مواسم السياحة

من مرمى التلج لفقش الموج: لبنان وجهة سياحية في كل الفصول
إعداد: الرقيب أول كرستينا عباس

بفضل تنوّع طبيعته وجمالها وغناه بالمعالم الأثرية، يُعد لبنان وجهة سياحية على مدار السنة. فلكل فصل مميزاته على صعيد السياحة وما توفّره من مجالات للترفيه. في الشتاء يتصدر الثلج لائحة العوامل التي تجذب إلى بلدنا الراغبين في التمتّع بـسحر البياض يكلل الأعالي، والذين يُتاح لهم أيضًا التمتع بسحر المدن وما فيها من مجالات لممارسة نشاطات ثقافية وترفيهية متنوّعة.

 

أينما توجهت في لبنان تطالعك "جنّات ع مدّ النظر" لا يقتصر رونقها على فصل معين. وفي الشتاء كما في كل فصل من الفصول الأخرى، تأسرك مشاهد ملوّنة أخّاذة تتميّز بها مختلف المناطق اللبنانية. فعلى الجبال وفي عدد من مناطق البقاع، يناديك البياض الناصع الذي تعتمره القمم العالية، ويعدك بجرعة من الأمل والسلام الداخلي. أما في المناطق ذات الارتفاع المتوسط، فتتعرى بعض الأشجار من أوراقها منتظرة تجددها العتيد، وتضفي ألوان أغصانها أجواء الدفء موحية بالتجذّر والصلابة، ومرسّخةً في النفوس الشعور بالانتماء لهذه الأرض. وعلى الساحل، يستمتع محبّو البحر بجلسات المقاهي والمطاعم الجميلة المحاذية للشاطئ قبل أن ينطلقوا نحو الأعالي أو ينصرفوا إلى نشاطات متنوعة.

 

دفء الثلج!

على الرغم من أنّ رياضات الثلج تُعد مكلفة عمومًا، غير أنّه يمكن الاستمتاع بالبهجة التي ينشرها من دون الحاجة إلى ميزانية لا تتوافر للجميع. فثمة الكثير من العائلات التي تقصد المناطق العالية لمجرد التنزّه واللعب على الثلج، حيث يغمر المرح الكبار والصغار. وأحيانًا يكفي الاسترخاء والاستمتاع باللوحة البيضاء الخلابة لتزويدنا طاقة إيجابية.

من الرياضات الشتوية السير على الجليد الذي يوجد عادةً بالقرب من الثلوج، بشكل عائلي أو فردي أو برفقة الأصحاب. أما هواة التزلج ومحترفوه فتوفّر لهم جبالنا حصّة كبيرة من المرح والسعادة، وكذلك الأمر بالنسبة لمحبي "السكي دو"، وفي الحالتين يمكنهم استئجار أو شراء المعدّات التي يحتاجون إليها من محلات تتوافر قرب مواقع التزلّج أو حتى خارجها.

 

رياضة مشوّقة باتت رائجة

من بين النشاطات التي تُقام على الثلج وباتت رائجة في لبنان، رياضة المشي على مسارات الثلج أي snowshoeing ويمكن ممارستها عندما تبلغ كثافة الثلوج الـ30 سم وما فوق، وهي تستقطب الكبار والصغار من عمر العشر سنوات وما فوق. وهي بالإضافة إلى منافعها كرياضة، تسمح لهواتها في الوقت نفسه بالتعرّف إلى لبنان عن كثب والتوقف أمام معالم أثرية فيه، والتعرّف إلى  غابات ومغاور ومعالم ربما لم يسبق لهم أن سمعوا بها حتى. وبالتالي فهي مهمة جسديًا ومعنويًا، فالمشي في وسط البياض يشعر الرياضي بالطمأنينة والسلام والسكينة، كما أنّ التعرف على أماكن ومعالم جديدة يُحرّك مشاعر إيجابية.

