- En
- Fr
- عربي
دراسات قانونية
تُعتبر الجرائم بأنواعها كافة من أبرز التحديات التي تواجهها الدول حاليًا في عصر ”العولمة“، إذ ظهرت أنواع جديدة من الجرائم المنظمة والعابرة للحدود، من أهمها ”الجريمة الإلكترونية / المعلوماتية“. ومن خلال الاطّلاع السريع على المسار القضائي في هذا المجال، يظهر بوضوح تزايد الشكاوى من المواطنين الذين تعرضوا للابتزاز المادي والمعنوي من قبل مجهولين عبر شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي (واتس آب، فايسبوك، إنستغرام، يوتيوب، تيك توك وغيرها).
خلاصة القول، إنّ الثورة التكنولوجية والمعلوماتية قد رافقتها «ثورة» في نوعية الجرائم المستحدثة التي تتم عن بُعد، وهو ما يختلف تمامًا عن الجرائم التقليدية. على سبيل المثال، تفترض جريمة السرقة عملًا ماديًا بحضور شخصي من الجاني/الفاعل بهدف تملّك المسروقات، بينما أصبحت اليوم تُمارس في شكل سرقة بيانات (Data) من الأفراد والشركات، إذ يقوم جانٍ مجهول الهوية، بتنفيذ الجريمة عن بُعد من دون الحاجة إلى الحضور الفعلي في مسرح الجريمة.
التعريف
الجريمة الإلكترونية، أو ما يُعرف بالجريمة السيبرانية (Cybercrime)، هي نشاط إجرامي يقوم به شخص مخترِق (Hacker) يستهدف جهازًا أو شبكة حاسوبية بهدف: القرصنة، الاحتيال، الابتزاز المادي أو المعنوي بغية إلحاق الضرر بشخصٍ أو جهةٍ ما.
ويأتي هذا التعريف في إطار التحليل العلمي لهذا النوع من الجرائم، إذ يعاني لبنان نقصًا في التشريعات القانونية اللازمة لحماية الحقوق السيبرانية للأشخاص الطبيعيين والمعنويين في القطاعين العام والخاص.
ويُلاحظ أيضًا غياب الجهود لوضع تعريفات واضحة للأعمال الإجرامية السيبرانية وأنواعها المختلفة، كما أنّ قانون العقوبات الحالي لا يتناول هذا النوع من الجرائم من جهة. ومن جهة أخرى، فإنّ العواقب والآثار المترتبة عن هذه الأعمال الإجرامية غير محددة بوضوح.
ومن الأمثلة على هذه الجرائم: الدخول غير المشروع إلى مواقع إلكترونية، والتلاعب بتصميماتها، وتدمير أو تعديل محتوياتها، وإساءة استخدام الهواتف الذكية بهدف التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل وتقنيات إلكترونية غير مشروعة.
في أيار من العام 2019، بدأ لبنان يتّجه نحو وضع استراتيجية وطنية للأمن السيبراني بهدف تعزيز مستوى الأمان والاستقرار في المجال السيبراني على الصعيدين المحلي والدولي. فتعزيز قدرات لبنان في مجال الفضاء السيبراني، يسهم في توفير بيئة رقمية أكثر أمانًا واستقرارًا على الأصعدة كافة.
وقد تضمنت هذه الاستراتيجية وضع إطار عمل شامل لتحسين حماية المعلومات والبيانات على مستوى المؤسسات الحكومية والخاصة، وكذلك تعزيز القدرة على مواجهة التهديدات السيبرانية المختلفة التي قد تؤثر على الأمن القومي للبنان. كما كان من بين الأهداف الرئيسية تحقيق مستوى من التنسيق بين لبنان والدول الأخرى في مجال تبادل البيانات والمعلومات الخاصة بالتهديدات السيبرانية، ما يسهم في تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الجرائم الإلكترونية.
المفهوم القانوني
1- لجهة قانونَي العقوبات وحماية الملكية الفكرية والفنية:
لم يتطرق القانون اللبناني بشكل مباشر إلى الجرائم الإلكترونية، إلّا أنّه من الممكن تطبيق بعض نصوص قانون العقوبات اللبناني وغيره من النصوص القانونية مرعية الإجراء؛ كقانون حماية الملكية الفكرية والفنية رقم 75 تاريخ 3/4/1999.
فالمواد 722 إلى 729 من قانون العقوبات اللبناني تنص على أحكام قانونية تتعلق بالملكية الأدبية، وجدير بالذكر أنّ لبنان من الدول القليلة في الشرق الأوسط التي وقّعت على ميثاق برن في 1 آب 1924، وهو البلد الوحيد في المنطقة الذي انضم إلى الميثاق العالمي لحماية حقوق المؤلف في العام 1959.
كما يعتبر فعل التخريب جريمة وفق نص المادة 733 من قانون العقوبات التي تُعاقب كل من خرّب قصدًا شيئًا يخص غيره بغرامةٍ لا تتجاوز قيمة الضرر، وبالحبس مدة لا تفوق الستة أشهر، إذا كانت قيمة الضرر تتجاوز العشرين ألف ليرة لبنانية. لكن لا مندوحة من الذكر بأنّ هذا النص يتعلق فقط بالأشياء الملموسة كأجهزة الكومبيوتر وتوابعها، ولا يتطرق إلى تخريب المعلومات التي تحتويها تلك الأجهزة (الـ DATA).
