ملف العدد

هل يظل الدواء في لبنان ملفاً عصياً على الحلول؟
إعداد: تريز منصور

الوزير خليفة: خفّضنا فاتورة الدواء مئتي مليون دولار سنوياً والخدمات الصحية في لبنان هي الأفضل عربياً
سكرية: 25 في المئة من الأدوية في لبنان هي الأغلى عالمياً
دبيبو: نسبة التزوير في لبنان متدنية مقارنة بدول العالم
فارس: ينبغي العمل لتطوير القوانين المتعلقة بالسياسة الدوائية

قصة السياسة الصحية والدوائية في لبنان كقصة «إبريق الزيت» لا تنتهي فصولاً، والمواطن يرزح تحت ثقلها منذ سنوات وسنوات، فإلى ارتفاع أسعار الدواء (خصوصاً في ظل ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية) تطرح مشكلة الأدوية المزوّرة أو المنتهية الصلاحية التي غزت الأسواق، كما تطرح ايضاً مسألة وجود أصناف هائلة من الأدوية تفوق حاجة السوق المحلي.
في إطار سعيها الى حل المشاكل المتعلقة بالدواء أطلقت وزارة الصحة العامة البطاقة الدوائية، وعملت على إقرار قوانين ومراسيم من شأنها تنظيم هذا القطاع وخفض الأسعار، وهي في كل ذلك تتعاون مع جميع المعنيين.
«الجيش» حاورت وزير الصحة العامة حول السياسة الدوائية في لبنان متناولة مختلف المشاكل المطروحة على هذا الصعيد، كما التقت معنيين بهذا الملف.

 

الوزير خليفة: قيمة الفاتورة الدوائية اليوم 450 مليون دولار

• يبلغ عدد الأدوية المسجّلة في وزارة الصحة نحو عشرة آلاف، بينما لا يتعدى عدد الأصناف على اللائحة المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية الثلاثة آلاف، ألا تعتقدون أن سوق الدواء اللبناني لا يستوعب هذا الحجم من الأصناف؟
- إن عدد الأصناف المسجّلة في وزارة الصحة يراوح بين ثلاثة آلاف وعشرة آلاف صنف. والذين يتعاطون في شأن الدواء، يقعون في مغالطات بالنسبة الى الأرقام، فالكلام في موضوع الدواء يستعمل عادة للإستهلاك السياسي. القضية أنه عندما يسجّل أي صنف في وزارة الصحة، لا يشطب رقمه وإن تمّ سحبه من الأسواق ولم يعد يصنّع، فقد تكون هناك حاجة الى استعماله في معالجة أمراض أخرى. والأمثال على ذلك عديدة، كدواء ال«تامي فلو» الذي كان يستعمل لعلاج الأنفلونزا، ومن ثم برزت فعاليته لمكافحة أنفلونزا الطيور. وهناك سبب آخر لعدم شطب الدواء، وهو منع الإحتكار، لأنه قد يُكتشف دواء غالي الثمن، منافس للدواء المعتمد والأقل كلفة، عندها يسعى الوكيل الى شطبه وتسجيل الدواء الأغلى ثمناً مكانه.
وهنا علينا توضيح أن الأدوية المسجّلة على لائحة منظمة الصحة العالمية، هي ثلاثة آلاف تركيبة لا ثلاثة آلاف صنف، باعتبار أنه للتركيبة الواحدة عدة أصناف.
وتعتبر أصناف الأدوية المتعددة مفخرة للبنان، لأن اللبناني لا يقف في المطار ويسأل المسافرين شراء الدواء له من الخارج، إسوة بالمواطنين في معظم دول العالم.

 

• ألا تعتقد أن الأصناف المتنوعة للتركيبة الدوائية الواحدة، ترفع من الفاتورة الدوائية التي لا يتحمّلها لا المواطن ولا الإقتصاد؟
- على العكس، فإن ذلك يعزّز التنافس، ويخفّض الأسعار. وقضية تحمّل السوق تعود الى العامل التجاري. بالنتيجة المواطن يشتري الصنف المناسب له، والدواء الذي لا يلاقي رواجاً في السوق، يتوقف إستيراده.
هناك صناعات أجنبية وعربية ومحلية، مثلاً ال«Panadol» موجود تحت ثلاثين إسماً. إن إجراءات تسجيل الدواء في لبنان واضحة، فالقانون 100/171 يحدد السعر الأساسي مع زيادة ربح المستورد والوكيل والصيدلي والمستودع، ولكننا أدخلنا بعض الإصلاحات في القرار الرقم 1/306 الذي شمل:
1- إعادة مقارنة أسعار الدواء المسجّل في لبنان وأسعار الدواء المسجّل في الدول العربية المجاورة كالأردن والسعودية. وبعد هذه المقارنة التي استفادت منها كل الأطراف، أصدرنا قراراً يقضي بمنع تسجيل أي دواء في وزارة الصحة اللبنانية بسعر أغلى من سعر مثيله في الدول العربية ذات النظام الإقتصادي الشبيه باقتصاد لبنان.
2- إصدار قرار بإعادة النظر بسعر الدواء المسجّل كل ثلاث سنوات.
3- تخفيض سعر الدواء 20 في المئة، وفق عملية حسابية معينة، ونتائج هذا التخفيض بدأت تظهر اليوم. وإن مقولة أن لبنان يستورد أدوية بمبلغ 625 مليون دولار في السنة، أصبحت مغلوطة اليوم، وهذا ما تظهره أرقام وحدة الأبحاث في وزارة الصحة، ونقابة الصيادلة والجمارك، حيث تبلغ الفاتورة، بالإضافة الى المستخدمات الطبية وحليب الأطفال 450 مليون دولار، أي أن الفاتورة الدوائية إنخفضت هذا العام 200 مليون دولار، على الرغم من ارتفاع سعر صرف اليورو. ومع إنخفاض سعر صرف اليورو اليوم وست عملات أجنبية أخرى، سوف يُظهر المؤشر الذي يصدر كل أسبوعين إنخفاض سعر الدواء 4 في المئة.

