جيشنا

مديرية الهندسة: وجه حضاري مُشعّ
إعداد: روجينا خليل الشختورة

أُضيفت إلى منشآت الجيش في الآونة الأخيرة أبنية جديدة لفتت الأنظار بجمال هندستها وعصريتها، وبالمستوى العالي من الإتقان في تنفيذها. وفي الوقت نفسه، رُمّمت مبانٍ أخرى قديمة لتتلاءم مع المتطلبات والحاجات العصرية مع الحفاظ على طابعها الحضاري.
خلف هذا العمل مديرية الهندسة في الجيش اللبناني التي تمثّل أحد الوجوه الحضارية للمؤسسة العسكرية من خلال دورها المعماري، وأدوار أخرى لا تقلّ أهمية في مجالات الهندسة المختلفة. فهي تُعدّ أعلى سلطة فنية في الجيش، تجمع في أقسامها ومصالحها مهندسين وتقنيّين ذوي كفاءة عالية، يقومون بعملٍ مضنٍ لتأمين أفضل الخدمات لمختلف قطع الجيش، وبأقلّ كلفة ممكنة، لا سيّما في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمرّ بها البلاد عمومًا والمؤسسة العسكرية خصوصًا.


ترتبط مديريّة الهندسة بقيادة الجيش- أركان الجيش للتجهيز، ووفق القانون، تنوب عن إدارات الدولة كافة في ما يتعلّق بالتنظيم المدني والبلديات والدوائر العقارية ودوائر المساحة، وهي المموّن الرئيسي للعتاد الهندسي في الجيش (كهرباء، طاقة شمسية، تدفئة وتبريد، منشآت، تحصينات، مطافئ...). ومن أبرز المهمات التي تتولاها: إعداد الدراسات ووضع دفاتر الشروط الخاصة بالورش قبل تلزيمها، ومراقبتها وتسليمها إلى المستفيدين، تنظيم المواصفات الفنيّة للعتاد الداخل في قيود الجيش واستلامه وتسليمه وخزنه وإدارته وصيانته، واستدراك حاجات المؤسسة السنوية منه. وتتضمّن هذه المهمّة الكشف على المكيّفات ومساعفتها، وتركيب الشبكات الكهربائية ومساعفتها، ومساعفة الآليات الهندسية في الجيش والآليات العائدة للمديريات التابعة لأركان الجيش للتجهيز.
كما تقوم المديرية بمراقبة فواتير العدّادات الكهربائية العائدة لمؤسسات وزارة الدفاع الوطني وتصفيتها، وتسهر على العقارات الموضوعة بتصرّف الجيش من الناحية الفنيّة، فضلًا عن تحقيق وتنفيذ أشغال بالفاتورة بموجب تكليف صادر عن قيادة الجيش عملًا بأحكام المادّة 151 من قانون المحاسبة العمومية وإدارة السلفات الموضوعة بتصرّفها لهذه الغاية، فضلًا عن مهمّات روتينية أخرى.
 

الكفاءة والخبرة
إلى جانب وظائفهم الأساسية، فإنّ ضبّاط المديرية هم أعضاء في عدّة لجان، وخبراء استلام على صعيد الجيش، ومنهم من يُدرّس في الجامعات أو يشرف على إنجاز أطروحات لطلابٍ في مختلف الاختصاصات الهندسية في لبنان والخارج (Online).
يتمتع مهندسو المديرية بكفاءة عالية لطالما تجلّت في جودة الأعمال التي يتولونها وسرعة تنفيذها. وتعود هذه الكفاءة العالية من جهة إلى كونهم من خيرة خرّيجي الجامعات في اختصاصهم، ومن جهة أخرى إلى الخبرة التي يكتسبونها بفضل حجم العمل المطلوب تنفيذه في الجيش. هنا يُذكر أنّ المديريّة تسعى باستمرار إلى تفعيل التواصل مع الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث، بهدف صقل مهارات عناصرها ومواكبة كل جديد في مجال الهندسة، وبالتالي توفير أفضل الخدمات الهندسيّة للجيش وللوطن حيث تدعو الحاجة.


دورات وورش عمل
من أبرز الدورات وورش العمل التي تابعها الضباط المهندسون في المديرية مؤخرًا، الآتي:
- التصميم الإنشائي للمباني الخرسانية لمقاومة الزلازل من خلال استخدام برنامج ETABS.
- دراسة احتياجات المباني من الطاقة الكهربائية وتصميم هذه الاحتياجات بالاعتماد على أنظمة الطاقة البديلة (ألواح الطاقة الشمسية ) من خلال استخدام برنامج HOMER SOFTWARE.
- متابعة جلسات تدريبية حول الأنظمة الحرارية الشمسية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (Online).
- ورشة عمل في جامعة سيدة اللويزة بعنوان "بناء جسور التواصل بين القانون والهندسة والجيش".
- دورة في التصميم المعماري للمباني من الداخل والخارج من خلال استخدام برنامج Autodesk REVIT (Essential).

في المقابل، وبعد موافقة قيادة الجيش، تستضيف المديرية بشكل دوري عددًا من طلاب الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة في لبنان الذين يتابعون فترة تمرّس لديها لمدّة 7 أسابيع في مختلف الاختصاصات الهندسية.

