متاحف في بلادي

ملكيته انتقلت الى روبير معوض
إعداد: جان دارك أبي ياغي

قصر فرعون متحف للأصالة والسحر وجوهرة  الجواهر التراثية

قصر هنري فرعون درسٌ في التاريخ. صاحبه أعظم من جمع التحف في لبنان. مولع بهوايته الى حد الهوس، متيقظ يُعنى بكل شكل من أشكال الفن العربي، ومنزله الرائع شاهد ينطق بأصالة ذلك الفن.
القصر تحوّل اليوم الى تحفة في علبة مجوهرات مخملية تعود الى فنان المجوهرات الذائع الصيت عالمياً السيد روبير معوض، الذي أعاد تأهيله  وترميمه وتحويله الى متحف دائم إيماناً منه بأنه ثروة أثرية وفنية من الثروات الوطنية الثمينة.
يعرض المتحف قطعاً تزيينية تاريخية، وفخاريات من العهود القديمة، وألواحاً خشبية أعيد تجميعها، الى قطع فنية فريدة تتراوح بين الكتب القديمة والمجوهرات النادرة الحديثة. متحف يستطيع أن يتقاسم رؤيته الى
 المستقبل مع الجذور الثقافية العميقة.
جولة في أرجاء القصر ­ المتحف تلقي الضوء.

 

انتقال الملكية

بتاريخ 22 حزيران عام 1991، انتقلت ملكية قصر هنري فرعون الى روبير معوض أحد المشاهير في حقل صياغة المجوهرات، الذي معه تحققت أمنية هنري فرعون التي طالما رددها: "أتمنى منزلي متحفاً شاهداً على التعايش بين الأديان".
قصر فرعون اليوم جوهرة في علبة مجوهرات مخملية نقش عليها بالذهب اسم معوض. و22 حزيران 1991 وقفة في سجل هذا البيت ­ المتحف الذي يعتبر موسوعة في التراث العربي وتاريخ الفن.
ففي صفحة من السجل الذهبي كتب الشاعر والرئيس الإفريقي ليوبولد سنغور لدى زيارته له: "الى هنري فرعون خميرة الحضارة مع إعجابي".
لكم أصرّ في أحاديثه عن بيته، على عبارات تبدو لنا اليوم جوهرية، منها: "هذا المنزل يحمل في أصالة المجموعات ذكرى الفن العربي وبقاؤه شيء هام وجوهري".
وهنري فرعون ثابر طوال ستين سنة على تأثيث قصره وما خطر له يوماً ان مشروع متحف ينتهي ما دام المؤثث باحثاً صبوراً، يستمتع بالتحف ويهواها أكثر من أي أمر آخر في الدنيا.
لذا، المحافظة على هذا القصر وابقاؤه على روحيته بعد إعادة ترميم ما أتلف فيه من خشبيات وسجاد ورخام، هما الهدف الأول لآل معوض.

 

القصر المتحف

أهمية القصر انه عبارة عن مجموعات متحفية نادرة متناغمة، فهو يجمع بين تراث الانسانية فكراً وفناً، ضمن نظرة جمالية تعكس ذكريات من الفن اليوناني والروماني والفينيقي والاسلامي والبيزنطي.
خشبياته المحفورة والمرسومة مجلوبة من محتويات أهم القصور المهدّمة التي بيعت في دمشق وحلب، وتعود الى ما بين القرنين الثالث عشر والثامن عشر. ويعتبر قصر فرعون من أجمل القصور البيروتية. شيده فيليب فرعون عام 1901،  قرب السراي على الربوة الغربية من بيروت القديمة في منطقة زقاق البلاط. فجاء البناء "النيو­قوطي" انعكاساً للفترة الذهبية من فن البناء في بداية القرن.
الهندسة الداخلية الأصلية والأثاث دمرا خلال الحرب العالمية الأولى. لكنّ هنري فرعون بعد زيارات متعددة لسورية أعاد تأثيثه متأثراً بهندسة قصر العظم، وراح يبحث عن الخشبيات القديمة المنقوشة. وبحسب ما جاء في كتاب "العمارة اللبنانية" الصادر عن متحف سرسق، بدأ هنري فرعون هوايته منذ عام 1929 لتأثيث صالون عربي أصيل. فإذا هو عام 1936 يجمع في منزله أجمل مجموعة زخرفية تعود لما بين القرنين الثالث عشر والتاسع عشر". هذه المجموعة تزين بفخامة أربعة عشر بهواً في الطابق الأرضي وست غرف في الطابق الأول.
المنزل الذي عشق هنري فرعون السكن فيه مؤلف من طابقين وبرج. استقبل فيه كبار الشخصيات السياسية وفي مقدمتها الجنرال ديغول، واستضاف فيه وفود الدول الأجنبية أثناء المفاوضات التي جرت لنيل لبنان استقلاله.

