تكريم

قائد الجيش يزور مسقط رأسه مكرَّمًا
إعداد: ندين البلعة

ساحة في بعذران على اسم العماد قهوجي

بالزفّة والزغاريد، استقبلت بلدة بعذران الشوفيّة ابنها العماد جان توفيق قهوجي قائد الجيش الذي عبّر عن فخره بالإنتماء إلى هذه البلدة الشوفية... فبدعوة من أهالي البلدة ومجلسها البلدي والرابطة الثقافيّة الإجتماعيّة فيها، كرّمت بعذران العماد قهوجي بمناسبة إطلاق إسمه على ساحة البلدة الرئيسة، في 29/5/2011.


الإستقبال
وصل العماد قهوجي إلى بعذران مع عقيلته السيدة مرلين وابنته جوانا وزوجها، وكان في استقبالهم عدد من نواب قضاء الشوف، وممثل شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، وأعضاء المجلس المذهبي الأعلى للطائفة، ومطران صيدا للموارنة، وقائمقام الشوف، وحشد من الشخصيات الرسمية والإجتماعية والثقافية، إلى جانب أعضاء المجلس العسكري، وعدد من كبار ضباط القيادة، ورؤساء أركان الجيش السابقين، وممثلين عن الأجهزة الأمنية، ووفود من أهالي البلدة والقرى المجاورة.
«أنتَ من الجبل ولكنك لكل لبنان»... واحدة من اليافطات التي ملأت الطرقات المؤدّية إلى بعذران، ترحيبًا بالعماد قائد الجيش.
أمر قائد قوى التشريفات بالتأهب، وعُزِفت عزفة قائد الجيش، إيذانًا بوصوله. وبينما استعرض العماد قهوجي القوى، علا التصفيق وانطلقت الموسيقى والأغاني المرحّبة بالقادم العزيز. نُحِرت الخراف، زغردت النساء ونثرن الورود والأرز... إنه لعرس حقيقي في بعذران. الكبار والصغار، الشباب والعجائز، كلّهم أحاطوا بابن بلدتهم ومصدر فخرهم... وكان لقاء حميم قبل أن ينتقل الجميع إلى الكنيسة للمشاركة بالذبيحة الإلهية التي احتفل بها مطران صيدا للموارنة الياس نصّار، في كنيسة مار الياس.

 

بعذران مثال الوحدة
المطران نصّار رحّب بالعماد قهوجي في عظته: «لقد حللت بين أهلك وأحبائك، ولك حبّ كبير في كل قلب ونفس حيث أشاهد عرسًا وفرحةً تعمّ الحاضرين بأطيافهم كافة، لأنك ابن البلدة وعلى رأس المؤسسة التي ترمز إلى وحدة هذا الوطن وشعبه وعناده وحريته... المؤسسة التي هي الضمانة الوحيدة والأمل للبنان».
وتابع:  «لقد اختارك الله لقيادة هذه المؤسسة لأنك من بلدة تتسلّح بالعيش المشترك واليد الواحدة والتآخي والتعاضد بين المسيحيّين والموحّدين الدروز... أنتَ يا حضرة العماد من منطقة نموذجية في قلب الشوف، عن لبنان واحد موحّد، وقد طُبِعَت فيك صفة رجل الوطن والمناقبية».
ثم سأل الله التوفيق لقيادة الجيش في هذه المرحلة الدقيقة، لتبقى المؤسسة العسكرية الضامن الأول والوحيد للبنان...

 

الإحتفال
إلى ساحة الإحتفال، النشيد الوطني افتتاحًا، ومن ثم الكلمات. الأستاذ بسام عبد القادر الذي قدّم الحفل بادر إلى القول: «صعب الترحيب بصاحب الدار في داره... لقد قلتَ يومًا: وطننا لبنان هو ابن الصخر والتراب والثلج والماء، ولكن إن دعا الداعي إلى الحرب والمعارك دفاعًا فإننا نوقد النار... وها أنتَ اليوم تحلّق في سماء الوطن، حاميًا حارسًا بعين نسرٍ وقلب أسدٍ وقبضةٍ من نار على رؤوس من عاداه...».

