مواسم وخيرات

من بساتين لبنان إلى موائد العالم فاكهة الصيف لذّة ومنافع بالجملة... شرط الاعتدال
إعداد: المعاون الأول جيهان جبور

مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، تتوق أجسامنا إلى الانتعاش الطبيعي والترطيب الصحي، وهنا تبرز الفاكهة الصيفية كخيارٍ مثالي يجمع بين الطعم اللذيذ والفائدة الغذائية. فالفاكهة من أغنى المصادر الطبيعية بالفيتامينات والمعادن التي يحتاج إليها الجسم يوميًا، وهي لا تمنح الطاقة والانتعاش فحسب، بل تؤدّي دورًا أساسيًا في تعزيز المناعة، وتحسين الهضم، والحفاظ على صحة البشرة والقلب.

 

تزيّن الفاكهة اللبنانية موائد الصيف في مختلف أنحاء الوطن، وهي تحتل أيضًا مكانةً مرموقةً على موائد الخارج بفضل مذاقها الشهي وتنّوعها. وقد حظيت على مرّ السنوات باهتمامٍ متزايد في العديد من الأسواق الدولية، لما تنفرد به من جودةٍ عالية وطابعٍ فريد يعكس غنى التربة اللبنانية. فالتنوّع الجغرافي، والمناخ المعتدل، والتربة الخصبة، كلّها عوامل تُضفي على الثمار اللبنانية نكهة لا تضاهى. مذاقها المتوازن، وغناها بالعصارة الطبيعية، وشكلها الجذّاب، جعلها مرغوبة في عدّة دول، لا سيّما في الخليج وأوروبا، حيث يقترن اسم لبنان بجودة الإنتاج الزراعي وفرادة المذاق. يُضاف إلى ذلك اعتماد عدد من المزارعين على أساليب زراعية تقليدية تقلّل من استخدام الأسمدة الكيميائية، ما يعزّز القيمة الغذائية والطبيعية للثمار.

في موازاة هذا الإقبال الخارجي، يشهد السوق المحلي طلبًا متزايدًا، لا سيّما في فصل الصيف، إذ تزداد وفرة الفاكهة وتزخر الموائد اللبنانية بأنواعها الغنية بالعناصر المفيدة، من عنب وبطيخ وتفّاح وإجاص وغيرها من الأصناف المحليّة الشهية. لكن رغم فوائدها المتعددة، تبقى طريقة تناول الفاكهة وكمّيتها عاملَين حاسمَين لضمان الاستفادة منها بالشكل الصحيح.

تنوّع غذائي في طبقٍ صيفي

تؤكد اختصاصية التغذية غوى شكر أنّ البطيخ هو نجم الصيف بلا منازع، إذ يحتوي على 90% من الماء ما يجعله مرطّبًا فعّالًا للبشرة. كما أنّه غني بالفيتامينين A وC، إلى جانب مضاد الأكسدة «ليكوبين» المفيد للقلب. إلا أنّها تنبّه إلى ضرورة الاعتدال في تناوله، خصوصًا لمرضى السكّري أو من يتّبعون نظامًا غذائيًا، نظرًا لاحتوائه على سكريات طبيعية قد ترفع مستوى السكر في الدم عند الإفراط.

إلى جانب البطيخ، تبرز فواكه صيفية أخرى تتميّز بقيمتها الغذائية العالية وتنوّع فوائدها الصحية، شرط أن يتم تناولها بالكميات المناسبة وضمن نظام غذائي متوازن. فالكرز مثلًا، لا سيما النوع الداكن منه، يُعدّ من الفواكه الغنيّة بمركبات البوليفينول والأنثوسيانين، وهي عناصر مضادة للالتهاب تسهم في خفض المؤشرات الالتهابية في الجسم، خصوصًا لدى الأشخاص المصابين بأمراض مزمنة مثل التهاب المفاصل. كما يحتوي الكرز على نسبة طبيعية من الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم دورة النوم، مما يجعله خيارًا مفيدًا لتحسين جودة النوم وتخفيف الالتهاب، والمساعدة في تعافي العضلات بعد النشاط الرياضي.

