مؤتمر القمة

الرئيس الأسد يربط بين الحرب الأميركية المحتملة على العراق والحرب الإسرائيلية القائمة على الفلسطينيين

داعياً العرب الى تحمّل مسؤولياتهم

 

هيمنت القضية العراقية على اهتمامات القمة العربية الخامسة عشرة, وكان القلق العربي من التهديدات الأميركية بضرب العراق واضحاً وجلياً في خطابات العديد من الرؤساء, وتحديداً في كلمة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد الذي ربط هذه الضربة المحتملة بما يحصل في فلسطين, مشيراً الى أنها سوف تكون تغطية على الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني, مع تأكيده على الحقوق المشروعة في سوريا ولبنان وفلسطين, رافضاً بشكل مطلق الحرب التي “ستؤدي بالنتيجة النهائية الى السلام بالصيغة الإسرائيلية التي نرفضها جميعاً, وربما ستؤدي الى تقسيـم العراق بهدف أن تصبح إسرائيل دولة شرعية”.

ودعا الرئيس الأسـد في كلمته, العرب جميعاً الى تحمّل المسؤوليـة كاملـة وعدم إعطاء أية تسهيلات لهذه الحرب, التي لن تطـال دولة العراق لوحدها, بل “ستكون معها دول عربية عديدة”, لأنّ “الجمـيع سيكون في قلب الخطر وسيكون مستهدفاً”.
وقد جاءت ردود الفعل على كلمة الرئيس الأسد إيجابية, سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي, لما تحمله من طروحات موضوعية ومحقة للقضايا العربية, ولما تتضمنه من بعد نظر ورؤية ثاقبة لخطورة تداعيات الحرب المحتملة على العراق. وفي ما يلي, النص الكامل لكلمة الرئيس الدكتور بشار الاسد.

 

جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة
اصحاب الجلالة والفخامة والسمو
السيد الأمين العام لجامعة الدول العربية

ما سأقوله اليوم ليس خطاباً, بل مداخلة فيها عدد من الأفكار المتعلقة بالقضية العراقية, او ربما هو خطاب يخلو من المقدمات والمجاملات ويدخل الى صلب الموضوع بشكل مباشر.

احياناً يشعر المرء بالخطر ويرى ان هذا الخطر المحدق به كبير, وعندما يلامس هذا الخطر او عندما يصيبه, يشعر بأن هذا الخطر كان اكبر بكثير مما توقعه.. اليوم نحن جميعاً نشعر بالخطر المحدق بالمنطقة وبالعراق, ولكن باعتقادي نحن لا نشعر بحجم الخطر بالمقدار الحقيقي. البعض يعتقد ان هذا الخطر سيؤثر عليه بشكل غير مباشر, والبعض يعتقد ان هذا الخطر سوف يقترب من حدوده, والبعض يعتقد بأنه سيتوقف عند الحدود, وربما البعض الآخر يعتقد بأن بعض المسايرات تبعد هذا الخطر إما الى الأبد أو الى أجل طويل.

في الحقيـقة, الجميع سيكون في قلب هذا الخطر وسيكـون مستهدفـاً, ربما ليس مباشـرة ومن المرحلة الأولى ولكن على مراحل. باعتقادي ان الكثير من الامور التي حصلت في الماضي لم نشعر بخطرها بالمقدار الصحيح في ذلك الوقت (سايكس بيكو, وعد بلفور, إنشاء دولة اسرائيل, واليوم قضية العراق).
هذه القمة هي قمة عادية بالتسمية لكنها استثنائية بالظروف. القمة الاستثنائية بحاجة الى شيئين: بحاجة الى ظروف استثنائية وبحاجة لقادة استثنائيين, والقادة الاستثنائيون يعطون قرارات استثنائية طبعاً, وباعتقادي ان كل انسان يريد ان يكون استثنائياً ومتميزاً. الاستثنائية اليوم هي جرأة, هي موضوعية, هي ابتعاد عن الاحقاد ذات الطابع الشخصي, وهي في الوقت نفسه السعي لتحقيق مصالحنا وليس لتحقيق مصالح الآخرين. ومن الخطير اليوم ان نأخذ قرارات عادية في مثل هذه الظروف. إننا نعتقد بأن ظـرف اليوم يختلف كثيراً عن الظرف في عام 1990. في ذلك الوقت التقى العرب في قمة 8 آب عام 1990, كانت هناك حالة من الذهول والضياع والانقسام, واليوم الوضع لا يختلف كثيراً. ربما كان الانقسام في ذلك الوقت اوضح, ومع ذلك كانت هناك قمة وكانت هناك قرارات جريئة لاستعادة سيادة الكويت.

