إحتفال تكريمي

«أتى آذار فالأيام عيدٌ»
إعداد: ندين البلعة - ماري حصري

إحتفال في قاعة العماد نجيم تكريماً لأمهات الشهـــــداء وزوجاتهم

لا تبكِهِ...

 

هذه السنة خصّص الربيع قدراً وافراً من الحزن لأمهات لبنان، فحرمهنّ يوم عيدهن من بسمة أولادهن ومن كلمة «ينعاد عليكي يا ماما»، تاركاً للشهادة أن تواصل الرسالة من علوٍ الى قلب أمّ كل شهيد.

شاءت «حركة الأم» أن تجمع أمهات الشهداء وزوجاتهم (الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والصليب الأحمر اللبناني)، فأقامت حفل تكريم لهن، بتاريخ 20/3/2008 الساعة 11.00 في قاعة العماد نجيم في اليرزة.

حضر الحفل ممثل قائد الجيش العماد ميشال سليمان، العميد الركن محمد علي قعفراني؛ ممثل مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، العميد روبير جبور؛ ورئيس الصليب الأحمر اللبناني الشيخ سامي الدحداح، الى حشد من أمهات الشهداء وزوجاتهم وأولادهم.

 

هم الأحياء

بداية الاحتفال كانت مع عرض لصور شهداء الجيش في معركة الضنية وحرب تموز 2006 ونهر البارد 2007، على أنغام النشيد الوطني اللبناني.

تلته دقيقة صمت عن راحة أنفس الشهداء، كسرت سكونها تنهدات الأمهات ودموعهن.

الشاعر كامل شعيب حاول بشعره تهدئة النائحات، فشهداؤنا «هم الأحياء»:

«يصير الموت عندهُمُ حياةً

             شهيد إثره يمضي شهيدُ...

هُمُ الأبرار في جنات عدْنٍ

            لهم فيها الأرائكُ والمهود

ترى أسماءهم في كل سِفرٍ

            تحفُّ بها الزنابق والورودُ...».

داعياً كل أمّ:

«أزيلي الحزن عن عينيك حتى

            يرى أفراح عينيك الفقيدُ...»

 

كلمة قائد الجيش:

السنديانات البواسق

قائد الجيش العماد ميشال سليمان خاطب في كلمته التي ألقاها ممثله العميد الركن محمد قعفراني، المكرمات «السنديانات الباسقات الأصلاب، المنغرسة جذورها في الأعماق، الشامخة بهاماتها نحو الآفاق...» وهنا نص الكلمة:

«إنه لشرف كبير لي أن أقف اليوم بينكن ممثلاً قائد الجيش العماد ميشال سليمان، في هذا اللقاء العابق بأنفاس المواطنية الحقة، المفعم بروح المحبة والإخلاص، والذي أرادت منه حركة الأم مشكورة، توجيه تحية تقدير ووفاء لأمهات وزوجات شهداء الجيش وقوى الأمن الداخلي والصليب الأحمر، الذين سقطوا في مواجهة العدو الإسرائيلي والإرهاب، ذوداً عن سيادة الوطن واستقلاله، وحق شعبه المقدس في العيش بحرية وكرامة وأمان. ولعلّ ما يضفي على لقائنا اليوم المزيد من المعاني الجميلة السامية، هو أنه يأتي في أجواء عيد الأم وأعياد دينية سمحاء، تتعانق معاً مجسّدة مظهراً رائعاً من مظاهر وحدة الشعب وإرادة أبنائه الجامعة.

 

أيتها الأخوات الغاليات

الشهـادة في سبيـل الوطـن هي أعظـم وأنـبـل مـا يمكن أن يقدمه المرء على دروب العطـاء الإنساني، فأنّى لنا في حضرة شهدائنا الأبرار، أن نعدّد خصالهم الحميـدة وفضائلهم العطرة ومآثرهم البطولية، وهم النخبـة النخبـة من الرجال الأوفياء الشجعان، الذين برّوا بالعهد والقَسَم، فأقرنـوا الإيمـان بفعل الشهـادة الساطع كنور الشمس، دماً زكياً طاهراً، ينتفض منتصراً للحق جارفاً للباطل، ومع تضحياتهم الجسام هــذه، سطّـرت صفحـات خالـدة في تاريخ الوطن، وعلـت من أقصـاه الى أقصـاه رايـات العـزة والكرامة والعنفوان.

