نحن والقانون

قرار المفوض السامي ما زال ساري المفعول
إعداد: د. نادر عبد العزيز شافي
محام بالإستئناف - دكتوراه دولة في الحقوق

أي قانون يحمي الآثار والأبنية التراثية في لبنان؟
 


التوسُّع العمراني، وحش المال والاستثمارات، الجشع، الجهل، بعض من العوامل العديدة التي اجتمعت في ظل غياب قوانين رادعة، لتشرّع التدمير المنهجي للأبنية التراثية في بيروت خصوصًا وفي المناطق اللبنانية عمومًا. وبينما توظِّف الدول المتقدِّمة تراثها وآثارها في التنمية، نجد أن التنمية في بلادنا توازي إلى حد كبير تخريب تراث معماري وثقافي تكوَّن على مرّ العصور.

الأحكام القانونية التي تحمي الآثار في لبنان


تعود تشريعات حماية الآثار في لبنان إلى عهد الانتداب الفرنسي، وتحديدًا الى العام 1926 عندما أصدر المفوض السامي الفرنسي بونسو القرار الرقم 651/1926 الذي حظَّر استيراد الآثار القديمة من فلسطين والعراق إلا بموجب رخص تصدير خصوصيـة تعطيها السلطات صاحبـة الشأن في البلاد المذكورة أعلاه، وقد اعتبر أن كل استيراد أو محاولة استيراد يخالف أحكامه يكون عمل تهريب جمركـي يقع تحت طائلة العقوبات.  ثم جاء من بعده نظام الآثار القديمة الصادر عن المفوض السامي دي مارتيل بالقرار الرقم 166 ل.ر. بتاريخ 7/11/1933 المتعلِّق بتحديد الآثار القديمة وحمايتها ووضع قائمة بالأبنية التاريخية وتسجيلها وإلغاء تسجيلها والإعلان عنها, إضافة إلى الحفريات والمعاملات التجارية المتعلِّقة بالآثار القديمة والمتاجرة بها وتصديرها والعقوبات على مخالفتها.
كما أشارت المادة 4 من قانون حماية الملكية الأدبية والفنية الرقم 75/99 إلى الأعمال الفنية الفولكلورية التراثية. وكذلك صدرت عدة قرارات تهدف إلى إدخال كنائس أو مساجد أو مدافن أو معابد أو مبانٍ أو عقارات أو أديرة أو هياكل أو جسور أو قصور أو قلاع أو تلال أو غيرها، في لائحة الجرد الأثرية أو اعتبارها أبنية تاريخية أو أثرية أو إخراجها من تلك اللائحة.
هذا وقد انضم لبنان إلى عدة إتفاقيات دولية متعلِّقة بالآثار التاريخية القديمة، منها:
- اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي الصادرة بتاريخ 23/11/1972 التي أنشأت لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة لجنة دولية حكومية لحماية التراث الثقافي والطبيعي ذي القيمة العالمية الاستثنائية، تعرف باسم «لجنة التراث العالمي». وقد انضمَّ لبنان إلى هذه الاتفاقية بموجب القانون الرقم 30/1982.
- اتفاقية الأونيسكو لحماية الآثار لمنع تصدير واستيراد ونقل الممتلكات الثقافية بصورة غير مشروعة، والتي انضم اليها لبنان بموجب القانون الرقم 21/1990.
- اتفاقية حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه الصادرة عن المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة تاريخ 2/11/2001، والتي انضمَّ اليها لبنان بموجب القانون الرقم 722/2006.
يضاف إلى ذلك العديد من اتفاقيات التعاون والتنسيق بين لبنان وعدة دول عربية وأجنبية ومنظَّمات دولية، وعقد عدة مؤتمرات وندوات محلية ودولية، متعلقة بقضايا الآثار.

 