 

وعن الرقابة على الأسعار قال الوزير خليفة:
تمارس وزارة الصحة رقابة قوية وفعّالة، يتولاها 25 مفتشاً صيدلياً، يمرّون على كل صيدلية مرة أو مرتين في الشهر. إن مشكلة غلاء الدواء في لبنان ليست في سعره أو في تسعيره، وإنما في استعماله وفي وصفه. ففي بريطانيا مثلاً يوجد ترشيد مفرط للدواء، واستعمال كبير لأدوية الجنريك.
وأضاف: المشكلة تكمن ايضاً في التسويق اللاأخلاقي، من قبل شركات الأدوية العملاقة وبواسطة الأطباء، حيث أن بعض الأطباء يصف الأدوية الغالية الثمن، مقابل وعود من شركات الأدوية بدعوتهم لحضور مؤتمرات علمية من دون أن يتحملوا أي نفقات. إن ترشيد الدواء هو الأساس في كل العالم، أما في لبنان فهناك إفراط في استعمال الدواء. مثلاً الفرق بين فعالية الأسبرين وفعالية دواء آخر للسيلان (يبلغ سعره نحو مئة دولار) لا يتعدى ال5 في المئة، فلماذا نصف الدواء الأغلى ثمناً.

 

• أين تكمن أهمية تعديل مواد القانون 530 المتعلق بتطوير آلية تسجيل الدواء وتحديثها؟
- أقر مجلس الوزراء بتاريخ 5 / 5 / 2008، المرسوم 571 الذي صدر في الجريدة الرسمية بتاريخ 30 / 10 / 2008، وهو مرسوم ينص على تعديل المادتين الثالثة والخامسة في القانون 1/530 (الصادر في 15 / 7 / 2003) والمتعلق بشروط تسجيل الأدوية واستيرادها وتسويقها وتصنيفها.
هذا القانون قديم، تمّ تفعيله اليوم كي يراعي التطورات الحديثة، لسبب أنه وفق القانون القديم، كان تسجيل الدواء يتطلب إحضار شهادة المنشأ، وإسم الدول التي يباع فيها وما الى هنالك من مستندات. كل هذه الإجراءات تغيرت اليوم، مع تغيّر أنظمة التجارة العالمية، ما استدعى تطوير القوانين الموجودة. مثلاً إذا سجلنا دواء مصنعاً في أحد المصانع في مدينة ليون في فرنسا، ومن ثم تمّ نقل هذا المصنع الى مدينة باريس، يعتبر هذا الدواء ملغى ويحتاج الى إعادة تسجيل. إضافة الى أن تغيير ملكية أسهم الشركات لأصناف من الأدوية، تحتاج ايضاً الى إعادة تسجيل، كما أن هناك أموراً حديثة طرأت مع ظهور الإتحادات العالمية لصناعة الدواء، بحيث أن المواد الكيميائية تصنّع مثلاً في الدانمارك، الكرتون في فرنسا والبلاستر في ألمانيا... الخ.
وبالتالي وصل الوضع الى أن القانون بات مخالفاً للواقع، والوزير مضطر الى التوقيع على الأدوية كافة كي تتمكن من الدخول الى الأسواق اللبنانية، وإلا فقدت الأدوية من الصيدليات.

 

• ماذا عن تسجيل الأدوية الحديثة؟
- كما ذكرت سابقاً، من مميزات لبنان أنه يستورد الأدوية الحديثة كافة، وهي مسجّلة بالطرق العالمية والقانونية. ولكن، هناك دول (خصوصاً الإشتراكية منها) تتعمد تأخير تسجيل إبتكاراتها، نظراً الى كلفتها الباهظة، وحرصاً منها على عدم استعمالها من قبل المواطنين.

 

الأدوية المزوّرة

• في الأسواق أدوية مزوّرة، ما هي التدابير المتّخذة، وماذا عن دور المختبر المركزي ودوره، وأين أصبحت عملية التأهيل؟
- ينص قانون تسجيل الدواء، على ضرورة أن يكون أي دواء مستورد الى لبنان، مسجّلاً ومستعملاً في بلد المنشأ. ولكن التزوير يحصل في لبنان كما في سواه من دول العالم، وهذا العمل لا يمكن توقيفه.
 