وكيف لنا في حضرتكن أيتها الأمهات والزوجات الأبيات الصبورات، أن نعبّر عما يختلج في الصدور والقلوب من مشاعر، وأنتن من الجيش ظل وجوه شهدائنا وينابيع التضحية التي لا تنضب أبداً، والكروم الخضراء المثقلة بعناقيد البطولة، وأنتن من الوطن تلك السنديانات الباسقات الأصلاب، المنغرسة جذورها في الأعماق الشامخة بهاماتها نحو الآفاق، فبصبركن على الآلام والجراح، قانعات مؤمنات بما كتبه القدر، وما اقتضاه واجب الدفاع عن الوطن، قد جعلتن من لبنان هيكل ألوهة خالداً على مرّ الزمن، وملحمة فداء عصية على التحول والنسيان.

 

أيها الحضور الكريم

إن دماء شهدائنـا الأبرار الذين سقطوا في مواجهة العدو الإسرائيلي والإرهاب وفي كل معارك السيادة والكرامة الوطنية، قد رسمت حداً فاصلاً بين لبنان الرسالة وبين لبنان التشرذم والتفكك والضياع، والساحة المستباحة لكل أطماع ومخططات المتربصين شراً به، فبفضل هذه الدماء تحقق الانتصار، وتجلت وحدة اللبنانيين بأبهى صورها، وحفظت الإنجازات الوطنية، وتحصنت مسيرة السلم الأهلي، وبات الجيش أكثر قوة ومناعة واستعداداً لمواجهة المخاطر والتحديات، وصدّ رياح الفتن والمؤامرات من أي جهة أتت.

باسم قائد الجيش العماد ميشال سليمان أتوجه بتحية شكر وتقدير الى حركة الأم، والى الحضور الكريم، والى كل من أسهم في إقامة هذا الاحتفال وإنجاحه.

عهدنا لكنّ أيتها الأمهات والزوجات في هذا اليوم الجلل، أن نبقى أوفياء للشهداء، أمناء على المبادئ والقيم التي مضوا في سبيلها، وأن نجعل ذكراهم ومآثرهم المشرقة حيّة في الضمائر والنفوس، وشعلة تستنير بها الأجيال على طريق الشرف والتضحية والوفاء.

ووعدنا لكنّ ايضاً أن تبقى المؤسسة العسكرية عائلتكم الكبرى وملاذكم الدائم في كل ما تصبون اليه، فلكنّ الفخر والإعتزاز والمجد والغار وأحداق العيون، ومعكن نكمل الدرب يداً بيد، نزرع بذور الأمل، ونحقق أحلام الشهداء في وطن آمن حر مزدهر».

 

كلمة أهالي الشهداء

كلمة أهالي الشهداء ألقتها شقيقة النقيب الشهيد روي أبو غزالة، ذاكرة مدرستين لبنانيتين عظيمتين: «الأولى هي مدرسة الأم التي تجسّد مشيئة الله في ديمومة الحياة، ورقيّ المجتمع، والثانية مدرسة الجيش التي تبلور إرادة الوطن في توقه الى الحق والعدل والأمن والاستقرار...»، مشيرة الى أن «هاتين المدرستين العظيمتين تتكاملان في ما بينهما بحيث تتمّم الواحدة منهما الأخرى في صياغة الحياة اللبنانية، ورسم المشهد الوطني المرتجى».

كما قارنت بين أمهات العالم وما يميّز أمهات لبنان: «فأمهات الأرض كلها يلدن الأطفال، بينما الأمهات في لبنان يلدن الأبطال... الذين يتبرعون بدمائهم ومهجهم وأرواحهم، ويرتضون لأنفسهم أعماراً قصيرة، من أجل أن يصبح عمر الوطن طويلاً...». وطالبت أخت الشهيد، باسم كل أهالي الشهداء، بما يريح الشهداء في عليائهم ويرضي ذويهم في حياتهم: «أن يترجم القيّمون على الوطن شهادته ودماءه نهجاً سياسياً حضارياً راقياً... معددة مواصفات الرئيس المرجو، رئيس يريح لبنان والشهداء، خاتمة بسؤال: «لماذا لا يكون الجيش ضمانة كل الوطن وكل المواطنين خصوصاً بعد أن صاغت له تجاربه وخبراته صدقية لا تدانى في المناقبية والإباء والنزاهة والتجرّد».