 

«بعذران... أهلي وأصدقائي»
وجّه قائد الجيش كلمةً الى أهالي البلدة عبّر فيها عن فخره بالإنتماء إلى هذه البلدة الشوفيّة التي هي أصدق رمزٍ للوحدة الوطنية، حيث قال:
«أيها الأعزاء، أحضر بينكم اليوم مكرّمًا فألف شكرٍ لكم. أقف اليوم في بلدة ضمَّ ترابها رفات أجدادي، ومنها ارتحل والدي، رجل الأمن، يزرعنا في أرض لبنان، سنابل أثقلـها العنفـوان والكـرامة، وانحنت أمام حب الوطن بعد عبادة الله جلّ جلاله.
في بعذران، بيـت المساعدة، بيت المسعف والمنجد، أقف بين أهل وأصدقاء، يحتضننا تاريخ عريق في الحكمة والبطولات، وهـاكم العمائم البيــض المنيفة تشهــد على ذلــك بكل صدق.
أيها الأعزاء، أقف في بعذران الراتعة في قلب جبل لبنان، وصور رجاله الرجال، يصنعون تاريخ لبنان تتزاحم في ذهني. أستذكرهم اليوم يقفون وقفات عزّ، يعلون مداميك لبنان الإستقلال، يحملونه في عقولهم فكرًا يتطوّر وعلى أيديهم وطنًا يبدع. وأسأل الله تعالى أن يسدّد خطاي على الدروب التي رسموها لنا، فأسهم من خلال مسؤوليتي قائدًا لجيش لبنان، في بلوغ ما صبوا إليه وتحقيق حلم راودهم.
أيها الحفل الكريم، إن الجيش اللبناني يقف إلى جانب مواطنيه أينما كانوا، في أيّ فصلٍ وتحت أيّ عنوان، من الوقوف ضدّ أطماع العدو الإسرائيلي ومواجهة اعتداءاته، والتنبّه إلى مؤامراته التي تختلف شكلاً وأسلوبًا من وقت إلى آخر، مرورًا بالتصدّي للإرهاب بأشكاله كافة، كائنةً ما كانت أحجام محاولاته للنيل من الكيان اللبناني، مجتمعًا وصيغة عيش وتضامن، وصولاً إلى حتمية الحفاظ على الأمن والإستقرار، وهما حقّ واضح ومشروع لكل مواطن، مع ما يتبع ذلك من مشاركات ممكنة لهذا المواطن في شؤون عمله ومسيرته اليومية، وشرعيّة حريّته في التعبير عن الرّأي، وفي الحياة الكريمة على كل صعيد.
أيها الحفل الكريم، تعيش المنطقة العربية منذ شهور، مخاضًا سياسيًا واجتماعيًا يختلف بين دولة وأخرى، من شأن تأثيراته أن تترك انعكاساتها في أكثر من اتجاه. نحن بالتأكيد، معنيون بالوضع في بلدنا قبل أي شيء، لكننا معنيون أيضًا بتجنّب أي عمل ينعكس سلبًا علينا وعلى غيرنا، أو يُحسب تدخلاً في شؤون الآخرين. كما أنّ ذلك لا يلغي أبدًا تعاوننا مع أشقائنا، خصوصًا في ما يتعلّق بتطوير مؤسّستنا العسكرية، إعدادًا وتدريبًا وتجهيزًا، وضبط حدودنا وإحياء عمل مؤسساتنا، وشؤون كلّ بيت بأي حال خاصّة بأبنائه، وهم أدرى بشعابه وتفاصيله. ومن الطبيعي أن يتركّز اهتمامنا في لبنان على منع الرّجوع إلى الوراء، وتفويت الفرص على المصطادين في الماء العكر، والساعين إلى زرع الشقاق في المجتمع الواحد. ونحن، الجيل الذي عرف مرارة تلك الحالات في بداية إطلالته على الحياة، لن ندع ذلك يصيب الأجيال اللاحقة، وجيشنا جاهز دومًا لتنفيذ ما تطلبه الأمور، انطلاقًا من قسمه الواضح بالقيام بالواجب كاملاً حفاظًا على الوطن لبنان.
أعزائي في بعذران العزيزة، مواطنين، عسكريين ومدنيين، وزمنيين ورجال دين، مؤسسات تربوية واجتماعية، وهيئات اختيارية وبلدية، إنني أرى فيكم ما أراه في جيش بلادكم، مثالاً للوحدة الوطنية في هذه البقعة الجميلة من الوطن، والمؤسسة العسكرية تتّخذ العبر كما تعلمون، أليس أبناؤها رموزًا إنسانيةً متنوعة ومتآلفة من بلادنا بجميع مناطقها؟
ألا بورِكت جهودكم في الحفاظ على تراث الأجداد، وفي بناء مستقبل الأبناء، وسلِمت قلوبكم العامرة بمحبة الأرض والأهل والجيران والوطن، أما المؤسسة العسكرية فإنها تحسب تقديركم لها، وثقتكم بإنجازاتها، غصن غار تكلّل به ذكرى شهدائها الأبطال.
وفي الختام، مرة أخرى، ألف شكر لكِ بلدتي، وألف شكر لكم أبناءها، وبخاصة من دعا ورعى هذا التكريم».