وأوضح الوزير خليفة أن التزوير قد يكون من خلال:
1- إنتاج دواء لا تنطبق عليه المواصفات الكاملة للدواء.
2- إنتاج دواء جيد وبمواصفات ممتازة، ولكن يفتقر الى الملكية الفكرية، لذلك يعتبر دواءً مزوّراً، وهذا الأمر ينطبق على الدول غير المنتسبة لمنظمة الصحة العالمية WTO، مثل الصين، الأرجنتين والبرازيل، التي تعيش شعوبها على أدوية من هذا النوع، وهذا يسمى بالCopy Kat.
يستهدف التزوير عادة الأدوية الغالية الثمن والأدوية الممنوعة الإستعمال، كأدوية الأعصاب والمنشطات الجنسية. وتبذل في لبنان جهود حثيثة لمحاربة التزوير، ما حدا بالمؤتمر الذي عقد في جنيف أخيراً الى التنويه بأن لبنان هو الدولة الوحيدة في المنطقة العربية، التي تعمل بجهد كبير لمحاربة التزوير.
وفي هذا الإطار، قامت وزارة الصحة بحملة توعية للتنبيه من الدواء المزوّر، من خلال اللوحات الإعلانية المنتشرة في المناطق اللبنانية كافة، وعبر وسائل الإعلام.
أما في ما يتعلق بفحص الأدوية المسجّلة، فإن لوزارة الصحة الحق في فحصها حيث نرى ذلك مناسباً. ولهذا السبب نرسل الكثير من الأدوية الى المختبرات المحلية والخارجية، التي تتمتع بشهادة دولية، ومنها ثلاثة مختبرات في سويسرا، علماً أن الولايات المتحدة تقوم بفحص أدويتها في هذه المختبرات. ولقد قطعنا شوطاً كبيراً في إعادة تأهيل المختبر المركزي، وبناءً على توجيهات الهيئة العليا لمنظمة الصحة العالمية، يتم تجهيز المختبر بأحدث المعدات التكنولوجية، وبفريق عمل متخصص وقادر على مواكبة التطورات العلمية، كي تنال فحوصات المركز ثقة دول العالم. ولا بد من الإشارة الى أن الأدوية المتطورة، كأدوية السرطان التي يبلغ ثمن كل منها ال5000 دولار وما فوق، تحتاج الى فحص دقيق في أهم المختبرات.
والأهم في القضية، الرقابة التي تتم على تسجيل الدواء، بحيث لا يتم تسجيله إذا لم يكن حائزاً موافقة الجهات العالمية، ومستعملاً في كل من أوروبا وأميركا.

 

• ماذا عن أدوية الجنريك، هل تشجّع وزارة الصحة إستيرادها واستعمالها؟
- دواء الجنريك، هو الدواء الذي يحق للشركات تصنيعه بعد انتهاء مدة حق الملكية الفكرية وبراءة الإختراع. ولبنان لم يندفع للتوقيع على  الخمسة عشر أو العشرين عاماً، واعتبرنا أن خمس سنوات كافية لتسجيل الجنريك، لأنه بعد عشرين عاماً يصبح الدواء «صالحاً للدفن».
دواء الجنريك ذو فعالية جيدة، لا تقل عن فعالية الدواء حامل الماركة (Brand)، ولكن سعره يجب أن يكون أقل ب25 في المئة. ومن حين لآخر، تسمح الشركات الكبرى، للدول مثل لبنان وسوريا والأردن...، بتصنيع الأدوية التي تنخفض نسبة مبيعاتها تحت إسم الجنريك «Under License».
وأشار الوزير خليفة، الى أن نسبة إستعمال الجنريك في لبنان تبلغ نحو ال40 في المئة، وأن 35 في المئة من الأدوية التي تستعمل في المستشفيات الحكومية، ومنها مستشفى الرئيس رفيق الحريري ومستشفى النبطية، هي جنريك. لكن المشكلة أن هذه الأدوية لا تسوّق، لأن العديد من الأطباء لا يصفونها، باعتبار أنها لا تساهم في تأمين حضور مؤتمرات علمية مجانية في الخارج.

 

• ما هي الإجراءات التي اتخذتها الوزارة بالنسبة الى أدوية الأعشاب؟
- لقد اتخذت وزارة الصحة اللبنانية عدة إجراءات، لتوعية الناس حول مخاطر أدوية الأعشاب، التي يصوّرها مسوّقوها عبر وسائل الإعلام، بأنها البديل عن العديد من الأدوية، لأمراض مزمنة كالسكري والسرطان وغيرها.
إن المتممات الغذائية المسجّلة في وزارة الصحة، تختلف عن أدوية الأعشاب، وهي متوافرة في أرقى دول العالم. بينما المشكلة في أدوية الأعشاب، أنه لغاية اليوم لا يوجد تنظيم عالمي لها. ومنظمة الصحة العالمية ترسل باستمرار الأسئلة الى وزارات الصحة في العالم، للوقوف على آرائها، حول كيفية وضع الآلية اللازمة لتنظيم هذا القطاع. وتبقى الإشارة الى أن أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية كالهند والصين، يعيشون على أدوية الأعشاب، منذ عشرات السنين، إذ إن استعمال أدوية الأعشاب والمتممات الغذائية نزعة موجودة في مختلف دول العالم.

 