 

كلمة «حركة الأم»

السيدة أمال صليبا عبد الساتر، مؤسسة حركة الأم ورئيستها، وجّهت ألف تحية لأمهات الشهداء، الى كل أم صانعة القادة والرجال. «فإذا كان وراء كل عظيم امرأة، فإن وراء كل جيل وكل وطن متحضر وكل قضية شريفة، أمهات يتحمّلن مرارة الحاضر ليصغن حلاوة المستقبل وازدهار الأمة».

وتوجهت الى أمهات الشهداء وزوجاتهم، رافعة من معنوياتهم، مؤكدة «إن شهداءنا ليسوا أمواتاً... هم خالدون الى الأبد في عقولنا وفي ضمير الوطن». ثم عادت لتذكّر بضرورة «تحقيق الهدف وانتصار القضية التي لأجلها استشهدوا، قضية لبنان السيد الحر المستقل»، كي لا يذهب دم الشهداء الأبطال هدراً. وختمت موجهة التحية الى قادة المؤسسات الثلاث: الصليب الأحمر اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وتحية وشكر عميق الى قائد الجيش العماد ميشال سليمان بقيادته الحكيمة والشجاعة والنزيهة والمتجردة والإنسانية، هذا القائد الذي «يعمل بصمت يضجّ بالإنجازات الكبيرة» آملة أن تبلغ سفينة الوطن بقيادته شاطئ الأمان.

بعد إلقاء الكلمات، قدّمت رئيسة الحركة الدروع الى كل من ممثلي المؤسسات الثلاث كما قدّم قائد الجيش درعاً للسيدة أمال عبد الساتر، وتلا الحفل كوكتيل للحضور.

 

فسحة للدمعة

ماذا عساها تقول في يوم عيدها أم الشهيد؟

• والدة الملازم الأول الشهيد علي نصار اكتفت بالدمعة طالبة القوة والقدرة على تحمّل الألم.

• والدة الرقيب الشهيد شربل بو عكر، التي فقدت ابنها في تموز 2006، دعت أن تكون أنفسهم مرتاحة في السماء وأن تصبر كل أم على آلامها كما صبرت العذراء عندما صُلب ابنها ظلماً.

• والدة الرقيب الشهيد أمين بيار بو ضلع دعت بالصبر لكل أمهات الشهداء، وقالت «يحرق قلوب من حرقوا قلوبنا».

• زوجة المعاون الأول الشهيد زكي الرحباوي، تخنقها الغصّة وتعجز عن التعبير عن شعور قاس حرمها زوجها واضطرها الى أن تؤدي دور الأم والأب في الوقت عينه.

• والدة العريف الشهيد خالد السبسبي وزوجته تدعوان بملاقاة الأبناء في الجنة، معبّرتين عن ألم فقدان الإبن والزوج «الولد غالٍ على قلب أمه وهو الهدف من رسالتها على هذه الأرض...».

• والدة الرقيب الشهيد جرجس انطانيوس البيسري ضمّت صورة ابنها الى صدرها ومسحت دمعة في عينيها، وقالت: «الله يصبّر الأمهات، وانشالله ولا أم بتدوق اللوعة». ثم سألت الله أن يحمي الجيش وقائده العماد ميشال سليمان، وأن ينصره على أعداء لبنان.

• «الله يرحم جميع الشهداء»، بهذا الدعاء عبّرت والدة الرقيب الأول الشهيد نقولا نعمة عن حزنها وأساها في يوم عيد الأم، وتضرّعت الى الله أن يمدّ أمهات الشهداء بالقوة والصبر ليتحمّلن واقعهن المرير. واعتبرت أن المئة والسبعين شهيداً، الذين سقطوا في نهر البارد مع ابنها، هم بمنزلة أولادها ايضاً. كما دعت بطول العمر للعماد ميشال سليمان وبالنصر للجيش على المصاعب كلها.

• والدة العريف الشهيد محمد أحمد أيوب توجهت بدعاء نابع من القلب الى قائد الجيش «الله ينصر الجيش ويحمي العماد ميشال سليمان». واعتبرت أن هدية الأمهات في عيدهن هو أن يبقى لبنان وأن لا يذهب دم أولادهن الذي سال في نهر البارد هدراً. وطالبت بدولة يعيش فيها أولاد الشهداء بشراكة وحب ووفاق.

