جيشنا

تزداد يومًا بعد يوم أهمية عمليات المعلومات واستراتيجيات التواصل، فأقوى جيوش العالم وأكثرها امتلاكًا للأسلحة المتطورة قد تخسر حربًا وتتشوّه سمعتها بلمحة بصر، إذا لم تخطط وتعتمد الاستراتيجية المناسبة للتواصل مع جمهورها. إنّها حرب العصر... حرب المعلومات!

أدرك الجيش اللبناني، الذي يسعى دائمًا إلى تطوير قدراته ومهارات عسكرييه، أهمية هذا الموضوع، فهو بحاجة للحفاظ على دعم شعبه له، وهذا الأمر يحتّم تواصلًا دائمًا مع هذا الشعب كما مع باقي الجماهير المحلية والإقليمية والعالمية، لضمان إرسال الرسائل الصحيحة ودَحْض الأكاذيب التي من شأنها أن تشوّه صورته. أضف إلى ذلك الأزمات اليومية التي يختبرها المجتمع اللبناني، والمؤسسة جزء منه، والحاجة إلى مواجهتها من خلال إتقان عملية التواصل في الأزمات.

فريق المتخصّصين

ليس التدريب في هذا المجال جديدًا في الجيش، فقد بدأ التعاون منذ سنوات مع فريق بريطاني متخصّص JIAG- Joint Information Activities Group، حتى بات لدينا مدرّبون في عمليات المعلومات واستراتيجيات التواصل. وانطلاقًا من إدراك قيادة الجيش لأهمية ثورة المعلومات وما لها من انعكاسات على صورة الدول والجيوش، كان القرار بتعميم هذه الثقافة والتجربة على كل الوحدات وفي مختلف المناهج التدريبية في المعاهد والكليات العسكرية، من الكلية الحربية (في السنوات الثلاث ودورة آمر سرية)، إلى كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان (دورات أركان وقائد كتيبة وغيرها)، ومدرسة الرتباء، حيث ينفّذ التدريب مدرّبون من مديرية التوجيه.

وللهدف نفسه، شُكِّل في شهر تشرين الأول الماضي فريق ضمّ أربعة مدرّبين من الفريق البريطاني عاونهم أربعة آخرون من مديرية التوجيه في الجيش اللبناني هم: العقيد الركن الياس عاد، الرائد فادي بعقليني، الرائد حسين مظلوم والصحافية ندين البلعة. قام هذا الفريق بتدريب عشرين ضابط أمن وتوجيه من مختلف الأفواج والألوية، على أسس عمليات المعلومات. هؤلاء تعرّفوا إلى الأنشطة المتعلقة بعمليات المعلومات، كبيئة المعلومات واستراتيجياتها والعمليات الإعلامية والنفسية التي تشكّل جزءًا منها، بالإضافة إلى كيفية التواصل خلال الأزمات وأهمية وسائل التواصل الاجتماعي، واكتساب مهارات المقابلات الإعلامية، والتعرّف إلى ماهية المؤتمرات الصحافية ودور ضابط التواصل الإعلامي وغيرها من الدروس ذات الصلة.

لم تكن الدروس نظرية فحسب، بل تضمّنت أمثلةً عملية عالمية ولبنانية. كما أُعطي المتدرّبون تمرينًا مبنيًّا على سيناريو «الجزيرة الحمراء» حول مهمة عملانية افتراضية ينفّذها الجيش اللبناني، امتدّ على كامل فترة الدورة. فكان المدرّبون يوميًا، بعد شرح الدروس، يسقطون تطوّرات جديدة على السيناريو الأساسي، تخوّل المتدرّبين التطبيق العملي لما تعلّموه خلال النهار، بهدف التدرّب على مواجهة الطوارئ. وقد عبّر المتدرّبون عن حماستهم واهتمامهم لمتابعة هذه الدورة الشيّقة، انطلاقًا من إدراكهم هم أيضًا لمدى أهمية الإعلام وعمليات المعلومات في أي مهمّة ينفّذونها على الأرض في قطعهم.

وكان للمصوّرين في قسم البرامج والتصوير في مديرية التوجيه حصّة من التدريب مع الفريق البريطاني أيضًا، نظرًا لأهمية هذا الاختصاص في مجال عمليات المعلومات. فتابع ٨ عناصر منهم دورةً موازية في مجال التمرّس في التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني. وتعرّفوا إلى المونتاج وتقنياته وبرنامج الـPhotoshop، وكتابة سيناريو Storyboard، والتصوير الحربي، والتمرس في تصوير المقابلات والمؤتمرات الصحافية.

