في ثكناتنا

CADET CHALLENGE أسبوع التحدّي في كنف الكلية الحربية
إعداد: المعاون كرستينا عباس

من مختلف المناطق اللبنانية توافدوا، تركوا أهلهم ورفاقهم ومحيطهم، خلعوا ثيابهم المدنية ودخلوا حرم الكلية الحربية العريقة ليخضعوا لتجربةٍ فريدة تدوم ستة أيام، يعيشون خلالها حياة عسكرية حقيقية بكل تفاصيلها. ارتدوا السروال المرقّط وانقطعوا عن العالم الخارجي، وحملوا معهم فقط أغراضهم الشخصية وروح الانضباط، متسلّحين بالإرادة للالتزام الكامل بقوانين المؤسسة العسكرية. أرادوا المشاركة في تحدٍّ من نوعٍ خاص، هو تحدّي Cadet Challenge، فكانت الكلية الحربية المحطة التي ستبقى محفورة في ذاكرتهم.

 

للسنة الرابعة على التوالي، فتحت الكلية الحربية أبوابها أمام دفعتين من طلاب الصف الأول ثانوي، أمضوا أسبوعًا كاملًا في كنفها، وفق برنامج تدريبي محدّد ومستوحى من الحياة العسكرية. «يتجدّد البرنامج في كل سنة بشكلٍ يتماشى مع تطوّر البرامج في قسم الدروس والعمليات ولفيف التدريب، وبطريقةٍ تلائم متطلبات المخيم، لكنّ الخطوط العريضة تبقى نفسها»، وفق ما يؤكد قائد الكلية الحربية العميد الركن فادي أبو حيدر. ويضيف أنّه على الرغم من بعض التردّد البسيط، فإنّ التلامذة كانوا جميعهم مستعدين للنشاطات المقررة إذ كانوا على دراية مسبقة بطبيعتها، من خلال الإعلانات والتقارير الخاصة بالمخيمات السابقة التي نشرتها مديرية التوجيه، ومن خلال شهادات رفاقهم الذين سبق أن شاركوا في البرنامج. ويهدف المخيم بشكل أساسي إلى غرس القيم الوطنية وروح الانضباط في نفوس التلامذة، وتعزيز شعورهم بالمسؤولية، لا سيّما مسؤولية الانتماء إلى الوطن والمساهمة في خدمته. كما يسعى إلى تعريفهم عن كثب بالمؤسسة العسكرية، من خلال إطلاعهم على نمط حياة التلميذ الضابط ونشاطاته اليومية داخل الكلية، بما يتيح لهم تكوين صورة واقعية وشاملة عن هذه البيئة. ومن خلال هذه التجربة، تُتاح أمام التلامذة فرصة التفكير الجاد في خياراتهم المهنية المستقبلية،  في إطار توجيهي يساعدهم على اتخاذ قرارات واعية ومدروسة.

 

نظام عسكري وانضباط

منذ لحظة دخولهم إلى حرم الكلية الحربية، تسلَّم كلّ من التلامذة عتادًا يرافقهم طوال فترة المخيم: سروال عسكري مرقّط، تي-شيرت خاصة بالـcadet challenge مع قبعة، وعدّة طعام، بالإضافة إلى أمتعة عسكرية أخرى وأغراضهم الشخصية المسموح بها.

وبحسب قائد لفيف التدريب في الكلية العقيد الركن جورج فريفر: «بدأ البرنامج بتوجيهاتٍ عامة حول قوانين المخيم ونشاطاته، ثم وجّه قائد الكلية كلمة ترحيب، تلاها أخذ الصورة التذكارية في ساحة الشرف، فمحاضرة تعريفية بشروط الانتساب إلى الكلية الحربية والاختصاصات المتوافرة فيها، وهو الهدف الأساس من هذا الأسبوع».

وبعد توزيعهم ضمن فصائل، تناوب التلامذة على تنفيذ عدة نشاطات متزامنة شملت تدريبًا على النظام المرصوص، وعلم الأسلحة، وتمرينًا على مشبّه الرمي EST Plus، وتدريبات على أوضاع الرمي والقتال المتقارب. كما تابعوا محاضرة في مجال التعاون العسكري – المدني CIMIC واختتموا يومهم بزيارة إلى متحف الكلية الحربية.