طبعاً هناك من سيقول إن من قام بهذا التعامل هو التحالف الدولي. هذا صحيح. كان المطلوب من العرب في ذلك الوقت اعطاء الشرعية وتقديم التسهيلات. واليوم لو أراد العرب ان يساهموا في حرب ضد العراق, لن تسمح لهم الولايات المتحدة, أي انه غير مسموح لهم التدخّل. المطلوب اعطاء الشرعية وتقديم التسهيلات. ما يحصل اليوم هو امتداد لتلك المرحلة. لا يوجد فاصل ابداً بين الحالتين. مآسٍ تكبر وتصغر وتستمر ومخطط بياني, الذُرى فيه تدل على ذروة استهداف العرب, والحضيض فيه يدل على الحضيض في الأداء وفي الواقع العربي. الفرق الوحيد بين ذلك الوقت وهذا الوقت هو أنه في عام 1990 كان الكويت محتلاً , أما العراق فغير محتل لأي ارض ولا يهدد أية دولة لا جارة ولا غير جارة, ونحن دولة جارة ويحق لنا الحديث كما يحق للآخرين حول هذه النقطة.

انطلق من القول إنني لا اعرف الرئيس صدام حسين, لم التقِ به ابداً ولم اتحدث معه حتى على الهاتف, وربما في ظروف سنوات مضت كان هناك خلاف شديد وقاس بيننا وبين الأخوة العراقيين لأكثر من عقد من الزمن. أقول هذا الشيء لكي لا أُتهم بالحديث الرومانسي أو العاطفي. في حديثي الآن لا توجد عاطفة حب ولا انفعال الكره. يوجد عقل وفقط عقل. أنطلق فقط من العقل. يحق لنا أن نحب شخصاً أو لا نحب شخصاً. يحق لنا أن نتفق مع سياسة مسؤول أو لا نتفق معه. يحق لنا أن نعجب بسياسة أو بأداء رئيس أو لا نعجب, هذا موضوع شخصي. لا يهم إن اتفقنا أو اختلفنا حول هذا الموضوع, لكن هناك سؤال بسيط, هل يحق لنا ان نختلف حول العراق؟ هل نحبّ العراق أو لا نحبّ العراق؟ هل نختلف على ضرب العراق أو لا نختلف على ضرب العراق؟ إذا كان يحق لنا هذا الشيء, فلماذا الحديث عن جامعة الدول العربية وعن التضامن العربي الذي يتحول عندئذ الى إسم من دون مسمّى. البعض يصور أن المشكلة هي إما في رئيس العراق أو في النظام العراقي. لا أقصد أن أتحدث عن البعض من الأجانب. أنا أقصد البعض من المسؤولين العرب. لو كانت القضية فعلاً هي بهذا الشكل, وكان هناك أشخاص مسؤولون يهددون كيان العراق, أو يهددون كيان المنطقة, فأنا أرى أن من واجبنا الآن أن نرسل وفداً ليقول لهم ضحّوا بطريقة ما. قدّموا تضحية لكي تنقذوا الوطن والمنطقة بشكل عام وهذا سيُسجل كعمل وطني وقومي, لكن كلنا نعرف أن هذا ليس هو القضية. كلنا نعرف ما هي الأقنعة التي استُخدمت.