في ختام الدورة، تسلّم المتدرّبون الشهادات في حضور مدير التوجيه العميد علي قانصو، وقائد كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان العميد الركن حسن جوني، والملحق العسكري البريطاني المقدم Lee Richards Saunders. وقد لفت الملحق البريطاني إلى أهمية ثورة المعلومات وخصوصًا على صعيد الجيوش، مبديًا إعجابه بقدرات الجيش اللبناني وسعيه الدائم إلى مواكبة التطور، مؤكدًا استمرار التعاون بين جيشَي بلاده ولبنان.

بدورهم، عبّر أعضاء فريق التدريب البريطاني عن إعجابهم بالمهارات التدريبية للمدرّبين اللبنانيين، كما بالقدرات الثقافية والفكرية للمتدرّبين، إذ كانت هذه الدورة تحدّيًا لهم للبقاء على مستوى الأسئلة والأفكار التي عرضها ضباط الجيش اللبناني خلال الدورة. وتمنّوا العودة دائمًا إلى لبنان، حيث يشعرون أنّهم لا يدرّبون فحسب، بل يكتسبون الخبرات الإضافية أيضًا.

تجدر الإشارة إلى أنّه سيتمّ استتباع هذه الدورة بدورات أخرى على صعيد الجيش، ينفّذها مدرّبو مديرية التوجيه ويتابعها ضباط من مختلف الوحدات الأخرى التـي لم تتابعهـا بعد.

العمليات النفسية

تدخل العمليات النفسية أيضًا في إطار عمليات المعلومات واستراتيجيات التواصل، وقد أولى قسم الحرب النفسية في مديرية التوجيه أهمية كبيرة لتمكين ضباطه وعسكرييه من إتقان مهمّتهم في هذا المجال.

لهذا الهدف، حضر فريق إيطالي متخصّص قام بالتدريب على ثلاثة مستويات:

• مستوى أساسي لتأهيل العناصر في مجال التخطيط للعمليات النفسية، تابعها ١٤ عنصرًا من قسم الحرب النفسية في مديرية التوجيه ومديرية المخابرات والمديرية العامة للأمن العام والمديرية العامة لأمن الدولة.

• مستوى متقدّم لإعداد عناصر متخصصة في مجال العمليات النفسية، تابعها ١١ عنصرًا من المديريات المذكورة آنفًا.

• مستوى «إعداد مدرّبين» متخصصين في مجال العمليات النفسية، تابعها ٦ عناصر سبق وصُنّفوا في المراكز في الدورة المتقدمة.

تخلّلت الدورة دروس نظرية وتمارين تطبيقية عديدة، منها في المستوى الأساسي: عملية صنع القرار العسكري وربطها بالعمليات النفسية، تحليل المهمة، إعداد أهداف العمليات النفسية والأهداف الداعمة لها، وإعداد لائحة الجماهير المستهدفة المحتملة. ومع الانتقال إلى المستوى المتقدّم، تمحور التدريب حول تعريف العمليات النفسية ومراحلها، وتحليل الجمهور المستهدف، وإعداد وتطوير منتجات العمليات النفسية، وإنتاج هذه المنتجات وتوزيعها ونشرها. أمّا المرحلة الأخيرة من التدريب لإعداد مدرّبين في هذا المجال، فركّزت على مهارات التواصل الفعّال (Effective Communication)، الخطابة والاتصال (Public Speaking and Communication Skills)، إعداد المناهج التدريبية (Syllabus) والمحاضرات وكيفية إلقائها، والتمرّس على الطرق المختلفة للتعليم والتدريب.

اختُتمت الدورات الثلاث، التي امتدّت على مدى ثلاثة أشهر، بحفل تخريج أُقيم في فرع التعليم - مديرية المخابرات وحضره الملحق العسكري الإيطالي Col. Marco Zona، وقائد الـMIBIL في لبنان، إلى جانب المساعد الأول لمدير المخابرات العميد الركن رياض علام، ورئيس قسم الحرب النفسية في مديرية التوجيه العقيد الركن الياس عاد، ورئيس فرع التعليم في مديرية المخابرات العقيد الركن فادي الحسنية، وفريق التدريب الإيطالي مع عدد من الضباط.