في ثكناتنا

من مختبرٍ صغير إلى شبه معهدٍ بفروعٍ متعدّدة قسم اللغة الإنكليزية في الجيش: باب إلى فرص ثمينة وكل التسهيلات مؤمّنة
إعداد: ندين البلعة خيرالله

قليلون هم من سمعوا عن مختبرات اللغة الإنكليزية في الجيش اللبناني، هذا القسم الذي بدأ مختبرًا صغيرًا، وأصبح اليوم شبه معهدٍ للّغة، تتوزّع فروعه على مختلف المراكز العسكرية. ولكن الضباط والعسكريين (ممّن تخرّجوا من المدرسة الحربية منذ العام 1984 وحتى اليوم)، الذين يعرفون الأستاذ مارون تكلي مدير قسم اللغة الإنكليزية في الجيش، والذي يُعتبر مؤسس هذا القسم ومطوّره، هم بالآلاف.

 

اللغة الإنكليزية في الجيش
يشرح الأستاذ تكلي أن اللغة الإنكليزية هي صلة الاتصال بالعالم الحديث، وهي الأفق الجديد الذي يتيح للعسكريين الإطلاع على كل تطوّر حاصل في العالم مباشرة من مصدره. ويشدّد على أن معظم حاجيات المؤسسة العسكرية والمعدات الصناعية والتكنولوجية والأسلحة والآليات والأجهزة الإلكترونية والميكانيكية وأجهزة التأليل، هي صناعة أجنبية، ما يحتّم اتقان اللغة الإنكليزية للتعرّف إلى تفاصيل تشغيلها.
كما أن معرفة هذه اللغة ضرورية من أجل متابعة دورات دراسية ومهمات رسمية خارج لبنان لضباط ورتباء وأفراد الجيش، ومن أجل التواصل الصحيح والمفيد خلال المؤتمرات والمحاضرات الدولية، بالإضافة إلى إمكان متابعة الدراسة في الجامعات والمعاهد داخل لبنان وخارجه.
يُضاف إلى ذلك، أهمية هذه اللغة في التواصل مع الدول الأجنبية والجمعيات الدولية ( وبخاصة الأمم المتحدة واليونيفيل) من جهة، ومع العمال والسيّاح الأجانب في لبنان من جهة أخرى.


تأسيس متواضع وطموح كبير!
العام 1984 افتتح قسم اللغة الإنكليزية في المدرسة الحربية بفريق عملٍ متواضع تألّف من سيّدتَين أميركيّتَين وأربعة أساتذة متعاقدين بدوام جزئي، بالإضافة إلى أربعة آخرين بدوام كامل ومن بينهم الأستاذ مارون تكلي، وهم كانوا أساس مختبر اللغة الأول.
على أثر تفجير السفارة الأميركية في لبنان العام 1984، غادرت الأميركيّتان لبنان وسلّمتا مسؤولية قسم اللغة الإنكليزية إلى الأستاذ تكلي، فتحوّل هذا القسم منذ ذلك الحين إلى رسالته وشغله الشاغل حيث قرّر الإنتقال به إلى خارج المدرسة الحربية ليطال جميع المراكز العسكرية.
استمرّ التنسيق مع السفارة الأميركية من خلال المسؤولة عن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني في السفارة، السيدة ريتا نوفل أنطونيوس. والعام 1988 أضيف مختبر ثانٍ في الحربية، وبدأ العمل على تحقيق مختبرات إضافية في مراكز عسكرية أخرى.
بين العامين 1988 و2000 تمّ تحقيق أربعة مختبرات إضافية في كل من قاعدتَي بيروت ورياق الجوّيتَين، وفي قاعدة جونية البحرية، وفي مدرسة الصحة العسكرية في بدارو. كما استحدثت ثلاث مختبرات أخرى العام 2003 توزعت في، مدرسة الرتباء (بعلبك)، مدرسة مديرية المخابرات وفوج المغاوير (رومية). ومع نهاية العام 2012 تمّ تحقيق مختبرات في معسكر عرمان (الشمال)، لواء الحرس الجمهوري (بعبدا) وثكنة بنو بركات (صور- موقع الجنوب).