 

الأقسام والمصالح
حجم المهمات الموكلة إلى المديرية يجعل أقسامها ومصالحها في حركة دائمة، عنوانها الأساسي التركيز والالتزام بأقصى درجاتهما.
من القسم الإداري إلى القسم التقني وقسم البحث والتطوير، وقسم التأليل وقسم الأمن والتوجيه، تتوزع المهمات وفق آلية تتيح إدارة العمل وتنظيمه ومراقبة تنفيذه على أكمل وجه.
أما المصالح فهي 5 ولكل منها مهمات محددة:
نبدأ من مصلحة العتاد الهندسي، وهي المموّن الرئيس للجيش ولباقي المصالح في المديريّة على صعيد العتاد الهندسي. فهي تُؤمّن الحاجات "من أزغر برغي إلى أكبر آلة"، وتتابع التغييرات الطارئة على المواصفات المتعلّقة بهذا العتاد. ويقتضي ذلك بالتالي إعداد المهندسين للدراسات والأبحاث اللازمة لتحديد المواصفات الجديدة والتعديلات المفترض تنفيذها لمواكبة التطوّر.

 

ننتقل إلى مصلحة المشاغل المسؤولة عن مساعفة العتاد الهندسي والآليات الهندسية والتي تتولى مهمّات عديدة: فهي تقترح المواصفات الفنية المطلوبة للأشغال التي تتعلّق بمختلف المجالات الواقعة ضمن صلاحيّتها، وتقوم باستدراك الحاجة من المواد الأولية اللازمة لتسيير عمل المشاغل بالتنسيق مع مصلحة عتاد الهندسة، كما تهتمّ بتركيب التجهيزات وتشغيلها وإعادة فكّها وصيانتها عند الحاجة، بالإضافة إلى صيانة مطافئ الحريق في قطع الجيش وتعبئتها، والتأكّد من تنفيذ كل هذه الأعمال بصورة فنيّة صحيحة. ومؤخرًا، أصبحت تقوم أيضًا بإعداد دراسات لتركيب أنظمة طاقة شمسية في المراكز العسكرية والتي تزايد الطلب عليها.


 
تتلخص مهمة مصلحة الممتلكات بالسهر على العقارات الموضوعة بتصرّف الجيش من الناحيتَين الفنيّة والقانونية. إذ تتمثّل المهمّة الفنية لهذه المصلحة بالأعمال الطوبوغرافية على الأرض، من إظهار حدود عقارات وثكنات ومراكز عسكرية، أو رفعها ليتمّ رسمها على الخرائط بغية استثمارها، وإسقاط نقاط المنشآت على أرض الواقع. يُضاف إلى ذلك، تنظيم المخطّطات الإجمالية وطبعها وأرشفتها، وتيويم المجلّدات العائدة لكل المناطق اللبنانية والمعلومات المفصّلة عنها. أما الناحية القانونية من عمل المصلحة، فتتمثّل بتنظيم مشاريع مراسيم الاستملاك وقرارات المصادرة وعقود التخصيص لمصلحة الجيش، ورفعها إلى اللجان المختصة، ثم تنفيذ هذه المراسيم والقرارات والعقود، بالتعاون مع الدوائر الرسمية ومكتب الشؤون العقارية في أركان الجيش للتجهيز.

 

تُعدّ مصلحة الدراسات مكتب دراسات هندسية على مستوى عالٍ من المهنية والاحتراف، وهي تعمل بناءً على أوامر القيادة، إذ تُكلَّف بإعداد دراسات هندسية ودفاتر شروط وكشوفات لمنشآت وأبنية عسكرية، وبتنظيم الملفّات والدراسات الفنيّة الموكلة إلى مديرية الهندسة بالتنسيق مع المصالح المعنيّة. يكشف الضباط (كل وفق اختصاصه) على مكان تنفيذ الورشة أو المشروع، ويبدأ المهندس المعماري بإعداد الخرائط اللازمة لأخذ موافقة المستفيد عليها. ثم تُوزَّع المهمات على الضباط لوضع دفتر الشروط الفنّي الذي يضمّ جداول بكميات الأشغال والمواصفات الفنيّة والخرائط الهندسية.
وخلال العامين المنصرمين، كُلّفت مصلحة الدراسات بأكثر من 1500 مهمة أساسية (دفاتر شروط، دراسات وكشوفات هندسية) نُفّذ منها ما بين 60 و80% من دفاتر الشروط والدراسات والكشوفات المطلوبة.

أخيرًا وليس آخرًا، يأتي دور مصلحة مراقبة الورش التي تقوم بالتفتيش على الورش التي تُنفّذها الوحدات في الجيش، وخصوصًا أقسام ممتلكات المناطق وفوج الأشغال المستقل، والتي تتضمّن أشغالاً مدنيّة وكهربائية وميكانيكيّة.
كذلك، تجري المصلحة اختبارات دائمة على العيّنات التي تستعمل في تنفيذ الأشغال وخصوصًا عينات الباطون، وتتأكّد من مطابقة المواد المستعملة للمواصفات التي يحدّدها دفتر الشروط.