في البداية طرحت الولايات المتحدة موضوع عودة المفتشين, ولاحقاً تحدثت عن تطبيق قرارات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن, ثم تبعتها في الحديث عن أسلحة الدمار الشامل, ولحقها الحديث عن المشكلة في وجود النظام, ومن ثم بدأوا يتحفوننا بالحديث عن الديموقراطية, ومن ثم حقوق الإنسان, والآن يبشرون بالتنمية, التنمية التي ستحلّ في العراق وفي منطقتنا بشكل عام بعد هذه الحرب. ولا نستغرب أن يصدر مصطلح كالمصطلحات الأميركية الجوفاء التي نسمعها دائماً, مصطلح يسمى الحرب التنموية أو التنمية بطريقة الحرب.

كل هذه الأمور التي طرحت هي عبارة عن أقنعة استخدمتها الولايات المتحدة لكي تخدع العالم, لكن باعتقادي لا يوجد في كل هذا العالم أحد خُدع بهذه الطروحات. على ما يبدو ملّ هؤلاء المسؤولون في وقت لاحق من لبس هذه الأقنعة وقرروا خلعها. قالوا ليست القضية هذه الأمور. القضية هي موضوع السيطرة. السيطرة على العالم, على المنطقة, كل هذه الأمور واحد. القضية هي النفط, والنفط هو إحدى الأدوات للسيطرة على العالم. القضية هي إعادة رسم الخريطة بالشكل الذي يناسبهم ويناسب طبعاً إسرائيل, وهذا جانب آخر من الموضوع. القضية هي تدمير البنية التحتية للعراق وعلى رأسها العلماء, ولا أقصد بالبنية التحتية, لا المعامل ولا الصواريخ ولا الأمور التي يتحدثون عنها, هم يريدون شعباً قلبه ينبض وعقله لا يعمل, هذا مطلوب من كل العرب, أي كمن يعيش في حالة السبات وفقط تتحرك العقول عندما يريدون وبالشكل الذي يريدونه. طبعاً ما لم يقولوه هو الجانب المتعلق بإسرائيل, وأعتقد بأنه ليس خافياً على أحد.

