نحو حياة أفضل

هكذا نواجه الإجهاد ونتغلّب عليه
إعداد: ريما سليم

الإجهاد جزء لا يتجزأ من الحياة العصرية، وهو نتاج تعدّد التحديات اليومية، من تأمين المعيشة إلى ضغط العمل ومتطلبات الوظيفة، وعبء الواجبات العائلية والاجتماعية. وإذ يرتفع مستوى الإجهاد خلال الأزمات الكبرى مثل الأزمات الاقتصادية والحروب، فإنّه يؤثر بطريقةٍ سلبية على الصحة النفسية والجسدية. من هنا أهمية إدارته بفعاليةٍ، بغية تدارك أخطاره وتحسين نوعية الحياة وتنمية الشعور بالسعادة والرضا.

تعرّف منظمة الصحة العالمية الإجهاد بأنّه حالة من القلق أو التوتر النفسي الناجم عن مواجهة صعوبات حياتية، وهو استجابة طبيعية تساعد المرء على التعامل مع التحديات اليومية. من هنا، فإنّ الجميع يعاني الإجهاد بدرجات متفاوتة، مع الإشارة إلى أنّ القليل منه يمكن أن يكون مفيدًا إذ يحفّز على أداء الأنشطة اليومية بكفاءة. أما الإفراط فيه فقد يؤدي إلى مشكلات صحية جسدية ونفسية، تراوح بين عدم القدرة على الاسترخاء، وازدياد الانفعالات السلبية مثل القلق وسرعة التوتر، إلى الضعف في التركيز والشعور بالصداع أو آلام أخرى، مثل اضطرابات المعدة أو مشكلات النوم. كما يمكن أن يؤثر في الشهية، سواء بفقدانها أو بزيادة الأكل. إلى ذلك، فإنّ الإجهاد المزمن قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الصحية بما فيها أمراض القلب وآلام العضلات وضعف جهاز المناعة. وقد يكون سببًا في حدوث المشكلات الصحية النفسية أو تفاقمها، مثل القلق والاكتئاب، مما يستدعي الرعاية الصحية. وعندما تصبح أعراض الإجهاد دائمة، فإنها تؤثر في الأداء اليومي في العمل أو المدرسة.

تؤكد الاختصاصية في البرمجة اللغوية العصبية NLP Neuro-Linguistic Programming، والمدرّبة في العلاقات الاجتماعية السيدة ليندا عيتاني أنّه من الممكن التغلّب على الإجهاد أو التكيّف معه من خلال تعلّم المهارات اللازمة. وهي تقدم عددًا من الخطوات المهمة الواجب اتباعها في إطار إدارة الإجهاد والتوتر، مؤكدةً فعاليتها في تخفيف الضغط اليومي وتحسين نمط العيش بشكل عام.

 

الجدولة والتنظيم

إعداد جدول للمهمات اليومية أو الأسبوعية، يساعد على تنظيم الوقت ويجنّب الشعور بالإرهاق نتيجة ضغط تراكم المهمات. ويجب أن يراعي الجدول الأمور الآتية:

- تحديد الأولويات، أي البدء من الأكثر إلى الأقل ضرورة، وتحديد ما يجب إنجازه أولًا.

- تجزئة المهمات الكبيرة إلى خطوات صغيرة يسهل التعامل معها.

- استخدام أدوات التخطيط، مثل تطبيقات الهاتف الذكي أو المفكرات الورقية لتسجيل المهمات ومواعيد الإنجاز.

فإذا كان هناك مشروع كبير في العمل، قسّمه إلى أجزاء مثل البحث، وكتابة التقارير، والمراجعة النهائية. قُم بتحديد مواعيد لكل جزء وتأكد من الالتزام بها.

 

الموسيقى سلاح فعّال

للاستماع إلى الموسيقى، تأثير مهدّئ في العقل والجسم، فهي غذاء للروح وضرورة ملحّة في الحياة اليومية تمامًا مثل النوم والطعام. ومن الضروري الحرص على الآتي:

- اختيار النوع المناسب: اختر الموسيقى الهادئة أو التأملية، مثل الموسيقى الكلاسيكية أو أصوات الطبيعة، أو أي نوع تهواه. المهم ألا تبدأ يومك بموسيقى حزينة توقظ الألم في داخلك وتفسد نهارك.

- تخصيص وقت يوميّ للاستماع إلى الموسيقى سواء في أثناء التنقل، أو في نهاية اليوم، للاسترخاء.

- استخدام الموسيقى كخلفية في أثناء العمل أو القيام بالأعمال المنزلية لتحسين المزاج وزيادة الإنتاجية.

- من المستحسن أن تقضي ثلاثين دقيقة في الاستماع إلى مقطوعات موسيقية هادئة قبل النوم مباشرةً، فذلك يساعد على تهدئة العقل وتحسين نوعية النوم.

