- En
- Fr
- عربي
نحن والبيئة
تمثّل النفايات البلاستيكية تحدّيًا بيئيًا كبيرًا، وخصوصًا السوداء منها، نظرًا لعدم تحلّلها حيويًا بشكلٍ طبيعي،ما يؤدي إلى تسرّب جزيئاتها إلى أجسام مختلف الكائنات الحية. ومن أبرز الأمثلة على تفاقم هذه المشكلة، الكتلة الضخمة من النفايات البلاستيكية المتراكمة في المحيط الهادئ والتي تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا. وتشير بعض التوقعات إلى أنّه بحلول العام 2050، قد تفوق كمية البلاستيك في المحيطات أعداد الأسماك البحرية.
تتوقع الأمم المتحدة أن يرتفع إنتاج البلاستيك من حوالي 440 مليون طن سنويًا إلى أكثر من 1200 مليون طن، مما يفاقم أزمة التلوث البيئي. ووفق تصريحاتها، فإن «كوكبنا يختنق بالبلاستيك»، إذ لا يعاد تدوير سوى نسبة ضئيلة من مخلّفاته، فيما يتم التخلص من معظمه من دون إعادة تدوير، وبالتالي فهو يجد طريقه إلى مختلف أنحاء العالم.
يُستخدم البلاستيك الأسود في عديدٍ من المنتجات مثل الأجهزة الإلكترونية، والمفروشات، والسجاد، وألعاب الأطفال، وأوعية الطعام الجاهزة، وأدوات المطبخ، وصواني اللحوم. غير أنّه قد يحتوي على مستويات خطيرة من مثبطات اللهب السامة (Decabromodiphenyl Ethane- DBDPE)، وهي مواد كيميائية تُضاف لمنع الاشتعال أو تأخيره. تنتقل هذه المواد إلى البلاستيك في أثناء عمليات إعادة تدوير النفايات الإلكترونية، مما يؤدّي إلى تلوّث واسع النطاق للمنتجات الاستهلاكية.
ويؤدي كثيرٌ من المتاجر دورًا أساسيًا في تسويق الأكياس والأوعية البلاستيكية السوداء المصنوعة من مادة متعدد الإيثيلين (Polyethylen) المعاد تدويرها من القمامة والمخلفات البترولية. ويعود ذلك إلى انخفاض تكلفتها مقارنة بالبلاستيك الجديد، إذ تُنتَج باستخدام فضلات بلاستيكية متعددة الألوان أُعيد تدويرها، مما يجعلها خيارًا اقتصاديًا رغم مخاطرها البيئية والصحية.
القصور في تنظيم إعادة التدوير
يُصنَّع البلاستيك الأسود باستخدام مادة «الكربون الأسود»، التي تصنّفها الوكالة الدولية لبحوث السرطان International Agency for Research on Cancer ضمن المواد التي يُحتمل أن تكون مسرطنة. وعلى الرغم من أنّ البلاستيك الأسود يشكّل حوالي 15٪ من المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير، فإنّ معظمها لا يُعاد تدويره، نظرًا لصعوبة التعرّف عليه بواسطة أجهزة الفرز التي تعتمد على تقنية الأشعة القريبة من تحت الحمراء NIR.
تكمن المشكلة الأساسية في احتواء البلاستيك الأسود على صبغة كربونية تمنع أجهزة الفرز البصري من تحديده، ما يجعل إعادة تدويره أمرًا معقدًا ومكلفًا. وبسبب ارتفاع تكلفة إنشاء أنظمة فرز متطورة قادرة على التعامل مع هذه المواد، يُفضَّل غالبًا تجنّب استخدامها بدلًا من تطوير حلول لمعالجتها. ونتيجة لذلك، تُلقى آلاف الأطنان من البلاستيك الأسود سنويًا في مكبّات النفايات أو تُحرق، أو ينتهي بها المطاف في المحيطات، مما يؤدي إلى تفاقم أزمة التلوث البيئي.
تسرّب المواد السامة وتأثيرها في الإنسان
مع مرور الوقت، تتسرّب هذه المواد إلى الهواء والغبار والطعام والماء، ما يؤدّي إلى استهلاكها بطرقٍ غير مباشرة. كما يمكن انتقالها من الأدوات المطبخية الملوّثة إلى الطعام، أو من الألعاب إلى لُعاب الأطفال، ما يزيد من خطر التسمّم.
عندما تتراكم هذه المثبطات في الجسم على مدى سنوات، قد تسبّب مشكلات صحية خطيرة مثل اضطرابات الغدد الصماء، ومشكلات الغدة الدرقية، وتأثيرات سلبية على نمو الأجنّة والأطفال، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان. كما أنّ التعرّض لها يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات هرمونية، وأضرار في الجهاز العصبي والتناسلي، وتسمّم في الكلى والدماغ والجهاز المناعي.
جهود للحدّ من استخدام البلاستيك الأسود
نظرًا للأضرار الصحية والبيئية المرتبطة بالبلاستيك الأسود، بدأت بعض الحكومات والشركات اتخاذ خطوات للحدّ من استخدامه. فقد أعلنت كبرى سلاسل المتاجر في بريطانيا عزمها التوقف عن استخدام البلاستيك الأسود في تغليف المنتجات قبل نهاية العام، بسبب مشكلة إعادة تدويره.
وقد دفع تزايد الوعي البيئي أكثر من 60 دولة إلى فرض قيود على استخدام البلاستيك، لا سيما الأكياس البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، بفضل حملات التوعية والبرامج الوثائقية التي سلّطت الضوء على الآثار المدمّرة للنفايات البلاستيكية على الحياة عمومًا والبحرية منها بشكلٍ خاص.
التحديات والحلول المقترحة
رغم الجهود المبذولة للحدّ من استخدام البلاستيك، فإنّ التسرّع في حظره من دون توفير بدائل عملية قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات، خصوصًا أنّ أكثر من ثلث الأغذية المبيعة في الاتحاد الأوروبي مثلًا تُغلّف بالبلاستيك. لذا، يتطلّب الحد من التلوث البلاستيكي حلولًا مستدامة ومتوازنة، من خلال تطوير مواد بديلة صديقة للبيئة، وفرض رقابة صارمة على إعادة تدوير البلاستيك الأسود، إلى جانب تشجيع الصناعات والمستهلكين على تبنّي ممارسات أكثر استدامة للحفاظ على صحة الإنسان والبيئة.