قانون دولي

مقاضاة إسرائيل: الجرائم والتعويضات
إعداد: ندين البلعة

 

بدعوة من نقابة المحامين في بيروت وضمن سلسلة محاضرات التدرج في النقابة، ألقى المحامي الدكتور أنطونيوس فاروق أبو كسم (الباحث في القانون الدولي)، محاضرةً في قاعة المؤتمرات الكبرى في بيت المحامي، بعنوان «مقاضاة إسرائيل لجرائمها المرتكبة بحقّ لبنان: الآليات المتاحة والحقّ بالتعويض».
تقدّم الحضور العقيد بشارة الخوري (رئيس الدائرة القانونية لدى وزارة الدفاع) ممثلاً وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال الياس المر وقائد الجيش العماد جان قهوجـي. كما حضر الوزير السـابق النقيب عصام خوري، نقيبة المحامين في بيروت أمل حداد، ممثل المدير العام لقوى الأمـن الداخلي اللـواء أشرف ريفي المقدم موسى كرنيب، الأمين العام المسـاعد لجامعـة الدول العـربية السفـير عبـد الرحمن الصلح، وعدد كبيـر من المحامين العاملين والمحامين المتدرجين.
النشيد الوطني اللبناني افتتاحًا، ثم كلمة رئيس محاضرات التدرج المحامي ناضر كسبار الذي عرّف بالمحاضر. بعدها شرع الدكتور أبو كسم بعرض المحاضرة التي شكّلت بحثًا قانونيًا معمّقًا حول مقاضاة إسرائيل لجرائمها المرتكبة بحقّ لبنان، شعبًا وأرضًا ودولةً من منظار القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي والقانون الدولي العام.


الجرائم المرتكَبة
في توصيف الجرائم، تطرّق المحاضر إلى جرائم القانون الدولي الإنساني التي ارتكبتها إسرائيل في حربها على لبنان في تموز 2006 حيث استهدفَت المدنيين بـ 56 مجزرة استعملت خلالها ذخائر محظرة دولياً. وصنّف المحاضر هذه الجرائم في أربعة أنواع: جرائم الحرب، جرائم ضدّ الإنسانية، جرائم الإبادة الجماعيّة وجرائم العدوان (التي تمّ تعريفها مؤخرًا في 11 حزيران 2010 في مؤتمر كمبالا الخاص بتعديل نظام روما للمحكمة الجنائيّة الدوليّة). وبالتالي انتهكت إسرائيل القانون الإنساني العرفي والتعاقدي والمواثيق الدوليّة ذات الصلة.
وتناول المحاضر الجرائم المرتكبة في نطاق القانون الدولي العام، ومنها جرائم التجسّس التي تعتبر عدوانًا سافرًا على لبنان واعتداءً على سيادته وانتهاكًا للقرارات الدولية تحديدًا الفقرة 5 من القرار 1701، وجرائم القرصنة والتعدّي على شبكات الهواتف الثابتة والخلويّة في لبنان، والخروقات اليوميّة للسيادة اللبنانية برًا وبحرًا وجوًا، وانتهاكها القرارين 425 و1701 الصادرين عن مجلس الأمن.

 

آليات قانونية للمقاضاة
في القسم الثاني من المحاضرة، عرض المحامي أبو كسم الآليات القانونية المتاحة لمقاضاة إسرائيل، ففرّق ما بين مقاضاة المسؤولين الإسرائيليين كأفراد، وما بين مقاضاة إسرائيل كدولة.
أربع آليات متاحة لناحية مقاضاة المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم الفظيعة:
الأولى، مقاضاة المجرمين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة إذا أحال مجلس الأمن مسألة حرب تموز 2006 إلى مدعي عام المحكمة (مثلاً تمّت إحالة مسألة ليبيا بموجب القرار 1970 العام 2011) ، كما يمكن لمدعي عام المحكمة أن يشرع في التحقيق من تلقاء نفسه وفق المادة 15 شرط أن يوافق لبنان على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ضمن شروط المادة 12 من نظام روما الأساسي، إذ أنّ لبنان غير منضمّ لمعاهدة روما وإسرائيل كذلك.
أمّا في ما خصّ الآلية الثانية، فيمكن إنشاء محكمة جنائية دوليّة خاصّة من قبل مجلس الأمن للنظر بالانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي وقعت على الإقليم اللبناني. إلا أنّه يُستبعَد تدخّل مجلس الأمن وفق الفصل السابع لمقاضاة المسؤولين الإسرائيليين، سواء كان ذلك أمام المحكمة الجنائية الدولية أو عبر محكمة جنائية دوليّة خاصّة. إذ يرى المحاضر أن هذا الاقتراح يصطدم بحسابات سياسيّة ويتعرّض حكمًا للنقض داخل مجلس الأمن.
الآلية الثالثة، نصّت عليها اتفاقيات جنيف 1949 (التي صادقَ عليها كل من لبنان والعدوّ الإسرائيلي)، فالمادة 146 من الاتفاقية الرابعة «الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب» تتيح للمتضررين مقاضاة مجرمي حرب تموز أمام أيّة دولة طرف في هذه الاتفاقية، علمًا أنّ هذه الاتفاقيّة ملزمة لجميع الدول حيث تعتبر من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
أمّا الآلية الرابعة، فتستند إلى مبدأ الصلاحية الدوليّة الشاملة لعدد من المحاكم الأجنبيّة، التي تنظر بجرائم القانون الدولي الإنساني والمرتكبة خارج إقليمها، كالمحاكم البلجيكيّة، الاسبانيّة، الألمانيّة، الهولنديّة، البرتغالية، السويديّة واللكسمبورغية المختصة بالنظر بجرائم الحرب وفق شروطٍ متفاوتة تتعلّق بالاختصاص.

