تحت الضوء

المقاتلات الكرديات في مواجهة «داعش» و«النصرة»
إعداد: باسكال معوض بو مارون


بطولات تُلهم الرفاق وتبثّ الرعب في نفوس الإرهابيين


لعل أكثر ما يبثّ الرعب في قلب إرهابيي «داعش» و«النصرة»، هو مواجهة «الجنديات» الكرديات على أرض المعركة. قد يبدو الأمر غريبًا، لكن «متى عُلِم السبب بطُل العجب»؛ والسبب أن هؤلاء الإرهابيين يعتقدون أنّهم لن يدخلوا الجنّة إذا قُتلوا على أيدي النساء، والسبب أيضًا أن المقاتلات الكرديات أظهرن شجاعة وقدرة فائقتين في ميدان المعركة...

مَن هُنّ؟


رفعت المقاتلات الكرديات شعار «إما استعادة الأرض أو الموت عليها»، بعد أن توجّهن إلى ساحات المعارك دفاعًا عن حق الشعب الكردي في العيش بكرامة على أرضه.
وقد سجّلت المقاتلات الكرديات شجاعة نادرة وحرفية قتالية عالية المستوى، حتى بِتن مدعاة فخر واعتزاز، بحيث يتناقل الأكراد قصص بطولاتهن التي ألهمت الآلاف، والتي تحدّثت عنها بإعجاب وسائل الإعلام العالمية.
تنخرط النساء الكرديات في وحدات عسكرية كردية خاصة بالمرأة، تتكوّن من أربع سرايا وهيئة آمر الفوج. أما الرتب فتتدرّج من رتبة ضابط (رتبة عقيد هي الأعلى وتحملها «آمرة الفوج») وصولًا إلى مستوى جنديات.
وتتّخذ المقاتلة الكردية إسمًا حركيًا ولا يكشف عن اسمها الحقيقي إلا بعد استشهادها أو عند الضرورة القصوى. وتزيد أخبار المعارك التي ترد عن معاملة مسلحي تنظيم داعش للنساء، من قوتهن وعزيمتهن في مواجهة هذا التنظيم الإرهابي الذي يعتمد أسـاليب وحشـية.
شهد تاريخ الأكراد الحديث عمليات تجنيد الفتيات والنساء اللواتي ترواح أعمارهن بين 16 و40 عامًا. وكنّ يقاتلن جنبًا إلى جنب مع الرجال؛ وفي العام 2012 تمّ الفصل بينهن، وأنشئت وحدة حماية المرأة بعد ازدياد عدد المتطوعات بشكل لافت.
دخلت هؤلاء النسوة معترك الحياة العسكرية لتكريس فكرة الحكم الذاتي للأكراد على أرض الواقع ومواجهة التهديدات التى تواجه هذه الفكرة، بإقامة دولة مستقلة تجمع شتات شعب موزّع بين تركيا والعراق وسوريا وإيران. وبالنسبة إليهنّ، فإن الجهاد مسألة حياة أو موت لدرجة أنهن يهربن من عائلاتهن للالتحاق بجبهات القتال. وقد زدن تصميمًا على قتال «داعش» للانتقام من التنظيم على ما اقترف من جرائم بحق النساء والفتيات اللواتي وقعن في أسره.

 