بالنسبة للمفتشين, هم أول من رفض عودة المفتشين عندما وافق العراق. بالنسبة لقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة, لا أعتقد بأن هناك بلداً في العالم يخرق هذه القرارات كما تفعل الولايات المتحدة. أما بالنسبة لأسلحة الدمار الشامل, فلو كانت هذه الأسلحة فعلاً موجهة ضد الدول العربية لطالبوا بزيادتها بدلاً من إنقاصها. هم يدّعون الخوف علينا. كيف يخافون علينا من العراق ولا يخافون علينا من إسرائيل؟ من يقوم بقتل العرب؟ هل العراق أم إسرائيل؟ من يقتل يومياً الفلسطينيين؟ اليوم أصبح القتل بالعشرات. بكل تأكيد كل ما يوجد من سلاح في العالم العربي لا يهدد لا الولايات المتحدة ولا أية قارة أخرى, لكن هم لو كان باستطاعتهم نزع السلاح الفردي في الوطن العربي, فلن يترددوا لكي تبقى إسرائيل تصول وتجول في أجوائنا وفي أراضينا, تقتل متى تشاء ومن تشاء. أما الديموقراطية, فلو قام أي واحد منا بسجن 100 ألف من المواطنين الذين تظاهروا ضد سياسة الولايات المتحدة لأصبح زعيماً ديموقراطياً في العالم العربي وفي المنطقة, أما من يسجن شخصاً مخطئاً يوالي الولايات المتحدة فهو ضد الديموقراطية ومعتد على حقوق الإنسان. وأما إذا استطاع أي شخص أن يقوم بحرمان مواطن فلسطيني من أبسط حقوقه, فهو سوف يتحول الى داعية سلام وداعية ديموقراطية وداعية حقوق إنسان وكل هذا الكلام والألقاب التي لا قيمة لها. أعني نحن نظلم الولايات المتحدة عندما نتحدث عن المعايير المزدوجة. المعيار المزدوج يعني معيارين. هم لديهم ألف معيار لألف حالة وربما أكثر. المهم أنهم أرادوا أن يخلعوا هذه الأقنعة ويقولوا أن القضية ليست هذه الأقنعة التي لبسناها وإنما هي موضوع السيطرة. ابتدأ البعض منا يتحرك ويقول لا. أبقوا هذه الأقنعة. هم يقولون قضية سيطرة ونحن نقول لهم إن القضية هي النظام. هم يخلعون القناع ونحن نلبسهم إياه. ما أريد أن أصل إليه, هو أنه علينا ألا نخلط بين قضية شخص أو أشخاص وقضية وطن. لا يوجد شخص في العالم يستطيع أن يختصر أي وطن مهما يكن هذا الشخص. هذا من جانب. من جانب آخر, لا يجوز الخلط بين الحالة الكويتية العراقية والقضية العراقية. صحيح, كما قلت أنا, ما يحصل اليوم هو امتداد لما حصل في عام 1990 لكنه ابتدأ باتجاه وانحرف باتجاه آخر أو حُرّف باتجاه آخر لكي نصل الى ما وصلنا إليه اليوم. ربما لا يرضي هذا الكلام البعض من الأخوة العرب, لكن القناعات يجب أن تُقال كما هي ومن دون تجميل. في عام 1990 وقفنا مع الكويت ضد الموقف العراقي وليس ضد العراق, واليوم نقف مع العراق ونقف مع الكويت ولكن سنقف ضد أي طرح يؤدي أو يهدف الى تدمير العراق.

الآن سأطرح صورة مبالغة بسيطة. لنفترض أن البعض ضد النظام والبعض ضد العراق أو غير مهتم بتدمير العراق. دعونا نأخذ قراراً في هذه القمة. قراراً واضحاً بإسقاط النظام وبتدمير العراق ونبلغ هذا الشيء للآخرين. هذا أفضل. هذا يعني على الأقل أننا إذا قمنا بهذا العمل سنكون أكثر رحمة من الأجانب بهذا الشيء. لماذا أطرح هذه الصورة المبالغة. طبعاً الجواب سيكون لا. هذا الكلام مرفوض. هذا الشيء بديهي. لكن هنا تظهر المفارقة الشديدة بين ما ندّعيه أو ما نقوله دائماً ونصرّح به ونعلنه من رفضنا للتدخل في الشؤون الداخلية العراقية ومن رفضنا لضرب العراق, ومن الأداء لدى البعض الذي يسير مع الحرب ومع الضرب ومع التدخل في الشؤون الداخلية والإختباء وراء مواقف الولايات المتحدة. إذا كنا مع فكرة معينة, دعونا نتبناها نحن في هذه الجامعة. إذا كنا ضد الفكرة دعونا نقف في وجه من سيقوم بها بدل الإختباء وراء مواقف الآخرين لأنه لم يعد بالإمكان في هذه الظروف أن نقف في الوسط: رِجل في هذا المكان ورجل في المكان الآخر. يجب أن نحسم مواقفنا.
في العالم اليوم ثلاثة عناصر تؤثر في موضوع الحرب سلباً وإيجاباً: عنصر دولي, عنصر إقليمي, وعنصر عراقي محلي. بدون تدخل في العنصر المحلي, العنصر الدولي يستند الى العنصر الإقليمي. إذا ضعف العنصر الإقليمي فسوف يشتد الجانب الداعي للحرب في العنصر الدولي والعكس صحيح. وإذا قوي العنصر الإقليمي فأيضاً العكس يكون صحيحاً. العنصر الدولي قوته سياسية, أما العنصر الإقليمي فقوته سياسية ميدانية, بكل ما تحويه كلمة ميدانية من معان: المعنى الجغرافي, المعنى السكاني, المعنى العسكري.. الخ. هذا العنصر الميداني هو نقطة قوة لنا إن استخدمناه بشكل صحيح لمنع الحرب, وهو نقطة ضعف لنا إن تركنا الحرب تمر ونحن موجودون في الميدان, لأننا سنكون في قلب الحرب هدفاً ولن نكون غير ذلك. إن لم نفهم هذه المعادلة بدقة وبوضوح سوف نتحمل مسؤولية مضاعفة في المستقبل. حتى الآن العامل الدولي أفضل أداءً منا جميعاً. نحن حتى الآن لم نقم سوى بإعطاء التصريحات. حتى الآن لا يوجد عمل عربي وحيد باتجاه منع الحرب المفترضة. نحن معنيون بهذه الحرب وبالعراق أخلاقياً وقومياً ومعنوياً ومادياً, فلا بد من القيام بعمل ما لكي يتماشى مع العنصر الدولي الذي يعادي الحرب ولكي يدعمه. عدا عن ذلك, علينا أن نقول, أن اجتماعنا أو عدمه واحد لأننا دول لا حول ولا قوة لها.

