- En
- Fr
- عربي
العوافي يا وطن
ودّع الشتاء جبالنا تاركًا لها اللحاف الأبيض النقي. وها هو الربيع يفتتح مواسم الجمال في قرانا وبلداتنا، وحتى في نواحٍ كثيرة من مدننا. مدّ الزهر أريجه في بساتين الليمون. غزل أجمل الأوشحة لأشجار اللوز والخوخ والدرّاق والإجاص. ألبس القندول والبلّان سحر الأصفر والزهري. ومدّ بذور الحبق والريحان بالدفء، فبدأت تُطل من تحت التراب نديّة واعدة...
تتبدّل أحوال الطبيعة مع تغيّر الفصول، وتتبدّل أحوال المجتمع وناسه وفق الظروف، لكن ثمة ما لا يتغيّر في أيامكم أيًا كانت الفصول والأحوال. إنّه الواجب الذي تعتنقونه فصلًا دائمًا. الواجب الذي يطبع أيامكم ويحدد مساركم ووجهتكم التزامًا ثابتًا لا يعرف التحوّل.
في صقيع الشتاء وبهجة الربيع ولهيب الصيف واصفرار الخريف، أنتم كما أنتم، سواعد لا تهزمها عواصف، إرادة لا تغريها مباهج، عطاء لا ينتظر الصيف، ومناقبية لا تعرف خريفًا.
في أعالي الجبال الجرداء، كما في منبسطات السواحل، أنتم كما أنتم، عنوان الأمان والأمل لوطنكم ومواطنيكم.
في حمأة الحرب، كما في أيام السلم، أنتم كما أنتم، نهر العزيمة المتدفق أبدًا، لا يتحوّل مجراه ولا تنضب مياهه.
هذا ما أثبتّموه دومًا، وهذا ما ستثبتونه اليوم وغدًا إلى آخر الزمان.
من جنوب حدودنا إلى شرقها وما بينهما، تستعر مواقد الخطر مهددة وطنكم.
جنوبًا، عدوّ هدّم منازل أهلنا فوق رؤوسهم وزرع الخراب في كل شبر من بلداتنا وقرانا الحدودية. عدوّ لم يعد يخفي مطامعه ونواياه، وها هو يواصل اعتداءاته فيما تجهدون لتطبيق القرارات الدولية، ولإعادة دورة الحياة في مناطقنا المدمّرة.
شرقًا وشمالًا، تولّد التحولات الجذرية خلف الحدود واقعًا متفجّرًا يمتد مهددًا الأمن والاستقرار، منذرًا بأسوأ العواقب. واقع صعب يعززه العدوّ الإسرائيلي بضربات طائراته. هناك أيضًا تجهدون لمعالجة الأوضاع الصعبة والتطورات الخطيرة بشجاعةٍ وروية وحكمة.
أمّا في الداخل، فرغم الأمل الذي ولد مع انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة وتعيين قائدٍ للجيش وبدء عودة الانتظام إلى المؤسسات، تبقى الملفات الساخنة كثيرة، من الأمن إلى السياسة والاقتصاد وغيرها الكثير.
في ظل هذا الواقع، يبقى المطلوب منكم كثيرًا وكثيرًا جدًا. تبقون المدماك الأساسي الذي يُبنى عليه، والجدار الصلب الذي إليه يستند الوطن. هذا ما فعلتموه بجدارةٍ خلال السنوات القاسية التي مضت، وهذا ما ستواصلون فعله.
ستظلون متسلحين بعزيمةٍ لم تكسرها أهوال الصعوبات، مؤمنين بأنّكم سياج الوطن ودرعه. وسواء كان سلاحكم عتادًا حربيًا تواجهون به الخطر، أو آليات هندسية تُعالج مخلّفات الحرب وتزيل الركام، أو خدمات تقدمونها لمواطنيكم. في الحالات كلها ستظلون الشجعان، الأوفياء، الشرفاء الذين بهم نفتخر، مع إشراقة كل شمس نرفع لهم الدعاء، ومع حلول كل مغيب نقول لهم ”العوافي“.
العوافي يا جيشنا.
العوافي يا وطن.