- En
- Fr
- عربي
موارد وأسواق
بعد عامٍ حافل بالاضطرابات في 2024، واجه فيه قطاع الطاقة، التقليدية منها والمتجددة، تحديات جمّة تمثّلت في اختلالات العرض والطلب، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وتراجع أداء الاقتصاد الكلّي، تبدو الآفاق أكثر تفاؤلًا للعام 2025. فهذا القطاع الحيوي الذي يشكّل العمود الفقري للنشاط الاقتصادي العالمي، يدخل مرحلة انتقالية دقيقة تتداخل فيها اعتبارات أمن الطاقة، والتحوّل إلى مصادر نظيفة ومتجددة، والتكيّف مع واقع اقتصادي أكثر هشاشة.
قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الثانية، بزيادة الرسوم الجمركية وإعلان «حالة الطوارئ الوطنية للطاقة»، بالإضافة إلى رغبته في تخفيض سعر المحروقات للمستهلك الأميركي، عوامل زادت المشهد تعقيدًا، وأضافت مزيدًا من الضغوط على الأسواق وعمّقت حالة الترقّب التي تسود عالم الطاقة. ومع ذلك يُنتظر أن يشهد القطاع تحوّلات إيجابية رغم الأجواء العالمية الملبَّدة بالضبابية، واستمرار الدفع نحو التحوّل في مزيج الطاقة العالمي، وتنامي التركيز على المصادر النظيفة والمتجددة.
الطلب العالمي على الطاقة
في هذا الاطار، يُشير تقرير وكالة الطاقة الدولية International Energy Agency IEA الصادر مطلع آذار 2025، إلى أنّ الطلب العالمي على الطاقة، من نفط وغاز طبيعي وفحم وطاقة متجددة بالإضافة إلى الطاقة النووية، سيشهد ارتفاعًا خلال هذا العام بوتيرة أسرع من سابقاته. مع العلم أنّ نسبة ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة في العام 2024 بلغت 2.2%، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط السنوي الذي كانت عليه بين العامين 2013 و2023 والذي اقتصر على 1.3%.
وقد ساهمت الاقتصادات الناشئة والنامية بأكثر من 80% من هذا النمو في الطلب العالمي على الطاقة خلال العام 2024، وتشهد الصين أكبر نسبة نمو في الطلب على الطاقة، على الرغم من تباطئه إلى أقل من 3% خلال العام 2024، فيما شهدت الهند ثاني أكبر زيادة في الطلب على الطاقة من حيث القيمة المطلقة، متجاوزةً الزيادة في جميع الاقتصادات المتقدمة مجتمعة.
بدورها، شهدت الاقتصادات المتقدمة عودةً ملحوظةً لنمو الطلب على الطاقة بعد سنواتٍ من التراجع، إذ ارتفع الطلب بنسبةٍ تقارب الـ 1%. وشهدت الولايات المتحدة ثالث أكبر نموٍّ في الطلب خلال العام 2024 بعد الصين والهند. وعاد طلب الاتحاد الأوروبي على الطاقة إلى النمو لأول مرة منذ العام 2017، باستثناء الانتعاش الذي شهده بعد جائحة كوفيد في الـ2021.
أمّا الحصة الأكبر من نمو إجمالي إمدادات الطاقة، فقد كانت لمصادر الطاقة المتجددة وبلغت نسبتها 38%، يليها الغاز الطبيعي 28%، والفحم 15%، والنفط 11%، والطاقة النووية 8%. ويعود أحد أسباب هذا الارتفاع إلى درجات الحرارة التي سجلت مستويات مرتفعة خلال العام المنصرم، وأدت إلى إضافة 0.3 نقطة مئوية إلى النمو البالغ 2.2%، فيما اقتصر تحسّن كثافة الطاقة في الاقتصاد العالمي على نسبة 1% فقط، وذلك انعكاسًا لاستمرار تباطئها في السنوات الأخيرة.
بالنسبة إلى الكهرباء لا سيما منها الناتجة من مصادر منخفضة الانبعاثات، فقد شهدت أكبر نسبة نمو بين مصادر الطاقة، إذ ارتفع الطلب عليها بمعدل 4.3% في العام 2024 أي ما يقارب ضعف معدل نمو إجمالي الطلب على الطاقة. وجاء هذا الارتفاع مدفوعًا بزيادة الاعتماد على الأجهزة كثيفة الاستهلاك للكهرباء مثل مكيّفات الهواء وأجهزة التبريد والصناعات المتقدمة، ومراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى تزايد الاعتماد على الكهرباء في مختلف الاستخدامات النهائية.
الطاقة النووية شهدت بدورها ارتفاعًا في حجم الاستثمارات الجديدة، وذلك بسبب عدد من العوامل الاستراتيجية والاقتصادية وحتى البيئية التي جعلتها مجددًا موضع اهتمام، إذ تم تشغيل أكثر من 7 جيغاوات في العام 2024، بزيادة قدرها 33% عن العام 2023. وتُعدّ هذه السعة الجديدة خامس أعلى مستوى لها في العقود الثلاثة الماضية. وقد ارتفع إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية في العام 2024 بمقدار 100 تيرا واط/ساعة، وهو ما يُعادل أكبر زيادة في هذا القرن بعد فترة الانتعاش التي أعقبت جائحة كوفيد.