ما هو المطلوب؟ أنا لن أطالب بتطبيق اتفاقـية الدفاع العربي المشترك, وفي الوقت نفسه لن أطالب بسحـب القوات الأجنبية أو القواعد الأجنبية. هذا موضوع سيادي, كل دولة تدعو من تشاء إليها, طبعاً لا أحد يرتاح لموضوع القواعد الأجنبية. لكن لن نتدخل, وهي ليست قضيتنا. ربما بعض الدول لديها مصالح, ربما بعض الدول لديها هواجس. المهم في الموضوع أنه لا يحق لأية دولة أن يخرج تأثير هذه القوات خارج حدودها, سواء كانت قوات صديقة أو شقيقـة أو قوات وطنيـة. أي تأثيـر لهذه القوات يخرج خارج حدود هذه الدولة تصبح هذه الدولة دولة معتدية, وعندها عليها أن تُحمَّل المسؤولية كاملة. فإذاً المطلوب هو عدم إعطاء أية تسهيلات لهذه الحرب.

هذا البند هو الأساس الذي يجب أن نستند إليه في هذه القمة, وهو الذي يحدد دورنا في الحاضر وفي المستقبل وهو الذي يحدد دور الآخرين في قضايانا, وهو الحد الأدنى إن لم نقم به فسوف يقال إن هذه القمة كانت قمة لتبرئة الذمم أمام الشعوب العربية أو قمة الهروب من المسؤولية أمام العرب أو أمام الآخرين, ما يعني نحن نحمَّل المسؤولية من قبل المواطنين العرب وحتى من قبل الأجانب. بعض المسؤولين مع كل أسف قال لي وقال لغيري, نحن لا نستطيع أن نتحمل أو لا نستطيع أن نفرض هذا الشيء. من يقول لا أستطيع يعني أنه لا يمتلك القرار. ومن لا يمتلك القرار لا يمتلك السيادة. عن أي تضامن نتحدث إن كان هناك قراران, الأول عربي والثاني غير عربي. نسميه تضامناً عربياً. إنه تضامن لكنه غير عربي. التضامن هو تضامن قرارين لا مسؤولين. إذا كان التضامن تضامن المسؤولين فنحن علاقاتنا جيدة وربما هواياتنا مشتركة, لكن إذا كان مطلوباً من قراري أن يتضامن مع قرار غير عربي فأنا لست بحاجة للواسطة. نستطيع أن نتضامن مع الأجنبي بشكل مباشر. اليوم نحن بحاجة لقرار وقرار بالإجماع بالنسبة لهذه المسألة.

