مناسبة

أم البطل… حكاية أمل
إعداد: ليال صقر الفحل

في حفلٍ يختلط فيه الحزن بالفخر، وتلتقي دموع الفقدان بإرادة الصمود، اجتمعت أمهات شهداء الجيش اللبناني في فندق VOCO – بيروت، لإحياء مناسبة عيد الأم، وذلك بحضور السيدة جانيت هيكل عقيلة العماد قائد الجيش، وبدعوةٍ من جهاز الرعاية والشؤون الاجتماعية للعسكريين القدامى.

حمل اللقاء بُعدًا يتجاوز التكريم إلى رسالة وفاء وإجلال لمن قدّمن للوطن أغلى ما يملكن، أبناءهنّ الذين رسموا بدمائهم حدود الكرامة والسيادة.

بين لحظات التأمل والوفاء، كانت الرسالة واحدة: الأم هي الجدار الصلب الذي لا تهزّه المحن، وهي الأمل الذي يجعل الوطن قادرًا على النهوض مجددًا.

 

أعظم الأمهات

خلال الحفل، توجّهت عقيلة العماد قائد الجيش بكلمة معايدة إلى أمهات الشهداء، ثمّنت فيها تضحياتهنّ وتضحيات أبنائهنّ العسكريين في سبيل الدفاع عن لبنان، وقالت: «أنتنّ أعظم الأمهات، يا أمهات الوطن، قدّمتنّ أعظم العطايا التي لا تقدّر بثمن. إنّ ما يجمعنا اليوم هو أرواح أبنائكن الأبطال الذين قدّموا دماءهم بشرفٍ وشجاعةٍ فداءً لوطننا الحبيب».

بدوره، رحّب رئيس جهاز الرعاية والشؤون الاجتماعية للعسكريين القدامى العميد الركن جهاد مرعي بالحضور، باسم العماد قائد الجيش، مؤكدًا أنّ المؤسسة العسكرية لا تنسى شهداءها ولا بطولاتهم، خصوصًا كوكبة الشهداء ممّن انضمّوا مؤخّرًا إلى قافلة شهداء الجيش، فمنحوا أمهاتهم وسام «أم البطل». وعبّر عن امتنان المؤسسة العسكرية لكلّ أم قدمت شهيدًا فداءً للوطن، مؤكدًا التزام الجيش دعم أمهات الشهداء والوقوف إلى جانبهن. كما أعرب عن امتنانه لكل من أسهم في إنجاح هذا الحفل، من مموّلين وفنانين ومساهمين.

وقد تولّت الإعلامية جويس نوفل تقديم الحفل، مؤكّدةً أنّ هؤلاء الأمهات يجسّدن بالفعل وليس بالكلام معنى العطاء والإرادة والإيمان والتضحية في سبيل لبنان.

 

حكاية أمل

كان للفيلم القصير «أم البطل… حكاية أمل» حيّزٌ بارز في الحفل، قدّمه العميد الركن مرعي، موضحًا مراحل التحضير له وأبعاده الإنسانية، ومشيرًا إلى أنّه حكاية كل أم شهيد. وكم من حكايةٍ وحكاية محفورة في صدور الأمهات، تجتمع جميعها في سردية الجيش اللبناني، المؤسسة التي تكتب بدمائها فصولًا من تاريخ الوطن. أمّا الأمل الذي يحمله الفيلم، فهو أمل كل أم في رؤية لبنان يتعافى يومًا بعد يوم. فعندما نرى أنّ الجيش ما زال واقفًا أمام الأزمات التي تعصف بالوطن، نعرف أنّ وراءه أمًّا صامدة هي أم عسكري بالخدمة الفعلية، أو أم شهيد سقط دفاعًا عنه، لأنّ الأمومة والشهادة عطاء كبير بحجم الوطن، وبالشهادة تُصان الأوطان.

يحمل الفيلم، وهو من إنتاج مديرية التوجيه، رسالة إنسانية عميقة، إذ يجسّد قصة أم شهيد تروي لحفيدتها حكاية والدها البطل، مؤكدةً أنّ ضحكة السلام والأمل التي تأتي بعد التضحية هي ما يمنح أمهات الشهداء القدرة على الاستمرار. فالأمل هو السلاح الحقيقي الذي يمكّنهن من مواجهة تحديات الحياة، وهو ذاته ما يدفع رفاق السلاح إلى التمسك بالوطن كعائلةٍ كبيرة واحدة.