البطاقة الدوائية

• لقد أطلقت وزارة الصحة أخيراً البطاقة الدوائية، ما هي أهمية هذا المشروع، وهل تتوافر الأدوية للمواطنين على مدار السنة؟
- إن أدوية الأمراض المزمنة كالسكري والقلب...، تختلف عن أدوية الأمراض المستعصية كالسرطان، التي يبلغ ثمن كل علبة منها الثلاثة ملايين ليرة وما فوق. ولدى الوزارة برامج للأمراض المزمنة، بحيث توزّع أدوية الجنريك المستخدمة في الدول الأوروبية، على المستوصفات في المناطق اللبنانية كافة. وبناءً عليه حاولت الوزارة إعطاء المواطنين المحدودي الدخل (الذين يرغبون بالإعتماد على الدولة بطريقة منظمة) بطاقة دوائية إلكترونية، وذلك بعد إخضاع المريض للفحوصات الطبية في مراكز الرعاية (المستوصفات)، عندها يحصل المريض شهرياً على أدويته لقاء بدل رمزي زهيد، لم يحدد لغاية الآن.
ولقد بدأ العمل حالياً بهذه البطاقة في ثلاثين مركزاً، على أن يصبح عدد المراكز تدريجاً، مئة مركز تقدم الخدمات الى نحو 150 ألف مستفيد. هذا بالنسبة الى الأمراض المزمنة، أما بالنسبة الى الأمراض المستعصية، فإن لبنان كما السعودية ومعظم دول العالم لا يستطيع تلبية الطلب، لا سيما أن سعر بعض هذه الأدوية يبلغ الخمسين ألف دولار، وعلينا أن لا ننسى أن لبنان بلد فقير، وهناك نحو 600 حالة إستشفاء سنوياً وهذه أرقام مرتفعة بالمقارنة مع باقي دول العالم، مع ذلك يقول بعض اللبنانيين أنهم يموتون على أبواب المستشفيات.

 

• ما هي المشاريع المستقبلية لوزارة الصحة؟
- تجري في وزارة الصحة ورشة عمل كبيرة، تتضمن تنظيم إدارات المستشفيات الحكومية، وتنظيم حملات التوعية واللقاحات، إضافة الى التأمين الصحي لغير المضمونين. ولا بد من الإشارة الى أن كلفة فاتورة الصحة غير مرتفعة في لبنان، نسبة الى حجم الخدمات التي يتلقاها المواطن. إن كلفة الطبابة للفرد الواحد في لبنان تبلغ 150 دولاراً، بينما تبلغ في إسرائيل 1800 دولار، وفي بريطانيا 4000 دولار، هذا بالإضافة الى أن اللبناني لا ينتظر تسعة أشهر كي يجري عملية القلب المفتوح، أو سنة ونصف كي يجري عملية تغيير ورك.
وشدّد الوزير خليفة في الختام على ضرورة التعاطي علمياً مع المواضيع الصحية لافتاً الى أن الأطباء، الخدمات الصحية، المستشفيات، الآلات الطبية والعاملين في القطاعات الصحية، هم الأفضل في المنطقة العربية. والدليل على ذلك نسبة المرضى العرب في المستشفيات، التي تبلغ نحو ال15 في المئة، موزّعين بين السوريين والبحرينيين والأردنيين والعراقيين والكويتيين...
 
الدكتور سكرية: ملف الدواء يعكس قصوراً  فاضحاً
رئيس الهيئة الوطنية الصحية الإجتماعية النائب الدكتور إسماعيل سكرية قال: «إن ملف الدواء ما زال يعكس صورة القصور الفاضح في ممارسة ثقافة المسؤولية في لبنان، على المستوى الرسمي وعلى مستوى مؤسسات المجتمع الأهلي، بحيث أنّ كل ما طرح من معلومات موثّقة حول أنّ المخاطر على صحة المواطن اللبناني سببها بعض الأدوية المزوّرة، أو المجهولة المصدر، أو الممنوعة من التداول في السوق العالمي أو الممدّدة الصلاحية... لم تغيّر شيئاً.
وعلى مدى عشر سنوات ونيّف، لم ينفّذ إصلاح جدي في القطاع الخاص، يؤدي الى تطبيق سياسة وطنية للدواء. فقد بقي سوق الدواء مفتوحاً على الفلتان «أسعاراً ونوعية»، بحيث أن 25 في المئة من أدوية السوق في لبنان، هي الأغلى في العالم، وهي تغطي 80 في المئة من الإستهلاك المحلي، إضافة الى تغييب صمام الأمان في تحديد نوعية الدواء، أي «مختبر الرقابة على الدواء».

وعن سبب ارتفاع سعر الدواء ليسجّل المرتبة الأولى في العالم أوضح قائلاً: «في الأساس إن هذه الأصناف مسجّلة في وزارة الصحة، بأسعار هي الأغلى من أسعارها في بلد المنشأ، وهذا ما اعترف به وزير الصحة الدكتور محمد جواد خليفة لجريدة «الأخبار». ويضاف الى ذلك الرسوم القانونية المعروفة، وارتفاع أسعار العمولات (خصوصاً اليورو)، فالتاجر يستغل هذا الإرتفاع اليومي، ليرفع الأسعار ويحجب الدواء عن الصيدليات، بانتظار المزيد من الارتفاع لتحقيق المزيد من الأرباح. لكن لا بد من الإشارة الى القانون الذي صدر منذ أشهر وهو يبقي سعر الدواء ثابتاً مهما ارتفعت أسعار العملات».
واعتبر الدكتور سكرية أن «المسؤولية هنا تقع على عاتق مجلس النواب الذي لا يحاسب ولا يراقب، وعلى عاتق الحكومة مجتمعة بما فيها وزير الصحة. فدور المجلس النيابي المساءلة والإجابة عن كل القضايا، إضافة الى المراقبة، لكنه لم يثر هذه القضية، بل على العكس من ذلك فإن وزير الصحة الدكتور إميل البيطار، الذي قاد أول عملية إصلاحية في مجال تسعير الدواء، تمّ إخراجه من مجلس الوزراء. كما وأن عشرات الأسئلة المدعومة بوثائق سياسية وتقارير تفتيش، وجّهت الى المجلس النيابي ولم يعلّق عليها بشيء».