 

تجهيزات على مستوى الأهمية
تمّ تجهيز أحد عشر مركزًا للغة الإنكليزية بمختبرات تتضمّن كتبًا ومعدات ومستندات تدريب حديثة ومتطورة بدعم من السفارة الأميركية في لبنان، وبالتنسيق مع مكتب الدفاع الأميركي في السفارة ومديرية التعليم في الجيش، بهدف تحسين مستوى اللغة في المؤسسة العسكرية.
يتكوّن كل مختبر من 30 مقعدًا بحيث يبلغ عدد الطلاب الذين يتابعون الدورات سنويًا في مختلف المراكز، حوالى 2000 طالب. يُقدَّر عدد الأساتذة بـ 30 أستاذًا عسكريًا و12 أستاذًا مدنيًا، وهذا العدد يتزايد عامًا بعد عام. الأساتذة العسكريون الذين يقومون بالتدريس حائزون على دبلوم لتعليم اللغة الإنكليزية من معهد الدفاع التابع للجيش الأميركي في الولايات المتحدة الأميركية، ويتابعون دورات متقدّمة بصورة منتظمة كل سنتَين في المعهد نفسه.
بغية تنظيم دورات باللغة في مختلف المراكز، يتمّ التنسيق بين مديرية التعليم وقسم اللغة الإنكليزية والقطع العسكرية المسؤولة عن الضباط والعسكريين الذين يتابعون الدورات. كما تستقبل المختبرات كل الراغبين بتحسين مستواهم في اللغة الإنكليزية طوال أيام الأسبوع، وبصورة دائمة. تفتح هذه المختبرات أبوابها حتى الساعة الثانية من بعد الظهر، ويمتدّ الدوام حتى الساعة الخامسة في يومَين من الأسبوع، وذلك بهدف إتاحة مجال متابعة الدروس لكل عسكري، مهما كان وقته ضيّقًا.

 

الامتحانات والمتابعة
يقوم قسم اللغة الإنكليزية بتنظيم امتحانات دورية لمختلف ضباط الجيش، بالإضافة إلى امتحانات متابعة (upgrade) وأخرى إلزامية لكل فنّيي الطيران والبحرية. أمّا باقي الرتباء والأفراد فيخضعون لامتحانات تؤهّلهم لمتابعة دورات في الخارج، وبحسب حاجة اختصاصهم ومتطلبات مهمّاتهم، للّغة الإنكليزية.
أمّا تلامذة ضباط الكلية الحربية فيخضعون لمنهاج مكثّف في مختلف المواد (عسكرية ومدنية) ومن بينها اللغة الإنكليزية، بحيث يُخصَّص لها نحو 190 ساعة خلال السنوات الثلاث. فهم يتابعون الدروس لمدة ثلاث ساعات متتالية مرّتَين أسبوعيًا. تقسم كل سنة من تسع إلى عشر فئات بحسب المستوى اللغوي (مبتدئ، ضعيف، متوسط، متقدم)، ولكل من الفئات كتب ومستندات خاصة من الكتاب رقم /1/ (مستوى مبتدئ) إلى الكتاب رقم /34/  (مستوى متقدم). ويتابع الطلاب المنهاج المعدّ من قبل قسم اللغة الإنكليزية في الجيش، والذي يعتمد على الكتب والمستندات والوسائل البصرية والسمعية التابعة لمعهد اللغة الإنكليزية في الجيش الأميركي.

