- En
- Fr
- عربي
تحوّلات وأسئلة
أين يجد اللبناني فسحته للحركة؟
مع متغيرات نمط الحياة الحديثة والمتسارعة، تراجع النشاط الجسدي عمّا كان عليه في السابق، خصوصًا بعد أن أسَرت دوامات العمل الطويلة وضغوط المجتمع الاستهلاكي غالبية الأفراد، فباتت المكاتب مسكنًا، وشاشات الكمبيوتر رفيقًا، وأصبح المرء يقضي معظم وقته في وضعية الجلوس سواء خلف مقود السيارة أو خلف المكتب.
فرض هذا التحوّل البحث عن طرق لتعويض النقص في الحركة والحفاظ على الصحة، فكان الحل بالنسبة إلى كثيرين ارتياد النوادي الرياضية التي باتت تستقطب الروّاد منذ ساعات الصباح الباكر حتى منتصف الليل. وهكذا أصبح النادي الرياضي مساحة للتنفّس العميق والتفريغ الجسدي.
يقابل هذا الحضور البارز للأندية الرياضية في الأزقّة والشوارع، ندرة الأرصفة والمساحات الخارجية المناسبة لممارسة الرياضة والمشي بشكلٍ آمن. مع ذلك يُلاحظ أنّ ممارسة الرياضة بأشكالها المختلفة باتت تجذب فئات الأعمار المختلفة في لبنان، وهذا أمر إيجابي بالطبع، لكن لا بد أن تعمل البلديات على توفير مساحات آمنة يستطيع استخدامها مَن لا يفضلون النوادي أو لا يستطيعون تحمّل تكاليفها.
التزام واستجابة
يُشكّل الانتساب إلى النادي الرياضي التزامًا جدّيًا تجاه صحة الجسد والمظهر الخارجي. وهو في جانبٍ منه استجابة للتحفيز الإعلامي المستمر وللدراسات العلمية التي توعّي على مخاطر الركود البدني وأهمية الحركة المنتظمة. فقد أشارت دراساتٌ لمنظمة الصحة العالمية إلى أنّ النشاط البدني المنتظم يقلّل من خطر الإصابة بأمراض القلب والسمنة والسكري وبعض أنواع السرطان. كما أكدت المجلة البريطانية للطب الرياضي British Journal of Sports Medicine أنّ التمارين المنتظمة تحسّن وظائف الجهاز المناعي وتقلل من الالتهابات. أما المؤسسة الطبية الأميركية Mayo Clinic فأوضحت أنّ الرياضة تساعد في تنظيم الوزن وتقوية العظام والعضلات، بالإضافة إلى تحسين جودة النوم والطاقة اليومية، مما يسهم في دعم الصحة النفسية أيضًا. في السياق نفسه، أشارت دراسة من جامعة هارفارد إلى أنّ ممارسة الرياضة بانتظام والمشي السريع لمدة 30 دقيقة، يقلّلان من أعراض الاكتئاب بنسبة 26%، إذ إنّ ارتفاع مستوى الأندروفينات، يحفّز مناطق الدماغ المسؤولة عن المزاج ويقلل من التفكير السلبي.
صورة الجسد في المحتوى الإلكتروني
في إطارٍ مماثل، لا يمكن إغفال تأثير مواقع التواصل الاجتماعي كالانستغرام وتيك توك في تعزيز الإقبال على الأندية الرياضية. فالمحتوى المرئي المليء بالصور المعدّلة والفلاتر، يفرض معايير مثالية غير واقعية للجسم. هذه الضغوط تخلق لدى الكثيرين، وخصوصًا المراهقين والشباب، حاجةً ملحّة إلى ممارسة الرياضة لتحسين «صورة الجسد».
الرصيف اللائق حق للجميع
على الرغم من تنامي الوعي حول أهمية النشاط البدني، فإنّ الإشكالية تكمن في مدى إمكان ممارسة الرياضة في لبنان، لا سيما وأنّ المنشآت الرياضية العامة محدودة، وغالبًا ما تقتصر على ملاعب ونوادٍ بدائية قديمة تابعة للبلديات، فيما الأرصفة – التي يفترض أن تكون حقًا للجميع – إما معدومة أو مشغولة بعوائق مختلفة.