 

المشكلة في التجار ومَن يغطّيهم
أما أدوية الجنريك، فكان للدكتور سكرية رأيه الخاص بها حيث اعتبر أن «كل محاولات الإصلاح سقطت أمام نفوذ مافيا الدواء. فالمشكلة في التجار المستوردين للدواء، الذين يغطّون 90 في المئة من السوق، وفي الإدارة المتواطئة وبعض السياسيين الذين يغطّون أو يغفلون عن هذه التجاوزات. ومن هذه الأمور، إفشال قرار تعزيز السوق بأدوية الجنريك، وكذلك إفشال دور المكتب الوطني للدواء، لا سيما أن هذه التدابير، كان من شأنها أن تخفّض فاتورة الدواء، بما لا يقل عن 40 في المئة. ولكن العامل الأخطر الآن هو غياب مختبر الرقابة على الدواء».
واعتبر أن «صناعة الدواء في لبنان تغطي 6 في المئة من حاجة السوق، ولا تخضع الى رقابة دوائية كاملة. كما وأن هذه الصناعة تحتاج الى تشجيع كبير من الدولة والى إخضاعها للمعايير العلمية العالمية، حرصاً على نوعيتها».
وختم الدكتور سكرية أن «ملخص واقع الدواء هو أن الفلتان ما زال يتحكّم في السوق. هناك نحو ال4000 صنف دواء، بعضها جيد وبعضها الآخر مجهول المصدر والفعالية والتركيب، وقسم منها مسحوب من التداول في السوق العالمي لآثاره السلبية على الصحة، أما القسم الأخير فمددت صلاحيته. وقد أكد على ذلك تقرير منظمة الصحة العالمية (الرقم 275 والصادر بتاريخ 14 / 11/ 2006)، الذي يشير الى أن نسبة الأدوية غير الصالحة للإستعمال في الدول المتقدمة هي واحد في المئة، وفي الدول النامية هي 10 في المئة بينما في لبنان فتصل الى 35 في المئة».

 

الدكتور دبيبو: النقابة تلاحق الصيدليات المروّجة للأدوية المزوّرة
نقيب الصيادلة السابق الدكتور صالح دبيبو قال: «إن الدواء مجموعة مواد أساسية وضرورية لاستمرار البشرية، ولا ينطبق عليها مفهوم السلعة من ناحية الترويج والإستهلاك. وبما أن لبنان كالعديد من الدول يعتمد على نظام الإقتصاد الرأسمالي الحر، فقد حصل تضارب بين مفهوم هذا النظام وبين حاجة البلد الى الدواء، الأمر الذي أدى الى توسّع غير ضروري، وفوضى في حجم الإستيراد الكبير للأصناف المتشابهة، يفيض عن حاجة البلد الإستهلاكية. ما يتناقض مع مفهوم الترويج الإنساني للدواء والعلاج الطبي، وينعكس سلباً على صحة المواطن».
 

وأضاف قائلاً:
إن النظام الرأسمالي الحر لا يبرر إنفتاح الأسواق الى هذا الحد في سوق الدواء.
إن عدد أصناف الأدوية المسجّلة في اللائحة المعتمدة في وزارة الصحة يفوق العشرة آلاف صنف، بينما عدد الأصناف الأساسية المعتمدة من قبل منظمة الصحة العالمية، والهيئات التي تعنى بصحة الإنسان هي نحو ثلاثة آلاف صنف.
وهناك لجنة صحية تدرس الأصناف المسجّلة في اللائحة دراسة مستفيضة، ولا سيما المتشابهة منها، والتي تنطبق عليها الشروط الدوائية كافة. إن وجود هذه الأصناف غير مبرر ويرفع من قيمة الفاتورة الدوائية ومن زيادة الإستهلاك التي تفوق حاجة البلد».

أما عن حجم الأدوية المزوّرة في الأسواق اللبنانية، والتدابير المتّخذة من قبل نقابة الصيادلة، للحدّ من تفشّيها في الأسواق، فقال الدكتور دبيبو: «التزوير عيب شائع في العالم أجمع ويطال الأصناف والسلع كافة، والمزوّرون يتّخذون طرقاً غير قانونية، بهدف المزيد من الربح المادي. ويمكن التأكيد أن نسبة التزوير في لبنان هي متدنّية نسبياً لما هي عليه في دول العالم. وإن نقابة الصيادلة تلاحق، ومن خلال جهاز التفتيش لديها، الصيدليات المروّجة للأدوية المزوّرة، ويصدر المجلس التأديبي في النقابة قراراً بإيقافها عن العمل، وكان آخر المخالفين إحدى الصيدليات في بيروت، التي ما زالت تعمل لغاية الآن، باعتبار أنها لجأت الى محكمة الإستئناف التي توقف حكم التنفيذ بالمبدأ، وتجيز لها العمل الى حين صدور الحكم النهائي».
أما عن مدى جدوى إمكانية اعتماد أدوية الجنريك في لبنان للمساهمة في خفض الفاتورة الدوائية، فأوضح الدكتور دبيبو «أن الجنريك دواء يصنّع تحت التركيبة العلمية نفسها التي يصنع بها الدواء العادي، ويتمتع بالجودة والفعالية نفسها، ولكنه لا يحمل الإسم التجاري للشركات، ولا الغلاف الذي يحمله الدواء العادي. وإن إمكانية اعتماده في لبنان، تحتاج الى تعديل القوانين في المجلس النيابي، لحمايته من الغش ومن دخول عنصر الربح والتجارة اليه، وكذلك الى اعتماد اللائحة الأساسية المعتمدة، من قبل منظمة الصحة العالمية. هذا بالإضافة الى ضرورة تفعيل عمل المختبر المركزي لفحص الأدوية وكذلك المواد الغذائية».