تتطلّب هذه الرياضة عتادًا ولباسًا خاصًا، وأهمّ جزء منه  حذاء "الراكيت" الذي يسمح بالمشي على مسارات الثلج لساعات طويلة. ويمكن ممارستها من خلال وسائل ثلاثٍ هي: الوكالات السياحية التي تنظّم هذا النوع من الرحلات، استخدام خرائط تُسهّل التوجّه في المنطقة المقصودة والصالحة لممارسة هذه الرياضة، التوجّه مباشرة إلى المنطقة المقصودة والاستعانة بدليلٍ سياحي خاص من المنطقة يمكن السؤال عنه في مراكز البلديات أو الفنادق الموجودة هناك.

 

وسط البياض الناصع!

إذا أردت أن تقضي يومًا كاملًا وسط الثلوج البيضاء أو على الجبال القريبة منها، ثمّ المبيت في المنطقة ليلًا، تنتظرك بيوت الضيافة والشاليهات والفنادق الموجودة. أماكن الضيافة هذه تتيح لزوارها فرصة الاستفاقة على مشهد مليء بالأمل من وسط جبال لبنان الشاهقة الفريدة بجمالها ومشهدياتها. كل هذا وأنت دافئ وهانئ، تملأ جعبتك سلامًا داخليًا تفتقر إليه عندما تكون منهمكًا بأعمالك اليومية.

 

...وعلى الساحل أيضًا

في المدن الساحلية، تجد أيضًا سحرًا ورونقًا فريدًا، يختلف بالطبع شكلًا عن سحر الجبال وثلوجها ولكنّه في عمقه يشبهه في إضفاء المزيد من الجمال والفرادة. فالشوارع والأسواق القديمة تجذبك لزيارتها والتمتّع بالسير فيها والتسوق في متاجرها أو الجلوس في مقاهيها أو بمجرد المشي فيها ومشاهدتها. قد لا تراها تعجّ بالزوار والمارة كما في فصل الصيف، ولكنّها تحتضن زوارًا من مختلف الأعمار، وتوحي لروادها بالدفء والحميمية خصوصًا عند المغيب أو في الليل.

في المقاهي المنتشرة على الشاطئ ترى البحر مائجًا ملونًا بألوان السماء التي تعكس فيه أجمل اللوحات. أمّا أمواجه العاتية، ورغم خطورتها إذا ما اقتربت من الشاطئ، فإنّ مشاهدتها وسماع أنشودتها الإيقاعية يتيح لك التأمل والشعور بالراحة.

زيارة المواقع الأثرية والمتاحف والقلاع التاريخية والأماكن الجميلة بطبيعتها متاحة طوال أيام السنة، وهي من مجالات السياحة الشتوية المميزة لما لها من دور معرفي وثقافي فضلًا عن المتعة والترفيه.

من الشاطئ إلى قمم الجبال العالية، لبنان موطن للجمال والسياحة، فيه متعة فريدة، المهم أن نعرف كيف نستثمر ما أنعم به الله على بلدنا، وأن نحافظ عليه.

 

أماكن يمكن قصدها

لمحبي رياضة المشي على الثلج، أو الذين يريدون تجربتها، هناك عدد من الدروب التي يمكن اعتمادها ومن بينها: درب وادي النزنازة في بلدة أهمج، درب عرب اللقلوق، درب العاقورة، مسار قناة باكيش في صنين، ومسار فقرا المزار.

أما روّاد الثلوج وهواة ممارسة النشاطات الخاصة بها، فالأماكن التي يمكن أن يقصدوها كثيرة، لكن من بين الأماكن المثلجة التي تتضمن حلبات التزلج: فاريا، كفرذبيان، اللقلوق، الأرز وغيرها...

الشوارع والأسواق القديمة تجدها في طرابلس وجبيل والبترون وذوق مصبح وبعلبك وزحلة وصيدا وصور... وإذا كنت من محبي الغابات فيمكنك التوجّه إلى المحميات واستكشاف الروعة في غابة أرز الرب والباروك وسواها...