تحديد مفهوم الآثار القديمة
وفق المادة الأولى من نظام الآثار القديمة (الصادر بالقرار الرقم 166/1933) تعتبر آثارًا قديمة جميع الأشياء التي صنعتها يد الانسان قبل العام 1700 مهما كانت المدينة التي تنتمي اليها هذه المصنوعات. وتعتبر شبيهة بالآثار القديمة وخاضعة لقواعد هذا القرار الأشياء غير المنقولة التي صنعت بعد العام 1700 وفي حفظها مصلحة عمومية من وجهة التاريخ والفن وقيّدت في «قائمة الجرد العام للأبنية التاريخية». وتكون الآثار القديمة غير منقولة أو منقولة.
الآثار القديمة غير المنقولة هي:
- كل عمل صناعي فوق الأرض له شكل جيولوجي .
- كل تشييد أو بناء قديم أو بقايا أو آثار أبنية قديمة لها هيكل ظاهر فوق الأرض أو غير ظاهر.
- كل شيء منقول مثبت في الأرض أو في البناء بصورة دائمة.
- جميع المواقع الطبيعية التي أعدتها أو استعملتها الصناعة البشرية مثل الملاجىء تحت الصخور والمغاور والصخور المشتملة على تصاوير أو نقوش أو حفر أو كتابة.
والآثار القديمة المنقولة هي: كل شيء أو بقايا شيء صنعته أو شغلته أو حوَّرته يد الانسان وهو غير داخل في الفئات السابقة.
وإذا وقع اختلاف بهذا الصدد يقرِّر مدير دائرة الآثار (التي حلَّت محلها المديرية العامة للآثار) إذا كان الشيء المختلف عليه هو أثر قديم أو أثر غير قديم وإذا كان أثرًا منقولاً أو غير منقول.
وقد اعتبرت المادة الأولى من اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي تاريخ 23/11/1972، أن «التراث الثقافي» يعني: الآثار وهي: الأعمال المعمارية، وأعمال النحت والتصوير على المباني، والعناصر أو التكاوين ذات الصفة الأثرية، والنقوش، والكهوف، ومجموعات المعالم التي لها جميعًا قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر التاريخ، أو الفن، أو العلم.

 

ملكية الآثار القديمة
تعتبر الآثار القديمة غير المنقولة ملكًا للدولة ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك. ويكون على الأفراد أو الأوقاف والطوائف والجماعات، وبصورة عامة الأشخاص ذوي الحقوق الخاصة، (الذين يدَّعون ملكية آثار قديمة منقولة أو غير منقولة) أن يثبتوا حقوقهم وفق القوانين العادية.
وتعتبر الآثار القديمة غير المنقولة العائدة للدولة جزءًا من أملاك الدولة العمومية، وهذه الملكية لا تسقط بمرور الزمن.
ويحق للدولة دائمًا أن تقيِّد أثرًا قديمًا غير منقول يملكه أحد الأفراد أو أحد الأوقاف أو غيرهم في قائمة «الجرد العام للأبنية التاريخية» وأن تلاحق تسجيله، وأن تسجِّل أثرًا قديمًا منقولاً يملكه أحد الأهالي أو الأوقاف أو غيرهم. كما يحق لها دائمًا أن تنزع، وفق القوانين النافذة، ملكية أثر قديم غير منقول مسجَّل أو مقترح تسجيله وهو ملك لأحد الأهالي لقاء تعويض عن الضرر الحالي الأكيد الناجم عن نزع الملكية، ولا يعتبر هذا التعويض كقيمة الأثر القديم.
أما بالنسبة إلى الآثار التي تم اكتشافها بعد العام 1933 فهي الآثار التي تكتشف صدفة أو تكتشف في الحفريات المرخص بها قانونيًا. وعلى كل من اكتشف خارجًا عن الحفريات المرخَّص بها قانونًا، في أي مكان كان أو في أي ظروف كانت أو في أثناء أي عمل كان، أثرًا قديمًا أن يقدِّم خلال 24 ساعة من اكتشافه تصريحًا به للسلطة الإدارية الأقرب إليه، وهذه تعطي علمًا بذلك في وقت واحد ومن دون إمهال إلى مدير دائرة الآثار القديمة (المديرية العامة للآثار) وأمين متحف المنطقة الوطني. ويكون الأثر القديم المكتشف على هذه الصورة ملكًا للدولة، إلا إذا كان جزءًا من بناء يملكه فرد أو وقف أو طائفة أو شخص معنوي أو غيرهم، وفي هذه الحال يصرح بأن الأثر هو ملك صاحب العقار.
إذا اكتشف الأثر في أرض محروثة أو مبنيَّة وهي ملك لأحد الأفراد أو الأوقاف أو غيرهم، يكون أيضًا ملكًا للدولة التي عليها أن تعوِّض على أصحابه الضرر الذي قد يلحق بهم.
ويحق لرئيس الدولة الذي يمثِّله مدير دائرة الآثار (المديرية العامة للآثار) وأمناء المتاحف الوطنية، في مهلة ثلاثة أشهر من تقديم الأثر له أو إعلامه به من قبل السلطة الإدارية التابع لها محل الاكتشاف، شراء الأثر القديم المنقول (المكتشف صدفة بعد العام 1933) بدفعه للمكتشف مبلغًا يمثل قيمة الأثر. ويتم تعيين ثمن الأثر بالرضى في ما بين ممثل رئيس الدولة والمكتشف، وإذا لم يتم الاتفاق فيعيِّن الفريقان حَكَمًا يكون قراره غير قابل للاستئناف، واذا لم يتفقا على اختيار هذا الحكم فيعيِّن كل منهما حكمًا ويعيِّن المفوض السامي حكمًا ثالثًا(1)، وهذه اللجنة التحكيمية تبتُّ في الخلاف بأكثرية الأصوات.
ولا يجري حق المكتشف إلا على الشيء الذي اكتشفه فعلاً ومباشرة، وليس على الآثار التي تكتشف في حفريات تجري على أثر هذا الاكتشاف الاتفاقي وبسببه.
إذا لم تستعمل الدولة حقَّها في شراء ذلك الأثر المنقول تبلغ قرارها بواسطة ممثليها، في المهلة المفروضة، مكتشف الأثر الذي يصبح ابتداء من تاريخ تسلّم التبليغ مالكًا للأثر، على أن يُذكر في التبليغ اسم المكتشف وشهرته وصفته ومحل إقامته وكذلك مميِّزات الأثر بالاختصار ورقمه المتسلسل ويؤرخ ويوقَّع ويمهر بخاتم الدائرة ذات الصلاحية. ويعتبر هذا التبليغ كسند ملكية، لكن الدول في أي وقت كان، لا تحتفظ بحقها في تسجيل أثر قديم منقول اكتشف صدفة.
وكل من يتلف أثرًا مكتشفًا أو يشوِّهه أو يضربه بأي نوع كان خلال المدة المعطاة للدولة لتستعمل حقَّها بالشفعة يعاقب بجزاء نقدي من 2500 إلى 1000000 ليرة لبنانية(2)، ويكون بيع المكتشف للأثر لاغيًا إذا جرى البيع قبل أن تعلمه الدولة بقرارها. كما يعاقب المرتكب بالسجن من 8 أيام إلى ثلاثة أشهر وبجزاء نقدي من 1000 إلى 50000 ليرة لبنانية أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، ويعتبر مالكًا سيىء النية لا يمكنه تملّك الآثار المكتشفة بحجة طول مدة امتلاكه لها.
ويحق للدولة أن تقيم الدعوى في أي وقت كان لأخذ الأثر من هذا المالك السيىء النية.