 

الأسعار
أما بالنسبة الى أسعار الأدوية فأكد النقيب دبيبو «أن القانون يحدد ربح الصيدلي ب20 في المئة، وكل إنخفاض عن هذه النسبة يكون تنازلاً من قبل الصيدلي عن جزء من حقه، وهذا ما نصّ عليه أحد القوانين الصادرة عن مجلس النواب. إننا نعتبر أن هذا القانون غير مناسب، لأنه خلق جواً من المضاربة بين الصيدليات، وحوّل الدواء الى سلعة تجارية قابلة للعرض والطلب، وأفسح المجال أمام التزوير والتلاعب. كما أن الأسعار تتغيّر مع تغيير سعر صرف العملات، وخصوصاً اليورو منها، الذي شهد ارتفاعاً كبيراً في الفترة الأخيرة. وإننا في النقابة نعمل من أجل تعديل هذا القانون، حرصاً منا على صحة المواطن والمصلحة العامة، وكذلك نسعى الى سنّ قانون حصانة الصيدلي داخل مهنته، وآخر يجبر الصيدلي على متابعة تحصيله العلمي، ومواكبة التطور العالمي في صناعة الأدوية».

وتحدث النقيب دبيبو عن صناعة الدواء في لبنان فلفت الى «أن الصناعة المحلية تغطي نحو 3 - 4 في المئة من حاجة البلد. إن هذه الصناعة جيدة جداً وتخضع لشروط الرقابة العالمية،  وتطبّق المواصفات العالمية، ولكنها بحاجة الى المزيد من التطور».
وعن تسويق أدوية الأعشاب عبر وسائل الإعلام قال: «هناك خلط بين العلاج بالأعشاب وبالخزعبلات التي تتم عبر شاشات التلفزة. إن النقابة ترفض هذه التجارة التي تضرّ بصحة المواطنين، خصوصاً أنه يتم تشخيص العلاج ومنح الأدوية التي لا تخضع للرقابة، ولا أحد يضمن جودتها وفعالياتها. وقد أصدرت وزارة الصحة قراراً يقضي بوقف هذه البرامج، ولكن لغاية اليوم لم يطبق هذا القرار».

 

فارس: الدواء ليس موجّهاً لداء وإنما لمريض
بدوره أوضح نقيب مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان السيد آرمان فارس: «إن ملف الدواء في لبنان، هو ملف متكامل، ونحن لدينا وجهة نظر خاصة مختلفة عن غيرنا. فالسياسة الدوائية هي مجموعة قوانين وأنظمة صادرة عن مجلس النواب، تحتاج الى التطبيق من قبل الأفرقاء المعنيين بهذا القطاع. إن وزارة الصحة هي المعني الأول والأساسي، باعتبارها المؤتمنة من قبل مجلس النواب على تنظيم هذا القطاع. فدورها يشمل منح الإجازات والتسجيل والتسعير، وصناعة الدواء الوطنية ومستوردي الأدوية والصيادلة. فالقانون الرقم 367 (الصادر بتاريخ 1/  8 / 1994)، ينظّم إطار مزاولة مهنة الصيدلة إستيراداً وتصديراً .
وأضاف، إن الكثيرين ينتقدون سياسة الدواء في لبنان، ولكن الأجدى بهم العمل ليلاً ونهاراً من أجل تطوير القوانين المتعلقة بالسياسة الدوائية وتحسينها، وبالتسجيل وبالتسعير. وفي هذا الإطار، فقد قدّمت النقابة الى مجلس الوزراء مشروع قانون يتعلق بتسجيل أصناف جديدة من الأدوية.

وعن أسس تسعير الدواء قال السيد فارس: «لقد حدد هذه الأسس القانون الرقم 306 (3 حزيران 2005)، والذي تمّ تعديله بالقرار 51/1 (24 كانون الثاني 2006)، ويعتبر هذا القانون وتعديله، الركيزتين الأساسيتين، والآلية الشفافة والعلمية لتحديد أسعار الإستيراد وأسعار البيع للعموم وكذلك مراقبتها. الأوضاع الدوائية في لبنان ليست سائبة ولا هي مثالية بل إنها تحتاج الى درس وتعديل، والجميع مستعدون لتحسين الوضع».
والجدير بالذكر، يضيف فارس، «أن تسجيل الدواء في لبنان ليس بالعملية السهلة والبسيطة، فهذا الموضوع هو من أولويات إهتمام معالي وزير الصحة العامة، وقد وافق مجلس الوزراء، في جلسته المنعقدة بتاريخ 5 / 5 / 2008، على مشروع المرسوم التطبيقي 571، للقانون المتعلق بشروط تسجيل واستيراد وتسويق وتصنيف الأدوية، (نشر مرسوم التعديل في الجريدة الرسمية بتاريخ  10 /  10 / 2008). إن إصدار المرسوم المذكور هو في غاية الأهمية، لأن النصوص التنظيمية التي كان معمولاً بها، غير متناسبة والتعديلات البنيوية الهامة التي حصلت في واقع الصناعة الدوائية العالمية، وبشكل خاص تلك التي نتجت عن حركة الدمج والاستحواذ Mergers & Acquisitions الحاصلة في ما بينها. وهذه التعديلات حتّمت على وزارة الصحة العامة في لبنان مواكبتها، بشكل يسمح لها بتحديث أسس تسجيل الدواء ومراقبته واستيراده».