سنبقى مثالاً
رئيس البلدية السيّد صلاح شاذبك رحّب بالحضور جميعاً، وشدّد على أهمية المؤسسة العسكرية «ليبقى لبنان واحةً للديمقراطية تُصان فيه الحريات الشخصية والعامة، وتتحقق فيه رسالته الحضارية في منطقة تشهد انتفاضاتٍ جماهيرية وثوراتٍ شعبيّة...».
وقال: «...سنكون كما كنّا، مثالاً للتعايش الأهلي في منطقة الجبل والشوف... ومن جديد ندعوك يا ابن هذه الأرض الطيّبة، ويا قائد جيشنا الباسل لتعاود زيارتك لبلدتك التي تحبّك وتقدّر عاليًا نهجك الوطني...».

 

أهالي بعذران
كلمة أهالي بعذران ألقاها الدكتور مفيد قهوجي الذي قدّم إيجازًا عن مسيرة العماد قهوجي العسكرية التي بدأت بالتحاقه بالمدرسة الحربية العام 1973 تلبيةً لنداء الوطن، «حتى تبوّأ المراكز القيادية من آمر سرية، إلى قائد كتيبة، إلى قائد فوج فقائد لواء, إلى قائد للجيش اللبناني بتاريخ 29/8/2008.
وتابع الدكتور قهوجي كلمته ذاكرًا الأوسمة التي حصل عليها القائد، ممعنًا بقراءة أعماله وخطبه وتوجيهاته للعسكريين، مشدّدًا على الثوابت التي يلتزمها. وقد استعان بخطب للقائد للتذكير بالتزامه هذه الثوابت.
وختم:
«... إن لك اليوم في مسقط رأسك نصبًا أبديًا يحفظ اسمك عاليًا، يخلّده ويدوم ما دامت الأرزة التي تتوسّطه، نركن إليه ونستلهم منه الايمان بوطن الرسالة والمحبة».

 

الشاعر الأستاذ جورج شكرالله ألقى قصيدةً للمناسبة بعنوان «صوت الوطن»:
يا قائدَ الجيش نُهنيكَ بمكرمة
لأنتم الوعدُ والأوطانُ تفتقدُ...
الضوءُ في بعذرانَ اليومَ مؤتلقٌ
بابُ القيادةِ قد هلَّ لطلّتك
الدورُ صعبٌ وعنكَ القادرونَ لهُ
أنتَ المثالُ غنًى من تُربةٍ طَهُرَت
إنَّ الرجالَ إذا هبَّت لغائلةٍ
في العهدِ أنتَ التجلّي في مراتبكَ
تلك الجدارةُ قد حيكَت لعاتقكَ
هذي النجومُ إذا انشالت على غسَقٍ
جئنا وفودًا من العالي فمن جبلٍ
تهنّؤًا بكَ أنتَ الصوتُ في وطن
جُلَّ الكرامات فيك الحقُ مؤتمنٌ

دانت إليكم دنوَّ العزِّ والشّرفِ
فلعبةُ السيفِ ليست لُعبةُ الصُدفِ
والزهرُ مرتقصٌ زهوًا ومن شغفِ
فالحالُ فيهِ هو النأيُ عنِ الوجَفِ
كَم هابهم خطرٌ أو شدّةُ القصفِ
من ضيعةٍ عاشَتِ الأخلاقُ في تَرَفِ
هانت وما ظلّت الأجيالُ في وَكَفِ
أنتَ الشبابُ وها الأعداءً في رَجَفِ
فالجيشُ مبتهجٌ والأرضُ في عَرَفِ
هل يجزعُ البدرُ أن تُلقى على الكتفِ؟
نرجو لك الخيرَ والآمالُ في سَرَفِ
عاتٍ على الشرّ أو في الليلِ والعَزَفِ
صافٍ كما الصدقُ حقًّا لِنتَ للوصفِ

 

اختتاماً، أشاد مقدّم الحفل بقائد الجيش، فقال: «كثرٌ الذين يكبرون بمناصبهم لكن المناصب تكبر بك. قالوا عنك وفيك الكثير لكن أكثر ما نكبر فيك هذه المناقب والقيم التي زُرعت فيك وتزرعها في جيشنا ضباطًا ورتباء وأفرادًا، حيث الوطن فوق الجميع ويتّسع للجميع...».
ثم توجّه العماد قهوجي لإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية التي نُقش عليها بعض من كلماته: «يبقى الأهم في معرفة التاريـخ الإطّـلاع على سطوره المضيئة وجعلها قـدوة للأجيال... والإنطلاق إلى بناء المستقبل بخطى واثقة»، لينتقل وعقيلتـه بعد انتهـاء الإحتفال إلى دارة رئيس جبهـة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط في المختارة، الذي أقام حفل غذاء على شرفه.