أما الخوخ، فيتميّز بغناه بمادة البيتاكاروتين، وهي صبغة نباتية تتحوّل في الجسم إلى الفيتامين A الضروري لصحة النظر والجلد وتعزيز جهاز المناعة. كما يحتوي على نسبة جيدة من الفيتامين C، بالإضافة إلى الألياف القابلة للذوبان التي تسهم في تسهيل عملية الهضم وتنظيم حركة الأمعاء، ما يجعله مفيدًا للبشرة، فضلًا عن الوقاية من الإمساك، وتعزيز المناعة.

الدراق بدوره، يوفّر نسبة عالية من الماء تقارب 85%، إلى جانب جرعة ممتازة من البوتاسيوم، الذي يساعد على موازنة السوائل في الجسم وتنظيم ضغط الدم، لا سيما خلال أيام الحرّ الشديد. كما يحتوي على مركّبات فينولية تعمل كمضادات أكسدة تسهم في حماية الخلايا من التلف. وبذلك، يُعدّ الدراق فعّالًا في ترطيب الجسم ودعم وظائف الكلى ومقاومة الأكسدة.

للإجاص أيضًا فوائد صحيّة متنوّعة، فهو يتميّز بتركيبته الغنية بالألياف، ولا سيما البكتين، الذي يعزّز صحّة الجهاز الهضمي من خلال تغذية البكتيريا النافعة في الأمعاء. كما يتمتع بمؤشّر غلايسيمي منخفض (glycemic index مؤشّر نسبة السكّر في الدم)، ما يعني أنّه لا يرفع مستوى السكر في الدم بسرعة، وهو ما يجعله مناسبًا لمرضى السكري والأشخاص الذين يتّبعون نظامًا غذائيًا منخفض الكربوهيدرات. ولذلك، يوصى به لتنظيم الهضم وتحسين توازن السكر في الدم وتعزيز صحة الأمعاء.

الاعتدال هو المفتاح

توضح شكر أنّ بعض الفواكه، على الرغم من قيمتها الغذائية، قد تسهم في زيادة الوزن في حال استُهلكت بكميّات كبيرة، وذلك بسبب محتواها العالي من السكّريات والسعرات الحرارية. فالمانغا مثلًا، تحتوي حبّــتها المتوسطة على نحو 150 سعرة حراريّة، فيما يحتوي العنب على سكّر سريع الامتصاص، ويتضمّن كوبٌ صغيرٌ منه حوالى 100 سعرة حرارية. كما يتميّز كلّ من المانغا والعنب بمؤشّر غلايسيمي مرتفع، ما يعني أنّ تناولهما بكمياتٍ كبيرة قد يؤدي إلى ارتفاع سريع في مستوى السكر في الدم. لذلك، يُنصح باستهلاك هذه الفواكه إلى جانب مصدر غنيّ بالألياف أو البروتين، كالحبوب الكاملة أو اللبن أو المكسرات، لتقليل سرعة امتصاص السكر.

وتشدّد شكر على أنّ الاعتدال في تناول الفاكهة يبقى ضروريًا، لا سيّما عندما لا يتم حرق السعرات الحرارية الزائدة التي قد يُخزّنها الجسم على شكل دهون.

وتضيف أنّ الفرق جوهري بين سكر الفاكهة والسكر المضاف الموجود في الحلويات والمشروبات المصنّعة. فسكّر الفاكهة طبيعي وموجود مع الألياف والفيتامينات ومضادات الأكسدة، ما يُبطئ امتصاصه في الجسم ويُخفّف من حدة ارتفاع السكر في الدم. أما السكّر المضاف في الكيك، البسكويت، والعصائر الصناعية، فهو مكرّر وسريع الامتصاص، ما قد يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في معدّل السكر والأنسولين، وبالتالي تحفيز الجسم على تخزين الدهون.

في السياق، تنصح شكر مرضى السكّري أو الذين يتّبعون نظامًا غذائيًا منخفض الكربوهيدرات، باختيار الفواكه ذات المؤشر الغلايسيمي المنخفض، مثل التفاح، الكرز، والتوت، وتناولها إلى جانب مصدر بروتين أو دهون صحية، كاللبن أو المكسرات، للمساعدة في إبطاء امتصاص السكر وضمان استقرار مستوى الجلوكوز في الدم.

