وقفة وفاء

«أرض الأرز» تخلّد ذكراهم لكل شهيد أرزة
إعداد: ندين البلعة

هي تتوسّط علم لبنان الملوّن بدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن وطنهم، فهل ثمة أجمل منها لتخليد ذكراهم!؟
وكما وشّحت أرزة واحدة بياض العلم بخضاره، انتصبت بين أحضان جبال اللقلوق 172 أرزة، تجاور السماء، وتحمل الى الله أرواح الشهداء الذين سُمّيت على أسمائهم. كلّ نصبة أرز ظلّلت لوحة خشبية مطبوع عليها صورة شهيد مع ذكر اسمه وتاريخ ومكان ولادته وتاريخ استشهاده.


خالدون في أرزهم
شهداء ساحة الشرف في معركة نهر البارد، من الجيش والصليب الأحمر، خالدون في أرزهم.
جمعية «أرض الأرز» التي أقامت احتفالاً تكريمياً للشهداء، أطلقت على بقعة من الأرض قرب «قلعة المطران» إسم «غابة الشهداء».
رئيس الجمعية، السيد جوزف عون، تحدث عن المشروع وأهداف القيمين عليه: «بعد معركة نهر البارد وسقوط هذا العدد من الشهداء، ارتأينا تخليد ذكراهم، فكانت الأرزة الوسيلة الأنسب، هي التي تعمّر آلاف السنين وتشكل رمزاً وطنياً.
بحثنا عن مصدر الأرز، واستطعنا تأمين الغرسات من مشتل في دير الأحمر - البقاع. ومن أغصان الأرز، صنعنا اللوحات التي تحمل أسماء الشهداء وصورهم لتكون كل أرزة على إسم الشهيد الذي رواها بدمائه.
أمّا الأرض التي تقع على هضبة من جبال اللقلوق فقد قدّمها الدكتور وديع عقل (عضو في الجمعية) وشقيقه الدكتور عقل عقل، وهي من الأصل ملك للمطران عقل».
ثم تابع السيد عون متحدثاً عن كيفية سير العمل، فتطرق الى صعوبة حفر الأرض وتحضير الموقع الأنسب لاستقبال غرسات الأرز والعناية بها، وهنا وجّّه شكراً لقيادة الجيش التي ساهمت في تسهيل العمل بكل الوسائل المتاحة.

 

شامخة وإن كانت تحتضر
 «في الزرازير جبنٌ وهي طائرة، وفي البزاة (النسور) شموخ وهي تُحتَضر»... قول لجبران خليل جبران عَنْوَن الدعوات التي وُزّعت على أهالي الشهداء وعلى أفواج الجيش.
ويوم الأحد في 4 تشرين الثاني 2007 الساعة الخامسة بعد الظهر، كان الموعد، وعلى الرغم من برودة الطقس واحتمال هطول المطر، كان عدد الحضور كبيراً. حوالى 800 شخص من أهالي الشهداء وقادة الأفواج وعناصرها وعدد من الشخصيات.
حضر الاحتفال ممثل قائد الجيش العماد ميشال سليمان العقيد فارس الخوري، والنائب شامــل موزايا ممثلاً رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عــون، رئيس الصليب الأحمر اللبناني الشيخ سامي الدحداح، بالإضافة الى رؤساء بلديات ومخاتير، وحشد من الإعلاميين والمساهمين بإنجاح المشروع.
وأشار السيد عون الى أن الحضور لم يحتج الى دليل، فمن مفرق اللقلوق - تنورين زُرعت صور 172 شهيداً، كانت كفيلة بإرشاد القادمين وصولاً الى «قلعة المطران»، مكان الاحتفال».