 

برامج لتطوير المؤهلات
يشدّد الأستاذ تكلي على أهمية الدورات التي يتابعها العسكريون والتي ساهمت في تحسين مستوى اللغة الإنكليزية في الجيش من نسبة 10٪ إلى حوالى 60 أو 70٪. ويشير إلى أن الوضع الأمني والمهمات المستمرّة تؤثّر سلبًا من حيث ضيق الوقت، إذ يمكن أن تصل هذه النسبة إلى 90% في حالات السلم.
وفي مجال الإمكانات المتاحة للطلاب في مختلف المراكز، تحتوي مختبرات اللغة الإنكليزية على كمبيوترات مجهزة بأحدث البرامج اللغوية، ويتواجد في كل مركز مدرّب لغة لمساعدة الطلاب. كما تتضمّن برامج الكمبيوتر نماذج امتحانات من أجل تحديد المستوى، وتُخصَّص برامج للفئات المتقدمة في معظم الاختصاصات (مشاة، جوية، بحرية) بالإضافة إلى محاضرات تتناول مواضيع عامة، وأخرى حول العمليات الدولية وهي خاصة بالضباط الأركان (English skills for staff officers for Multinational operations).
تحتوي الكمبيوترات أيضًا على قاموس للمصطلحات التعبيرية (Idioms Expressions and phrasal verbs) بالإضافة إلى كتاب لقواعد اللغة الإنكليزية (Grammar for the American language course). كما أن البرامج التي جُهزت بها الكمبيوترات تؤهل الطالب لأن يختبر مستواه بواسطة امتحان تحديد المستوى (Placement test)، والاستماع إلى تسجيلات صوتية تناسب مستواه اللغوي (Listening skills)، ومشاهدة برامج فيديو للفئات المتوسطة والقوية (Video activity books).
ويمكن للطلاب أيضًا متابعة برنامج خاص (IMI- Interactive Multimedia Instruction) يتيح لهم مشاهدة صور وفيديو، وقراءة نصوص إنكليزية بالتزامن مع سماعها ومشاهدة الفيديو الخاص بها أو الصور، وتسجيل المحادثات بصوته وإعادة سماعها بغية التصحيح، بالإضافة إلى إجراء تمارين على المفردات والقواعد (Vocabulary and Grammar exercises) وكتابة كلمات وجمل ونصوص وتصحيحها (writing skills). كل ذلك يساعد الطالب في تحسين مؤهلاته في اللغة الإنكليزية قراءةً ولفظًا وكتابةً حتى من دون الخضوع لدورة بدوام ثابت. فكل البرامج متاحة أمام من يطلبها وهو يستطيع الحصول عليها من دون أي مقابل.

 

تركيب وصيانة فردية
يقوم الأستاذ تكلي بمساعدة أربع عسكريين معه في إدارة قسم اللغة الإنكليزية، بتركيب كل المختبرات المستحدثة. ويقع عملهم في قسمَين: يشمل الأول في متابعة المختبرات وأعطالها وإصلاحها مباشرةً من دون أي تأجيل، والثاني يتمثّل في تحديث البرامج وتوزيعها على مختلف المختبرات في كل المراكز. وتجدر الإشارة إلى أن تجهيزات بعض المختبرات مازالت قديمة ولكن يتمّ العمل على تحديثها لكي تلبّي الحاجات الدراسية للطلاب.
«همّنا الأساسي أن نحثّ كل عسكري وضابط على تطوير مؤهلاته اللغوية من خلال الدورات، أو من خلال إتاحة كل البرامج والمعلومات ذات الصلة ووضعها بين يديه حتى يمكنه الإحتفاظ بها واستخدامها في المنزل»، يقول الأستاذ تكلي الذي يعتبر قسم اللغة الإنكليزية في الجيش اللبناني حلمًا أصبح حقيقة، كرّس له حياته ورفض في سبيل تحقيقه مغريات كثيرة خارج الوطن. حبّه لمهنته وشعوره بالراحة في عمله، وحبّه لعائلته، مصدر سعادته، وأساس رضاه وبقائه في لبنان. وهو يعتبر أن «الجائزة» التي يحصل عليها العسكري أو الضابط من خلال تحسين مستواه باللغة الإنكليزية، هي الفرصة لمتابعة الدورات في الخارج.

