة فهي أهم عامل لتحسين المزاج والتسلية؛ ومعها يمرّ الوقت بسرعة كبيرة، ويبني الجسم السليم والارادة الصلبة. وفي هذا الإطار يمكن الالتحاق بنادٍ رياضي أو إحضار قرص مدمج خاص بالتمارين الرياضية وممارستها في المنزل.
التفاعل مع الآخرين

كما سبق وذكرنا، تتيح العطلة وقتًا أطول للتفاعل بين أعضاء الأسرة، ولبناء التواصل الإيجابي بينهم. لذا فإن الإجازة الصيفية المستغلّة استغلالاً جيدًا من قبل الأبوين تقوّي أواصر الصداقة الأبويّة مع الأبناء، لأنها تضع الجميع في قالب واحد أثناء ممارسة الهوايات أو إجراء المسابقات الترفيهية، وحتى يكون الأهل أكثر اطمئنانًا، ينبغي أن يتشاركوا مع أولادهم في الأنشطة الترفيهية والرياضية والاجتماعية وفق برنامج متوازن؛ كما يمكنهم عيادة مريضٍ معًا، أو القيام بأعمال خيرية، كما يمكن أيضًا القيام بزيارات للأقارب والأصدقاء للإبقاء على التواصل العائلي، فالإغراق في استخدام الكومبيوتر وسواه من منتجات التكنولوجيا، حرم أولادنا من التواصل الحقيقي مع الناس.
ولأن مساعدة الآخرين تصقل شخصية الناشئين وتشعرهم بالرضى عن الذات، فإن العمل التطوعي في أية مؤسسة أو جمعية خيرية والعمل لأجل قضية نبيلة من الخيارات المهمة للعطلة. فلينضمّ الأولاد في الصيف إلى الجمعيات الكشفية ويشاركوا في نشاطاتها، التي تربّي الولد على الطاعة والتعاون والجرأة والإقدام والمسؤولية، وتتيح لهم في الوقت نفسه مساعدة الآخرين.

نشاطات جديرة بالإهتمام

الرحلات السياحية التي تعرّف أولادنا ببلادهم.
زيارة المتاحف والأماكن الأثرية.
تعلّم لغة جديدة.
تعلّم صيد الأسماك.
تصوير فيلم قصير.
متابعة دروس على إحدى الآلات الموسيقية، وفي الرقص والغناء.
المشاركة في المخيمات.
تعلّم مهارات يدوية أو حرفية.