 

وقائع الاحتفال
بعد النشيد الوطني، تحدث الإعلامي طوني حرب معتبراً أن غابة الأرز هذه «غابة الشهداء» ستكون مشهداً بليغاً في وجدان الوطن اللبناني، وتتعانق مع بقية الغابات بدءاً من غابة أرز الرب وصولاً الى غابة الباروك مروراً بغابتي تنورين وجاج».
ثم توجّه السيد جوزف عون الى الأرض والأرز الذي زُرع فيها قائلاً:
«اشبعي يا أرضي، فالخير كثير كثير، واشربي ما شئتِ، فالمخزون كبير كبير، وأنتَ يا أرز، تعالَ، فاخر، ابلغ السحاب قوياً ولا تخف، فجذورك لن تعطش ابداً. نزرعك اليوم في أرض لبنان فتياً، مطمئنين. كيف لا، والشهداء قد أخصبوا أرضك بما لا ينضب؟ هيا هيا ان الأجيال والأجيال أغصان تعانق الفضاء، تسخر من الريح، تراقص العواصف وتشهد على ملاحم خطها أولئك الشهداء الأبطال بأحرف من نار في معارك ستدرّس في معاهد العالم وستتناقلها الأجيال. أهداك الشهداء الخصوبة من دون منّة، فارتفع مطمئناً عزيزاً...».
وتابع: «أهدوك أجسادهم ودماءهم لتشهد لهم كل يوم، أمام السماء والفجر والشمس والقمر، أمام الزمان والسنوات والحياة والبشر، فاشهد لهم باخضرارك الأبدي، لأنك منهم، ومنهم وحدهم، تتغذى وتشرب. وهم، سيكونون لك أغصاناً، وأبداً تدفع عنك دائماً وأبداً أكف المتطفلين. البارحة، تساقطوا درراً أحاطت بجيد الوطن فزيّنته، واليوم نزرعك طمعاً في أن نشاركهم بعض الحياة. لأجلنا استشهدوا، فعش، لنتنشق من خلالك عبيرهم، ونتنفس بواسطتك هواءهم يا أرز لبنان».
ثم كانت قصيدة للشاعر نزار فرنسيس وعزف على البيانو للموسيقار ميشال فاضل وأغانٍ وطنية للفنانين: طوني حنا، نادر خوري، كارلا أبي رميا، جيلبير جلخ وسليم نبوت.
تخلل الاحتفال عرض لصور الشهداء على شاشة كبيرة رافقتها طلقات مدفعية بعد تلاوة كل إسم شهيد.
رئيــس جمعيــة «أرض الأرز» يشــيــر الى أن «كــل نصبــة خُصّصـت لها مساحة 50 م2 على الأقل لتشمخ وتكبر وتعيــش آلاف السنــين من دون أن يجــرؤ أحد على قطـــع أي غصن من أغصـانها، وســوف يزورها باستمــرار أهالي الشهــداء معتنيــن بها وكأنهــم يعتنــون بابنهم، وذلــك وفقــاً لخريطــة ســوف توزّع عليهم مستقبلياً وتوضح موقع كل أرزة مع إسم الشهيد الذي تحمله».
ويختم السيد عون متحدثاً عن رهبة المكان فيقول: «هنــاك ينتقل الإنســان من ضجـة الحيــاة الى خشــوع الشهادة وعظمتها... هنــاك، عــالم آخر لم يصــل اليه الانسان بزحمته ومشاريعه بعد... وسوف نعمل على تسييج الغابة وحمايتها من كل ما يمكن أن يتلفها!».


شجرة أرز باسم «شهداء الجيش» في حديقة وزارة الدفاع الوطني
قام وفد مؤلف من ثماني تلميذات من مدرسة القديسة حنة لراهبات المحبة - البزنسون في بيروت، بغرس شجرة أرز بإسم «شهداء الجيش» في حديقة وزارة الدفاع الوطني في اليرزة.

 

جمعية «أرض الأرز»
تأسست الجمعية في حزيران 2006. هي جمعية بيئية تُعنى بكل ما له علاقة بالبيئة. ولكن هدفها الأساسي إعادة تشجير مساحات واسعة بشجر الأرز (فهناك الكثير من المشاعات للدولة والأراضي غير الصالحة للبناء، كما يشير رئيس الجمعية السيد جوزف عون).
وبما أن شراء نصوب الأرز وزرعها مكلف جداً، تعمل الجمعية، كمشروع أولي، على استنبات الغرسات من خلال زرع البذور التي تحضرها من غابة بشري. وبالتعاون مع منظمات دولية غير حكومية، تسعى الجمعية الى إتمام مشروعها تبعاً للطرق الحديثة مع التأكد من متابعة الأشجار وحمايتها من كل ما يتلفها.