وأضاف النقيب فارس: «إن إقرار هذا المرسوم يدل على أهمية التعاون بين القطاعين العام والخاص. لقد استطعنا تفهّم الواقع الجديد الحاصل في صناعة الدواء، وكذلك الأنظمة والقوانين التي تطورت في الدول الصناعية المتطورة كأميركا وأوروبا. ومن خلال ذلك استطعنا وضع الأسس المحورية لتطبيق القانون 530 وهي تشمل:
- التأكد من نوعية الأدوية المستوردة والمصنّعة محلياً.
- حصر المسؤولية عن طريق تحديد حلقات غير منقطعة من المسؤوليات من المنتج الى المواطن.
- التقليل من نسبة «الإستنساب» في قرارات اللجنة الفنية.
- وضع آلية حديثة ولينة من دون خفض المراقبة.
- السرعة في عملية تسجيل الأدوية.
إضافة الى أمور عديدة تمّ وضعها لإتمام العملية بنجاح وبعلمية مطلقة». واعتبر السيد فارس «أن أهمية إقرار هذا المرسوم تكمن في استكمال رزمة من أنظمة التسجيل ومراقبة النوعية التي ترسم السياسة الدوائية، بعد استكمال عملية التسعير ومراقبتها».
وعن الأصناف المتعددة والمتنوعة في الأسواق، وأهمية اعتماد لائحة منظمة الصحة العالمية قال السيد فارس: «إن منظمة الصحة العالمية تضع لائحة خاصة بالدول الفقيرة، وإن لبنان بلد غني بالدواء. فبالرغم من ظروف الحرب القاسية، لم يُفقد الدواء من الأسواق. وهنا لا بد من الإشارة الى أن الدواء ليس موجّهاً لداء وإنما هو موجه لمريض، ومن هنا تبرز أهمية التنوع في الأصناف للمرض نفسه».
وعن دواء الجنريك أوضح أنه «متوافر في الأسواق وبأسعار منخفضة، ولكنه غير مطلوب لسبب يعود الى الذهنية اللبنانية، التي تعتبر أن الدواء الأصلي أفضل. لذا على وزارة الصحة التشديد على قضية نوعية الجنريك وأسس تسجيله ومراقبته وكذلك الإعلان عنه، لأنه من الضروري نشر التوعية على مستوى الأطباء والرأي العام حول منافع الجنريك».

أما عن قضية الرقابة على الدواء وشلل عمل المختبر المركزي فأوضح السيد فارس «أن وزير الصحة قد اتخذ قراراً يقضي بقبول شهادات المختبرات الجامعية في لبنان، والمرتبطة بمستشفيات جامعية، عوضاً عن شهادات المختبر المركزي. وأن الدواء الذي يمرّ على اللجنة الفنية يعتبر صالحاً للإستعمال».

 

ضمانة المواطن
عن ظاهرة التزوير والتهريب قال فارس: «إن ظاهرة تزوير وتهريب الأدوية هي آفة تعانيها جميع دول العالم، ويتعرّض لها لبنان من وقت الى آخر وبأحجام متفاوتة. ولا شك أن هذه الظاهرة الخطيرة، ازدادت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، اكتشفه تدريجاً بعض المؤسسات الصيدلانية المنتمية الى نقابة مستوردي الأدوية، والتي تعاونت مع نقابة صيادلة لبنان في محاولة جادة لضبط الوضع. كما أن أجهزة وزارة الصحة العامة تحركت ولا تزال تلاحق المخالفين، بالتعاون مع النيابات العامة المختصة. إلا أنه، وعلى الرغم من خطورة الوضع، نريد أن نؤكد للرأي العام، أن الأدوية الشرعية وذات النوعية المضمونة تعمّ الأسواق اللبنانية، وأن ضمانة المواطن، هي أولاً وأخيراً، الصيدلي الذي يثق به بحكم المعرفة السابقة والجوار. واتكالنا جميعاً على الصيدلي لأنه صمام الأمان بالنسبة الى التصدي للتهريب والتزوير. ولقد اعتمدت نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان علامة فارقة مميزة، متطورة إلكترونياً وغير قابلة للتزوير «Hologram» وتحمل إسم النقابة وإسم المؤسسة الصيدلانية المستوردة، لإعطاء ضمانة إضافية للأدوية المتداولة في الأسواق اللبنانية». وقال: «إن المؤسسات الصيدلانية المنتمية الى نقابة الصيادلة ملتزمة التزاماً تاماً شرعية الإستيراد، وإخضاعه لسلسلة من المسؤوليات مترابطة الحلقات بدءاً من المنتج وصولاً الى المواطن».
وأكد أخيراً «أن ورشة العمل في ملف الدواء من أجل إيجاد حلول للأمور الشائكة لا تنتهي، وهي تتطلب تضافر جهود جميع المعنيين، وأن أي كلام غير علمي وغير بناء، لا يحل الأمور الشائكة». وأوضح أن «النقابة على تواصل مستمر مع مسؤولي وزارة الصحة من أجل تحسين الوضع في ما يتعلق بالنصوص وبالممارسة والأداء».
أخيراً، يبقى أن نقول إن على الجميع السعي المتواصل والعمل الدؤوب من أجل وضع سياسة دوائية تحمي صحة المواطن، التي تحيط بها المخاطر، لكن مهما أقرّ من قوانين وصدر من مراسيم، تبقى العبرة بالتنفيذ.