 

حماية الآثار القديمة
منع القانون بصورة عامة إتلاف الآثار القديمة المنقولة أو غير المنقولة وإلحاق الضرر بها وتشويهها ووضع أي كتابة عليها أو إشارة أو حفرها، كما منع امتلاك أي مواد هي من بنايات قديمة أو كانت لبنايات قديمة ومنع بيعها وشراءها من دون رخصة. وكل مخالفة لذلك يعاقب مرتكبها بجزاء نقدي من 2500 إلى 1000000 ل.ل.(3)، ولا يمنع ذلك من إقامة الدعوى بالعطل والضرر.
ولا يمكن تقرير الخرائط المتعلِّقة بتوسيع المدن وتجميلها إلا بعد موافقة المديرية العامة للآثار، حيث يشترك مهندس من هذه المديرية في وضع الخرائط، وعندما يكون الأمر متعلقًا بمحلة فيها المصلحة الأثرية أهم من كل مصلحة سواها يضع مهندس من المديرية القديمة هذه الخرائط.

 

قائمة الجرد العامة للأبنية التاريخية
يفتح في كل دولة سجل معد لجرد الأبنية التاريخية العام، ويفتح سجل مثله في مديرية العامة للآثار ويقيد في هذا الجرد:
1 - الآثار القديمة غير المنقولة التي هي ملك الدولة.
2 - الآثار القديمة غير المنقولة التي هي ملك للأفراد أو للأوقاف أو للأشخاص المعنويين أو للطوائف أو للجماعات، والتي في حفظها مصلحة عمومية فنية أو تاريخية.
ويتم تبليغ هذا القيد إداريًا للمالكين ذوي الشأن، ويذكر أيضًا هذا القيد في السجل العقاري في صحيفة العقار ضمن القسم المخصص لذكر قيود حق التصرُّف. ويوجب القيد على أصحاب الملك أن لا يباشروا على أرضهم أدنى تحوير في العقار أو في قسم من العقار المقيد، ويجب عليهم بصورة عامة ان لا يأتوا عملاً من شأنه تغيير منظر الأثر أو تغيير ميزته من دون أن يُعلِموا قبل شهرين المديرية العامة للآثار عن نيتهم هذه وأن يعينوا التحويرات أو الأشغال التي ينوون إجراءها. وكل مخالفة لذلك يعاقب مرتكبها بجزاء نقدي من 2500 إلى 200000 ل.ل. إضافة الى إمكان إقامة دعوى عليه بالعطل والضرر.
وكل بيع لأثر مقيَِّد في الجرد يجب أن يبلغه البائع المديرية العامة للآثار خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ البيع. وكل مخالفة لذلك يعاقب مرتكبها بجزاء نقدي من 100 ليرة إلى 20000 ليرة لبنانية.