البعض طرح موضوع إرسال وفد الى العراق. هذا يطرح عدداً من الأسئلة. هل سيذهب الوفد الى العراق فقط أم سيذهب أيضاً الى الولايات المتحدة؟ لأننا إذا لم نقم بذلك وذهب الوفد الى العراق فقط, فهذا يعني أن المشكلة في العراق وليست في الولايات المتحدة التي تسعى للحرب بسبب ومن دون سبب. بذلك نعطي رسالة بأن المشكلة هي العراق وليس تطبيق قرارات مجلس الأمن. نعطي رسالة بأن المشكلة هي في العراق وليست في العدوان على العراق.


ثانياً, إذا ذهب هذا الوفد الى العراق, ما الذي يمكن أن يطلبه هذا الوفد؟ هل سيطلب التعاون, تعاون العراق مع الأمم المتحدة؟ إذا طلب هذا التعاون هل سيطلب الشيء نفسه من واشنطن التي لا تتعاون ولا بشكل من الأشكال وتحاول عرقلة أي قرار يبعد الحرب؟
ما هو مدى التعاون؟ نحن نعرف أن الولايات المتحدة دائماً تطلب طلباً وراء طلب, وكلما قدم الطرف شيئاً تطلب منه التتمة. عندما يصل التنازل الى رقم مئة تقول له أين التنازل رقم واحد. هذا ما حصل مع أخواننا الفلسطينيين في المفاوضات, تنازل وراء تنازل ودائماً يقولون لهم لم تقدموا ولم تقدموا, وهذا ما أوصلنا الى ما وصلنا إليه اليوم. طبعاً نحن نريد من العراق أن يتعاون, لكن يجب أن نعرف ما هو مدى التعاون. الآن نردد ما يقوله الآخرون بهدف مختلف ونصبح كمن يسير معهم من دون أن يدري الى أين يذهب. علينا أن نعرّف ما هو هذا التعاون. ما هو المدى المطلوب من العراق أن يتعاون به ولم يقم. عندها نستطيع نحن كدولة عربية أن نشكل مجموعة تذهب الى العراق بشكل ما وتناقش معه كل هذه المواضيع. فإذاً يجب أن نحدد ما هو مدى هذا التعاون. بنفس الوقت, هل سنرحب بالتعاون الذي أبداه؟ أي عندما تقول الولايات المتحدة العراق لم يتعاون لذلك سنحارب, نقول نحن للعراق: تعاون. وعندما يقول المفتشون إن العراق تعاون وأن هذه النتائج التي حصلوا عليها ليست مبرراً للحرب, نصمت. فأنا أرى أن علينا أن نرى الجانب الإيجابي وهو الأكبر في ما قام به العراق. أما إذا كانت هناك ثغرات وتفاصيل, فنحن كلنا أخوان عرب ونستطيع أن نتحدث مع بعضنا البعض بكل صراحة ومن دون حواجز.

الجانب الآخر في الموضوع العراقي هو أن هذه القضية لا تنفصل اليوم عن القضية الفلسطينية. فشلنا في معالجة القضية العراقية يعني فشلنا في معالجة القضية الفلسطينية. لا يمكن أن نفصل بين القضيتين اليوم. هذه الحرب إن حصلت سوف تكون تغطية على الجرائم الإسرائيلية, وأنا لا أقول الجرائم الشارونية, لأنني قلت منذ زمن طويل ­ منذ قمتين على ما أعتقد ­ كل إسرائيلي هو شارون. واليوم هذا الشيء قد ثبت. كل الإسرائيليين يقتلون الفلسطينيين بشكل مستمر ومتصاعد يومياً. هذه الحرب سوف تكون غطاء على هذه الجرائم الإسرائيلية, سوف تكون التفافاً على الإنتفاضة وعلى المقاومة, وسوف تؤدي بالنتيجة النهائية الى السلام بالصيغة الإسرائيلية التي نرفضها جميعاً, وربما ستؤدي الى تقسيم العراق بهدف أن تصبح إسرائيل دولة شرعية. فإسرائيل التي تدعي الديموقراطية دولة ذات لون واحد, تصبح شرعية عندما يصبح حولها دويلات مشابهة تكسب الشرعية السياسية والإجتماعية.