 

حصّتان أو ثلاث يوميًا

وعن كمية الفاكهة الموصى بها يوميًا، توضح اختصاصية التغذية شكر أنّها تختلف تبعًا للعمر ومستوى النشاط البدني. وتضيف أنّه، بشكلٍ عام، يُنصح بتناول حصتين إلى ثلاث حصص يوميًا، كمثال تفاحة صغيرة، أو موزة متوسطة، أو نصف كوب من العنب أو شرائح البطيخ، أو كوب من الفريز أو التوت. وتشدّد على أهمية توزيع هذه الحصص خلال النهار، بدلًا من تناولها دفعة واحدة، لتفادي اختلال توازن السعرات الحرارية.

وتلفت إلى أنّ التوقيت الأنسب لتناول الفاكهة، يرتبط بالهدف الغذائي؛ فتناولها قبل الوجبة بنصف ساعة يساعد على الشعور بالشّبع ويحسّن الهضم، كما تُعدّ خيارًا ممتازًا كوجبةٍ خفيفة بين الوجبات. في المقابل، لا يُنصح بتناولها مباشرة بعد وجبةٍ دسمة لتفادي الانتفاخ أو عسر الهضم، أو تخمّر السكّر في المعدة.

 

عصير أم فاكهة كاملة؟

بالنسبة إلى عصير الفاكهة، تشرح اختصاصية التغذية أنّ العصير قد يبدو خيارًا سريعًا ومنعشًا، إلا أنّ تناول الفاكهة بحالتها الطبيعيّة، مع قشرتها متى أمكن، هو الخيار الأفضل. فهي غنية بالألياف التي تُبطئ امتصاص السكر وتُعزّز الإحساس بالشبع وتحسّن الهضم. وتضيف أنّه عند عصر الفواكه، نفقد هذه الألياف ونستهلك في المقابل كميات أكبر من السكر والسعرات من دون أن نشعر بذلك، إذ قد يحتوي كوب واحد من العصير على ما يعادل ثلاث أو أربع حصص من الفاكهة. إلى ذلك، فهو يرفع مستوى السكر في الدم بشكلٍ أسرع، ما يجعله غير مناسب لمرضى السكري أو من يسعون لتخفيف أوزانهم. من هنا، يُنصح بالفاكهة الكاملة كونها تؤمّن الغذاء والشعور بالشّبع، إلى جانب مساهمتها في هضمٍ صحّيٍ أفضل. 

 

بين التبريد والتجميد

تختم اختصاصية التغذية بالإشارة إلى أنّ عمليّـتي التبريد والتجميد تُعدّان وسيلتين فعّالتين لحفظ القيمة الغذائية للفواكه، شرط التزام شروط التخزين الصحيحة وألّا تطول مدّتهما. فالتبريد يحافظ على الفيتامينات، لا سيّما الفيتامين C، ويُبطئ فساد الفاكهة ونمو البكتيريا. لكن بعض الأنواع مثل الفراولة والكيوي قد تفقد نكهتها أو جزءًا من قيمتها بعد أيام من التبريد. أما التجميد، فيُحافظ على العناصر الغذائيّة بشكلٍ جيد، لا سيّما إذا تمّ مباشرة بعد القطف، مع بقاء نسبة كبيرة من الفيتامينات، حتى وإن تغيّر قوام الفاكهة أو طعمها قليلًا بعد التذويب.

في الصيف، تتحوّل الفاكهة إلى أكثر من مجرّد طعام؛ إنّها وسيلة طبيعية للانتعاش والتغذية. تمدّ أجسامنا بالسوائل والعناصر الضرورية لمواجهة الحرّ وتعزيز المناعة. ورغم طعمها الحلو المغري، يبقى الاعتدال في تناولها هو المفتاح. فبين ألوانها الزاهية ونكهاتها المتنوعة، ترسم الفاكهة الصيفيّة لوحةً صحيّةً غنيّة، شرط أن نحسن اختيار الوقت والكمية المناسبة.