 

تسجيل الأبنية الأثرية
بصورة عامة، تُسجَّل الآثار القديمة كآثار تاريخية بموجب مرسوم من رئيس الدولة يصدر بناء على اقتراح مدير المديرية العامة للآثار أو بعد أخذ رأيه. ويمكن أن يسجل كأبنية تاريخية كل أثر قديم غير منقول أو كل جزء من أثر قديم غير منقول في «الجرد العام للأبنية التاريخية» وكل أرض أو عقار يكون تسجيله لازمًا لعزل عقار مسجَّل عما حوله أو لإبرازه. كما يمكن وضع حقوق ارتفاق شرعية ذات مصلحة عمومية على كل عقار أو أرض واقعة قريبًا من بناء تاريخي، وذلك ليحفظ لهذا البناء التاريخي ميزته الأثرية أو الفنية أو ميزة منظره الرائع.
وابتداء من اليوم الذي تبلغ فيه المديرية العامة للآثار صاحب الملك اقتراح الدولة للتسجيل تطبق بملء الحق جميع مفاعيل التسجيل على العقار المقصود، وتتوقَّف هذه المفاعيل إذا لم يصدر قرار التسجيل خلال الأشهر الستة التي تلي التبليغ.
ولا يمكن هدم البناء المسجَّل أو نقله من محله حتى ولا نقل جزء منه ولا ترميمه أو تصليحه أو تحويره من دون رضى دائرة الآثار القديمة. وكل مخالفة لذلك يعاقب مرتكبها بجزاء نقدي من 5000 إلى 500000 ل.ل. إضافة إلى إمكان إقامة دعوى عليه بالعطل والضرر.
وتكون المصاريف الناجمة عن الأشغال المتعلِّقة بتمكين أو ترميم العقارات القديمة المقيَّدة في الجرد العام أو المسجلة كأبنية تاريخية، على أصحاب هذه العقارات. وإذا كانت الدولة لا تملك هذا العقار فلا تتحمَّل إلا النفقات التي يتطلَّبها ما يجري من الأشغال زيادة عما يلزم للمحافظة على هذا البناء في حالته الحاضرة، وفي هذه الحالة تشترك أيضًا البلديات بهذه المصاريف وفق نسبة تحدَّد في كل مسألة على حدة.
ويمكن أن تجري المديرية العامة للآثار أعمال التصليح أو الصيانة التي تراها لازمة لحفظ الأبنية المسجَّلة أو الداخلة في الجرد التي ليست ملكًا للدولة.
ولا يجوز إسناد أي بناء جديد على عقار مسجَّل، ولا يجوز لصق أي إعلان عليه، ولا أن يجري عليه أي حق ارتفاق كان من دون ترخيص من المديرية العامة للآثار. ولا يجوز نزع ملكية عقار مسجَّل أو مقترح بسبب المنفعة العمومية الا بالاتفاق مع مدير دائرة الآثار القديمة (المديرية العامة للآثار). كما لا يجوز أن يقام على أرض مسجَّلة كأثر تاريخي مستودع للأنقاض او للأقذار، ولا أن تغرس أو تحفر ولا أن يقطع منها شجرة ولا أن يقام عليها بناء أو أعمال سقي أو بناء مقبرة، وبصورة عامة لا يجوز أن تغير حالتها الحاضرة أي تغيير كان من دون ترخيص (من المديرية العامة للآثار). وكل مخالفة لذلك يعاقب مرتكبها بجزاء نقدي من 2500 الى 25000 ل.ل. إضافة الى إمكان اقامة دعوى عليه بالعطل والضرر.
وفي ما يتعلق بالأضرار التي قد تطرأ على أصحاب العقارات بسبب تسجيل العقارات الأثرية، لا تعوِّض الدولة إلا على الأفراد أو على الأشخاص المعنويين من ذوي الحقوق الخاصة خلال شهرين من استلام تبليغ مرسوم التسجيل. وهي لا تعوِّض على الطوائف بسبب تسجيل الأبنية التي هي ملك لها إذا كانت هذه الأبنية مخصَّصة لخدمة الجمهور أو للعبادة. وتُعين لجنة خاصة مبلغ التعويض المعادل للضرر، وإذا رفض هؤلاء قبول قرار اللجنة فتبت محكمة المنطقة في شرعية ادعائهم. ويمكن الاعتراض على حكم المحكمة بجميع وسائل المراجعة العادية.
إن كل بيع يجري على عقار مسجل يجب أن يبلغه البائع خلال الخمسة عشر يومًا من تاريخه إلى المديرية العامة للآثار. وكل مخالفة لذلك يعاقب مرتكبها بجزاء نقدي من 100 ليرة إلى 20000 ليرة لبنانية.
وقد وضع القرار الرقم 166/1933 أحكامًا وعقوبات خاصة لتسجيل الآثار القديمة المنقولة.