وبين أنواع الوقود الأحفوري، شهد الغاز الطبيعي أعلى نسبة نمو بزيادة 2.7% في العام 2024، ليصل إلى 115 مليار متر مكعب، مقارنةً بمتوسط سنوي قدره 75 مليار متر مكعب خلال العقد الماضي. وحققت الصين أعلى نسبة نمو في الطلب على الغاز بأكثر من 7% أو 30 مليار متر مكعب، كما زاد الطلب في الولايات المتحدة بنحو 2%، بينما ظل نمو الاستهلاك في الاتحاد الأوروبي طفيفًا.
أمّا حصة النفط في إجمالي الطلب على الطاقة فقد تراجعت إلى أقل من 30% لأول مرة، بعدما كانت تمثل 46% قبل خمسة عقود. ويُعزى هذا الانخفاض إلى التوسّع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة والكهرباء منخفضة الانبعاثات، بالإضافة إلى التوجّه المتزايد نحو التحوّل في أنماط الاستهلاك. وقد انخفض الطلب على النفط في قطاع النقل البري العالمي، بخاصة في الصين بنسبة 1.8% والاقتصادات المتقدمة 0.3%، نتيجة تزايد الاعتماد على المركبات الكهربائية وكفاءة استهلاك الوقود، بينما زاد الطلب في قطاعات الطيران والبتروكيماويات.
في المقابل، من المتوقع أن يستمر الارتفاع في الاستثمارات الرأسمالية في قطاع الطاقة التقليدية والموارد الطبيعية، لتصل إلى مستويات قياسية بزيادة 6% بالقيمة الحقيقية عن العام 2024، على الرغم من أنّ الزيادة التي تعتزم دول أوبك+ إضافتها إلى إنتاجها خلال العام 2025 لا تحتاج إلى توسيع استثماراتها الحالية. إلّا أنّ الزيادة في الاستثمارات الرأسمالية تعكس استمرار الدور المحوري لمصادر الطاقة التقليدية، رغم تصاعد دور الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي.
النفط وسعر البرميل
أما على صعيد الأسعار، فقد نجحت استراتيجية أوبك+ في دعم أسعار النفط على مدى أربعة أعوام على التوالي، إلّا أنّ الحفاظ على سعر برميل برنت عند مستوى الـ 80 دولارًا للبرميل في العام 2025 يبدو تحديًا كبيرًا، لا بل متعذرًا مع القرار الذي اتخذته دول أوبك+ بزيادة الإنتاج. وتشير التوقعات إلى احتمال انخفاضه إلى مستوى يُلامس الـ 60 دولارًا للبرميل وربما أدنى من ذلك، بخاصة إذا ما استمرت التقلبات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية والتي لن تكون أسعار النفط بمعزل عن مضاعفاتها السلبية. وبالتالي سيكون سعر برميل النفط موضعًا لتنازع ثلاثة عوامل مختلفة، يجنح كل عامل منها بهذا السعر في اتجاهٍ مختلف. ففي حين يؤدي تباطؤ الاقتصاد العالمي إلى تراجع الطلب على النفط وبالتالي إلى انخفاض سعره، تتسبّب التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية بارتفاعه، بينما تؤدي زيادة الإنتاج، على غرار ما أعلنت عنه مؤخرًا دول تحالف أوبك+ ويرغب به الرئيس الأميركي، إلى انخفاض السعر. هي حلقة مفرغة يدور فيها النفط وسعر البرميل، في ظل تعدد مصادر الطاقة وتنوّعها.
منعطف حاسم
في المحصلة، يبدو أنّ العام 2025 قد لا يكون مجرد محطة عابرة، بل منعطفًا حاسمًا سيتحدد على أساسه مستقبل أمن الطاقة العالمي، وحدود التوازن بين النمو الاقتصادي من جهة، والتزامات المناخ من جهة أخرى. وستجعل منه التحديات عامًا مفصليًا في قطاع الطاقة العالمي الذي يبدو أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، إذ تتداخل العوامل الاقتصادية والجيوسياسية والتكنولوجية في تشكيل مسار هذا القطاع الحيوي.
فمن ناحية، يتأرجح العالم بين ضرورة تأمين مصادر طاقة مستدامة وبين الحفاظ على استقرار الأسواق التقليدية، ومن ناحية أخرى، تفرض التحديات البيئية وضغوط التحول نحو الطاقة النظيفة، مسارًا مغايرًا يتطلّب إعادة تقييم استراتيجيات الإنتاج والاستهلاك. هذا الأمر يستدعي تنسيقًا دوليًا أكثر فاعلية، واستثمارات استراتيجية تواكب التحول، وتضمن حق مختلف الدول والمجتمعات في الاستفادة من مصادر الطاقة على تنوُّعها.











