من واقع الحياة

موظف سعيد... موظف أكثر إنتاجية
إعداد: ريما سليم

تعاني مؤسسات كثيرة تراجعًا في الإنتاج بسبب حالة الإحباط التي يعيشها الموظفون من جرّاء الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة. فالتفكير السلبي يؤدي إلى خفض الروح المعنوية وتقليل الإنتاجية، كما أنّه ينتشر داخل فريق العمل كالنار في الهشيم. من هنا أهمية نشر طاقة إيجابية في العمل تؤدي إلى زيادة الإنتاج وتحسين الأداء، فما السبيل إلى خلق هذه الطاقة وتحقيق الاندفاع المطلوب في العمل؟

تؤكد الاختصاصية في الأسلوب العلاجيNLP  ( - Neuro Linguistic Programmingالبرمجة اللغوية العصبية)، والمدربة Life Coach في العلاقات الاجتماعية السيدة ليندا عيتاني، أنّ تعزيز الطاقة الإيجابية والتناغم في فريق العمل يعدّ تحديًا مهمًا، مشيرةً إلى أنّ خلق الأجواء الإيجابية هو بالدرجة الأولى مسؤولية قائد فريق العمل. وتوضح أنّ المسألة لا تحتاج إلى الكثير من الجهود، وإنما تتطلب تعزيز التواصل المفتوح والفعّال بين أفراد الفريق، وتشجيع التعاون وتبادل الأفكار. كما أنّ تقدير الإنجازات الفردية والجماعية يؤثر بشكل كبير في تحفيز الفريق، فيما تؤدي القيادة الإيجابية والاستفادة من التنوع في المهارات إلى تعزيز روح الفريق وتحقيق التناغم المنشود ضمن أفراده.
 

 

خطوات عملية
عمليًا كيف يمكن تحقيق ذلك؟ تعرض السيدة عيتاني عددًا من الخطوات التي تساعد قائد الفريق في تحقيق مهمته، وهذه الخطوات هي:

-  بناء علاقة ثقة مع فريق العمل: حجر الأساس هو التقرّب من الموظفين بأسلوب مهني لا يخرق قواعد العمل. بمعنى التعرّف إليهم عن كثب من خلال اجتماعات جماعية وفردية، تمكّن المدير من اكتشاف مؤهلات كل عضو في الفريق وقدراته المهنية، والتعرف إلى نمط تفكيره وأطباعه، ما يسهل طرق التعامل معه وفق شخصيته، ويساعد في بناء علاقةٍ إيجابية. ومن المفيد أيضًا طرح أسئلة بسيطة على الموظف بين الحين والآخر لاستبيان رأيه في العمل الموكل إليه، مثل: "أي من المشاريع التي أنجزتها خلال الأشهر الماضية جعلك تشعر بالرضا التام عن أدائك؟" أو العكس مثل "أي من الأعمال التي كلّفت بها تتمنّى ألّا تتكرّر؟" إنّ التعرف على المهمات والواجبات التي يستمتع الموظفون في القيام بها، يساعد في اتخاذ القرار الصحيح خلال توزيع العمل، ما يؤمّن الراحة النفسية للعاملين، ويضمن بالتالي الحصول على أداء أفضل وإنتاجية أكبر.

 

- متابعة العمل مع الفريق بذهنية القائد لا المدير: فيما تنحصر مسؤوليات المدير بتوزيع المهمات وتحديد المهل النهائية والتأكد من حسن سير العمل، فإن مهمة القائد تبلغ أبعد بكثير من مجرد إكمال المهمات الإدارية؛ إذ إنّه يحرص على دعم فريقه والعمل على نموه ودفعه نحو الأمام، وهو دائمًا في الطليعة في تحمل المسؤولية، كما أنّه جاهز باستمرار للتدخل والمساعدة، ويمكن الاعتماد على دعمه في مختلف الظروف. يقول أحد المهندسين الناجحين: "بدأت حياتي المهنية في مكتبٍ هندسي علمني أهم طرق النجاح. كان رئيسي في العمل يرسل في طلبي لا ليسألني عن المناقصة المهمة التي يجب أن  نسعى لربحها، بل عن إبني الصغير الذي يعاني داء الربو وعمّا إذا كان تغيير الدواء أدى إلى التحسن المطلوب، وعن الرياضة وأهميتها في تجديد طاقة الإنسان. لقد جعلني أشعر أنني محاط بعائلة تهتم لأمري، وكان دائمًا يمدّني بالطاقة الإيجابية التي انعكست في تعاملي مع زملائي وجعلتني متحمسًا للعمل.