 

الغاء تسجيل الأبنية التاريخية
يمكن الغاء تسجيل أثر غير منقول أو منقول مسجَّل بجملته أو بجزء منه بمرسوم من رئيس الدولة يصدر بناء على اقتراح مدير المديرية العامة للآثار أو بعد اخذ رأيه. ويبلغ مرسوم إلغاء التسجيل إلى ذوي الشأن. وإذا كان الأمر متعلقًا بأثر قديم غير منقول فتبلغ نسخة طبق الأصل من مرسوم التسجيل إلى أمين السجل العقاري.
تفتيش الآثار القديمة
يحق لمدير المديرية العامة للآثار أن يأمر بتفتيش الآثار القديمة المسجلة أو المقيَّدة في الجرد الموجودة في ملك خاص. وكل من يملك أثرًا قديمًا عليه أن يسمح لمأموري المديرية العامة للآثار، بفحصه وأن يسهّل لهم أسباب رسمه أو تصويره شمسيًا أو بصورة عامة نسخه. ولا يجوز بيع هذه النسخ المعطاة أو اطلاع الغير عليها أو نشرها من دون ترخيص من صاحبها. وإذا كان أحد يملك بناية مسجَّلة يسمح بزيارتها لقاء رسم دخول، يجب أن يتم تعيينه بالاتفاق مع إدارة دائرة الآثار القديمة (المديرية العامة للآثار).

التنقيب عن الآثار
لا يمكن لأحد القيام بحفريات أثرية من دون رخصة من المراجع المختصة. وتقبل وحسب طلبات الرخص التي تقدم باسم هيئات علمية بقصد إجراء تنقيبات لها صفة علمية. وتكون الآثار المكتشفة خلال الحفريات ملكًا للدولة، على أن يترك قسم منها كتعويض لمن أجرى الحفريات حيث يقوم مدير دائرة الآثار القديمة (المديرية العامة للآثار) بوضع مشروع قسمة للآثار القديمة المنقولة التي اكتشفت في اثناء الحفر.

 

المعاملات التجارية المتعلقة بالآثار القديمة
يمكن الترخيص ضمن الشروط القانونية ببيع الآثار غير المنقولة التي هي للأفراد إذا كانت هذه الآثار مقيَّدة في الجرد العام أو مسجَّلة.
كما يمكن بيع الآثار القديمة المنقولة بالمزاد إذا أجرت البيع السلطة القضائية، أو إذا جرى بالمزاد عند قسمة متروكات ورثة وكان هذا البيع لازمًا. ويحق للدولة أن تعطي مجانًا أو ببدل أثرًا من الآثار القديمة ليس له أهمية أو أن تبادل به أثرًا آخر. ويرخص بهذه العمليات رئيس الدولة بناء على اقتراح أمين المتحف وبعد أخذ رأي المديرية العامة للآثار.
ويمكن الترخيص وفق الشروط القانونية لبعض الأشخاص ببيع الآثار المنقولة، مثل: مكتشفي الآثار القديمة، والأشخاص الذين يملكون آثارًا قديمة منقولة بموجب سند رسمي أو يملكونها عن حسن نية، وأصحاب الآثار القديمة المجلوبة إلى البلاد وقد تحقَّق جلبها بموجب وصل من دائرة الجمارك.
ويمكن الترخيص لتجار الآثار القديمة ببيع الآثار القديمة المنقولة ضمن الشروط القانونية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سمسار أو وسيط يقوم بأعمال تجارية تتعلق بآثار قديمة منقولة.
إلى ذلك نص القرار الرقم 166/1933 على أحكام قانونية خاصة بتصدير الآثار القديمة.