بدأت نشاطات اليوم الثاني بزيارة ثكنة الفوج المجوقل في غوسطا حيث تناولوا الفطور مع عناصر الفوج وتعرّفوا على مهماتهم وتدريباتهم، كما نفّذوا البعض منها مثل الجولة الهوائية، والهبوط بواسطة الحبل rappel، جولة في آليات الفوج، تمارين تسلّق ومداهمة ورمايات بالمسدس وبالبندقية ٤M. وكان الختام محطة أخيرة في متحف الفوج.

اتّسمت أجواء الزيارة بالحيوية والتشويق، وتفاعل المشاركون بحماسةٍ مع مختلف الأنشطة والتجارب العسكرية، التي شكّلت بالنسبة إليهم تحديًا ممتعًا. وتقول إحدى المشاركات: «على الرغم من التردد الذي راودني في البداية، إلا أنّني نفّذت تمرين الـrappel بحماسةٍ حتى أنّني شعرت أنّه أفضل نشاطٍ شاركت فيه».

 

نشاطات متنوعة

عقب العودة إلى الكلية، شارك التلامذة في محاضرات ودروسٍ تضمنت: الإسعافات الأولية مع مدربين من لواء الحرس الجمهوري، والتوعية من مخاطر الألغام مع جمعية MAG بالتنسيق مع المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام، والتوعية من المخدرات ومخاطرها، وتدريبات في مجال الدفاع عن النفس.

كذلك، عاشوا تقليد «عريس الدورة»، المتعارف عليه في الكلية الحربية، والذي يقوم على اختيار أول مخالف للتعليمات، فيلبسونه ثياب العرس ويُحمل إلى السجن في جوّ احتفالي، لفترةٍ لا تتعدّى الساعتين.

ويُعلّق أحد الشبان: «في المخيم نشاطات مسلّية وممتعة، لكنّه يتّسم بالجديّة في الوقت نفسه. فأنا لم أعش يومًا بهذه الصرامة والانضباط، لكنّي تأقلمت سريعًا».

في اليوم الثالث من المخيم، استيقظ المشاركون باكرًا، كما في كل يوم، ليزوروا فوج التدخل السريع في ضبية التابع لقوى الأمن الداخلي، حيث تعرّفوا على مجموعة الخيالة وطرق مكافحة الشغب. بعدها، قاموا بزيارةٍ إلى قاعدة بيروت البحرية، استمعوا خلالها إلى محاضراتٍ حول دور القاعدة ومهماتها، والغطس ومشاغله. كما حضروا تمرين مداهمة سفينة مشتبه بها وتفتيشها. وفي سياق نظام التناوب المعتمد في النشاطات، شارك التلامذة في زيارة إلى غرفة العمليات، وجولةٍ بحرية على متن زورق قناص تابع للقوات البحرية، إلى سباق زوارق ورمايات.

شهد اليوم الرابع زيارة إلى فوج مغاوير البحر والمشاركة في بعضٍ من نشاطاته مثل التجذيف في البحر باستخدام الزوارق المطاطية Zodiac، وتنفيذ سباق الزوارق، ومداهمات في الـshoot house، رماية، تمارين تسلّق وهبوط. وبعد العودة، كانوا على موعد مع يوم رياضي تنافسي شمل ألعاب: شدّ الحبل، الكباش، سواعد، جذع، إلى ألعاب إجمالية مثل كرة السلة مع أكاديمية Brainers، وكان ختامها ميداليات للفائزين في يوم تخرجهم.

وتوّج اليوم بمحاضرة حول فن القيادة، أعقبها في المساء تدرُّب التلامذة على مراسم تكريم العلم، كما باشروا التمرينات التحضيرية الخاصة بحفل التخرّج.