أدّت الممثلة القديرة وفاء طربيه دور أم الشهيد، فيما شارك المعاون أول علي يزبك والمعاون إدي بدر بدور العسكريين، وأدّى كلّ من أنجيلينا الحسنيّة، دانييلا كرم، علي طبيخ، رالف وبيرلا الديماسي، أدوار أولاد الشهداء، مع الإشارة إلى أنّهم بالفعل أولاد عسكريين شهداء.

 

موسيقى وأغانٍ

بصوتها الحنون الرخيم، ألهبت الفنانة نانسي عجرم المسرح بكلمات الشاعر نزار قباني في قصيدته «إلى بيروت الأنثى مع الاعتذار»، فصدحت العبارات مطالبةً بحب الوطن إلى أبعد الحدود:

«إن يمُتْ لبنان متّم معه، كلّ من يقتله كان القتيلا

إنّ كونًا ليس لبنان فيه، سوف يبقى عدمًا أو مستحيلا

كلّ ما يطلبه لبنان منكم، أن تحبّوه… تحبّوه قليلا»

ومن استطاع إلى ذلك سبيلًا أكثر من أمهات الشهداء، أيقونات الوجع الصامت ممن قدّمن من حبّهن أغلاه وأثمنه.

وخلال أدائها  لأغنية  «أمي» التي لامست قلوب الملايين حول العالم، جالت عجرم بين الحضور تقبّل وجنات أمهاتٍ صابرات وتغنّي لهنّ بصوتٍ دافئ حنون: «أمي الحكي بيطول عن قلبك الدافي، إمّي وشو ما بقول بيضل مش كافي..»، كلمات تُقال للأمهات عربون شكرٍ جزيل على التضحيات التي تقدّمها الأم في حياتها اليومية تجاه أولادها. ومئات كلمات الشكر لا تكفي عطاءهن، فكيف إذا كانت الأمهات المكرّمات صاحبات الضحكات المغمّسة بالآه. أمهات جمعن في قلوبهنّ الحب والأمل، القهر والإيمان، الألم والمثابرة، الصبر والحرمان، الوجع والصمود. قلوب أزهرت ورودًا في الإنسانية، وقدّمت رموزًا وأيقونات تُعلّق على الصدور. هنّ من حوّلن آلامًا تُفتّت الجبال إلى أمل بغدٍ أفضل ومستقبل أكثر إشراقًا.

كذلك، تخلّل الاحتفال مجموعة من الأغاني أدّتها الفنانة فاتن أبو ضرغم رافقها على العود الأستاذ تميم هلال من المعهد العالي للموسيقى.

 

دروع تذكارية وهدايا

لأنّ العطاء لا يُقابل إلا بالوفاء، كانت محطة شكر وتكريم لكل من أسهم في إنجاح هذا الحدث المميّز. دروعٌ تذكارية وكتب شكر سلّمها العميد الركن مرعي باسم العماد هيكل لكلّ من وفاء طربيه، نانسي عجرم، هاني شيت، أشرف حلاوي، فراس أبو حمدان، زياد موسى، ليا العاقوري، تميم فارس هلال، كارولين ميلان، ضباط من اللجنة العسكرية التقنية لأجل لبنان MTC4L، والرائد رئبال تمراز من مديرية التوجيه.

إلى ذلك، تمّ تقديم هدايا رمزية وعينية إلى أمهات الشهداء تقديرًا لهنّ.

 

باسم الشهداء

حين تصبح الشهادة رسالة، وتتحول الأحزان إلى وقفة عزٍّ وصمود، تولد مبادرات تحفظ ذكرى من بذلوا أرواحهم ليبقى الوطن.

أكثر من مئة وخمسين إمضاءً خطّته الأمهات باسم أبنائهنّ الشهداء على عَلَمٍ من قماش، وُضع في إطارٍ زجاجي، في إشارةٍ إلى أنّ الأوطان لا تُصان إلّا بدماء الأبطال. وبحرقة الفراق ولوعته، تروي الأمهات خلال لقائهن قبيل الحفل، كيف يحفر عيد الأمهات جرحًا عميقًا في صدورهن، وكيف يلتقين كل عامٍ، يحملن في قلوبهن الألم الجامع نفسه، ويُظهرن للعالم كيف يُترجَم هذا الألم على أرض الواقع أملًا بغدٍ أفضل، ما كان ليبزغ لولا دماء أبنائهن الطاهرة التي روَت تراب الوطن.

احتفال عيد الأم الذي جمع أمهات العسكريين الشهداء، لم يكن مجرّد مناسبة احتفالية، بل منصة لإحياء التضحيات ورسم ملامح الأمل في قلوب الأمهات اللواتي حملن وجع الفراق وحوَّلْنَه إلى قوةٍ تمنح الوطن استمراريته وصموده.