 

الجيش وتجربة إستيراد الأدوية
رئيس الطبابة العسكرية السابق العميد الطبيب نديم العاكوم تحدّث عن تحربة الجيش في مجال إستيراد الدواء ووفق أية معايير يتم وقال: «الحاجة أم الإختراع»، فمنذ نحو خمسة عشر عاماً، لم تكن الميزانية المخصصة للدواء تكفي حاجة المستفيدين من الطبابة العسكرية. لذلك اعتمدت الطبابة العسكرية لائحة خاصة، لا تتعدى أصناف الأدوية فيها ال700 صنف، تشمل أنواع الأدوية كافة والأصناف الممتازة منها، ويتم تجديد هذه الأصناف كلما دعت الحاجة.

لقد إستحصل الجيش على حسومات عالية من قبل الوكالات والمكاتب العالمية، التي تعامل معها مباشرة، وعملية الإستيراد تتم حالياً على طريقة المناقصة بالتراضي. والجدير بالذكر هنا أن العملية كانت تتم بالماضي وفق آلية مختلفة، حيث كانت قيادة الجيش تطلب من الطبابة العسكرية لائحة بأسماء الأدوية التي يحتاج اليها الجيش، وعادة كانت اللائحة المسجلة في وزارة الصحة تُعتمد بالكامل، وبناءً عليه تحصل القيادة على الأسعار بالظرف المختوم من قبل الشركات، وعندها ترسي المناقصة العمومية على السعر الأدنى. اليوم، نعتمد آلية مختلفة فبناء على قرار يصدر سنوياً عن مجلس الوزراء ويجيز للجيش شراء الأدوية من خلال المناقصة بالتراضي، تتم العملية من خلال المفاوضات  ويتم الحسم بالسعر وليس من خلال إلغاء أصناف أساسية».
وأضاف العميد العاكوم: «عندما تفرض الحاجة إدخال أي صنف جديد على اللائحة المعتمدة في الطبابة العسكرية، يتوجب على الوكلاء إدخال كميات كبيرة منها، لاستعمالها من قبل المستفيدين بغية إثبات فعاليتها، وكذلك فحصها في المختبرات المعتمدة في وزارة الصحة. وكما ذكرنا فإن هذه اللائحة بدأت ب650 صنف دواء وهي تتجدّد سنوياً وفق الحاجة وتطور الدواء. والجدير بالذكر أن هذه اللائحة هي نفسها معتمدة لدى قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، وكذلك في بعض الدول العربية. وتشرف على هذه اللائحة لجنة من الضباط الإختصاصيين والضباط الأطباء والصيادلة والأطباء المدنيين».

 

وعن شروط إستيراد الدواء أوضح العميد العاكوم أن هناك شروطاً تفرضها المؤسسة العسكرية لاستيراد الدواء وهي:
1- يجب أن لا تقل مدة صلاحية الدواء عن السنتين، وأن يكون الوكيل على إستعداد دائم لاستيراده، قبل ستة أشهر من إنتهاء مدة الصلاحية.
2- أن يكون مستعملاً ومعتمداً على الأقل في ثلاثة دول أوروبية وأميركية وعربية.
وعمّا إذا كان الجيش يعتمد على بعض أدوية الجنريك قال: «لتشجيع الصناعة الوطنية، نشتري بعض الأصناف العالية الجودة، وكذلك نعتمد على بعض المصانع العربية، حيث أن أسعارها مقبولة، ويمكن اعتبار هذه الأصناف أدوية جنريك. إن همّ الجيش اللبناني تأمين الأدوية للأمراض المستعصية والمزمنة بشكل دائم وطوال أيام السنة، مهما كانت كلفتها، علماً أنه قد يحصل تأخير في القليل من المرات في بعض الأدوية التي يمكن تحمّل المستفيد كلفتها، على أن تعوّض عليه الكلفة في وقت لاحق.
ولا بد لنا من الإشارة هنا الى أن الطبابة العسكرية لم تتأثر لغاية اليوم بارتفاع الأسعار، وخصوصاً سعر صرف اليورو، باعتبار أننا نستورد الأصناف قبل عام، كما أن الوكيل يستورد الأصناف نفسها من المنشأ الأميركي، وهي تمتاز بالجودة والفعالية نفسها».

ودعا العميد الطبيب العاكوم الجميع الى السعي الجدي والدؤوب من أجل تخفيض فاتورة الدواء المرتفعة جداً في لبنان، وذلك من خلال تشكيل لجنة وطنية تضمّ ممثلين عن الصناديق الضامنة والهيئات الرسمية والخاصة، واعتماد لائحة مشتركة من الأدوية، تتضمن الأصناف المعتمدة في لائحة وزارة الصحة، وإجراء مناقصات بالتراضي، تشمل حاجة السوق المحلي والهيئات الضامنة، وفقاً للنوعية الممتازة والكلفة الأدنى.

 

تشكيلات وانتخابات
باشرت «الجيش» إعداد هذا الملف في وقت كان فيه العميد الطبيب نديم العاكوم رئيساً للطبابة العسكرية، وكذلك كان الدكتور دبيبو نقيباً للصيادلة. لكن عدة أسباب أخّرت نشره، فعذراً من رئيس الطبابة الذي تسلّم مهامه الجديدة حديثاً، ومن نقيب الصيادلة الجديد.

تصوير: راشيل تابت