أمضى المشاركون اليومَين الأخيرَين في فوج التدخل السادس في رياق حيث قاموا بتمارين مختلفة: هبوط بواسطة الحبل rappel، رماية، مداهمة، وتعرفوا على الفوج وآلياته. كما عاشوا تجربة ميدانية كاملة بتناولهم وجبة الغداء الخاصة بوحدات القتال (الوجبة الجاهزة MRE) بدلًا من الوجبة الساخنة المعتادة.

وفي مدرسة القوات الجوية في رياق، كانت لهم محطة مع الطوافات، كما زاروا المتحف وتدرّبوا على مشبّه الطيران simulator. ثم نفّذوا تمرين سير في القاعدة، وشاركوا في سهرة نار قدّموا خلالها فقرات متنوعة.

في اليوم الأخير، عادوا إلى الكلية الحربية حيث شاركوا في حفل التخرّج الذي أُقيم في حرم الكلية في حضور قائدها وضباطها ومدراء المدارس وذوي المتخرجين. في الدفعة الأولى، تمّ تخريج 124 طالبًا وفي الثانية 153 طالبًا، أنهوا برنامج الدروس والتمارين المحدّدة لتنفيذها في كل أسبوع.

يقول أحد المشاركين: «شاركت من باب التسلية، لكني أدركت لاحقًا أنّ عليّ أن أوازن بين المرح والانضباط، وهو ما توصلت إليه خلال الأيام التي قضيتها في المخيم».

 

تأقلم سريع وانضباط

في سياق التقييم الشامل لأسبوع التحدّي الذي خاضه التلاميذ في الكلية، تبرز شهادات الضباط المشرفين لتؤكّد مدى التزام المشاركين وتفاعلهم مع متطلّبات الحياة العسكرية، بما فيها من انضباط ونظام دقيق.

يقول قائد لفيف التدريب إنّ التلامذة عُومِلوا خلال هذا الأسبوع تمامًا كما يُعامل التلامذة الضباط، سواء من حيث الانضباط أو التنظيم أو أسلوب المتابعة. ويلفت إلى أنّ تنويع البرنامج والزيارات إلى المدارس والأفواج العسكرية هدفه إتاحة الفرصة أمامهم للتعرّف على أكبر عدد ممكن من أوجه الحياة العسكرية. ويضيف: «رغم التباين الكبير بين نمط الحياة المدنية والواقع العسكري، لم نلمس أي تردّد أو تهرّب من قبل المشاركين، بل على العكس، لمسنا حماستهم للاستيقاظ المبكر ومشاركتهم الفاعلة في النشاطات اليومية حتى ساعات الليل. واللافت أنّ جميع المشاركين أبدوا قدرة سريعة على التأقلم مع طبيعة الحياة العسكرية، وأظهروا جهوزية تامة لتنفيذ ما يُطلب منهم.»

 

المحبة والدعم والإرادة

يشير قائد الكلية إلى أنّ محبة اللبنانيين للمؤسسة العسكرية أسهمت في التخفيف من الأعباء المادية واللوجستية لإنجاح المخيم، إلى جانب الدعم المعنوي المستمر الذي تقدّمه قيادة الجيش لهذا النوع من المبادرات، التي تشكّل حلقة وصل أساسية بين المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني.

ويلفت إلى أنّ كل مشروع ناجح يحتاج إلى توافر النية والإرادة وتأمين المستلزمات والمدرّبين، وتوفير التمويل اللازم لتغطية التكاليف، وكل هذه العوامل توافرت بفضل جهود القيادة، وتفاني ضباط الكلية، والمحبّة الصادقة التي يكنّها المواطنون للجيش. ويضيف قائلًا: «إنّ الإقبال الذي نشهده يدفعنا إلى العمل بجدية أكبر من أجل التحضير لمخيم العام المقبل وتطويره بشكلٍ أوسع»، موضحًا أنّه في حال سمحت برامج التدريب المفتتحة في الكلية الحربية، قد يتم استقبال ثلاث دفعات في السنة المقبلة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المشاركين.

 

الرسالة وصلت!