إزاء هذا الواقع، تفضّل شريحة من المجتمع ممارسة مختلف أنواع الرياضة داخل النوادي، فيما تكتفي الشريحة الأخرى بممارسة المشي أو الهرولة على الطرقات العامة والأرصفة، إما لقلة الاكتراث بالنوادي الرياضية أو لضعف الإمكانات المادية.
الرياضة في الهواء الطلق
في مقابلاتٍ مع المارّة، برزت آراء تعكس أهمية رياضة المشي. فاعتبر البعض أنّ الهواء الطلق يمنحه شعورًا بالحرية والانفصال عن الروتين اليومي، بعيدًا عن جدران الصالات المغلقة. أشار آخرون إلى أنّ المشي لا يتطلب كلفة مادية أو التزامًا باشتراكٍ شهري، وهو ما يجعل هذه الرياضة في متناول الجميع.
كذلك، شدّد البعض على أنّ المشي على الأرصفة أو الكورنيش يشكّل فرصةً لاكتشاف تفاصيل المدينة والتواصل مع الناس، فيما رأى آخرون أنه يساعدهم على ترتيب أفكارهم والتخفيف من الضغط النفسي، بخلاف التمارين المكثّفة داخل النادي التي قد تُشعر البعض بالتعب أكثر من الراحة.
من جهةٍ أخرى، عرض هؤلاء التحديات التي تواجه هواة المشي، فأبدى البعض استياءه من اعوجاج الأرصفة ووجود أعمدة ومكبات للنفايات بشكلٍ مزعج، عدا عن السيارات المركونة بشكلٍ عشوائي، والمحال التجارية التي تغتصب المساحات العامّة، وكأنّ الرصيف الفسيح والمريح الممتد على طول الطريق بات من الكماليات في بعض المناطق. كما اشتكى آخرون من الشعور بقلة الأمان مع اختبار حوادث نشل وتحرّش لفظي أو جسدي، ما يجعل ممارسة الرياضة في الشارع أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
مع ذلك، تبقى بعض المناطق استثناءً بفضل أرصفتها المنظمة والنظيفة.
الأندية الرياضية، متعة ونمط عيش
في لقاءٍ مع مالك أحد الأندية الرياضية، أشار إلى عدّة أسباب تدفع هواة الرياضة لارتياد النوادي، من بينها التأثّر بظاهرة كمال الأجسام التي باتت موضة أو «Trend» لدى الذكور والإناث، يمارسونها سواء عبر الصفوف الرياضية المتنوعة، أو من خلال تمارين الأوزان ورفع الأثقال. وأضاف أنّ شريحة واسعة تبنّت نمط عيش مريح ومنتظم وباتت تجد في النادي متنفسًا بعد يوم عمل طويل، خصوصًا مع الخدمات المرافقة مثل الاستحمام.
كما لفت إلى أنّ النوادي الرياضية تتميّز بالتدريب المتقدم والنتائج السريعة، لا سيما في وجود أجهزة متطورة في مختلف المجالات، ومنها مثلًا جهاز Curved Treadmill المثالي لتحسين أسلوب الجري.
إلى ذلك، تشكّل الصالات الرياضية في ساعات الذروة من بعد الظهر، مساحةً للتفاعل الاجتماعي، حيث التعاون في التمارين وبخاصةٍ تلك التي تتطلب رفع أوزان ثقيلة، إلى الأحاديث المتبادلة بين الأفراد والتي تشمل مختلف المواضيع الاجتماعية والحياتية.
بين الصالة والرّصيف: أيهما الخيار الأمثل؟
في النهاية، يتضح أنّ النادي الرياضي أصبح بالنسبة إلى كثيرين علاجًا لمشكلات جسدية ونفسية، وملجأً آمنًا لممارسة الرياضة. في المقابل، تبقى الأرصفة النظيفة والطرقات المنظمة متنفسًا لا غنى عنه لمن لا يرتادون الصالات، فالهواء الطلق ورائحة المطر لا يمكن استبدالهما بآلة.