التدريبات القاسية
كان الدافع لتأسيس جسمين عسكريين كرديين منفصلين، تجاوز بعض القيود والمخاوف الاجتماعية في المجتمع الكردي، فعلى الرغم من أن المقاتلات يخضن المواجهات العسكرية في خندق واحد مع الرجال، إلّا أنّهما منفصلان من حيث الإدارة والسكن والتدريب.
يشكّل عدد النساء في وحدات حماية الشعب نحو 35% من مجموع القوات، أي حوالى 7 آلاف مقاتلـة، يتلقّـين تدريبًا أساسيًا يستمر خمسة أسابيع، ويشمل إضافة إلى التدريب العسكري دروسًـا تثقـيفية في السياسـة والتاريـخ، ولا تخـتلـف تدريباتهن عن تدريبات الرجال؛ يستيقظن في الرابعة فجرًا في مخيم للتدريب يؤدين التمارين الرياضية والعسكرية والقتالية، ويشاركن في الدروس النظرية على السلاح، قبل المشاركة في مناورات حية، يُستخدم فيها خصوصًا الـ«كلاشينكوف»، والـ«آر بي جي»، إلى القنابل الفردية، والألغام والعبوات الناسفة. كما يخضعن لدورات «صاعقة» من أجل تنفيذ عمليات عسكرية خاصة، ولدورات على الأسلحة الرشاشة المتوسطة والثقيلة.
ويتم تقسيم المقاتلات الكرديات، إلى ثلاث فئات: ذوات الخبرة فى ممارسة القتال، المجنّدات حديثًا وأخيرًا المجنّدات الصغيرات (بدءًا من عمر 12 عامًا) اللواتي يتولين مهمات الطهي والأعمال المنزلية فى المقام الأول، فضلًا عن متابعة التدريب إلى جانب زميلاتهن الأكبر سنًا.
خلال فترة التدريب يتوزّعن بشكل عام في مجموعات من أربع مقاتلات، لكن عند اندلاع المعارك ينفصلن وينتشرن إلى جانب الرجال على جبهات مختلفة.
وعلى الرغم من معاناة المقاتلات الكرديات من قلة الأسلحة ومطالبتهنّ المجتمع الدولي بمد يد العون لمواجهة تنظيم «داعش»، إلا أن خبراتهن فى تكتيكات حرب العصابات والحفاظ على الانضباط والتنسيق بين الوحدات العسكرية، جعلتهن يواصلن الجهاد بثبات.

 

بطولات وقصص
ذاع صيت المقاتلات الكرديات وتناقل الناس أخبار أعمالهن البطولية؛ ومنها بشكل خاص أخبار القيادية الكردية أرين ميركان. فقد اقتحمت هذه المقاتلة الشجاعة صفوف مسلحي تنظيم «داعش» في عين العرب وفجّرت بهم ما تحمله من قنابل، قبل أن تفجّر نفسها بقنبلة؛ كانت تلك أول عملية انتحارية تنفّذها امرأة كرديّة، وقد أدّت إلى مقتل أكثر من عشرين مسلحًا إرهابيًا.
جيلان أوزاب (19 عامًا)، قاتلت بدورها المسلّحين حتى نفذت ذخيرتها، فانتحرت بآخر طلقة، مفضّلة الموت على الوقوع في أيدي عناصر التنظيم. وفي رسالة أخيرة من الجبهة عبر جهازها، قالت الشابة الشجاعة «وداعًا».
وقد استطاعت إحدى المقاتلات الكرديات أسر مقاتلين من الإرهابيين أكثر من مرة، ونقلت عنها وسائل الإعلام أن أحد الأسرى، وعند سوقه مكبلًا إلى مكان الاحتجاز، طلب كأس ماء. وعندما أعطيت له، وضعها أمامه ثم فكّ من سلسلة في رقبته، مفتاحًا بطول 20 سم تقريبًا وغطّسه في قدح الماء، وأخرجه لثلاث مرات متتالية، ثم شرب محتوى الكأس؛ بعدها نهض، وأدار ظهره ومشى، فطُلِب منه التوقف فلم يرُدّ؛ عندها لقّمت إحدى المقاتلات بندقيتها، فتوقّف، ثم التفت سائلًا هل تقصدون أن أتوقف؟ وعند الرد بالإيجاب، بدت علامات الدهشة على محياه، وقال هامسًا: هل تستطيعون رؤيتي الآن؟... كان المسكين يعتقد بأنه ومن خلال غطس المفتاح في الماء وشربه سيصبح غير مرئي كما أخبره رؤساؤه المضلّلون.