 

واقع الحال والقانون المنتظر
إن التدمير المنهجي لما تبقَّى من أبنية تراثية في بيروت وسواها من المناطق اللبنانية، يهدِّد بتحويل لبنان إلى بلد بلا ذاكرة, ما دفع المجتمع المدني إلى التحرك من خلال جمعيات ومؤسسات حاولت وما تزال حماية ما تبقى من أبنية تراثية وتاريخية. غير أن الإطار القانوني الحالي يبدو غير قادر على توفير الحماية لهذه الأبنية.
وقد علت الأصوات المحذِّرة من تحويل بيروت الى مدينة ليس لديها أيّ تراث، والمطالبة بوجوب إصدار قانون يحمي الأبنية التراثية ليس فحسب في بيروت وإنما في صيدا وصور وجبيل وطرابلس وبعلبك وسواها، بهدف الحفاظ على الإرث الثقافي المعماري والمديني وبهدف تحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية من خلال المراكز الأثرية والتراثية الموجودة في هذه المدن.
إن الحفاظ على التراث العمراني مهم للغاية لكن لا ينبغي الاكتفاء به. ففي كل مدن العالم تمّ تجاوز هذا المفهوم المحدود إلى آخر أكثر إتّساعًا وعمقًا وهو «أماكن الذاكرة» (les lieux de mémoire)، التي ينبغي الحفاظ عليها، سواء كانت طبيعية أم رمزية أم تاريخية أم دينية أم ثقافية أم غيرها.
إلا أن هناك عدّة مشاكل تعترض الحفاظ على التراث العمراني في لبنان، منها:
- المخططات التوجيهية التي تهتم بانشاء الأوتوسترادات والطرقات العريضة على حساب الآثار.
- الاستثمارات المالية العالية التي تحول دون إقناع أي مسؤول أو مالك أو مستثمر بجدوى الحفاظ على الأبنية التراثية.
- عقود الإيجار القديمة التي تجعل من هدم البناء الوسيلة الوحيدة لإخلاء المستأجر.
- كثرة الورثة وتنازعهم في ما بينهم.
- سعي مالكي العقارات والأبنية إلى تجميع الثروات الضخمة من خلال المشاريع والمجمعات السكنية في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار العقارات والشقق السكنية، ليس فحسب في بيروت بل في المناطق اللبنانية كافة.
هذا الواقع يستوجب بذل أقصى الجهود من السلطات والإدارات الرسمية والمؤسسات والمنظمات الدولية والمحلية وغير الحكومية والأهلية من أجل نشر التوعية العامة حول أهمية المحافظة على الآثار التاريخية القديمة، وضرورة سن قانون عصري لحماية الآثار والأبنية الأثرية وتشديد العقوبات في الجرائم الواقعة عليها، وإلا سيستمر التراث الثقافي والتراث الطبيعي مهدَّدّين بالتدمير حتى الاندثار، خصوصًا وأن الأحوال الاجتماعية والاقتصادية المتغيّرة تزيد من خطورة الموقف.
كذلك لا بد من تعزيز التعاون على صعيد المجتمع الدولي لحماية الآثار والتراث الثقافي والطبيعي، والمحافظة عليه وإصلاحه ونقله إلى الأجيال المقبلة. فبعض ممتلكات التراث الثقافي والطبيعي يُمثل أهمية استثنائية يجب حمايتها باعتبارها من مكونات التراث العالمي للبشرية.

 

الهوامش:
1 - لم يعد في لبنان مفوض سامٍ، ولهذا يقتضي تعديل المادة 12 من القرار الرقم 166/1933 لتحديد الجهة التي تعين حكمًا ثالثًا بين الدولة ومكتشف الآثار.
2 - لا شك أن هذه العقوبة وكل العقوبات المنصوص عنها في القرار الرقم 166/1933، ضئيلة جدًا وتستوجب التعديل لتصبح رادعة.
3 - كما تعدلت بالمادة 30 من القانون الرقم 89 تاريخ 7/9/1991، التي رفعت مئة مرة مقادير مختلف الغرامات المحددة قبل العام 1983.