 

محتوى متنوّع الغنى

التوقّف عند كل تحفة يتطلّب إقامة حقيقية في القصر ولا يمكن للعين أن تحيط دفعة واحدة بالموجودات الثمينة التي تزيّن جدرانه وأروقته.
أول ما يلفت انتباه الزائر، الخشب الذي يذكّر بروعة المنازل في العهد العثماني (1918-1516)، من خلال جدران وسقوف المتحف، والتي تمثل الغنى الفريد والنوعية الممتازة التي تجاوبت مع أذواق العصر المتغيرة ومتطلباته.
القرميد، نماذج أساسية من القرميد السوري، كالقرميد الحلبي والصفوي النادر من القرن الثامن عشر، والقرميد التركي من ديار بكر ومجموعة مختارة من القرميد البرتغالي. إلا أن أكثر هذه النماذج تميزاً هي مجموعة القرميد الهولندي الفريدة.
الكتب، دينية من أوائل الكتب المطبوعة، كتب قديمة ومخطوطات، كتب حديثة مزينة بالرسوم، تمّ شراؤها في غالب الأحيان من الفنانين أنفسهم، أخبار الرحّالة حول الأرض المقدسة من القرن السادس عشر، مذكرات، رسائل ومستندات.
مجموعة من السجاد المصنوع في القرى التركية من القرن السادس عشر الى القرن الثامن عشر. بالإضافة إلى قطع أخرى من الربع الأول من القرن العشرين.
نماذج راقية من الخزف الصيني الأبيض والأزرق اللمّاع في مجموعة بارزة ومميزة تحتوي على أكثر من 300 قطعة دقيقة الصنع من القرن الخامس عشر الى القرن العشرين.
تشكّل مجموعة الفخاريات الاسلامية فترة تل مينيس التي تعود الى منتصف القرن الثاني عشر، المساهمة الأهم في مجموعة السيراميك الموجودة في المتحف. ومن القطع المهمة أيضاً خمس مجموعات من الفخاريات يعود تاريخها الى الفترة الممتدة بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر.
الأيقونات نماذج رائعة من الفن المقدس أو الصور المقدسة. حيث تبقى الألوان في تناغم تام بالرغم من التركيبات المختلفة، وهي من انتاج المدرسة الملكية، أي المسيحيين في الشرق الذين يتبعون الطقس البيزنطي، من القرنين السابع عشر والثامن عشر.

 

أعمدة وتيجان

تشكّل القطع الأثرية مجموعة باهرة من الأعمدة وأكثر من مئة تاج تكملها قطع فنية أخرى مصدرها الشرق الأدنى وغيرها من الحضارات القريبة، تعود الى الألفية الثانية قبل الميلاد وصولاً الى القرن الثالث عشر ميلادي.
مجموعة أخرى كبيرة من القطع المعدنية من القرن العاشر الى القرن العشرين، تضم قطعاً من الحضارة الفارسية وأخرى من تركيا وسوريا.
وتتوسط بلاط الرواق المزخرف، بركة المياه ­ وهي بمثابة مكيف طبيعي في صحن الدار العربي، مما يذكّر بنهارات الصيف الحارة.
يضاف الى ما سبق ذكره، مجموعة نادرة من جميع الحقبات التاريخية المهمة في مجال تصميم المجوهرات، العديد منها من دُور مجوهرات مشهورة في العالم. فمن قلادة زمرد اسبانية من القرن السادس عشر الى بروش ألماس من ستينات القرن العشرين الى تصاميم أكثر حداثة.
كثيراً ما تمنّى هنري فرعون الذي لم يكمل دراسته للحقوق في جامعة ليون، أن يكون مهندساً معمارياً أو مهندساً داخلياً أو باحثاً أثرياً إذ كان يقول: "أنا متأثر بكل ما هو جميل وعظيم"، وقد تحقق حلم فرعون بما أنجزه المهندس المعماري الفرنسي لوسيان كافرو الذي ساهم في تجديد القصر مستفيداً من كل مخزون التراث لكي يأتي أسلوبه فريداً، حيث يمتزج بتناغم سحر الأصالة مع التحف النادرة وأسباب الراحة وعنصر الفخامة، في 20 غرفة، تشكّل بديكوراتها وحدة متناسقة في الذوق الذي يُعنى بالتفاصيل.
أحبّ كافرو التغيير والتمازج المثمر للأفكار بشكل ينسجم مع الحقبة الممتدة من القرن السادس عشر حتى القرن السابع عشر، التي تعكس خلاصة الحب والاعجاب والولع بالخشبيات، التي اكتست بها السقوف والجدران والأفاريز وصولاً الى الأبواب والمقابض والعوارض والدرابزين.
كل تحفة وكل قطعة أثرية موضوعة في القصر ­ المتحف لها معنى ومغزى وذكريات لا تُمحى، لأن موجودات القصر تعتبر ثروة أثرية وفنية من الثروات الوطنية الثمينة.

 

أمراء وملوك وأباطرة زاروا القصر

شهد هذا المنزل استقبالات عديدة لجميع اللبنانيين. كما زاره الأمراء والملوك والأباطرة، وشخصيات غير عادية. بعضهم أمضى الليل في إحدى شقق الطابق الأول. ويصحب كل غرفة صالة حمام مزينة على الطريقة الشرقية لكنها أيضاً مجهّزة بطريقة عملية تتناسب مع روح العصر.