 

- الإصغاء ثم الإصغاء، فالإرشاد والتدريب: من المهم جدًا أن يشعر الموظفون أنّ مديرهم لا يسمعهم فحسب، بل يصغي إليهم ويفهمهم، حتى عندما لا يوافقهم الرأي، ما يتيح استمرارية الحوار الشفاف بين الطرفين. يجب أن يدرك الموظف بأنّ صوته مسموع وحاجاته غير مستخف بها. لذا ينبغي على المدير أن يتابع مع العاملين الصعوبات التي تعترضهم في أثناء التنفيذ، وأن يصغي لتعليقاتهم حول المشاكل المتعلقة بالعمل. والأهم أن يتيح لهم المشاركة في آرائهم خصوصًا لدى طرح مشروع جديد أو وضع أهداف مستقبلية، لأنّ الرئيس الذي لا يستمع لفريقه سيجد نفسه في نهاية المطاف محاطًا بأشخاص ليس لديهم ما يقولونه أو يضيفونه. ويشار إلى أنّ المشاركة في الآراء مفيدة للطرفين، فالإدارة تستفيد من الأفكار المتنوعة والملاحظات المختلفة، فيما يشعر الموظفون بأهميّة مشاركتهم وبقيمة آرائهم ما يزيد رغبتهم في الخلق والتجديد.
بعد الإصغاء يأتي الإرشاد وتزويد الفريق المهارات اللازمة وتدريبه على تذليل الصعوبات. ينبغي أن يشعر الموظفون بأنّ إدارتهم تهتم بمستقبلهم المهني من خلال تزويدهم التدريب والمعرفة التي يحتاجونها للنجاح في العمل. في عصر التكنولوجيا، من المهم بشكل خاص تدريب الموظفين على استخدام مختلف وسائل التكنولوجيا التي يحتاجونها في عملية الإنتاج.

 

-التحفيز بمختلف الوسائل الإيجابية: تُشكّل الحوافز العنصر الأساسي في تعزيز الاندفاع ضمن الفريق،            ويمكنها أن تتخذ عدة أشكال، قد يكون أسهلها وأكثرها فعالية تقديم الثناء على العمل الجيد والنجاحات الصغيرة بدلاً من العزف على أوجه القصور والأخطاء، لأنّ الثناء يعزز معنويات الفريق ويبني ثقافة عمل إيجابية. من المفيد أيضًا خلق ترابط اجتماعي بين الموظفين من خلال الاحتفالات البسيطة في مكان العمل إن بمناسبة نجاح مشروع، أو بسبب ترقية أحد الأفراد، أو احتفالًا بخطوبة أو زواج أحد العاملين ضمن الفريق. ومن الحوافز المهمّة وضع هدف دوري، فصلي أو سنوي، يؤدي تحقيقه إلى الحصول على مكافأة مادية. يقول أحد مندوبي المبيعات: "عانت المؤسسة التي أعمل فيها من تدنٍّ في مستوى البيع إثر الأزمة الاقتصادية التي أصابت لبنان، فأصدرت إدارة المؤسسة مذكرة داخلية تعلن فيها أنّ الفريق الذي يحقق أعلى رقم في المبيعات في ختام العام، سوف يربح إجازة مدفوعة بالكامل لمدة أسبوع في تركيا. عندئذٍ "استفاق" جميع العاملين من حالة اليأس الناتجة عن الأوضاع المعيشية، وعمل كل فريق ما في وسعه لربح المكافأة، وارتفعت مبيعات الشركة ثلاثة أضعاف، وربح فريقي إجازةً رائعة ساهمت في توطيد العلاقة بين أفراده".

 

 -وضع أهداف وتوقعات قابلة للتطبيق: من المهم التركيز على وضع أهداف واضحة وواقعية ومحددة زمنيًا كي تكون قابلة للتطبيق. كما يجب إيصال التوقعات بوضوح إلى أعضاء الفريق خصوصًا وأنهم من سيتولى التنفيذ. ومن الضروري مناقشة الأهداف والتوقعات مع الموظفين للتأكد من أنّ كل موظف مدرك لدوره الفردي وأن الجميع يعمل على تحقيق هدف مشترك.

 


في نهاية المطاف، تقول السيدة عيتاني، أعضاء الفريق هم بشر لديهم عالمهم الشخصي وطموحاتهم ومشاكلهم. كمديرٍ، يتعين عليك أن تسعى لأبعد من مجرد الاستفادة منهم في العمل، إذ ينبغي أن تظهر أنك متقبّل لكل من تجاربهم الفريدة وعلى استعداد لاستيعابهم عندما يكون ذلك ممكنًا. عندما يشعر الموظفون أنّ المدير يدعمهم ويمكنه مساعدتهم في تحقيق أهدافهم، تكون إدارة المؤسسة قد سلكت الطريق الأقصر لخلق موظف سعيد وبالتالي موظف أكثر إنتاجية.