وبسبب التطورات التكنولوجية الحديثة في مجالات الكومبيوتر، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وفي مجالات البث التلفزيوني المباشر أو عن طريق القمر الصناعي، أصدر المشرّع اللبناني في العام 1999 قانون حماية الملكية الأدبية والفنية ذا الرقم 1999/57، ما جعل لبنان ينفرد دون غيره في المنطقة العربية بتوفير الحماية لحقّ المؤلف، عاكسًا دليلًا ساطعًا على الاهتمام والرعاية التي أولاها المشترع اللبناني لحق المؤلف.
وقد ذكرت وزارة الاقتصاد والتجارة أنّ الحماية القانونية لشبكات توزيع القنوات الفضائية في لبنان تخضع للتشريعات المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، لا سيما قانون الملكية الأدبية والفنية رقم 1999/57. 1
كما نصّت المادة /15/ من القانون عينه بأنّ لصاحب حق المؤلَف وحده الحق في استغلال العمل ماديًا، أو إجازة استغلاله من الغير، على الشكل الآتي:
«يكون لصاحب حق المؤلَف وحده الحق في استغلال العمل ماديًا وله في سبيل ذلك الحق الحصري في إجازة أو منع ما يأتي:
– نسخ وطبع وتسجيل وتصوير العمل بجميع الوسائل المتوافرة بما فيها التصوير الفوتوغرافي أو السينمائي أو على أشرطة وأسطوانات الفيديو أو الأشرطة والأسطوانات والأقراص مهما كان نوعها أو بأي طريقة أخرى.
– ترجمة العمل إلى لغة أخرى، أو اقتباسه، أو تعديله أو تحويره أو تلخيصه أو تكييفه أو إعادة توزيع العمل الموسيقي.
– بيع وتوزيع وتأجير العمل.
– استيراد نُسَخ من العمل مصنوعة في الخارج.
– أداء العمل.
– نقل العمل إلى الجمهور سواء كان ذلك سلكيًا أو لاسلكيًا وسواء عن طريق الموجات الهرتزية أو ما شابهها أو عن طريق الأقمار الصناعية المرمّزة وغير المرمّزة، ويشمل ذلك التقاط البث التلفزيوني والإذاعي العادي أو الآتي عن طريق القمر الصناعي وإعادة إرساله إلى الجمهور بأي وسيلة تتيح نقل الصوت والصورة.»
وقد عاقبت المادة /86/ من القانون المذكور بالسجن من شهر إلى ثلاث سنوات وبغرامةٍ نقدية من خمسة ملايين إلى خمسين مليون ليرة لبنانية أو بإحدى هاتين العقوبتين:
«كل من أقدم عن معرفة وبغاية الربح على الاعتداء أو على محاولة الاعتداء على أي حق من حقوق المؤلف أو الحقوق المجاورة المنصوص عنها في هذا القانون وتضاعف العقوبة في حالة التكرار».
كما أجازت المادة عينها للمحكمة أن تأمر بإغلاق المكان، أو المؤسسة التجارية، أو محطة التلفزيون، أو الإذاعة التي ترتكب مخالفة لحقوق المؤلف وإتلاف جميع نسخ الأعمال المصنوعة من غير إجازة صاحب الحق وجميع المعدات والآلات التي استخدمت لصنعها.
2- لجهة قانون المعاملات الإلكترونية:
في جرم الولوج غير المشروع إلى نظام معلوماتي المعاقب عليه بموجب المادة /110/ من قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 2018/81:
1- مراجعة التعميم رقم /2/ تاريخ 25/5/2006، الصادر عن وزير الاقتصاد والتجارة، بعنوان «الحماية القانونية لشبكات توزيع القنوات الفضائية في لبنان»، والمنشور في الجريدة الرسمية العدد ٢٦ تاريخ 25/05/2006، الصفحة: 3000-3001.
نصّت المادة /110/ من قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي على ما يأتي:
«يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة من مليون إلى عشرين مليون ليرة لبنانية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أقدم، بنية الغش، على الوصول أو الولوج إلى نظام معلوماتي بكامله أو في جزء منه أو على المكوث فيه.»
في جرم حيازة جهاز معلوماتي بهدف الولوج إلى نظام المجني عليه، المعاقب عليه بموجب المادة /114/ من قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي رقم 2018/81:
تحت عنوان إساءة التصرف بالأجهزة والبرامج المعلوماتية، نص المشرع بموجب المادة /114/ المذكورة على الآتي:
«يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثة ملايين إلى مئتي مليون ليرة لبنانية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استورد أو أنتج أو حاز أو قدّم أو وضع في التصرف أو نشر، من دون سبب مشروع، جهازًا أو برنامجًا معلوماتيًا أو أي بيانات معدة أو مكيفة، بهدف اقتراف أي من الجرائم المنصوص عنها في المواد السابقة من هذا الفصل.»
في الخلاصة، تُعد الجرائم المعلوماتية من أخطر الجرائم وأعقدها، وهي ناتجة عن التطور التقني والتكنولوجي السريع. إذ أسهمت الثورة المعلوماتية في ظهور أنواع جديدة من الجرائم التي تستهدف برامج الحواسيب وتؤثر على الأنظمة المعلوماتية. وعليه، يجب على المشرع اللبناني العمل على سن قوانين واضحة ومحددة تتناول هذه الجرائم، بما يتماشى مع التطور المستمر لهذه الجرائم. ويجب على التشريع أن يواكب هذا التحوّل لضمان قدرة القضاء على تحقيق العدالة وحماية حقوق المواطنين.