تعكس المباني الحديثة لمنشآت الجيش وجهًا حضاريًا مشعًا ترسم ملامحه كفاءة مهندسيه وخبراتهم، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية والظروف الصعبة في لبنان، استطاعت المؤسسة العسكرية تحقيق نهضة عمرانية في منشآتها ما يدعو للاعتزاز والفخر. في هذا السياق يمكن ذكر عينة من أبرز الورش والدراسات والاستشارات الفنية التي قامت بها مديرية الهندسة في السنوات الأخيرة:
في طليعة الورش تلك العائدة لمدرسة القوات الخاصة – الشيخ طابا، والتي تُعد معلمًا مميزًا بجماليته وحداثته. أما على صعيد الدراسات فنذكر: دراسة لتجميع مباني مديرية المخابرات في محيط وزارة الدفاع الوطني، دراسة لإنشاء مباني مشاغل ومطبخ في قاعدة بيروت البحرية (مخطط حجمي لإعادة إعمار قاعدة بيروت البحرية)، دراسة لإنشاء مدرسة القوات البحرية – جونية، دراسة تأهيل غرفة العمليات الجراحية في المستشفى العسكري المركزي، دراسة لإنشاء الفوج النموذجي في صربين، ثكنة ينطا - فوج الحدود البرية الثالث، ثكنة غوسطا (داني حرب) - الفوج المجوقل، يُضاف إلى ذلك أعمال تجميل داخلي للفندق العسكري – رياق، وهو مبنى عريق يعود إنشاؤه إلى فترة الانتداب الفرنسي في لبنان، وتقديم الاستشارة الفنية للورش الهندسية كافة.


طاقة نظيفة في المراكز العسكرية
بالإضافة إلى أنظمة الطاقة الشمسية التي نفّذت في مديرية الهندسة وفي كلّ من مديرية المشاغل في اللواء اللوجستي وفي أفواج الحدود البرية وفي نادي الضباط المركزي- المنارة، وغيرها في مختلف القطع والوحدات العسكرية قيد الدراسة والتنفيذ، سرّعت الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد مشروع اعتماد أنظمة الطاقة الشمسية في الثكنات والمراكز العسكرية. وبينما تم تركيب هذه الأنظمة في العديد من القطع، العمل مستمر لتصبح الطاقة النظيفة متاحة في جميع مرافق المؤسسة ومنشآتها، مع ما يعنيه ذلك من تسهيل حياة العسكريين، إلى توفير مبالغ طائلة على المؤسسة العسكرية وعلى خزينة الدولة، والإسهام في خفض التلوّث وحماية البيئة. هنا يُشار أيضًا إلى لفتة إنسانية إذ تجاوز تركيب أنظمة الطاقة الشمسية المراكز العسكرية ليشمل منزل عسكري يقتضي وضعه الصحي تلقي الأوكسيجين بشكل مستمر.
لا يمكن إنهاء الحديث عن مديرية الهندسة من دون الإشارة إلى شبكات الطرق التي تولت شقها وتزفيتها في البقاع، والتي يستفيد منها العسكريون للوصول إلى مراكز خدمتهم، كما يستفيد منها المواطنون للوصول إلى أراضيهم، ما أدى إلى نهضة عمرانية وإقامة عدة مشاريع حيوية في المناطق التي تستفيد من هذه الطرق.
وفي جعبة المديرية حاليًا مشاريع قيد الدرس، من بينها إنشاء أفران لتأمين حاجة الجيش من الخبز.


صعوبات... ولكن
تنفيذ المهمات والمشاريع السابق ذكرها لا يسير من دون صعوبات في ظل الأوضاع القائمة، فليس خافيًا على أحد النقص في السلفات والاعتمادات، كما النقص في العديد بسبب عدم التطويع. مع ذلك يستمر العمل، وتستمر إرادة التحدي، ليس فقط على مستوى المهمات الموكلة إلى المديرية أصلًا، وإنما أيضًا على مستوى المهمات الطارئة التي تفرضها الظروف. ومن هذه المهمات على سبيل المثال لا الحصر تلك التي تولتها عقب انفجار مرفأ بيروت، من المشاركة في لجنة مسح وتقدير الأضرار والخسائر، إلى إعداد البيانات الدقيقة بما يجب تأمينه للمتضررين من مستلزمات البناء، والقوائم التي تتضمن أسماء أصحاب المنازل المتضررة، وتوزيع المساعدات والحصص الغذائية.

شعار مديرية الهندسة
شعار المديرية مستوحى من أقسامها وطبيعة عملها والاختصاصات الهندسية التي تتداخل فيها، وهو مؤلّف من:
- الشعلة التي ترمز إلى العلم والمعرفة ومواكبة التطوّر.
- السيف الذي يرمز إلى الحزم والمناقبية العسكرية والانضباط.
- البرج الذي يرمز إلى الهندسة المدنيّة ومهمّة إقامة المنشآت.
- الدولاب الذي يرمز إلى الهندسة الميكانيكيّة.
- البرق الذي يرمز إلى الهندسة الكهربائية.