ونحن نتحدث عن الموضوع العراقي, لا ننسى طبعاً اخواننا في فلسطين, ولا ننسى التأكيد على حقوقنا المشروعة في سوريا ولبنان وفي فلسطين, وعلى كل القرارات التي أقرها مجلس الأمن المتعلقة بعودة جميع الحقوق, خاصة العودة الى حدود عام 1967 وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس, وعودة اللاجئين, ولا ننسى أن نؤكد على تأييدنا المطلق للمقاومة بالشكل وبالصيغة التي يراها المقاومون. وبكل تأكيد لن ننسى أن نؤكد كما هي العادة على المطالبة بقطع سائر أشكال التعاون مع إسرائيل, وبكل تأكيد سنبقى دائماً نطالب بهذا الشيء حتى تلتزم إسرائيل بالسلام. ولكن حتى هذه الحتى لا نراها الآن.
اقترح بعد أن أرحب بما قدمه العراق من تعاون ونرحب أيضاً باستمرار هذا التعاون, أقترح التأكيد على بند قرار عدم إعطاء أية تسهيلات للحرب.

 

النقطة الثانية, إذا اتفقنا حول هذه النقطة فلا يكفي أن نعود وأن نكون مرتاحين لما حققناه. لا بد من الحركة التي تلي هذا القرار, فأقترح تشكيل مجموعة عربية تقوم بنقل هذه القرارات وربما البيان للدول الخمس دائمة العضوية, ولدول أخرى ذات أهمية أو معنية بالقضية العراقية, ومن الممكن أن تكون هذه اللجنة برئاسة الدول رئيسة القمم الثلاث الحالية والسابقة واللاحقة, أي البحرين ولبنان وتونس إذا وافقت تلك الدول على ذلك. وفي حال ارتأت القمة وارتأى القادة العرب أن تقوم هذه المجموعة لاحقاً بزيارة العراق لمناقشة القضية العراقية مع الأخوة العراقيين, هذا يصبح تحصيل حاصل ويأخذ الشكل المتوازن.


اختم كلمتي بالقول, أمامنا ثلاث احتمالات: الأول, وهو الأسوأ, أن نتفق مع الحرب وطبعاً هذا لن يحصل. الثاني هو ألا نتفق وبالتالي نعطي رسالة لدعاة الحرب في العالم لكي يشنوا الحرب. الإحتمال الثالث وهو الإحتمال الجيد وهو أن نتفق حول القيام بكل التدابير التي نستطيع لمنع الحرب. وبكل تأكيد نحن قادرون بالرغم من وجود اليائسين والميئَّسين والميئِّسين في عالمنا, فنحن قادرون ولو لم يكن ذلك لما كان هناك داع لهذا الإجتماع. وما دمنا قد اجتمعنا فهذا يعني أن لدينا الإمكانيات لأن نقوم بعمل ما. أي خيار آخر نأخذه سندفع ثمنه للمستقبل البعيد وليس القصير. وأخشى في تلك الحالة أن تقرأ الأجيال المقبلة أن بغداد دُمّرت أول مرة في عام 1258 عندما اجتاحها هولاكو على خلفية ضعف الدولة العباسية العربية, وتم اجتياحها في بداية القرن الحادي والعشرين على خلفية ضعف النظام العربي أو قمة عربية, ولكنها في هذه المرة لن تكون وحدها بل ستكون معها دول عربية عديدة.
أتمنى لي ولكم ولهذه القمة التوفيق وأشكر جلالة الأخ الملك حمد بن عيسى آل خليفة.


وشكراً لكم