 

مشاريع قيد التطوير
يلفت الأستاذ تكلي إلى أنه يسعى لاستحداث شهادات تقدير وشهادات معادلة تخوّل الطالب استعمالها في المعاهد والكليات في حال رغبته في متابعة دراسته. كما يرغب بتطوير قدرات العسكريين في التحادث (Speaking skills) من خلال العمل على طريقة جديدة ودروس متطوّرة في هذا المجال (Conversation lessons to practice speaking)، فالطلاب يخجلون من الأخطاء التي يمكن أن يرتكبوها خلال التحاور بالإنكليزية.
وقد وضع الأستاذ تكلي برنامجًا وجدولاً زمنيًا يمتدّ إلى العام 2022 ويتضمّن كل الدورات الخاصة بالأساتذة، وتلك الخاصة للطلاب، بالإضافة إلى المعدات والكتب المتوافرة وتلك المطلوبة.
إلى ذلك، خُصِّص لكل مركز بريد إلكتروني يتم بواسطته التواصل بين مختلف المراكز التي ترتبط بدورها بشبكة FTP) Intranet) التابعة للقيادة. ويُعمل على تطوير موقع إلكتروني خاص بقسم اللغة الإنكليزية في الجيش ليتضمّن كل البرامج والمواد التدريسيّة ذات الصلة، فتصبح متاحة للجميع أونلاين.
وثمة خطة لتركيب 9 مختبرات جديدة في كل من المراكز الآتية: اللواء اللوجستي- كفرشيما، قاعدة القليعات الجوية، كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان، وزارة الدفاع الوطني- اليرزة، فوج المدفعية الأول- الكرنتينا، ثكنة مرجعيون- الجنوب، فوج مغاوير البحر- عمشيت، الفوج المجوقل- غوسطا، منطقة الجنوب- صيدا، وفوج الحدود البرية الثاني- رأس بعلبك.

 

اقتراحات
يقترح الأستاذ مارون تكلي بعض الحلول لتطوير اللغة الإنكليزية في ظلّ الإمكانات المتوافرة على صعيد الجيش، أبرزها: افتتاح دورات مكثفة وأخرى خاصة بحسب الاختصاصات، تشجيع العناصر على استعمال المراكز بصورة دائمة، تجهيز مختلف القاعات بالتقنيات الحديثة، زيادة عدد الأبحاث والمؤتمرات والمحاضرات باللغة الإنكليزية وبمشاركة متخصّصين، والعمل على زيادة الحوافز (دورات، مهمــات، محاضــرات خــارج لبنان...).
أما على صعيد الأساتذة فيقترح استعمال كل التقنيات السمعية والبصرية المتوافرة، تنويع أساليب التدريب خلال الحصة الواحدة واستعمال الأمثلة والتمارين التطبيقية، استعمال اللغة الإنكليزية بصورة دائمة خلال فترة التدريب وتشجيع الطلاب على استعمالها من دون أي تردّد أو خوف من ارتكاب الأخطاء، التطرّق إلى مواضيع حديثة وقريبة من نمط حياة الطلاب وخبراتهم المهنية، والعمل على مواكبة تحديث البرامج والمناهج المتّبعة عالميًا من أجل تطوير طرق تعليم اللغات.

 

مدير قسم اللغة الإنكليزية في الجيش
إلى جانب شغفه باللغة الإنكليزية، الذي تحوّل إلى رسالة مع المؤسسة العسكرية، تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ مارون تكلي حائز:
- دبلوم طيران- كندا.
- دبلوم تعليم طيران- كندا.
- دبلوم هندسة إلكترونيك فنية- كندا.
- دبلوم تعليم اللغة الإنكليزية- أميركا.
- دبلوم إدارة المعاهد التعليمية من الدرجة المميّزة جدًا- أميركا.
- دبلوم تعليم لغة إنكليزية لأهداف محدّدة- أميركا.
- تهنئة Seneca College Canada بعد التخرّج بصفة ممتاز- كندا.
- تهنئة Toronto Airways مرتين بعد التخرّج بصفة ممتاز- كندا.
- تهنئة من الجيش الأميركي كأفضل مدير معهد تعليم- أميركا.