هل وصلت الرسالة؟ يجيب مدير المخيم النقيب جوني الحاصباني: «نعم، لمسنا ذلك في أكثر من محطة، خصوصًا حين كنا نطرح على التلامذة سؤالًا مباشرًا عمّا إذا كان أحدهم يرغب بالانخراط في صفوف الجيش، فكانت الأيادي تُرفع بأعداد كبيرة». ويؤكّد أنّ المفاجأة الأبرز، والتي شكّلت برهانًا فعليًا على نجاح المخيم في تحقيق أهدافه، تمثّلت في الأسئلة المتكررة من قبل المشاركين حول شروط التطوّع في المؤسسة العسكرية. كما يوضح أنّ نسبة الفتيات اللواتي عبّرن عن رغبة حقيقية في الانضمام والتشبّه بالأفواج الخاصة التي زُرنها كانت لافتة. وقد عبّرت إحدى الطالبات عن هذا التوجّه بوضوحٍ حين قالت إنّها شاركت في المخيم لاكتشاف الكلية الحربية والتعرّف عن قرب على نمط الحياة العسكرية، في حين أبدى العديد من الشبان رغبتهم في خوض هذه التجربة بهدف التماهي مع الحياة الفعلية للعسكريين.

وفي الختام، يؤكد قائد الكلية أنّ المخيم حقّق أهدافه بشكل فعّال، إذ ظهرت تغييرات ملموسة وإيجابية في سلوكيات الطلاب المشاركين. فالطالب المتردد أصبح أكثر جرأة وثقة في التعبير عن نفسه، كذلك بات أكثر تفاعلًا وتعاونًا مع زملائه، في حين تمكّن من كان يخشى الأماكن المرتفعة من تجاوز مخاوفه والتغلّب على الصعوبات خلال تمارين الهبوط بواسطة الحبال. فالحياة العسكرية تُعدّ مدرسة حقيقية تعلّم الانضباط، والصبر، والثقة بالنفس، وتغرس في الفرد روح التعاون، وتدفعه لاكتشاف قدرات كامنة لم يكن يدرك وجودها في داخله.

925 تلميذًا تخرّجوا على مدى أربع سنوات من مخيم Cadet Challenge وحملوا معهم خبرات حياة لا تتكرر ودروسًا عملية ونظرية سترافقهم في مختلف المحطات المستقبلية والظروف التي سيواجهونها لاحقًا. لكنّ الطريق مستمر، والمخيم سيبقى محطة تحوّل رئيسية في حياة كل مَن شارك أو سيشارك فيه.

 

مفاجأة سارة

 

في مفاجأة ولّدت موجة من الفرح، زار قائد الجيش العماد رودولف هيكل وعقيلته الكلية الحربية، حيث التقى خلال الزيارة تلاميذ المدارس المشاركين في المخيم التدريبي Cadet Challenge وشاركهم في تناول وجبة العشاء وسط أجواء من الألفة والفرح، سيحتفظ الجميع بذكرياتها طويلًا.

 

 

معايير محددة وإقبال لافت

لأنّ نجاح المخيم لا يقتصر على تنظيمه فحسب، بل يبدأ من دقّة اختيار المشاركين، كان لا بدّ من اعتماد معايير واضحة ومدروسة في عملية الانتقاء. في هذا الإطار، يوضح قائد الكلية أنّ الأفضلية أُعطيت للفئة العمرية ما بين الـ١٥ و١٦ سنة، كونها تشكّل القاعدة الأساسية لجيل المستقبل. وقد ساهم هذا النشاط في تنمية روح الوطنية لدى الطلاب وتشجيعهم على التفاعل مع المؤسسة العسكرية وتعزيز القدرات القيادية لديهم.

وفي حين كان عدد الطلبات لافتًا، كان لا بد من مراعاة قدرة الاستيعاب، وهذا ما جعل العدد في الدفعة الأولى 124 متخرّجًا، بينهم 30 أنثى، فيما تخرّج من الدفعة الثانية 153 طالبًا كان من بينهم 34 أنثى. وسبب الإقبال الكثيف يعود إلى محبة الناس للجيش وثقتهم الكبيرة بالمؤسسة العسكرية.