 

مقاضاة الدولة
في ما خصّ مقاضاة إسرائيل كدولة من قبل لبنان، اعتبر المحامي أبو كسم أنّ الأمر في الشكل يصطدم بإشكالية الاعتراف بإسرائيل كدولة، في حين أنّ لبنان حتّى تاريخه لم يعترف بذلك. ولكن يمكن مقاضاة إسرائيل كدولة أمام محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة فقط، حيث أنّه للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافًا في الدعاوى التي تُرفع للمحكمة. فاستنادًا إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (مصدّق عليها من قبل لبنان وإسرائيل)، يمكن مقاضاة إسرائيل أمام محكمة العدل الدوليّة شرط الرضوخ لصلاحيّتها؛ فلبنان حتّى تاريخه لم يقدّم تصريحًا بقبوله اختصاص المحكمة، أما إسرائيل فقد قدّمت تصريحها العامين 1950 و1956 ولكنها سحبته العام 1985.

 

التعويضات
 في القسم الثالث من المحاضرة، تطرّق أبو كسم إلى حقّ لبنان بالتعويض عن الأضرار الناشئة عن الجرائم الإسرائيلية وخروقاته، حيث استعرض الأضرار الجسيمة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي العام 2006 والأخرى الناتجة عن خرق إسرائيل المتمادي والمتواصل للسيادة اللبنانية. فتطرّق للأضرار البيئية التي لحقت بالمياه الإقليمية (كتلوّث الشاطئ اللبناني)، وأيضًا للأضرار الاقتصادية التي لحقت بالدولة اللبنانية حيث اضطرت الى تخصيص جزء من موازنتها العامة لتغطية الأضرار وللاستثمار في المناطق التي طالها العدوان. بالإضافةِ إلى خسائر الربح الفائت الذي طال القطاع العام والقطاع الخاص، والأضرار الناجمة عن جرائم القرصنة وجرائم التعدّي عل شبكات قطاع الاتصالات وتلك الناجمة عن أعمال التجسّس، مستندًا إلى تقارير رسميّة صادرة عن الدولة اللبنانية وأخرى عن منظمات تابعة للأمم المتحدة.
 أمّا في ما خصّ الحقّ بالتعويض، فالحلّ الأسلم هو اللجوء إلى مجلس الأمن، حيث أنّ اللجوء إلى محكمة العدل الدولية يصطدم بعقبات جديّة، كما وأنّ تنفيذ قرارات هذه المحكمة يتطلّب سنوات.
في الخلاصة، دعا الدكتور أبو كسم الدولة اللبنانيّة، إلى مطالبة مجلس الأمن بإنشاء صندوق تعويضات للبنان أسوةً بصندوق التعويضات الذي أنشأه بموجب قراريه 687 و692 (1991) لتعويض دولة الكويت عن الأضرار التي لحقَت بها من جرّاء الغزو العراقي، خصوصاً وأنّ لبنان عضو حالي في مجلس الأمن (تنتهي ولايته نهاية العام الحالي 2011). وقال إنه يجب عدم تضييع هذه الفرصة، حيث أنّ إسرائيل ملزمة التعويض للبنان عن الخسائر الفادحة المادية والبشرية كافة، التي خلّفتها حروبها وانتهاكاتها المتمادية، حيث أنّ شروط الحصول على تعويض متوافرة في إطار القانون الدولي العام. وشدّد على ضرورة رفع ملفٍ متكامل من قبل الدولة اللبنانية (حول استغلال مياه الليطاني والمياه الجوفيّة من قبل العدوّ الإسرائيلي وحول انتهاكات الحدود البحرية واستغلال الغاز) أمام مجلس الأمن للمطالبة بمقاضاة إسرائيل والتعويض.