 

الرياضة لخفض حدة الانفعالات

قد لا تملك الرياضة الطاقة السحرية لإزالة التوتر والإجهاد، لكنّها على الأقل تخفض حدّة الانفعالات والتأرجحات المزاجية. جميع أنواع الرياضة مفيدة، لكنّ رياضتَي المشي والهرولة تُفيدان بشكلٍ خاص في إزالة الضغوطات وعلاج نوبات الهلع، وتؤثران بطريقة فعالة في تحسين المزاج ورفع مستوى الطاقة.

يُذكر في هذا الإطار ضرورة:

- تحديد وقت ثابت للتمرين، ومن المستحسن جعل الرياضة جزءًا من روتينك اليومي.

- اختيار البيئة المناسبة، كالأماكن الطبيعية مثل الحدائق أو الشواطئ للمشي أو الهرولة.

- البدء بخطوات بسيطة، إذا كنت غير معتاد ممارسة الرياضة، ابدأ بمشي خفيف لمدة 15-20 دقيقة يوميًا، ثم ضاعف المدة تدريجيًا.

بعد يوم عمل طويل، اخرج للمشي لمدة ثلاثين دقيقة في حديقة قريبة، فذلك يساعدك في تصفية ذهنك وتحسين حالتك النفسية.

 

أوقات ممتعة مع مَن نحبهم

قضاء وقت مع العائلة أو الأصدقاء المقربين هو من الاستراتيجيات المهمة للتعامل مع التوتر والحدّ من تداعياته، فالوقت الممتع مع مَن نحب يعزز الشعور بالدعم الاجتماعي. من المفيد في هذا الإطار:

- تنظيم لقاءات منتظمة عبر تحديد مواعيد ثابتة للقاء العائلة والأصدقاء، مثل العشاء الأسبوعي أو الرحلات الشهرية.

- القيام بنشاطات مسلّية مشتركة مع العائلة والأصدقاء مثل زرع الخضار أو مشاهدة الأفلام، أو الطهي، فهذه النشاطات تضيف نكهة لذيذة للقاءات.

- ­التواصل المفتوح، وهذا يعني مشاركة مشاعرك وتجاربك مع المقربين، والاستماع إلى ما يريدون مشاركته أيضًا.

إذا كنت ممّن يعملون طوال النهار، يمكنك تخصيص مساء الجمعة مثلًا لعشاء يجمعك بأفراد العائلة لتناول الطعام وتبادل الأحاديث. هذه الأوقات تساعد على تقوية الروابط الأسرية وتخفيف التوتر.

 

الاختلاء بالذات

يجب تخصيص وقت للاختلاء بالذات، يكون فرصة للراحة واستعادة الحيوية بعيدًا من الضغوطات اليومية. يُنصح في هذا المجال بـ:

- تحديد وقت خاص يصبح جزءًا من جدولك اليومي (نصف ساعة كحدٍ أدنى)، تقوم خلاله بممارسة هواياتك المفضلة، مثل القراءة، أو الرسم، أو حتى مجرد الاسترخاء ومشاهدة فيلم.

- عدم استعمال الوقت الخاص بك لإنجاز أعمال منزلية عالقة أو خدمات للآخرين، أو أي مهمة تندرج في خانة العمل لأنّ هذا الوقت مخصص للراحة فقط.

إذا كان جدول أعمالك محكمًا، يمكنك استخدام الوقت المخصص لنفسك في ممارسة التمارين الرياضية، وبذلك تلبّي حاجتَين أساسيتَين في الوقت نفسه.

 

النوم الصحي

الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم أمر مهم للجسم والعقل معًا. فالنوم يجدد نشاط الجسم ويساعد على صفاء الذهن. من العادات الواجب اعتمادها لنومٍ صحي:

- تحديد وقت ثابت للنوم والنهوض، يشمل جميع الأيام بما فيها عطلة نهاية الأسبوع.

- جعل مكان النوم هادئًا ومظلمًا وبدرجة حرارة مناسبة، إن أمكن.

- الحد من استخدام الأجهزة الإلكترونية، مثل التلفزيون والحاسوب والهواتف الذكية، قبل النوم.

- تفادي الوجبات الثقيلة والكافيين في الفترة المسائية.

 

...و الطعام الصحي

تناول الطعام الصحي، فالعقل السليم في الجسم السليم. لذلك حاول أن تأكل وجبات متوازنة وفي أوقات منتظمة، واشرب ما يكفي من السوائل، وتناول ما يكفي من الفاكهة والخضراوات الطازجة.

إنّ إدارة الإجهاد والتوتر تتطلب توازنًا بين العمل والراحة والأنشطة الاجتماعية، كما تقضي بفهم التأثير السلبي للإرهاق على الصحة الجسدية والعقلية، ما يشجّع على اتخاذ خطوات استباقية للحفاظ على التوازن النفسي والجسدي.