• والدة العريف الشهيد حسن قاسم اختصرت شعورها بعبارة: «الله يصبّر كل الأمهات»... وتضيف: «أرواح الشهداء عند الله فهم افتدوا الوطن والجيش».

• والدة العريف مهدي المذبوح طلبت من الله أن يمنح كل أم فقدت فلذة كبدها نعمة الصبر والإيمان والمحبة... وقالت: «كلنا فدا الجيش وعماده».

 

 

حركة الأم

ثورة لأجل كرامة الإنسان

تأسست «حركة الأم» بتاريخ 11 حزيران

1986.

تعمل هذه الحركة ضمن أهداف محددة أهمها:

- تحقيق السلام في لبنان.

- الصمود والتصدي للإنهيار النفسي والخلقي والحضاري الناتج عن الحرب.

- توعية المرأة والأم على دورها الوطني والعائلي.

- بناء إنسان حرّ ومجتمع متماسك ومتحضّر في وطن سيد حرّ مستقل.

لهذه الحركة تحركات في الداخل والخارج. على الصعيد الداخلي، تنظّم لقاءات ومحاضرات وندوات لتوعية المواطن على واجباته وحقوقه. بالاضافة الى الضغط على المسؤولين بغية إنهاء الحرب وتحقيق المطالب المحقة. كما وتتابع المشاكل المدرسية والتربوية بالتعاون مع اتحاد أولياء الطلبة في لبنان.

أما على الصعيد الخارجي، فقد كان للحركة نشاط إعلامي واسع في باريس ولقاءات مع كبار المسؤولين الفرنسيين وزيارات الى عدة وزارات (الخارجية، حقوق الإنسان...)، وتوعية الرأي العام الفرنسي والعالمي على معاناة الشعب اللبناني وطلب المساعدة المعنوية العملية لتحقيق السلام في لبنان.

ومن أبرز إنجازات الحركة، تقديم مساعدات مرضية ومساعدة الأم المعاقة، بالاضافة الى دعم بعض العائلات التي فقدت معيلها، وإيجاد العمل لبعض الذين زجّتهم الحرب في البطالة.

 

هُم الأحياءُ

 

لعينك وحدها يحلو النشيدُ

لتلك البزّة الرقطاءِ أشدو

لهاماتٍ مضتْ للموت طوعاً

يصير الموتُ عندهُمُ حياةً

فلا أُمٌّ تشقُّ عليه ثوباً

كفى الأبناءُ فخراً أنّ فيهمْ

فنحن الميّتون متى لُحدنا

هُمُ الأبرارُ في جنّات عَدْنٍ

ترى أسماءهُمْ في كل سِفْرٍ

«لعنجرَ» في حنايانا حنينٌ

لبسنا المالكيّة ثوب عزٍّ

سلوا النهرين عن فرسان قومٍ

فلولاهُمْ لما عشنا كراماً

فيا أُمّ الشهيد اليك منَّا

لصدرٍ دافئٍ ليدٍ وعينٍ

أما أوصيتهم كونوا فداءً

أما أرضعتهم لبناً طهوراً

أزيلي الحزن عن عينيكِ حتى

أزيحي ثوبك الداجي بعيداً

تدغدغ روحَه ضحكاتُ أُمٍّ

أتى آذارُ فالأيام عيدٌ

ويغرفُ من شمائلكَ القصيدُ

ليُكتب للأناشيدِ الخلودُ

إذا لبنانُ نادى يا جنودُ

شهيدٌ إثرَه يمضي شهيدُ

ولا امرأةٌ بدمعتها تجودُ

دماً يزهو بواهبهِ الوريدُ

وهم أحياءُ ما مرّت عهودُ

لهُمْ فيها الأرائكُ والمُهودُ

تحِفُّ بها الزّنابقُ والورودُ

و«للجزّارِ» سلسلةٌ وقيدُ

سلوا الثُّكناتِ إن عزَّ الشُّهودُ

لهم في المجدِ تاريخٌ تليدُ

ولا خفقت لموطننا بنودُ

قصيداً لا تُكبّلُه قيودُ

تطوّع للفدا منها أسودُ

وقرباناً إذا مُسّت حدودُ

وعزماً لا يلين ولا يميدُ؟

يرى أفراحَ عينيكِ الفقيدُ

فأينَ العيدُ والأثوابُ سُودُ

وضحكته التي رحلت تُعيدُ

وعيدُ الأم للشهداءِ عيدُ